أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: موافقة المعاني بين الفصيح والعامي

  1. #1
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي موافقة المعاني بين الفصيح والعامي

    الحمد الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأزواجه وصحبه أجمعين!
    وبعد:
    هذا كتاب أجمع فيه ما وافق فيه الشعرُ العاميُّ، الشعرَ الفصيحَ، من المعاني، وبالعكس، أسميته:
    (موافقة المعاني، بين الفصيح والعاميّ)
    وليس غرض الكتاب حصر كل شيءٍ في هذا المضمار، فهذا لا يستطيعه إنسانٌ، ولكن سأكتفي في هذا الكتاب بما تيسر، وهو باب جديد أطرقه في العربية، وأسال الله أن يجعل ما أكتب مفيدا لي ولكم.
    والله ولي التوفيق!

    محبكم في الله/ عبده بن فايز الزبيدي
    في روحك الطائيُّ يهمس والها = واهٍ وريثي في ندى الكلماتِ (أهداه لي : عبدالله العبدلي)

  2. #2
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    [خذ هاك _ عطنا]
    قال الشاعر العامي:
    لوْ كانَ حظِّيْ مُدركٍ كلَّ الادراكْ = ما كانَ في بعضِ المسائلْ غلطْنا
    أروحُ مِن ناسٍ يقولون: خذْ هاكْ = واجِي على ناسٍ يقولونَ: عَطنا
    هذان البيتان على وزن:
    مستفعلن مستفعلن فاعلاتان = مستفعلن مستفعلن فاعلاتن
    والعامة تسميه: المَسْحوب. وقد ذكره الأمير خالد الفيصل _(دايم السيف)_ بقوله: (..... أغني فيك مسحوبي).
    وهو من أوزان أهل نحدٍ، وعليه من أشعارهم شيءٌ كثير، و العامة في نجد أفصح شعراء العامة دون منازع.
    وقوله: (عطنا) أي (أعطنا) حذفت همزة الفعل، ويقع مثل ذلك في الفصيح وفي العامي. وقوله (واجي) أي و أجيء، سهل الهمزتين أيضا.
    والمعنى أنه أخطأ التقدير حين ترك قوماً كانوا يعطونه ويبالغون في إكرامه، لكرمهم، ومحبتهم له. وذهب لقوم بخلاء يسألونه ولا يعطونه.
    وهذا المعنى يوافق ما أورده ابن سلام الجمحي في طبقات فحول الشعر بقوله: (وَقَالَ ابْن مفرغ أَيْضا لعباد بن زِيَاد:
    أصرمت حبلك من أَمَامةْ = من بعد أَيَّام برامةْ
    لهفي على الرَّأْي الَّذِي = كَانَت عواقبه ندامةْ
    تركي سعيدا ذَا الندى =وَالْبَيْت ترفعه الدعامةْ
    وتبعت عبد بني علاج= تِلْكَ أَشْرَاط القيامةْ
    والشاهد في الأبيات: الثاني والثالث والرابع.
    وتمام القصيدة:
    جَاءَت بِهِ حبشية = سكاء تحسبها نعامةْ
    من نسْوَة سود الْوُجُوه = ترى عَلَيْهِنَّ الندامةْ
    وشريت بردا لَيْتَني = من بعد برد كنت هامةْ
    هَامة تَدْعُو صدى = بَين المشقر واليمامةْ
    العَبْد يقرع بالعصا = وَالْحر تكفيه الملامةْ
    وَالرِّيح تبكى شجوها = والبرق يلمع فِي الغمامةْ
    ورمقتها فَوَجَدتهَا = كالضلع لَيْسَ لَهُ استقامةْ

