أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: فقه العروض والقافية

  1. #1
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي فقه العروض والقافية

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله، وزوجاته، وصحبه، أجمعين.
    أما بعد:
    هذه جملة مقالاتٍ كنتُ قد كتبتها على صفحاتي الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي ، وأحببت أن أشارككم بها، وفيها بعضاً من تأملاتي واجتهاداتي في علمي العروض والقافية، ، فما كان فيها من الحق والصواب، فهو من توفيق الله وحده، وما كان فيها من خطإٍ فالمرء خطَّأ، ولا أستنكف عن قبول الرأي الصائب والمشورة الصادقة الصحيحة.
    والله ولي التوفيق
    محبكم/ عبده بن فايز الزبيدي
    في روحك الطائيُّ يهمس والها = واهٍ وريثي في ندى الكلماتِ (أهداه لي : عبدالله العبدلي)

  2. #2
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    مواضع الزيادة والنقص في العروض
    [مسألة الكسائي]
    من قوانين العروض أن الزيادة في الشطر الشعري على قسمين، هما:

    زيادةٌ لا يعتدُّ بها، ولا تدخل في الميزان العروضيّ، ويقال لها الخَزْمُ، وهي التي تقع في أول الوزن، من صدر وعجُز البيت.
    وزيادةٌ يعتدُّ بها، وتدخل في الميزان العروضيّ، وهي التي تقع في آخر وزن البيت، أي في العروض والضرب، وهي على ثلاثة أقسام: التذييل، والتسبيغ، والترفيل.
    ولكن لا يزاد في وزن البحر العربي، جزءاً كاملاً ، لا في أول البيت الشعري، ولا في آخره، وإنْ جاء بهذا أحدهم فلا يلتفت إليه؛ وإنما هذا من فعل العجم والعامة، فمثلا الوزن التالي من الكامل_السداسي_، وهو:
    متفاعلن متفاعلن متفاعلن = متفاعلن متفاعلن متفاعلن
    وزن عربيّ صريح العروبة؛ لأنه يوافق عدد الأجزاء على دائرة الخليل الفراهيديّ.
    أمَّا هذا الوزن الثماني من الكامل، فليس بعربي:
    متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن = متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن
    بل تجده في عروض الفُرس، ومن جاورهم من الأمم.

    ومواضع النقص من الأجزاء كثيرة، تقع بجميع أنواع الزِّحافات، وتكون أيضا ببعض أنواع العلة مثل: الكشف والوقف، والقطع والقصر، والحذم، والبتك، والبتل، والقطم، ............... إلخ.

    ويقع النقص بحذف جزءٍ كامل، أو أكثر َ، من آخر الشطر، فمثلا البحر الرجز، وزنه:
    مستفعلن مستفعلن مستفعلن = مستفعلن مستفعلن مستفعلن
    فإذا أسقطنا جزءاً من شطريه، كان من المجزوء، هكذا:
    مستفعلن مستفعلن = مستفعلن مستفعلن
    وإذا أبقينا تفعيلة واحدة في كل شطر، فهو منهوك:
    مستفعلن = مستفعلن
    وإذا أبقينا تفعيلة واحدة في السطر، فهو موحَّد:
    مستفعلن
    وبعض أهل العروض يراه من السجع، لا من الشعر.

    لكن لا يقع حذفُ الأجزاء _التفاعيل_ في أول الشطر الشعري مطلقا، لا في صدر البيت ولا في عجُزه.

    والعجيب أن الزمخشري نقل في " القسطاس " كلاما للإمام الكسائي، مخالفا قوانين العروض دون أن يعلِّق عليه، إذا قال عند معرض حديثه عن البحر المديد: (محذوف العروض مخبونها، أبتر الضرب:
    ربَّ نارٍ بِتُّ أرمُقُها ... تَقضَمُ الهِندِيَّ، والغارا
    وعن الكسائي أن هذين البيتين من البسيط، بإلقاء مستفعلن من صدره) [ص: 76].
    وقول الكسائي: (.. البيتين من البسيط، بإلقاء مستفعلن من صدره)
    أي أن البيت من البحر البسيط، ولكنهم أسقطوا (مستفعلن) الأولى من وزنه، في كلا شطري البيت، فأصله في اعتقاده كان:
    مستفعلن فاعلن مستفعلن فعِلن = مستفعلن فاعلن مستفعلن فعْلنْ
    وهو البسيط التام، مخبون العروض، مقطوع الضرب.
    وكلامه يكون صحيحاً لو كانت قوانين العروض_التي فهمناها من دراسة الدوائر الخليلية_ تقبل بحذف الجزء من أول الوزن، ولكن هذه هفوة من عالم، وكبوة من فرس أصيل، والعجب من الزمخشري كيف سكت عنها.
    فلو أضفنا _ كما افترض الكسائي_ زنة (مستفعلن) في أول الشطرين، هكذا:
    (مستفعلن) ربَّ نارٍ بِتُّ أرمُقُها = (مستفعلن) تَقضَمُ الهِندِيَّ، والغارا *
    ستصبح من صريح البحر البسيط، ولكن الحق أن البيت من المديد.
    وحقيقة وزنه هي:
    عروض مجزوءة خزعاء ** (محذوفة مخبونة)، وضربها أبْتَرُ (محذوفٌ مقطوعٌ)، مثال:
    ربَّ نارٍ بِتُّ أرمُقها = تقضم الهنديَّ والغَارَا
    ربْبَ نارن/ بتْتُ أرْ/ مقها = تقضمُ لهنـْ/ ديْيَـ ولْــ/ غَارَا
    (/ه//ه/ه) (/ه//ه) (///ه) = (/ه//ه/ه) (/ه//ه) (/ه/ه)
    فَاعِلاتُن/ فَاعِلُن/ فَعِلُنْ = فَاعِلاتُن فَاعِلُن فَعْلُنْ
    سليم/ سليم/ خزعاءُ = سليم/ سليم/ أبتر

    وأورد السكاكي في (مفتاح العلوم) مسألة الكسائيّ هذه: (...،
    وعن الكسائي حمل هذين الضربين الخامس والسادس على البسيط، بإلقاء مستفعلن من الصدر، وتقطيع أحدهما بفاعلن مستفعلن فعِلن، والآخر بفاعلن مستفعلن فعْلن) ***
    ثم علَّقَ على كلام الكسائي بقوله: (لكن الافتتاح بترك الأصل، لا لضرورة موجبة، كالخرم أو الخزم، غير مناسب فليتأمل فيه).

    قلتُ:
    وفي كلام السكاكيّ نظر؛ لأن الخزم والخرم، لا يؤديان لترك الأصل أبداً. فأنت في الخَزْم تزيد على الأصل، وفي الخَرْم تأخذ حرفاً أو حرفين من الأصل، مع بقاء عدد الأجزاء كاملة، وإنْ زيدَ فيها ونُقِص.

    فهذه مسألة ينبغي لمن يشتغل بهذا العلم، حفظها وفهمها، وهي أنه لا يسقط جزء _تفعيلة_ من أول الوزن مطلقا، ويقبل فيه _أي في الجزء_ الخزم والخرم وسائر صنوف المزاحفة.

    .................
    * وضعتُ (مستفعلن)، ولم أكتب من عندي كلمةً زنتَها؛ حتى لا يقع مثل هذا في يدِ من لا علم له بالعروض؛ فيبني عليه كلاما لا يصحّ.
    ** الخزعاء، والمخزوعة، والأخزع والمخزوع، والخَزع هو اجتماع الحذف والخبن في (فاعلاتن)، من تسمياتي التي ضمنتها (ما لم يسمه الخليل).
    *** بيت الضرب الخامس الذي أورده السكاكي، هو:
    للفتى عقْلٌ يعيشُ بهِ = حيثُ تهدي ساقه قدمهْ
    وبيت الضرب السادس كذلك، هو:
    ربّ نارٍ بِتُّ أرمقُها = تقْضمُ الهِنْديّ والغَارا

  3. #3
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    مسائيل ميخائيل خليل الله ويردي
    مسألة: الدائرة الأولى والبحر السريع.

