
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايهاب الشباطات
الأستاذ فكير
لم يقل أحد قط بأن التشبيه بإطلاقه و الناس يعلمون هذا من دون تفسير لأنه معروفٌ بالضرورة بأنه على سبيل المجاز ,
لو أراد النّاس تشبيها دون إطلاق يتعيّن عليهم استعمال وسائل تشبيه بما يناسب المطلوب فاللفظ ذو دلالة و الحرف كذلك و لا عذر بالنّيّة و لا عبرة بها طالما البدائل موجودة والعرب كانت تعلم هذا جيّدا خلافا لنا نحن حيث كانوا يريدون بالتّشبيه المطلق إطلاق جميع صفات الأسد عل المشبّه حيث كانوا لا يرون بأسا من التّسلّط و الإغارة و الهجوم و ربّما حذا حذوهم أخرون تقليدا بسبب اشتهار الأمر على خطئه فأنزلوه منزلة المسلّم به, و هي أسباب الرّجولة عندهم و ربّما كذلك الرّوم و اليونان. أمّا أهل الأسلام الأوّلون فكانوا لا يستعملون هاته الأسماء إلّا ما كان من الجاهليّة.
فعندما نقول فلان أسد , الناس لا يفهمون المعنى بإطلاقه بأنه يمشي على أربع و ليس إثنتين و أنه يزأر و لا يتكلم ....
طبعا هي صفات ذاتيّة جسديّة لا يمكن تصوّر انتقالها و بالتّالي فهي ليست محلّ نقاش فلا يمكن افتراض و تصوّر ما لا يمكن وقوعة و هذا ما يجعلها خارجة إطار التّشبيه و لو كان التّشبيه بليغا و لكن الأمر يختصّ بالصّفات الممكن انتقالها ابتداء كالهجوم و الإغارة و المخادعة من جانب و الإذعان و الدّفاع عن الأهل و غيرها من جانب آخر. فقولنا فلان أسد يعني يمكن أن نتصوّر أنّه صاحب إغارة و افتراس دون رحمة بمجرّد الجوع و هي منافية لقانون العدل والرّحمة بمقاييس البشر كما يمكن أن نتصوّر بأنّه صاحب قوّة و دفاع عن الأنثى و الأبناء و غيرها من الصّفات الحميدة وهذا خلافا للصّفات الجسدية التي لا يمكن تصوّر انتقالها إلّا بمسخ ربّاني, فلماذا تلزمني بتصوّر النّوع الثّاني دون الأوّل, نعم جرت العادة و لكنّها مبنيّة على أسس جاهليّة نشأت في بيئة العرب آنذاك و ربّما عند أقوام آخرين لا يدينون بدين الأسلام.
لم يقل أحد بهذا ! , إمرؤ القيس عندما شبه الفتاة الجميلة بالغزال و تابعه شعراء العرب في هذا هل كانوا يقصدون أن من يتغزلون بهم من النساء
يمشون على أربع و يأكلون العشب ! أم كانوا يعنون العيون الواسعة و الرشاقة ؟
طبعا هي بيئة جاهليّة رغم ما فيها من الصّفات الحميدة ورثت عن إبراهيم عليه السّلام, كانت تسودها العديد من الصّفات السّيّئة ما جعلها تنعت بهكذا نعت, و القول هنا مثل سابقه حيث يتعيّن تشبيه فقط الصّفات الممكن تصوّر انتقالها دون غيرها و الصّفات السيّئة ليست بمنأى عن الانتقال,
يقول امرؤ القيس: له أيطلا ظبي و ساقا نعامة= و إرخاء سرحان و تقريب تتفل,
فلنلاحظ كيف قام بالتّشبيه حيث حدّد الصّفات محلّ التّشبيه دون غيرها ولم يقل ظبيا و سرحان و غيرها و إلّا اختلط الأمر.
...., أم قولك : "أنظر معي ما قيل أسد بإطلاق اللّفظ بل أسد الله يعني تشريفه بإضافته لا بإطلاقه"
فهذا يعني أن "أسد الله" هي نفسها "كلب الله" هي نفسها "خنزير الله" طالما أن التشريف حاصل بالإضافة ؟! و "عبد الله" هي نفسها "عدو الله" طالما أن المعنى يفهم من معنى الإضافة ؟!
طبعا التّشريف لا يمكن أن يكون بصفة محلّ ازدراء و إهانة ابتداء كقولنا لصّ القاضي فهذا يعدّ إهانة للقاضي لا تشريفا للّصّ. فالصّفة الّتي يراد بها إلحاقها بمشرِّف يتعيّن أن لا تكون محلّ إهانة و لا يلزم فيها التّشريف لذاتها كقولنا سيف فهل السّيف محلّ تشريف أو محلّ إهانة, لا هذا و لا هذا, فإضافتها تحدّد صفتها كقولنا سيف الله المسلول و لو قلنا سيف فرعون أو الحجّاج لانتقصنا من قدر السّيف.
أمّا عدوّ الله فلا يراد بها التّشريف أساسا بل إقرار حقيقة, ينتج عنها إهانة المضاف بسبب عظمة المضاف إليه, كذلك كلب الله تصلح إذا أردنا إخبارا و إقرار حقيقة كقولنا هذا كلب الله لماذا تعذّبه, و شتّان بين الأمرين. كذلك أسد الله لما يحتمل معنى الأسد من صفات حميدة و لكن إطلاقها يؤدّي إلى بروز الصّفات السّيّئة, فقولنا أسد الإسلام غير قولنا أسد النّصرانية فهنا تطفوا الصّفات الحميدة و هنا تطفوا الصّفات السّيّئة بسبب المضاف إليه. عكس الصّفات المطلقة الجمال التي لا تحتمل إلاّ الإضافة الحسنة مثل الملَك. كذلك الصّفات المطلقة الشرّ التي لا تحتمل الإضافة الحسنة مثل الشّيطان إلاّ بنيّة إخبار كقولنا شيطان النّبيّ فهنا لا يُتخيّل إلّا الإخبار بوجود شيطان للنّبيّ الكريم و لا يصلح معها تشريف الشّيطان فهماً.
و بلا شك للأسود صفات سلبية مثلها مثل باقي الكائنات ..., لكن ما ذكرته عنها ليس دقيقاً حين قلت :"و هل تعلم أخي أنّ الأسود تقتل كل الأشبال التي تجدها في طريقها التي لم تولد من أصلابها!... ما هذا الإفساد؟ و أنّها تهاجم الأسود الضّعيفة من جرّاء الشّيخوخة عندما لا تجد فريسة" , الأسد المتغلب يقتل أشبال الأسد المهزوم في القطيع الذي سيطر عليه وليس أي شبلٍ يراه .... , و الله أعلم .
هي معلومة موثوق منها لا أستحضر المصدر بل تقتل الأشبال التي تجدها في طريقها حينما تجول الغابات و هذا ما أدّى باللّبؤات إلى تشكيل جماعات متفرّقة بغية حماية صغارهنّ و هو ما يجعل الأسود تعزف عن مهاجمتها و اتذكّر انّ عدد الأشبال التي تنجوا من الموت حوالي ربع فقط.
فهي يبقى الأسد رمزا للشّهامة و الرّجولة؟
مع التّركيز على اختيار أدوات التّشبيه المناسبة.
لو تمعّنّا في السّنّة نجد تشبيه البشر بالحيوانات يقترن بالصّفات المرجوّة تصريحا لا إضمارا:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ ،وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ ،وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ ،وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ "
و قال:
" مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَلَا يَتَحَاتُّ"، فَقَالَ الْقَوْمُ: هِيَ شَجَرَةُ كَذَا هِيَ شَجَرَةُ كَذَا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ فَاسْتَحْيَيْتُ ،فَقَالَ: " هِيَ النَّخْلَةُ "
هاهي التّشبيهات الصّحيحة.
