المواضع التي يخطئ فيها شعراؤنا في الفصل والوصل

أولا أريد أن يتوسع تفكيرك عزيزي القارئ لتخرج من حكاية عطف جملة على جملة الى عطف مجموع الجمل .
يقول الله تعالى(وبدأ خلق الإنسان من طين-ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين-ثم سواه ونفخ فيه من روحه).
جملة ثم سواه ونفخ فيه من روحه معطوفة على أي جملة؟
لابد أنها جملة(وبدأ خلق الإنسان من طين)أي أن العطف فيه نقز أو قفز على جملة فكيف هذا ؟
هذا هو نمط من أنماط عطف جملة على مجموع جملتين أو أكثر وهو هنا هكذا :
ذكر أنه بدأ خلق الإنسان من طين ثم أراد أن يعطف عليه التسوية ونفخ الروح لكنه استوفى معنى الخلق يعني خلق الطين وخلق الماء المهين يعني عندنا جملتين تمون مجموعة بمعنى جامع هو الخلق أي النوعين خلق الطين وخلق الماء المهين .
وبعد أن استوفى معنى الخلقين عطف على الجملة الأولى من مجموع الجملتين .
وعلى هذا العطف كان التفسير ولو كنت عالما من العلماء لقلت هذا الكلام عندي فيه كلام وهو انه كان يستطيع أن يقول:
وبدا خلق الإنسان من طين ثم سواه ونفخ فيه من روحه ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين .
العطف جيد وليس فيه أي شيء .
كلا بل فيه شيء وهو أن التفسير المشهور مستنتج من عطف جملة على مجموع جملتين وقد يكون العطف هو عطف مجموع جملتين على مجموع جملتين .
يعني هناك خلقان خلق طين وخلق ماء مهين وهناك(سواه)وهناك(نفخ فيه من روحه).
هذه الجملة يناسبها هذا وهذه الجملة يناسبها هذا فصار العطف مجموع جملتين على مجموع جملتين .
والعطف لابد أن يكون هكذا الا في حالة اذا قال:
بدأ خلق الإنسان من طين ثم سواه ونفخ فيه من روحه ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين .
هذا عطف جملة على مجموع ثلاث جمل والمعنى أن التسوية حصلت قبل خلق الماء المهين .
لكن بنفس عطف الآية يمكن أن تكون التسوية حصلت بعد خلق الماء المهين ونفخ الروح حصل بعد خلق الطين وهذا عطف مجموع جملتين على مجموع جملتين ويجوز فيه هذا الفهم ويجوز فيه الفهم الآخر أن عطف مجموع جملتي(ثم سواه ونفخ فيه من روحه)على جملة(وبدا خلق الإنسان من طين)لكن كما قلت لك كان يستطيع أن يغير هذا الترتيب ولذلك ذكرت لك المعنى الذي لايمكن أن يحصل الا بترتيب الآية المختار فاعرفه واحفظه .
هل عرفت عزيزي القارئ كيف الموضوع صعب ؟ وأنه يلامس عقائد الناس ؟
اول أسلوب يخطئ فيه الشعراء هو مايسمى شبه كمال الاتصال .
لكن دعني أزيد شرح الدليل الذي ذكرته:
عندنا معنى أنه سواه وونفخ فيه من روحه كان بعد خلق الطين .... وعندنا احتمال التركيب احتمالان وجميعهما فيهما هذا المعنى .
لكن معنى أنه سواه بعد خلق الماء المهين لايمكن ان يكون الا في احتمال واحد وليس في الاحتمالين .
وقد اختار الله سبحانه وتعالى هذا الاحتمال .
هل عرفت وتأكدت عزيزي القارئ؟_
يعني هناك معنيان وأنا أرجح أحدهما بهذا الدليل أن العطف هو عطف مجموع جملتين على مجموع جملتين يعني مجموعة خلقين طين وماء مهين ومجموعة نفخ روح وتسوية .
نفخ الروح يناسبه خلق الطين والتسوية يناسبها خلق الماء المهين وهذا فن بلاغي في علم البديع يكون في العطف المعطوف اثنان فأكثر والمعطوف عليه مثله وكل واحد من هذا يناسب واحد من هذا .
والله أعلم
يتبع بإذن الله

البلاغة لها أصول منها أن البلاغة هي اختيار المتكلم وأن المتكلم يتوخى باختياره معنى نحويا ليس في غيره من احتمالات الاختيار وكذلك يجب أن يكون هذا الاختيار حكمه في النحو جائز وليس واجبا اذا كان الاختيار يتعلق بترتيب مواقع الكلمات أو الجمل .
مثلا جملة عندي رأي ... هذه الجملة حكم نقديم الخبر قيها في النحو واجب ولذلك ليس في تقديم الخبر هنا معنى نحوي توخاه المتكلم لأن الاختيار واحد فقط لكن جملة قائم زيد ... هناك معنى نحوي في تقديم الخبر لأن حكم تقديمه في النحو جائز وبهذا صار عند المتكلم خياران :
زيد قائم
قائم زيد
فلما اختار المتكلم جملة: فائم زيد ... عرفنا انه توخى معنى نحويا في تقديم الخبر .
وقل مثل هذا في ترتيب الجمل في جميع الأساليب .
والله أعلم