    ومن الحكم الواردة في القصيدة قوله:
    (العَبْد يقرع بالعصا= وَالْحر تكفيه الملامةْ)
    والعامة اليوم تقول: (العَبْد يقرع بالعصا = وَالْحر تكفيه الإشارة).
    وأخذ المتنبي عنه هذا المعنى فقال:
    لا تشـتَرِ العَبد إلا والعَصَـا مَعِـهُ = إِن العَبِيدَ لأنـجـــاسٌ مَناكيدُ
    وما زلت العامة في محافظة القنفذة، تقول في وصف الواحد: هو نَكَدٌ، ونَكِدٌ. وتقول في وصف الجمع: همْ نَكَدٌ، ومَناكِيْدُ.
    أما صدر بيت المتنبي، فمن بيت ابن مفرغ، الذي ذكرتُ لك، وأما عجز البيت، فقد لخص المتنبي معظمَ ما جاء في أوصاف العبد والأمة، الوارد ذكرهما في قصيدة ابن مفرغ السالفة.
    وجاء ابن مفرغ بالحكمة تارة في بيت كامل:
    (العَبْد يقرع بالعصا= وَالْحر تكفيه الملامةْ)
    وتارةً في شطر بيت:
    (....... = كالضلع لَيْسَ لَهُ استقامة)
    وابن مفرغ: هو يزيد ابن مفرغ الحميري، شاعر أموي ، من بلدة تَبَالَةَ، وهي بلدة بمحافظة بِيْشَةَ، بالمملكة العربية السعودية اليوم. قيل سُميت باسم واديها المنحدر من سراة الحجاز. فهو شاعر حجازي.
    جاء في سير أعلام النبلاء:(يزيد بن مفرغ الحميري: من فحول الشعراء وكان أبوه زياد بن ربيعة حدادا . وقيل : شعابا بتبالة . وتبالة بالفتح : قرية بالحجاز مما يلي اليمن . ولقب مفرغا لأنه راهن على سقاء من لبن ، فشربه حتى فرغه).

    ولأهل البلاغة فيه شاهد على التسبيغ في قوله:
    وشريت بردا لَيْتَني = من بعد برد كنت هامةْ
    هَامة تَدْعُو صدى = بَين المشقر واليمامةْ
    والتسبيغ في الشِّعرِ: "أنَ يُعيدَ النَّاظِمُ قافيةَ البيتِ في أوَّلِ البيتِ الَّذي يَليه"، وفي النَّثرِ: أنْ يُعيدُ النَّاثِرُ سَجْعةَ القَرينةِ الأُولى في أوَّلِ القَرينةِ الَّتي تَليها". (1)
    والشاهد في قوله: (........ هامة) في قافية البيت الأول، ثم أعاد كلمة القافية في أول البيت الذي يليه: (هامةْ ...).
    ويقال للتسبيغ البلاغي: تشابه الأطراف، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم، ومن هذا قوله تبارك وتعالى: (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم: 6-7]
    ففاصِلةُ الآيةِ الأُولى: (يَعْلَمُونَ) تَكرَّرتْ في أوَّلِ الآيةِ الَّتي بعدَها.
    ولا يقال للفاصلة القرآنية: قافية؛ تأدُّباً مع كلام الله تبارك وتعالى.
    والتسبيغ في العروض هو زيادة حرف ساكن، على ما آخره سبب خفيف، كما في مجزوء الرمل.