    خالف
    ميخائيل ويردي، أهلَ العروض في مسائل أهمها، مسألة الدوائر، و آلية فكّ البحور.
    فقد أوصَلَ الدوائر العروضية إلى تسع عشرة دائرة، بينما هي في عروض الخليل خمس دوائر فقط. ومن عجائبه أنه جعل بعض الأبحر دائرة منفصلة، مثل: الكامل، والوافر، والمقتضب.
    *
    بل جعلَ لصورِ بعض أوزان البحورٍ، دائرةً مستقلة، مثل قوله:
    بالعلامات الشعرية: [//ه/ه/ه//ه/ه]
    النقرات الإيقاعية: [1 2 2 2 1 2 2 2]

    وقال ويردي أنه يساوي: فعولن فاعلاتن.
    والحقيقة أن هذا الوزن يساوي ليس إلَّا: [مفاعيلن فعولن]. وهو من الهزج، ويكون في الوافر معصوبا، أقصد الهيئة، ويفرق بينهما بظهور (مفاعلَتن) محركة اللام، ولو لمرة واحدة في القصيدة.
    وسبب وقوع هذا المجتهد في مثل هذا وفي غيره، أنه جعل الإيقاع، مثل النقر بالدف ونحوه، هو الأصل في التعريف بالوزن، أي اتخذ مقاطعا فيها بعض الاختلاف الطفيف، لما عليه مقاطع الخليل، وقد سبق أن ذكرتُ أنه جعل مقاطع العروض عنده هكذا:
    نقرة = 1 [
    فليس في العروض الخليليَة هذا المقطع أصالةً]
    سبب خفيف = 2
    سبب ثقيل= 1 1
    وتد مقرون(مجموع) = 1 2
    وتد مفروق = 2 1
    وتد مبسوط = 3
    [ فليس في العروض الخليليَة هذا المقطع أصالةً]
    فاصلة صغرى = 1 1 2
    فاصلة كبرى = 1 1 1 2

    فجعل الحرف المتحرك مقطعاً قائماً بذاته، وجعله يساوي (1) في المدى الزمني الإيقاعي النقري. ويمكن لك على الدائرة أن تبدأ به حين تفكّ عليها بحرا جديدا من بحور الدائرة، وهذا خطأ ولا شك. والمقرر في فقه العروض أنك تبدأ بسبب أو بوتد، عند فكك للأبحر بعضها من بعض من على الدائرة.
    لأنك إن كررت المتحرك وحده ألفَ مرةٍ، فلن يكون منه شعرا، ولا يبدأ بساكن مطلقاً.

    قد يعترض معترض فيقول: فهل يقع من تكرار الوتد بحراً، أو من تكرار السبب أو الفواصل، كُلَّا على حده؟
    قلنا له: لا، لأن من فقه العروض أن البحور تتألف من أجزاء _تفاعيل_ سببية وتدية، فلا يقع _أصالةً_ في عروض العربية تفعيلة سببية محضة، ولا وتدية صِرفة، كذلك. وما قد يخالف فهو جُزءٌ بعد مزاحفته.

    نعود للدائرة الأولى ولبحر السريع_عند ويردي_، فأقول:
    بحر السريع عند الخليل يقع في الدائرة الرابعة، دائرة المشتبه، مع المنسرح والخفيف، والمضارع، والمقتضب، والمجتث.
    والدائرة الأولى عند الخليل يقع فيها من المستعملات: الطويل، والمديد، والبسيط.
    ولكن ميخائيل ويردي خالف هذا الإجماع، وجعل السريع في دائرة المختلف، مع الطويل والمديد والبسيط، فقد قال في (بدائع العروض)، في معرض حديثه عن الدائرة الأولى _كما افترضها_: (الدائرة الأولى: تتألف هذه الدائرة (1) من 24 حرفا (14 م + 10 س)، أو من 14 نقرة (4 مفردة، و10 مزدوجة)، هكذا:
    بالعلامات الشعرية: [//ه/ه //ه/ه/ه //ه/ه //ه/ه/ه]
    وبالنقرات الإيقاعية: [ 1 2 2 1 2 2 2 1 2 2 1 2 2 2 ] ). [ص: 22].

    قلتُ:
    م = متحرك، س: ساكن. وهي من رموزه في (بدائع الزهور).

    ثم قال: (زعم المتقدمون أن شطر السريع هو: ( مستفعلن مستفعلن مفعولات)، ولكنه لا يستعمل على حاله ، بل يستعاض عن مفعولات بـ (فاعِلن)، فبأيّ تكلف وتعمل يمكن ان يحصل هذا ؟
    لذلك نفضل ان يستخرج البحر السريع، من الدائرة الأولى بالابتداء من نقرة (د) فنحصل على التفاعيل الآتية : [مستفعلن مستفعلن فاعلن فعْلانُ]، ثم نقول إن البحر السريع لا يستعمل تاماً بل مجزوءاً ، فيبقى وزنه: [مستفعلن مستفعلن فاعلن] مرتين ، وفي هذا القول من الوضوح والسهولة ما لا يخفي على المتأمل ، ولم يتكلم المتقدمون قط عن مشطور السريع ، لأنه في نظرهم كسائر البحور الثلاثية التفاعيل ، لا يمكن ان ينقسم شطره إلى جزئين متماثلين ، ولو كان ينقسم إلى جزئين مختلفين كما سيجيء ، فاذا اعتبرنا بدنية ** السريع: (مستفعلن مستفعلن ) واعتبرنا (فاعلن) عروضا أو ضربا، ....). [ص: 28].

    فالمغالطات التي وقع فيها ميشائيل ويردي، هي:
    (1). افترض أن السريع من دائرة المختلف، بينما هو من المشتبه، ولم يقدم دليلا حقيقا على هذا الاختيار، ثم عرفتُ أن هدفَه هو أن يجعله ثمانيَّا، بدلا من كونه في الأصل عند الخليل سداسيَّا، ؛ كي يخترع له صورا من المشطور؛ لأنه قال صراحة: (اذا بدأنا من نقرة (د) في الدائرة الأولى حصلنا على [ مستفعلن مستفعلن فاعلن فعْلانُ] ) والآن نقول : لا بأس من قسمة هذا الوزن الى شطرين مختلفين ، يتألف كل منهما من تفعيلتين).
    وهو يسمي المنصوف المشطور، فله تسميته ولي تسميتي، فشطر الشيء نصفه، ولا مشاحة في الاصطلاح.

    (2). أنه لم يبدأ عند فكِّ البحر السريع بوتد ولا بسبب، وليس (/ه) في النقطة (د) بسببٍ ولا بوتد، بل هو (عو) من (فعولن). وأوقعه ف هذا الخطأ أنه كان يعتبر الحرف المتحرك الي يساوي تقرة منفردة مقطعاً من المقاطع.

    (3). افترض وزنا ثمانيا: مستفعلن مستفعلن فاعلن فعلانُ.
    ولكنه راح يخالف قوانين الدائرة الخليلية، فلا يجتمع في وزن البحور ثلاث تفعيلات مختلفة، مثل قوله هنا: مستفعلن، فاعلن، فعلان. فالبحور إما صافية أي تتألف من نفعيلة واحدة خماسية كالمتقارب (فعولن) والمتدارك (فاعلن)، أو من سباعية مثل الوافر (مفاعلتن)، والكامل (متفاعلن). أو بحور مزدوجة ممزوجة من تفعيلتين مختلفتين: خماسية سباعية، كالطويل (فعولن مفاعيلن)، أو العكس كالبسيط (مستفعلن فاعلن)، أو من سباعيتين مثل السريع (مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ).

    (4). كما أن ترتيب الأبحر الثمانية العربية، تتألف من سباعيات وخماسيات، ويكون الترتيب بالتناوب بينهم، فالطويل يتألف من (فعولن) الخماسية، ومن (مفاعيلن) السباعية، ويكون الوزن تناوبياً، هكذا:
    فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن = فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
    وكذلك البسيط:
    مستفعلن فاعلن مشتفعلن فاعلن = مستفعلن فاعلن مشتفعلن فاعلن
    والمديد أيضا:
    فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن = فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن
    وهو يخالف هذه القاعدة تماماً، بقوله في وزن السريع: [مستفعلن مستفعن فاعلان فعْلانُ].

    و كان قد اعترض على (مفعولاتُ)؛ لكونها لا تستخدم، ولهذا افترض ذلك الوزن الجديد، ولكنه ناقض نفسه بنفسه، فقال إن (فعْلانُ) لا تستخدم في التامِّ، واستقرَّ على الوزن المستعمل: [ مستفعلن مستفعلن فاعلن] وهي الصورة المشهورة في عروض الخليل بعد مزاحفتها، وهو كمن قيل فيه: (أفسد آخرُك أوّلك)، وكمن قيل عنه: (وفسَّر الماءَ بعد الجُهد بالماء).

    أما قوله: (ولو كان ينقسم إلى جزئين مختلفين كما سيجيء ، فاذا اعتبرنا بدنية* السريع: (مستفعلن مستفعلن ) واعتبرنا (فاعِلن) عروضا أو ضربا ، أمكننا أن نقرر لهذا البحر الأعاريض والضروب الآتية : ويُقبل فيه من الجوازات ، مفاعلن ومفتعلن ، مكان مستفعلن)). [ص: 28].

    فهو كلام مضطرب، لكنه جاء وبيَّنه بعد ذلك بقوله:
    (وقد رأيت في البحر السريع ، أننا اذا بدأنا من نقرة (د) في الدائرة الأولى حصلنا على (مستفعلن مستفعلن فاعلن فعْلانُ ) والآن نقول : لا بأس من قسمة هذا الوزن الى شطرين مختلفين ، يتألف كل منهما من تفعيلتين ، مثاله : أحيا بأعمالي كما = يفعل الابطال). [ص: 30].

    قلتُ: كل هذه المغالطات التي ارتكبها ويردي، من أجل أن يأتي للسريع بالمشطور، وهو الذي أسميه بالمنصوف وهو يقع في الأوزان الثمانية لا السداسية.
    فانظر كيف وزن مثاله الأول:
    أحيا بأعمالي كما = يفعل الابطالُ
    مستفعلن مستفعلن = فاعلن فعْلانُ
    هل يُقبل مثل هذا العبث؟، كلَّا ! فالصدر مشرقي، والعجز مغربي، فالصدر من الرجز، والعجز من المتدارك.



    ويردي.jpg
    ..............
    * لايُحتجُّ بفعل الخليل حين جعل الدائرة الخامسة بها بحرا واحداً وهو المتقارب؛ لعدة أسباب: أولها: قيل أنه عرف المتدارك أخا المتقارب، ثم أهمله لقلة شواهده، وقيل بل أن (فعْلن) المقطوعة تظهر في حشوه، والقطع من العلل التي تقع في الأعاريض والأضرب. وثانيها: إن فكرة الدوائر التي وضعها الخليل تستوجب اشتقاق البحور المختلفة من بعضها، فجعله المتقارب في دائرة يحوي من طرف بعيد أنه عرف المتدارك الذي يشتق من المتقارب، ولكنه أهمله. وقد قال بهذا أبو الحسن العروضي في الجامع.
    ** بدنية: أي حشو البيت، وهي من مصطلحات ويردي في بدائع العروض.

  4. #4
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي


    مسألة ميخائيل ويردي
    الدائرةالأولى
    السريع

    خالف ميخائيل ويردي أهل العروض في مسائل أهمها، مسألة الدوائر، و آلية فكّ البحور.
    فقد أوصل الدوائر العروضة إلى تسع عشرة دائرة، بينما هي في عروض الخليل خمس دوائر فقط. ومن عجائبه أنه جعل بعض الأبحر دائرة منفصلة، مثل: الكامل، والوافر، والمقتضب.
    *
    بل جعلَ لصورِ بعض أوزان البحورٍ، دائرةً مستقلة، مثل قوله في (بدائع العروض):
    بالعلامات الشعرية: [//ه/ه/ه//ه/ه]
    النقرات الإيقاعية: [1 2 2 2 1 2 2 2]

    وقال هو يساوي: فعولن فاعلاتن.
    والحقيقة أن هذا الوزن يساوي:
    مفاعيلن فعولن. وهو من الهزج، ويكون في الوافر ، أقصد الهيئة، ويفرق بينهما بظهور (مفاعلَتن) ولو لمرة واحدة في القصيدة.
    وسبب وقوع هذا المجتهد أنه جعل الإيقاع أي النقر _بمثل الدف_ هو الأصل، وقد سبق أن ذكرتُ أنه جعل مقاطع العروض _عنده_ هكذا:
    نقرة = 1
    [وليس في عروض الخليل مثل هذا أصالةَ]
    سبب خفيف = 2
    سبب ثقيل= 1 1
    وتد مقرون(مجموع) = 1 2
    وتد مفروق = 2 1
    وتد مبسوط = 3
    [وليس في عروض الخليل مثل هذا أصالةَ]
    فاصلة صغرى = 1 1 2
    فاصلة كبرى = 1 1 1 2
    فجعل الحرف المتحرك مقطعاً قائماً بذاته، وجعله يساوي (1) في المدى الزمني الإيقاعي النقري. ويمكن لك على الدائرة أن تبدأ به حين تفكّ عليها بحرا جديدا من بحور الدائرة، وهذا خطأ ولا شك. والمقرر في فقه العروض أنك تبدأ بسبب أو بوتد عند افتكاك العروض من بعضها.
    لأنك إن كررت المتحرك وحده ألفَ مرةٍ، فلن يكون منه شعرا، ولا يبدأ بساكن مطلقاً.

    قد يعترض معترض فيقول: فهل يقع من تكرار الوتد بحراً، أو من تكرار السبب أو الفواصل، كُلَّا على حده؟
    قلنا له: لا؛ لأن من فقه العروض أن البحور تتألف من أجزاء _تفاعيل_ سببية وتدية، فلا يقع _أصالة_ في عروض العربية تفعيلة سببية محضة ولا وتدية صِرفة، كذلك. وما قد يخالف فهو جزء بعد مزاحفته.
    نعود للدائرة الأولى ولبحر السريع، فأقول:
    بحر السريع عند الخليل يقع في الدائرة الرابعة، دائرة المشتبه، مع المنسرح والخفيف، والمضارع، والمقتضب، والمجتث.
    والدائرة الأولى عند الخليل يقع فيها: الطويل والمديد، والبسيط.
    ولكن ميخائيل ويردي خالف هذا الإجماع، وجعل السريع في دائرة المختلف، مع الطويل والمديد والبسيط، فقد قال في بدائع العروض، في معرض حديثه عن الدائرة الأولى _كما افترضها_: (الدائرة الأولى: تتألف هذه الدائرة (1) من 24 حرفا (14 م + 10 س)، أو من 14 نقرة (4 مفردة، و10 مزدوجة)، هكذا:

    بالعلامات الشعرية: [//ه/ه //ه/ه/ه //ه/ه //ه/ه/ه]
    وبالنقرات الإيقاعية: [ 1 2 2 1 2 2 2 1 2 2 1 2 2 2 ]
    ثم قال: (زعم المتقدمون ان شطر السريع هو: ( مستفعلن مستفعلن مفعولات)، ولكنه لا يستعمل على حاله ، بل يستعاض عن مفعولات بـ (فاعلن)، فبأي تكلف وتعمل يمكن ان يحصل هذا ؟
    لذلك نفضل ان يستخرج البحر السريع، من الدائرة الأولى بالابتداء من نقرة (د) فنحصل على التفاعيل الآتية : [مستفعلن مستفعلن فاعلن فعْلانُ]، ثم نقول إن البحر السريع لا يستعمل تاماً بل مجزوءاً ، فيبقى وزنه: [مستفعلن مستفعلن فاعلن] مرتين ، وفي هذا القول من الوضوح والسهولة ما لا يخفي على المتأمل ، ولم يتكلم المتقدمون قط عن مشطور السريع ، لأنه في نظرهم كسائر البحور الثلاثية التفاعيل ، لا يمكن ان ينقسم شطره الى جزئين متماثلين ، ولو كان ينقسم إلى جزئين مختلفين كما سيجيء ، فاذا اعتبرنا بدنية
    ** السريع: (مستفعلن مستفعلن ) واعتبرنا (فاعلن) عروضا او ضربا ، امكننا ان نقرر لهذا البحر الاعاريض والضروب الآتية : ويُقبل فيه من الجوازات ، مفاعلن ومفتعلن ، مكان مستفعلن). [ص: 28].

    فالمغالطات التي وقع فيها ميشائيل ويردي، هي:
    (1). افترض أن السريع من دائرة المختلف، بينما هو من المشتبه، ولم يقدم دليلا حقيقا على هذا الذي فعله، ثم عرفتُ أن هدفه هو أن يجعله ثمانيَّا، كي يخترع له صورا من المشطور. لأنه قال صراحة: (اذا بدأنا من نقرة (د) في الدائرة الأولى حصلنا على : ( مستفعلن مستفعلن فاعلن فعلان )، والآن نقول : لا بأس من قسمة هذا الوزن الى شطرين مختلفين ، يتألف كل منهما من تفعيلتين).

    (2). أنه لم يبدأ عند فك البحر السريع بوتد ولا بسبب، وليس (/ه) في النقطة (د) بسببٍ ولا بوتد، بل هو (عو) من (فعولن). وسبب هذا الخطأ أنه جعل الحرف المتحرك مقطعا قائما بذاته.

