كان اسمه منقوشاً علي جدار الرحم منذ كان بين يدي الله يتخلق و يوم الاحد الموافق 26 أكتوبر 2008 نُقش اسمه علي جدار علي جدار القبر فـت"رحم" عليه الجميع الا من قتلوه بمنتهي البشاعة و الدنس .
وسط ضوضاء الأجساد و عولمة الأرواح و المجانين التي تهذي في أزقة الظلام .. وسط عهر تلك المدينة و كل المدن .. كانت هناك ابتسامة تضئ الكون .. انها ابتسامة " اسلام " و غيره من الأطفال الأنقياء .
أشرق اسلام صباح الأحد و كله ضياء و فرحة و اقبال علي الحياة حتي انه طلب من والدته أن تضع له في حقيبة المدرسة قطعة من عود القصب كي يأكله في الفسحة - فترة الاستراحة بين الحصص المدرسية ..
و مع الحادية عشر و نصف تقريبا تلقي والد اسلام السيد عمرو بدر مكالمة تليفونية من احدي معلمات مدرسة سعد عثمان الابتدائية بمنطقة الرأس السوداء المنتزه الاسكندرية - المدرسة التي يدرس بها ابنه - تخبره فيها بانه تم نقل اسلام الي مستشفي شرق المدينة .
هرول والد الطفل ليجد حشوداً من المعلمين و المعلمات أمام غرفة العناية المركزة حيث يرقد اسلام و سط اجهزة لا حصر لها !
تمر 3 ساعات و الأب يطوف حول الجميع من أساتذة المدرسة و أطباء المستشفي عسي ان يفهم ما الذي قذف بـ ابنه الي غرفة ما قبل الموت هذه !! لكن الجميع صم بكم عمي يحاولون ازهاق الحق و نشر الباطل الذي يرضي ضمائرهم العفنة .. و من أسفل الانقاض تخرج أشلاء انسان يرتدي قميص طويل كان قد أقسم يوما بـ أن يصون أجساد و أرواح البشر لهذا سمته مؤسسة التربية و التعليم " طبيب بشري لمعالجة بني آدم " !
بمنتهي العنجهية يقف ذلك الطبيب أمام المواطن البسيط والد اسلام ليسأله : هل كان ابنك يعاني من أي امراض بالقلب ؟ هل و هل و هل .. ؟! فأجاب الأب الصابر الحكيم : لا .. لم يكن يعاني من اي مرض . فقال له الطبيب : غريبة ! فهو الآن يعاني من هبوط حاد في الدورة الدموية و القلب و فشل في وظائف التنفس و المخ .
بدأ السيد عمرو بدر بالشك في الامر خاصة بعد ان تم منعه من مجرد القاء نظرة علي طفله .. فتوجه فورا الي قسم الشرطة لعمل محضر و التقي بالضابط حازم أمين الذي حرر له محضرا رقمه 110 ثم عاد الي المستشفي و اقتحم غرفة الانعاش مفتشاً في جسد ابنه ليكتشف العديد من الكدمات و اثار ضرب بالعصا علي ظهره و بطنه .. حاول الجميع دفعه خارج غرفة الانعاش من أجل سلامة ابنه !! و مع دقات الساعة السابعة مساء أخبروه انه قد فارق الحياة .
في نفس الليلة ذهب الأب برفقة رجال الشرطة الي بيت زميل اسلام بنفس الفصل المدرسي و اسمه اسلام ايضا . في البداية خافت أم الطفل أن تجلب شهادة ابنها المكشلات له او يتم رفده من قبل ادارة المدرسة - التي كانت تحاول التعتيم علي الحادثة - لكن الأم تداركت ان الاستمرار في الصمت و الخنوع سيعود بنفس المأساة علي كل أطفال مصر .
و بالفعل حكي الطفل أن مدرس مادرة الرياضيات و اسمه هيثم نبيل عبد الحميد 23 عاما .. قام بمعاقبة اسلام و اخرين غيره لعدم القيام بحل الواجب و حين جاء الدور علي ضرب اسلام بالعصا تفلتت الضربة فسقطت العصا علي الهواء بدلا من سقوطها علي يد اسلام .. و لتعويض هذا السقوط القدري فقد انهال المدرس الهمجي علي اسلام بركله عدة ركلات بجوار عضلة القلب الي ان سقط مغشيا عليه ! و تم تحويله الي المركز الطبي القريب علي المدرسة مع العاشرة صباحا .
هنا نهض الأب و اتجه فورا الي المركز الطبي و ما ان دخل في الاستقبال و تفوه بانه والد الطفل اسلام عمرو بدر فقال له الحضور : البقاء لله !
أي انه توفي في العاشرة صباحا رغم ذلك تم نقله حثة هامدة الي المستشفي الابهة و وضع أجهزة التنفس الصناعي و غيرها من مظاهر الخداع البصري ! لكنهم غفلوا عن البصيرة و عن البصير - سبحانه و تعالي ...
أساتذة لا يعرفون عن الآدمية حتي أسمها و أطباء مثلهم و أكثر !!
غُسل اسلام و تم تكفينه و دفنه و اقيمت جنازته دون ان يذهب ناظر المدرسة او حتي الفراش العامل بها .. و لا أي مسؤول من وزارة التربية و التعليم لتقديم اعتذار علي الأقل !! لكن نحن لن نقبل بالأقل و لا بأي قليل ..
حتما ستصل اصواتنا الي الاب الكبير و سيلبي طلب والد اسلام باقالة وزير التربية و التعليم كي يكون عبرة لكل من يعمل علي ارض مصر . فالمدرس الشاب هو فقط تلميذ صغير في شجرة فساد مكتملة الفروع و الجذور ..
للحظات جلست وحدي أتساءل: هل كان لأستاذ هيثم ان يفعل ما فعل ما اي طفل من أطفال أولاد الزوات و البشوات ؟! برب الكون أخبروني أين الآدمية في بلاد يداس علي فقراءها بالنعال ؟!! و متي ستطبق علي المعتدي أحكام الشريعة الاسلامية بدلا من تلك القوانين المستوردة ..
نريد قصاصا عادلا يطفئ نيران القهر في دواخلنا المحترقة و في خارجنا المكتسي بثوب الحداد علي اسلام و غيره من المظلومين .
أحببتك جدا يا اسلام مع أنني لم اعرفك الا بعد نشر الحادثة .. لكن أعرف انني يوما ما سأتزوج - ان شاء الله تعالي - و سيرزقني الله بطفل رائع مثلك .. فهل سأمنعه من الذهاب الي المدرسة مخافة ان تذهب روحه بشكل أبدي ! أم أحميه انا و والده بأن نهاجر الي اي وطن آدمي بلا عودة !!
و الله الذي سمك السماء أنا يا مصر أحبك حد الجنون و لا اريد الهجرة مستقبلا .. ففي طفولتي كان عندنا بالمدرسة أستاذ آدمي علمني معني الوطن فصرت أعشق الوطن مهما ذبحني و مهما بصق السم في شرايين حياتي و علمني أيضا ان مصر أم الدنيا و أم المصريين ..
فـهل تقبلين يا امي ان يقتل ابنك الكبير طفلك الصغير ؟؟! . أنا و جميع أبناءك الأحياء بانتظار اجابتك .. علها تصلنا قبل ان نموت او نقتل نحن أيضا .
***
بقلم / أسماء عايد
صحيفة المصريون
بتاريخ 4 - 11 - 20