    ولأهل العروض شاهد في قوله:
    هامَةٌ تَدْعُو صَدىً = بَيْنَ المَشَقَّرِ واليَمامَةْ
    قلتُ في كتابي (التجديد في العروض والقافية)، في معرض الحديث عن (الخرم):
    (أجاز بعض العروضيين وقوعه على (متَفاعلن) في الكامل، مع أن تفعيلته لا تبدأ بوتد، إذَا اجتمع الخَرْمُ والوَقْص، والوقْصُ: هو حذف الثاني المتحرك، فتصبح به (متَفاعلن): (مَفَاعِلنْ)، فيبدو أول التفعيلة بعد الوقص، كأنه وتد مجموع، فأوقعوا عليه الخرم، شاهده:
    هامَةٌ تَدْعُو صَدىً = بَيْنَ المَشَقَّرِ واليَمامَةْ
    هامتنْ / تدعوصدنْ = بَيْنَلْمَشَقْـ / ـقَرِوَلْيمامهْ
    فاعِلن / مستفعلن = مستفعلن / متفاعلن
    مخروم موقوص/ مضمرة = مضمر/ سالم
    والجوهري يأبى أن يقع الخرم في الكامل، فقد قال في عروض الورقة: (وإنَّما لم يجز الخرم في الكامل؛ لأن الحرف الثاني وإن كان متحرِّكًا، فهو في حكم الساكن). [ص: 40]). (2).

    ..........
    (1). موسوعة الدرر السنية.
    (2). التجديد في العروض والقافية، عبده بن فايز الزبيدي

  3. #3
    الصورة الرمزية عبده فايز الزبيدي
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2008
    الدولة : القنفذة - وادي حلي بن يعقوب
    المشاركات : 2,968
    المواضيع : 223
    الردود : 2968
    المعدل اليومي : 0.48

    افتراضي

    [خلف بن هذال و أبو ذؤيب الهُذلي]
    يقول خلَف بن هَذَّالٍ العُتيبيّ:
    اكْحَلْ عدوكْ لَيْنْ تعْمِي عيونَه = ألْبَسْ لهَ اغْلَى لِبْس لوْ كُنْتَ جائع
    لين: إلى أنْ، من باب نحت الجُمَل والتراكيب، لوْ: هنا بمعنى إنْ.
    المعنى: تجلّد للأعداء بالصبر تارة، وبالتظاهر بعدم الشعور بالحزن والألم، وبعدم إظهار الضعف والمسكنة.
    وصاغ الكلام على جهة الإفراد، والمعنى عامّ.
    وهذا المعنى تقوله العرب منذ الأزل، وكل شاعر يعبّر عنه بأسلوبه وعلى طريقته. وكما قيل: المعاني مطروحة في الطريق.
    قال أبو ذؤيب الهُذليّ:
    وَتَجَلُّدي لِلشامِتينَ أُريهِمُ = أَنّي لَرَيبِ الدَهرِ لا أَتَضَعضَعُ
    أورد المبرد في الكامل في قصة الحجاج بن علاط السلمي، والعباس بن عبد المطلب، رضي الله عنهما: (........ فلما كان بعد ثلاثة تخلق العباس، وأخذ عصاه وخرج يطوف بالبيت قال: فقالت: قريش: يا أبا الفضل، هذا والله التجلد لحَرِّ المصيبة فقال: كلا، ومن حلفتم به لقد فتحها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعرس بابنة ملكهم فقالوا: من اتاك بهذا الحديث? فقال: الذي أتاكم بخلافه، ولقد جاءنا مسلماً، ثم أتت الأخبار من النواحي بذلك ...).
    وأهل العلم يقولون إن نزلت بمسلم مصيبة، فعليه بالصبر، والتجلد قدر المستطاع، فلا يستخفَّ بقدر الله ويظهر الفرح والاستخفاف، ولا ينكسر ويقنط ويظهر اللطم وشقَّ الجيب ونحو هذا. بل يفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: "لَمَّا جَاءَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ، وجَعْفَرِ بنِ أبِي طَالِبٍ، وعَبْدِ اللَّهِ بنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمْ، جَلَسَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعْرَفُ فيه الحُزْنُ .....). [صحيح البخاري]
    أما بكاء المسلم على من فارق من أحبابه، مع عدم التسخط، فهذه رقة في القلب، وفطرة وليست من الجزع، قال شيخ الإسلام ابن باز رحمه الله: (النياحة لا تجوز، ودمع العين وحزن القلب لا بأس به؛ لقول النبي ﷺ لما مات ابنه إبراهيم: العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون).