1 ـ سكون
صمت واطئ بدواخله.. وحالة مشابهة لحاله.. لاجديد مذ تلك الأيام التي لم يعشها إلا من ذكريات لم يكن جزءاً منها وحنين إلى أماكن لم تسبق له زيارتها وشوق إلى وجوه لم يرها من قبل.. همس بعيد ومتقطع لأصوات توشوش من وجهة غير مبينة.. لاشك أن الوقت ليل.. خمن ذلك لأن روائح أحلام غيره بدأت تداعب خياشيمه.. لاريب أن الزمن زمن خيبات.. حدس ذلك لأن للخيبة لون واحد..
تغيرت خرائط جسده فأغارت مناطق على أخرى.. انهارت حضارات أمام ناظريه وقامت أخرى.. غمر الماء اليابسة.. وتيبس ما كان مخضراً ممتلئاً بالحياة.. رأى ألوية تسقط في معارك اقتيد إليها في غفلة منه.. وفي غفلة منه دوماً.. قامت أخرى مدركة أنها ستسقط احتكاماً لدائرة الحياة التي أنجبتها لتميتها بعد حين..
في سكونه الأخير رأى شريطاً طويلاً لحياة قصيرة.. هل كان عليه في تلك اللحظة بالذات أن يفتح عينيه ليغلق عوالمه الأخرى؟ لو خيّر الآن لفتحهما درءاً لنور أصاب بصيرته بالعمى.. كل من عرفه يكاد يشهد له بالعناد المبالغ فيه.. لايعتبره عناداً إنما ذلك نتج عن قناعة لايذكر أين ومتى تسللت إلى نفسه تمضي به دوماً عكس التيار كنوع من جلد الذات دثره بفلسفة لاأس ولاأساس لها (بحسبي أنا الكائن الآخر المطلع على خبايا نفسه العليلة) أن الناس يجتمعون دوماً على خطأ عظيم لايراه إلا هو.. انتهى به الأمر ليندم على ترك جفنيه مطبقين إذ تسلل ضوء عطل أجهزة مناعته ودفعه ليمضي في اتجاه القطيع.. كان ذلك آخر عهده بالسكون..
(يتبع)