وهم الحقيقة ؛؛
داهمتها من جديد حالة الهيام المعلومة .. ملأت الابتسامة محياها .. غزاها شعور غريب باقتراب المغامرة .. شعور التوجس.. فالتوتر .. فالإقبال على كل شيء ...
نظراتها خبيثة .. ملامحها جريئة .. ابتسامتها جانبية مريبة .. عضت شفتها من الشوق .. فانتقلت للغرفة الأخرى ..
من هنا جذبت كرسيها الوثير بروية .. وضعت فنجان القهوة الحلوة .. على الطاولة .. ثم ارتمت متهاوية .. حملت آلة الانتقال عبر الأمكنة .. والأزمنة .. كبست الزر .. ضاحكة ..
وفجأة ..
اختفت من الغرفة ..
بمكان آخر .. وعصر آخر .. ظهرت مرتدية حلة أخرى .. فستان طويل الهيبة .. مع قبعة كبيرة .. تغطي الزاوية ..
نزلت من عربة فخمة .. يجرها حصانان أبيضان .. قبل دخولها مسكنها الراقي .. خطفت زهرة الكامليا من الحديقة .. واستنشقتها بكل ما فيها ..
داك عشقها المميز ..
استقبلتها المدبرة بترحاب .. مع الإشارة أن هناك ضيف بانتظارها بالصالة .. ذهبت توا إليه .. فإذا به الأخ الأكبر لعشيقها .. عشقها الذي لأجله تخلت عن كل شيء .. عن القصور .. الأموال .. المجوهرات .. عن الشهرة ..
دون مقدمات سألها الابتعاد عن شقيقه .. فقد دمرت حياته .. ضيعت دراسته .. مستقبله .. أهله .. كل شيء تركه .. وغدى همه الأوحد الجري خلفها ..
كلام كثير جعلها تدرك كم هو المستوى مختلف للغاية بين البشر .. كم هي الحياة غير منصفة .. فبعد الحياة المريرة التي ذاقتها .. لم يمهلها الشقاء متسع من الوقت .. ليهب .. فيخمد بصيص الشعاع .. ويقتل حبات السعادة
ولأنها تحبه .. ذاك الحب المثالي الذي تنبع منه التضحية .. فقد قررت أن تحيك خطة تجعله هو يتخلى عنها .. تخفي حبها رغما عنها وتظهر الكره .. وحده الطافي .. وبالتالي تعود لحياتها المعتادة .. حياة العربدة .. والتوهان .. حياة الغادة .. التي تعشق الكامليا .. حتى ارتشفت منها عمرها القصير .. وما عمر الأزهار .. غير أيام ..
وهكذا .. بين دموع .. تضحية .. عذاب .. وألم .. انطفأت الأضواء الصاخبة على باريس المشتعلة .. بعد تواري أجمل غادة تحت تراب المرض .. فالموت ..
تأوهت من الألم بمعدتها .. أمسكت بطنها منحنية بكلتا يديها صائحة : " أهكذا يفعل إدمان الشراب والحياة السيئة .. "
" آآآآه كم هو مؤلم "
كما انتبهت لسيل الدموع الغزيرة على خديها .. وقلبها .. وبؤس كبير وشقاء مرير يملأ أعماقها العميقة ..
استلقت مستريحة بمقعدها الوثير .. بضع لحظات على أمل أن يزول تدريجيا مفعول الانتقال ..
وما إن زال كليا .. حتى تنفست الصعداء .. حملت فنجان قهوتها للمطبخ .. تم عادت حملت آلة الانتقال .... حملت الكتاب ..... وضعته برف من رفوف مكتبتها الضخمة ..
ولم تنس أن تخط عليه كما العادة بعبارة واضحة
" تمت القراءة .. تم الانتقال بنجاح"
؛