    (3). افترض وزنا ثمانيا: مستفعلن مستفعلن فاعلن فعلانُ.
    ولكنه راح يخالف قوانين الدائرة الخليلية، فلا يجتمع في وزن البحور ثلاث تفعيلات مختلفة، مثل قوله هنا: مستفعلن، فاعلن، فعلان. فالبحور إما صافية، يتألف جرسها من تكرار تفعيلة واحدة، وإما مزدوجة تتألف من تفعيلتين مختلفتين، وليس في بحور العربية بحر يتكون من ثلاثة تفاعيل مختلفة.

    (4). كما أن الأبحر الثمانية العربية الممزوجة، تتألف من سباعيات وخماسيات، ويكون الترتيب بالتناوب بينهم، فالطويل يتألف من (فعولن) الخماسية، ومن (مفاعيلن) السباعية، ويكون الوزن تناوبياً، هكذا:
    فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن = فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
    وكذلك البسيط:
    مستفعلن فاعلن
    مستفعلن فاعلن = مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن
    والمديد أيضا:
    فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن = فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن

    و كان قد اعترض على (مفعولاتُ)؛ لكونها لا تستخدم، ولهذا افترض ذلك الوزن الجديد، ولكنه ناقض نفسه بنفسه، فقال إن (فعلانُ) لا تستخدم في التام، واستقرَّ على [ مستفعلن مستفعلن فاعلن] وهي الصورة المشهورة في عروض الخليل بعد مزاحفتها، وهو كمن قيل فيه: (أفسد آخرُك أوّلك)، وكمن قيل عنه: (وفسَّر الماءَ بعد الجُهد بالماء).
    أما قوله:
    (ولو كان ينقسم إلى جزئين مختلفين كما سيجيء ، فاذا اعتبرنا بدنية* السريع: (مستفعلن مستفعلن ) واعتبرنا (فاعلن) عروضا أو ضربا ، أمكننا ان نقرر لهذا البحر الاعاريض والضروب الآتية ... )). [ص: 30]

    فهو كلام مضطرب، لكنه جاء وبيَّنه بعد ذلك بقوله:
    (وقد رأيت في البحر السريع ، اننا اذا بدأنا من نقرة (د) في الدائرة الأولى حصلنا على ) مستفعلن مستفعلن فاعلن فعلان ) والآن نقول : لا بأس من قسمة هذا الوزن الى شطرين مختلفين ، يتألف كل منهما من تفعيلتين ، مثاله : .

    أحيا بأعمالي كما = يفعل الأبطالُ). [ص: 30].

    قلتُ:
    كل هذه المغالطات التي ارتكبها ويردي، من أجل أن يأتي للسريع بالمشطور، وهو الذي أسميه بالمنصوف وهو يقع في الأوزان الثمانية لا السداسية.

    فانظر كيف وزن مثاله الأول:
    أحيا بأعمالي كما = يفعل الأبطالُ
    مستفعلن مستفعلن = فاعلن فعْلانُ
    هل يُقبل مثل هذا العبث؟، كلَّا ! فالصدر مشرقي، والعجز مغربي، فالصدر من الرجز، والعجز من المتدارك.



    ويردي.jpg
    ..............
    * لايحتجُّ بفعل الخليل حين جعل الدائرة الخامسة بها بحرا واحداً وهو المتقارب؛ لعدة أسباب: أولها أن قيل أنه عرف المتدارك أخا المتقارب، ثم أهمله لقلة شواهده، وقيل بل أن (فعْلن) المقطوعة تظهر في حشوه، والقطع من العلل التي تقع في الأعاريض والأضرب.
    وأكد هذا أبو الحسن العروضي في الجامع حين ذكر هذا وقال إن فكرة الدوائر التي وضعها الخليل تسوجب اشتقاق البحور المختلفة من بعضها، فجعله المتقارب في دائرة يحوي من طرف بعيد أنه عرف المتدارك الذي يشتق من المتقارب، ولكنه أهمله.
    ** بدنية: أي حشو البيت، وهي من مصطلحات ويردي في بدائع العروض.

  5. #5
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    البذاذة الشعرية
    مسألة هند و عمر بن أبي ربيعة

    البذاذة تركُ التكلفِ، وهو من السُّنَّة على صاحبها الصلاة والسلام، فما كان عليه الصلاة والسلام من المتكلفين، لا في قول ولا في فعل، ولا في طعام ولا شراب ولا بناء ولا لبس.
    عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الأنصاري الحارثي رضي الله عنه، قال: ذكر أصحاب رسول الله ﷺ يومًا عنده الدنيا، فقال رسول الله ﷺ: ألا تسمعون؟ ألا تسمعون؟ إن البذاذة من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان يعني: التقحُّل[ رواه أبو داود] (1).
    ويعجبني أن طالعت ديوان شاعر من الشعراء، معاصرا كانَ، أم قديماً، فأجده تارّة يتكلف وتارّة يتبذّذُ، ولكن دون إسْفافٍ أو إثْم.
    وكان هذا دأب الشعراء المبرزين، فتجد الشاعر الفحل تارَّةً يأتي بألفاظ دارجة أو عامية، و
    تارَّةً يخالف العروض، فربما جاء _ مثلا_ بالإقعاد في العروض، والتحريد في الأضرب، لا عن قلِّة حيلة منه، بل من باب البذاذة.
    ولولا هذه البذاذة الجميلة، لما وجدنا شيئا يقال له: الضرائر الشعرية، ويقال لها الضرورات الشعرية، والجوازات الشعرية كذلك.
    ولولاها لما وجدنا العروضيين يتتبعون أثر الشعراء، يبررون لهم ما خالفوا به أوزان الدائرة، ولا أقول قوانين الخليل.
    ناسب هذا الكلام، حواراً دار بيني وبين صديقي العزيز/ الأستاذ: حسن بن عبده المَعَشِيُّ _ أحد الشعراء الكبار من وادي حلي بن يعقوب، بالقنفذة_ حول ما جاء في قصيدة لعُمر بن أبي ربيعة والتي مطلعها:
    لَيتَ هِنداً أَنجَزَتنا ما تَعِدْ = وَشَفَت أَنفُسَنا مِمّا تَجِدْ
    قوله:
    قُلتُ مَن أَنتِ فَقالَت أَنا مَن = شَفَّهُ الوَجدُ وَأَبلاهُ الكَمَد
    نَحنُ أَهلُ الخَيفِ مِن أَهلِ مِنىً = ما لِمَقتولٍ قَتَلناهُ قَوَدْ
    قُلتُ أَهلاً أَنتُمُ بُغيَتُنا = فَتَسَمَّينَ، فَقالَت: أَنا هِنْدْ

    فقلت:

    قوله _رحمه الله_: (أنا هِنْدْ) في ضرب القصيدة، فيه إشكال عروضي، وهو أن القصيدة من الرمل التام محذوف العروض والضرب، هكذا:
    فاعلاتن فاعلاتن فاعلن = فاعلاتن فاعلاتن فاعلن
    وخالف قوله:
    (فَتَسَمَّينَ فَقالَت أَنا هِنْدْ).
    إذا جاء ضربه: (فعِلان) (2)، والشاعر أَحْرَدَ في هذا الضرب، وتأويله عندي من وجهين:
    أولهما: أنَّه جاء بقافية مقيدة، أي بروي ساكن (مقيَّد)، وفي بعض حروف الروي جاء الحرف المشدد، والمشدد أو المدغم مع كونه من حرفين إلا أنه يعامل في القوافي المقيَّدة _الساكنة_ معاملة الحرف غير المشدد الساكن.
    فحين قال: (أَنَا هِنْدْ) ظنَّ أنه مثل قوله في القصيدة: (يستبدّْ)، و(تودّْ). فعامل الساكنين المتتاليين المختلفين، معاملة الحرف المشد الساكن.
    والوجه الثاني: أن الشاعر المخزومي القرشي، عرف هذا؛ ولكن لطرافة الكلام، وليستقيم المعنى؛ أحرد في ضربٍ واحدٍ، أي خالف فيه ما قبله وما بعده، كي يذكر ما قالته له محبوبته بالنّصِّ، تلذذا بذكر اسمها، والذي جعل القافية دالية من أجل ذكر ذلك الاسم، فلهذا وذاك نجده قدْ أخذ بالبَذاذة الشعرية، وترك التزمت في بيت واحد، وهو عندي جائز معنوي، أما في ميزان العروض فهو تحريد.
    فمن سيلوم أمير العشاق عمر بن أبي ربيعة؛ فوجب عليه أن يلوم هندا التي قالت له حين تسمَّيا: أنا هِنْدْ !
    وقوله (تسمَّين) أي حين سألها ما اسمك؟ وسألته: ما اسمك؟ وذكر كل واحد لصاحبه اسمَه.

    ..............
    (1). التَّقحُّلَ"، هذا تفسيرٌ مِن الرَّاوي لِمَعنى البَذاذةِ، أي: إنَّ رَثاثةَ الهيئةِ في اللِّباسِ والتَّحرُّزَ عَنِ التَّأنُّقِ في التَّزيُّنِ مِن أخلاقِ أهلِ الإيمانِ، والمرادُ به تركُ المبالَغةِ في التَّرفُّهِ، ولا يَعني هذا التَّقذُّرَ ولا عدَمَ الاهتِمامِ بالنَّظافةِ؛ فقد قال اللهُ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، وثبَتَ في السُّنَّةِ أنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ أنْ يرَى أثَرَ نِعمتِه على عَبدِه. [الدرر السنية].
    (2). الخزع: هو اجتماع الخبن والحذف، فتصير به (فاعلاتن) إلى (فعِلن). وقد ذكرته لك في البحر المديد. انظر كتابي (التجديد في العروض والقافية).
    والخبن يقع في كل أجزاء الوزن الرملي.

  6. #6
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    البحر الرمل
    مسألة (فاعلان) في عروض الرمل
    عدم التقاء الساكنين في عروض البيت
    مسألة الدكتور عبدالرضا علي


    قال الدكتور/ عبدالرضا علي في كتابه (العروض والقافية)، في معرض كلامه عن البحر الرمل:
    (ويدخله من الزحافات والعلل :
    أ - زحاف ( الخبن ) في كل اجزائه .
    ب - علة ( الحذف ) وتدخل في عروضه وضربه !
    ج - علة ( القصر ) وتدخل في عروضه .
    د - زحاف ( الكف ) وهو حذف السابع الساكن ، ودخوله نادر جداً ذا لم نمثل له).
    [ص: 83].

    قلتُ:
    قوله: (علة ( القصر ) وتدخل في عروضه)، هذه عبارة تخالف ما في كتابه، وهو خطأ منه، وتصويبه عندي: (علة (القصر) وتدخل في ضربه)؛ لأنه استشهد للضرب المقصور، ولم يستشهد للعروض المقصورة. ويؤكد هذا عندي أنه جزم في أول حديثه أن الرمل التَّامَّ لا يردُ إلا محذوفَ العروض، بقوله: (...، إلَّا أنَّه لا يردُ في التَّامِّ إلا أن تكون عروضه محذوفة). [ص: 77].

    والسؤال: هل ترد عروض الرمل مقصورة؟
    الذي أراه أن ورود عروض الرمل مقصورة من باب المستحيل، إلا في الأنماط الشعرية ذات القوافي المزدوجة أو المتعددة، كالموشحات؛ لأنه يجوز للشاعر الوشَّاح أن يُسكِّنَ أواخر الأشطر في أقفال الموشّحة، فيكون شطر القُفْل _أو القفل_ كالبيت المصرع.
    وأما في القصيدة الأصلية الرئيسة _والتي فيها البيت يتألف من مصراعين_ فلا؛ لأن (فاعلانْ) يجتمع في آخرها ساكنانِ، وهذا لا يكون إلا في أضرب القصيدة. لأن الضرب هو الغاية، وسمي بهذا لأن الشاعر ينتهي فيه وزناً ومعنى، فيقع فيه المدُّ؛ لأنه موضع الوقف الطويل، بينما العروض هي فاصلة، أي سكتة خفيفة، فلا يقع فيها غالباً ما يقع في الضرب، وبذا يمتنع فيها التقاء الساكنين.

    والخلاصة:
    أن قوله: (علة (القصر) وتدخل في عروضه) خطَأُ، ولكنَّه جرَّ منفعة، إذ تبيَّن لك أيها القارئ الكريم/ة مسألة عدم اجتماع الساكنين في عروض البيت، والله أعلم.

    ومن يجد شواهدَ بخلاف ما قلتُ، فلا يبخل بها علينا، فنحن بالأشواق لكلِّ مفيد، والمرءُ قليلٌ بنفسِه، كثير بعدَ اللهِ بإخوانِهِ!

  7. #7
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    [فعْلنْ]
    الجزءُ (فعْلُنْ) ليس له وجود أصالةً في العروض، وتأتي دائمة بديلة.
    فمن هذا أنها (مستفعلن) بعد حذها، أي ذهاب وتدها المجموع، وهي (مفعولاتُ) بعد صلم وتدها المفروق، وهي (فاعلن) بعد قطعها، وهي (فاعلاتن) بعد بترها.
    وكل هذا لا أعرف فيه خلاف، ولا اختلاف بين أهل العروض، إلا (فعلن) التي في المتدارك.
    فما أصل (فعْلنْ) التي في المتدارك؟
    فيها ثلاثة أقوال مشهورة:
    الأول: قيل (فَعْلنْ) تأتي من (فاعِلن) بعد قطعها، والقطعُ هو حذف آخر الوتِدِ المجموعِ، وإسكان ما قبله، و(فاعِلن) تتألف من سبب ووتد، والوتد آخر التفعيلة.
    وكذلك يقع القطع في (مستفعلن) لأنَّ وتدها في آخرها، والقطع علة تصيب العروض والضرب.
    والثاني: قيل (فَعْلنْ) تأتي من (فاعِلن) بعد خبنها: (فَعِلنْ)، ثم إضمارها: (فَعْلنْ). وهذا الذي أسميته بالخضنِ.
    والثالث: قيل إنَّ (فَعْلُنْ) تأتي من تشعيث (فاعِلنْ).
    وهنا يقوم سؤال: لماذا لا نقول إن (فعْلنْ) هي (فاعلن) بعد قصرها، مثلما قلنا بالقطع والتشعيث والخضن؟
    من جهة النتيجة سيختلط الأمر على من لا فقه له بالعروض؛ لأنَّ القطع والقصر _وهذا جدلاً_ والتشعيث والخضن للجزء (فاعلن) سيؤدون إلى (فعْلن).
    ولكن القطع والتشعيث والقصر كلها علل نقص، بينما الخضن زحاف مزدوج، ولو فاضلنا بينهم، سنقول:
    الخَضْنُ:
    هو اجتماع الخبن مع الاضمار، وهو زحاف مزدوج مركب، والزحاف المزدوج أسهل من غشيان العلة للجزء، سواء في حشوٍ، أو عروض أو ضرب، ولكن الذي يشّذذه عندي، وقوع زحاف بعد زحاف في نفس الموضع، وهذا ليس له مثيل، حسب معرفتي المتواضعة، فهو تعليل مليح، ولكن لا يقع مثل هذا إلا من اجتماع العلل، في العروض والضرب، مثل بتر (فاعلاتن)، فهو حذف ثم قطع.
    قد يجتمع زحافان في جزءٍ، ولكن ليس في ذات الموضع، فالشكل خبن وكف، والخبن يصيب ثواني الأسباب الساكنة، والكف يصيب سابعها الساكن، والخبل خبن وطي، والطي يصيب رابع الأسباب الساكنة، وهكذا.

    القصر والقطع:
    القصر هو حذف ساكن السبب الخفيف من آخر التفعيلة، وتسكين ما قبله، ولا يقول به عروضي في (فاعلن)؛ لأن القصر يقع في الأسباب المتطرفة، و(فاعلن) ذات وتد متطرف، فيمتنع القصر مطلقا.
    وأما القطع فهو حذف ساكن الوتد المتطرف وتسكين ما قبله، فهو مقبول، وهو أقرب التفسيرات لوجود (فعْلن) في المتدارك، ولكن يُشكل علينا وجودها في الحشو، أما وجودها في الأعاريض والأضرب فلا خلاف على قطعها.

    والتشعيث:
    وهو ذهاب أحد متحركي الوتد المجموع، وهو علّة جاريةٌ مجرى الزحاف، فمن قائلٍ أن الذاهب هو عين وتد (فاعلن) فتصير إلى: (فالُن)، ومن قائل بذهاب اللام منه فتصبح: (فاعِن)، وفي كلتا الحالتين ينقل (فالن/ فاعن) إلى (فَعْلُنْ)؛ تحسينا للخطِّ واللفظ.
    قال أبو الحسن العروضي في " الجامع في العروض والقوافي ": (فقال قوم: إن الذاهب " العين " من فاعلاتن؛ لأنه إلى جنب السبب، فهو أقرب إلى العلة. وقال قوم: الذاهب " اللام "؛ لأنه في وسط الوتد، فهو أقوى؛ لأنه إذا اعتلَّ وإلى جنبه صحيح كان أحسن من أنْ يعتلَّ وإلى جنبه معتلّ). [ص: 196].
    ووقوع التشعيث في المتدارك، مع شهرته مسألة فيها نظر؛ لأن التشعيث يقع في الوتد المجموع المتوسط، ولهذا يقع في (فاعِلاتن)، وأما وتد (فاعلن) فمتطرف.

    فائدة:
    قيل تجاهل الخليل أبو العروض والقافية، البحر المتدارك؛ لجملة أسباب منها: قلة الشواهد عليه من فصيح العرب، ولظهور (فعْلُنْ) في حشوه.
    مع أنه جعل البحر المتقارب في دائرة بمفرده، وبتطبيق قانون التقليب عند الخليل سيظهر لنا البحر المتدارك بتقديم سبب (فعولن) على وتدها فحسب، فهذه إشارة من الخليل على المتدارك، وكما قيل: الحُرُّ تكفيه الإشارة.
    قال أبو الحسن العروضي، في الجامع: (
    والدائرة الخامسة، تُسمّى دائرة المتفق، وفيها على مذهب الخليل باب واحدٌ، وهو المتقارب، والقياس يوجب أن يكون أقل ما يقع فيها من الأبواب بابانِ، وإلا فلم قيل دائرة إلا ليفك بابٌ من بابٍ، ويُدرى بالدائرة كيف وضع الفك وكيف سبيله؟ فإذا كان في دائرة باب واحد، فمن أيّ شيءٍ يُفك ذلك الباب؟ ولم خُصّ بدائرة، لولا أنها هنا فائدة عظيمة، ...). [ص: 95].

    الخلاصة:
    اقرب الأقوال أن (فعْلن) التي في العروض والضرب: مقطوعة، وأما التي في الحشو فهي: مخضونة. وإليك مختصر الكلام:
    (1). استبعدنا القصر مطلقاً؛ لمكان الوتد المتطرف، وهذا من أسرار صناعة الخليل العروضية، فموقع الوتد من السبب، له اعتبار كبير جدا.
    (2). قبلنا الخَضْنَ، في كل أجزاء المتدارك، في الحشو والعروض والضرب؛ لأنه زحاف مزدوج (خبن + إضمار ). ووقوعه في العروض والضرب سيجريه مجرى العلة.
    (3). لا نرى التشعيث في حشو المتدارك، ولا في عروضه وضربه؛ لأنه مع كونه علة جارية مجرى الزحاف، إلا أنه يصيب الوتد المجموع المتوسط.
    (4). قبلنا القطع في العروض والضرب، دون الحشو؛ لأنه علة ثابتة؛ وله نظائر في أضرب البسيط.

  8. #8
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    [إنكار الشعر_الهزروف]
    قد ينكرُ العروضي بعض الشعر، لا لأنه يريد الإنكار لذات الإنكار والمخالفة ، بل لاعتبارات يراها تفرض عليه ذلك الإنكار وتلك المخالفة.
    وقد وجدتُ أن سبب الرفض يعود لثلاثة أسباب رئيسة هي:
    (1). الاعتبار الديني:
    أنكر بعضُ العروضيّين البحر الرجز؛ لأنه سُمع النبيُّ وهو يرتجز بقوله عليه الصلاة والسلام:
    أَنَا النبيُّ لا كَذِبْ = أَنَا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ
    جاء في صحيح مسلم من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: (جَاءَ رَجُلٌ إلى البَرَاءِ، فَقالَ: أَكُنْتُمْ وَلَّيْتُمْ يَومَ حُنَيْنٍ يا أَبَا عُمَارَةَ؟ فَقالَ: أَشْهَدُ علَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ما وَلَّى، وَلَكِنَّهُ انْطَلَقَ أَخِفَّاءُ مِنَ النَّاسِ، وَحُسَّرٌ إلى هذا الحَيِّ مِن هَوَازِنَ، وَهُمْ قَوْمٌ رُمَاةٌ، فَرَمَوْهُمْ برِشْقٍ مِن نَبْلٍ كَأنَّهَا رِجْلٌ مِن جَرَادٍ، فَانْكَشَفُوا، فأقْبَلَ القَوْمُ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بنُ الحَارِثِ يَقُودُ به بَغْلَتَهُ، فَنَزَلَ وَدَعَا وَاسْتَنْصَرَ، وَهو يقولُ: أَنَا النبيُّ لا كَذِبْ... أَنَا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ اللَّهُمَّ نَزِّلْ نَصْرَكَ قالَ البَرَاءُ: كُنَّا وَاللَّهِ إذَا احْمَرَّ البَأْسُ نَتَّقِي به، وإنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي به، يَعْنِي النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ.).
    ومن حدود الشعر: الوزن، والقافية، والمقصدية.
    فلا يكون الكلام شعرا إلا إذا أراد القائل أن يسلك به مسالك الشعر، وإن جاء الكلام موزوناً.
    وهل حين تسمع من ينادي على آخر: (يا بُنَيّْ!) ستقول: هو شعر من المتدارك، على وزن: فاعلن!
    أو حين يقول قائلٌ لصاحبٍ له اسمه حامد:
    صباحُ الخيرِ يا حامد!
    ستقول هو من الهزج: مفاعيلن مفاعيلن.
    والحقيقة أنَّ ما جاء من كلام الوحيين وفيه اتفاق مع شطر من الشعر، فلا يقال له شعر، ولا يستشهد به على الشعر.
    وعندي أن من قال إن في الوحيين: القرآن الكريم والسنة الشريف، شعرا، فهو إما جاهل فيناصح؛ حتى يتوب، وإما زنديق، يجب أن يؤدَّب.
    ويجب تنزيه كلام الله، وكلام نبيه عليه الصلاة والسلام، من فريَّة الشعر، وكيف لا ننزهما والله يقول: (وما علمناه الشعر ما وينبغي له).
    ويقول عزَّ شأنه: (وما هو بقول شاعر).
    ومن أنكر حكما من القرآن وخالفه، فهو من أصحاب الجحيم، إلا أن يتوب من مقالته الآثمة
    أما مسألة: هل الرجز من الشعر؟
    فهذا من باب توضيح الواضحات من الفاضحات، ولولا ما دار حول البحر الرجز من لغطٍ لما تطرقت لهذا، ويكفي في هذا الباب أمور هي باقتضاب:
    (أ).كثرة ما ورد عن العرب على هذا البحر من شعر.
    (ب). كثرة اسشهاد علماء أهل اللغة بما جاء عليه من شعر في العروض، والنحو، والصرف، واللغة.
    (جـ). ذكر الخليل له في علم العروض واللغة.

    (2). الاعتبار السماعي:
    وأنكر بعضهم بحورا ثلاثة، هي: المضارع والمقتضب والمجتث. لعدم سماعها من العرب الفصحاء، كما يزعمون، أو لقلة شواهدها.
    جاء في العيون الغامزة: (وأنكر الأخفش أن يكون المضارع والمقتضب من شعر العرب وزعم أنه لم يسمع منهم شيء من ذلك. قلت وهو محجوج بنقل الخليل. قال الزجاج: هما قليلان حتى إنه لا يوجد منهما قصيدة لعربي، وإنما يروى من كل واحد منهما البيت والبيتان، ولا يُنسب بيت منهما إلى شاعر من العرب ولا يوجد في أشعار القبائل).
    وهذه حجة واهية؛ لأن القائل بهذا لن يقول بسماعه كلَّ أشعار العرب في زمنه، ناهيك من أن يدعي أنه سمع كل ما تغنَّت به العرب عبور العصور.
    كما أن الخليل أثبتها لسماعه لها، والخليل في الشعر أمَّة وحده، ولا يقدم على كلامه كلام في هذا المضمار.
    وبتفتيش الواقع، سنجد أدلة تؤيد أصالة رأي الخليل في إثباته تلك البحور، وسأضرب لك مثلا من واقعنا المعاصر:
    العامة في محافظة القنفذة _ممن لا يحسن القراءة والكتابة _ تقول الشعر على هذا الوزن:
    مستفعلن فاعلاتن = مستفعلن فاعلاتن
    ولو ذهبت أسرد لك من شعر الرجال والنساء على هذا الوزن لطال بنا المقام.
    ومن هذا قول والدي/ فايز الزبيدي:
    سمَّوا أساميْ جديدةْ = سمَّوا أماني وبُشرى
    أمَّا الأسامي القديمةْ = ما عاد في الناس تُشرى
    وهذا هو زن مجزوء المجتثّ، الذي أنكره بعض العروضيين قديما وحديثا، وهجَرته الشعراء كذلك.
    وكذلك يغلب على شعر أهل مدينة القنفذة، هذا الوزن:
    مستفعلن فاعلن فاعلن = مستفعلن فاعلن فاعلن
    وهذا:
    مستفعلن فاعلن فعِلن = مستفعلن فاعلن فعِلن
    و:هذا
    مستفعلن فاعلن فعْلن = مستفعلن فاعلن فعْلن
    ويقال لهذا الوزن: كَسْرَةٌ، والجمع كسرات. أي كأنه وزنٌ قد كسر من وزن البسيط التام.
    وتلك الصور الوزنية هي من مجزوء البسيط، وبعضهم يسميها مخلع البسيط، وقد أخطأ من جعلها بحرا، حين سمى مثل هذا: البحرَ اللاحق.
    ومن أشهر بيوت هذا الوزن، قول أحدهم:
    باللهِ يا باب سيَّبني = لا يا خشبْ يا عديمَ الذَّوقْ
    أنا الحبيب مخاصمني = وانته تزيدالموده شوق
    ووزن البيتين: مستفعلن فاعلن فعْلن = مستفعلن فاعلن فعْلان
    وفي مناطق عسير، في سراتها وتهامتها، يستعمل الرمل التام:
    فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن = فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
    ويقال لهذا الوزن مع رقصته الدَّمَّة. والمشهور المستعمل في الرمل هو :
    فاعلاتن فاعلاتن فاعلن = فاعلاتن فاعلاتن فاعلن
    ولو ذهبنا نسرد مثل هذا لطال بنا المقام جدا.

    (3). الاعتبار البلاغي:
    وهو إنكار لاعتبار فنيّ، أو ذوقي، فما كل موزون مقفّى، يُعدُّ من الشعر لاعتبارهما، وإنما الشعر هو الذي عرَّفه صادق الزهاوي، بقوله:
    إذا الشِّعرُ لَم يَهزُزكَ عِندَ سَمَاعِهِ = فليسَ خَلِيقًا أَن يُقَالَ له شِعْرُ!
    وقد قلت في هذا المعنى:
    ولرب معنى فرَّقتُه قصائدٌ = أسكنته بيتا وجئت بأمتعة
    حتى إذا أسمعت عبقرَ شطْرَهُ = سيقول قبلَ رويِّهِ: ما أروعَه!
    وعبقر وادٍ ينسب له الشعر، والروي هو حرف القافية.
    قال المرزباني في الموشح: (ليس كل من عقد وزنا بقافية فقد قال شعرا). [ص: 400].
    وقال أيضا: (سمع عُروة بن الزبير مِنَ ابْن له شعرا، وكان ابنه ذلك يقول الشعر، فقال له : يا بني، أنشدني! فأنشده حتى بلغ ما يريد من ذلك؛ فقال له: يا بني، إنه كان شيء في الجاهلية يقال له الهُزْرُوف، بين الشعر والكلام، وهو شعرك). [ص: 401]
    فهو شعر من جهة الوزن والقافية، وكلام كسائر الكلام المنثور من جهة افتقاره للتصوير، و جدة المعاني، فالكلام في الحاجات اليومية، لا يكون فيه تكلف الوزن، و لا يحتاج صناعة الشعر.
    وزاد المرزباني في الموشح رواية أخرى، بقوله: (بلغ عُروة بن الزبير أنَّ ابنه عبد الله يقول الشعر، فدعاه يومًا ، فقال : أنشدني فأنشده، فقال له : إنَّ العرب تسمي الناقص القائمة مِنَ الدواب التي تمشي على ثلاث قوائم : الهزروف ؛ فشعرك هذا من الهزروف). [ص: 401]
    فالهزروف هو كل ما فقد أحد قوائمه الأربعة، فصار يمشي على ثلاثة، وكذلك الكلام الموزون المقفى الخالي من المعاني.
    قال ابن خلدون في المقدمة: ( أن الكلام الذي ينعقد به الشعر، فضلا عن الوزن، لا بد أن يجري على أساليب العرب المخصوصة به؛ لأن الشعر له أساليب تخصّه لا تكون للمنثور.). [ ص475].
    ومن مصطلحات علي بن الجهم: الإخلاء، وهو خلو الشعر من المعاني البديعة.
    وتسمي العر ب الشعر الذي لم يرقَ للذائقة: الركيك، والغثيث، والغلق، والرَّمَل، والهزروف.
    جاء في كتابي (التجديد في العروض والقافية):
    (الغلق أو الرَّمل: وهو كلُّ شعر غَثٌّ مَهْزُولٌ، مُتَكَلَّفُ القوافي، غير بليغ الصور، مثل قول عليّ بن سودون الجركَسِيّ اليشبغاويّ القاهريّ، [810 – 868 هـ]:
    كأنَّنا والماءُ مِنْ حَولِنا = قومٌ جلوسٌ حولَهم ماءُ
    الأرض أرض والسماء سماء = والماء ماء والهواء هواء
    والماء قِيل بأنه يروي الظما = واللحم والخبز السمينِ غِذاء
    ويقال إن الناس تنطِق مِثلنا = أما الخِراف فقولها مأماء
    كل الرجالِ على العمومِ مذكر = أما النِساء فكلهن نِساء
    قال ابن حجَّة الحَموي في خزانة الأدب:
    (ومن التشابيه التي هي غير بليغة، قول ابن وزير، في تشبيه الماء على الرخام:
    للهِ يوم بحمَّام نعمتُ بهِ = والماءُ مِنْ حوضِهِ ما بيْننا جاري
    كأنَّه فوق شقَّاتِ الرُّخام ضُحى = ماءٌ يسيلٌ على أثوابِ قصَّارِ
    وتلطف ابن الرومي في هجاء هذا الشاعر حيث قال:
    وشاعرٍ أوْقَد الطَّبْعَ الذكاءَ لهُ = فكادَ يحرقُه مِنْ فَرْطِ إذكاءِ
    أقامَ يَجْهدُ أيامَاً قريحتَهُ = وشَبَّهَ الماءَ بعدَ الجُهدِ بالماءِ). [مج 3 / 511].
    قال ابن طباطبا في عيار الشعر:
    (وَمن الأشْعار الغَثَّة الألْفَاظ، البَاردةِ المَعَاني، المُتَكَلَّفَةِ النَّسْجِ، الغَلِقَةِ القَوَافي، المُضَادَّةِ للأشْعَار الَّتِي قَدمْنَاهَا قولُ الأعْشَى:
    بانَتْ سُعَادُ وأمْسَى حَبْلُهَا انْقَطَعَا = واحْتَلَّتِ الغَمْرَ فالجُدَّينِ فالفَرعَا
    لَا يَسْلَمُ مِنْهَا خَمْسَةُ أبياتٍ). [ص: 110].)

  9. #9
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    [دائرة الوحدة ](1)
    افترض عبد الصاحب المختار فيي كتابه (دائرة الوحدة في أوزان الشعر العربي) أن أصل الوزن في العروض هو: (دَنْ دَنْ دَنْ دَنْ)، وهو يساوي (مفعولاتن). وهي تفعيلة ثمانية، وقد أخذ جواز مثل هذا من حازم القرطاجني في كتاب الأخير (منهاج البلغاء)، الذي قال بالتفاعيل السداسية والسباعية والثمانية والتساعية.
    فقد قال عبد الصاحب: (الأصل الطبيعي لكل الأوزان هو متحرك يليه ساكن (دَنْ) مكررا أربع مرات (دَنْ دَنْ دَنْ دَنْ)). [ص: 34]

    ورأيت من المعاصرين من حذا حذو صاحب (دائرة الواحد)، باعتماد الثمانية، فقال عن التفعيلة (مفعولاتن) الثمانية هي أصل كل وزن.

    وبجانب سعيه لتوحيد الوزن في معيار واحد رئيس، هو: ((دَنْ دَنْ دَنْ دَنْ))، يَصلُح أن يكون ما سواه مشتقا منه، سعى كذلك لتوحيد الدوائر الخمس في دائرة واحدة. وسيأتي معنا كلامه قريبا.

    كما أنه قال بما قال به حازم القرطاجني من ضرورة الانسجام والتناسب، وهما أخذا هذا من أرسطو، الذي قال به الأخير في كتابه (في الشعر).
    وجعل الكاتب أصل النغم، هو النغمة الخفيفة _النقرة الخفيفة_: (دَنْ) أيْ متحرك فساكن. وقد سبقه بهذا ميخائيل خليل الله ويردي في كتابه (بدائع العروض).
    وقد اعتمد ميخائيل ويردي الخطَّ الأفقي، بينما اعتمد عبد الصاحب الدائرة.
    ورأى الكاتب أن السكون بعد الحركة هو أصل كل نغم، وأنه إذا تحرك الحرف الساكن، فهو تحرك طارئ ومؤقت، وسمى الحركة تلك بالحركة الطارئة أو المؤقتة، ورأي أن الحرف الساكن إذا تحرك، فإنَّ سكونه يحمل الحركة الطارئة عليه، من فوقه (الضمة والفتحة) أو من تحته (الكسرة)، وإذا سكن الحرف بعد حركته فإنه قد عاد لأصله.
    والعرب تسمي الحرف المتحرك بالثقيل، والحرف الساكن بالخفيف، وقد ذكر هذا أبو الحسن العروضي في الجامع، والثقل هو من ثقل الحركة فوق الحرف أو من تحته.
    و رأى عبد الصاحب أن أصل المقاطع هو: (دنْ) أي المتحرك ثم ساكن بعده، وهي نغمة خفيفة (نقرة خفيفة)، وتوازي السب الخفيف، والنغمة الثقيلة (دَنَ)، و توازي السبب الخفيف، بتحريك النون الساكنة من (دَنْ)، و(دَ) نغمة صامتة، وهو حرف متحرك، يأتي بعد حذف النون الساكنة من (دَنْ).

    والسؤال: لماذا جعل عبد الصاحب (دَنْ) أصل الوزن؟
    أرى أنه اعتمد في هذا الرأيِ، على ثلاثة أمور:
    (1). الجذر اللغوي:
    الكاتب ممن يؤمن بأن كل مفردات اللغات ذات جذر ثنائي، ونظرية ثنائية اللغة من النظريات المعاصرة، والتي تفترض أن كل ألفاظ اللغة في أصلها مكونة من صامتين: متحرك فساكن. مثال: نف، هو أصل لما يلي:
    نفث، نفذ، نفر، نفج، نفخ، نفح، نفس، نفش، نفل، ........
    وهذا يقتضي أن أصل معانيها متقاربة لأن الجذر الرئيس واحد.
    ووجدتُ من جعل تطور اللغة على مراحل هي:
    الطفولة وتتمثل في ثنائية الجذر، ثم المراهقة وهي مرحلة تضعيف الحرف الثاني في المقطع الواحد، مثل: حبّ، جدّ، ثم الثلاثي وما فوقه من الرباعي والخماسي، وهي مرحلة البلوغ والنضج والاكتمال.
    وعلى هذا التصور قال صاحب (دائرة الوحدة) إن أصل النغم العروضي هو ثنائي، هكذا: (دَنْ) حرفان صامتن: متحرك فاسكن.
    ولهذا يفسر مثلا الفاصلة الصغرى: (دَ دَ دَنْ) بأن أصلها الأصيل هو (دَنْ) وما (دَ) سوى (دَنْ) أسقط نونه الساكنة. وكذلك الوتد المجموع (دَدَنْ) هو (دنْ دَنْ) إلا أن النون الأولى سقطت.

    (2). الجذر النغمي:
    يرى رأيَ يوحنا دي موريس، ومن معه، من أن أصل النغم الموسيقي هو العدد أربعة، ولهذا قال أن أصل العروض هو هذا المعيار: (دَنْ) أربع مرات، أي: (دَنْ دَنْ دَنْ دَنْ).

    (3). الجذر العروضي:
    وهو يرى أن كل مقاطع العروض، في كل اللغات، تتألف من حرفين صامتين: متحرك فساكن.

    وإليك موجز كلامه عن هذه الأصول التي اعتمدها: (ولما كان اعتماد البناء الوزني برمته، يقوم على العدد أربعة، أي على أربعة أصوات، كما ذكر الباحث الموسيقي يوحنا دي مورس، وغلوكون. وقياسا على أن اصل اللغة حرفان، متحرك فساكن ...........، ولما كانت المقاطع القصيرة في جميع العروض تتألف _كما ذكرنا_ من حرف متحرك فآخر ساكن، ............، أمَكَن الوصول إلى توحيد أوزان العروض أجمعَ في دائرة الوحدة المتكاملة بالتوحيد بين النغمين (دَنْ دَنْ) و(دَنَ دَنْ) من حيث أصلهما الواحد، ....، وقد ثبت عدم صحة الاهتداء بالدوائر المصغرة في استخراج البحور، ما لم يتعرف العروضي على أصولها في الدائرة الواحدة، التي تجمع بينها على أساس طبيعي واحد. .........). [ص: 14_15].

    ملخص:
    دائرة الوحدة، هو كتاب استفاد صاحبه من منهج حازم القرطاجني وأرسطو، وميخائيل ويردي، وغيرهم.
    كما أن من جاء بعده استفاد منه، وبخاصة أصحاب العروض الرقمي، في مسألة توحيد الدوائر.
    وسأكمل بيان آراء صاحب وحدة الدائرة في المقالة التالية، بإذن الله تبارك وتعالى.
    الصور المرفقة الصور المرفقة

  10. #10
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    [اللغات والروايات وتصحيح_الأبيات]
    المقالة الأولى

    كتب الشعراء العرب الأوائل الفصحاء شعرهم بلغاتهم، إذ كانت لقبائل العرب لغاتها الخاصة بها، وعليها نزل القرآن.
    ومن مظاهر تلك اللغات الفصيحة: الهمز، والتسهيل، والمد، والقصر، والتحقيق، والحذف، والإدخال، والإبدال، والإمالات: الصغرى والمتوسطة والكبرى ، والخطف والإشباع، و….. الخ
    وهناك مظاهر لغوية دونها في الفصاحة، مثل: الكشكشة والكسكسة، والانطاء و…….
    وعلى المشتغلين بالعروض والقافية، وبالنقد أيضا، دراسة تلك الظواهر اللغوية، فهي معينة لهم في التحقيق والتدقيق.
    سنأخذ فيما يلي أمثلة على أهمية تتبع اللغات في تصحيح الأبيات:
    قال عبد الرضا علي، في (العروض والقافية):
    (سناد التأسيس :
    لما كان معنى السناد الاختلاف ، فإنّ سناد التأسيس معناه اختلاف القافية في ألف التأسيس ، وذلك بأن تكون قافية بيت مؤسسة، واخرى بغير تأسيس ، ومثاله قول العجاج :
    یادار سلمی يا اسلمي ثم اسلمي
    فخندف هامة هذا العالمِ
    فأسّست(١) الشاعرُ القافية الثانية ، في حين أن الأولى غير مؤسسة). [ص: ١٧٩].

    وكلام عبد الرضا صحيح، بيد أن التنوخي في القوافي أورد رواية للشطر الثاني تصححه وتنفي عنه السناد، إذ قال في معرض كلامه عن السناد:
    (ومنه ما هو مكروه وذلك ينقسم أقساماً . فمنه ما هو في التأسيس كقول العجاج :
    يا دار سلمى يا اسلمي ثمَّ اسْلَمي
    بِسَمْسَم وَعَنْ يَمِينٍ سَمْسم
    ثم قال :
    فَخِنْدِفٌ هَامَةُ هذا العالمِ
    وكان رؤبة يعيب ذلك على أبيه . وقيل : كان الهمز من لغة العجاج ، فإن صح ذلك فإن الهمز في : « العالم » يخرجه من السناد . وكذلك :
    مُكَرَّمٌ لِلأَنْبِيَاءِ خَاتِمُ
    إما أن يهمز فلا يكون سناداً، أو يترك الهمز فيكونه. والهمز يتأتى في (خاتم) بفتح التاء، فإن كسرت فلا يهمز؛ لأنه يصير فاعلاً من (الختم) ).[ص:١٣٠].

    وقال التنوخي أيضا: (ومن السناد أن يجيء ردف مضموم ما قبله مع غير ردف كقوله :
    إذا كُنْتَ فِي حَاجَةٍ مُرْسِلاً = فَأَرْسِلْ لَبِيباً وَلَا تُوصِهِ
    وَإِنْ بَابُ أَمْرٍ عَلَيْكَ الْتَوَى = فَشَاوِرْ حَكِيماً وَلَا تَعْصِهِ
    فالواو في : ( توصه ) ردف محض ، وفي الناس من يهمز الواو إذا انضم ما قبلها ، فعلى ذلك لا يكون سناداً). [ص: 132].

    •••••
    (١). تصح العبارة إن كانت مبنية للمجهول بحذف كلمة (الشاعر). وإن كانت مبنية للمعلوم تصح بحذف التاء