عدم عطف الجملتين لكمال الاتصال بينهما
الفصل هو عدم عطف الجمل وأكثر شيء يقع الخطأ في أسلوبين منه وهما: كمال الاتصال وشبه كمال الاتصال وهذا مصطلحان أما كمال الاتصال فهو أن يكون هناك جملتين الثانية تؤكد الأولى أو توضحها كقوله تعالى على لسان النسوة بعد أن رأين يوسف عليه السلام(حاشا لله ماهذا بشرا - إنْ هو الا ملك كريم)لم تُعطف الجملتان لأن جملة(إن هو الا ملك كريم)تؤكد أنه ليس بشرا وكذلك توضح نوعه من المخلوقات لأنه إذا لم يكن بشرا فمن أي نوع من المخلوقات هو ؟ وصحوا وقالوا انه من الملائكة.
هذه الآية أعتقد أنها من نمط واضح لأنك يمكن أن تعرف أن الجملتين لاتعطف بأذنك:
حاشا لله ماهذا بشرا(وإنْ)هو الا ملك كريم
حاشا لله ماهذا بشرا(فإنْ)هو الا ملك كريم
حاشا لله ماهذا بشرا(إنْ)هو الا ملك كريم
لكن هناك أنماط قد تكون غير واضحة وبعضها قد يكون غامضا من جهة صعوبة تحليل الكلام البليغ كقولة تعالى(وسوس لهما الشيطان قال هل أدلكما على شجرة الخلد ...)والصعوبة هكذا:
وسوس لهما الشيطان(قال)هل أدلكما على شجرة ...
وسوس لهما الشيطان(فقال)هل أدلكما على شجرة...
لاتستطيع بأذنك أن تميز الصحيح والأبلغ لكن لو فكرت فإنك ستعرف أن القول هو الوسوسة فكيف تعطف الشيء هلى نفسه ؟
الآن قد قلت لك أن الشيء لايعطف على نفسه والآن أيضا أقول لك أنه قد يعطف الشيء على نفسه في هذا الأسلوب يقول الله تعالى:
(يسومونكم سوء العذاب يذبحون ابناءكم ...).
بدون العطف بالواو
هذا الكلام من الله سبحانه وتعالى لبني اسرائيل.
(يسومونكم سوء العذاب(و)يذبحون أبناءكم ...).
بالعطف بالواو
هذا الكلام من موسى عليه السلام يعدد على بني اسرائيل أنعم الله عليهم .
بالنسبة لكلام موسى عليه السلام فإن معنى الجملتين يناسب عدم العطف والمقام يناسب العطف كي يكثر أنعم الله على بني اسرائبل فعطف الجملتين .
أي أن الاصل ألا تعطف الجملتين الا إذا ناسب المقام ذلك فإنهما تعطفان .
وهناك نمط شبيه بهذا لكنه أغمض كقوله تعالى(سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ - وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ - رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)
هم ثلاثة رابعهم كلبهم.بدون العطف بالواو.
هم خمسة سادسهم كلبهم. بدون العطف بالواو.
هم سبعة وثامنهم كلبهم. بالعطف بالواو.
لاحظ أن رابعهم كلبهم تؤكد ان عددهم ثلاثة وتدل عليه وسادسهم كلبهم تؤكد أنهم خمسة وثامنهم كلبهم تؤكد أنهم سبعة .
والله أعلم ان العطف بالواو تأكيد للقول أن عددهم سبعة وثامنهم كلبهم هو القول الصحيح لأن المقام هو حكاية اختلافهم في عدد الفتية .
يدل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى بعد ان ذكر قولان من أقوالهم الثلاثة ثلاثة رابعهم كلبهم وخمسة سادسهم كلبهم قال(رجماً بالغيب)ثم ذكر القول الثالث وميزه بالعطف بالواو(ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم).
أعتقد أنك قد لاحظت أن عدم عطف الجمل في كمال الاتصال سببه هو الاتصال المعنوي بين الجملتين حتى كان الجملة الثانية هي الجملة الأولى ولكن يجب أن يكون عدم العطف يناسب المقام فإن كان المقام يناسبه العطف وكان ذلك يجوز نحويا فالعطف هو الأبلغ .
والله أعلم

شبه كمال الاتصال
وهو أن يكون هناك جملتان الثانية بمنزلة الجواب والأولى بمنزلة السؤال أو مايفهم منه السؤال فلاتعطف الجملتين لأن الجواب لايعطف على السؤال وهذا هو الأصل أي عدم العطف لكنك قد تعطف إذا كان ذلك يناسب المقام إذ أن المقام أهم من العلاقة المعنوية بين الجملتين ويجب أن يناسبه الكلام .
فإذا كان المقام يناسبه العطف وعطفت فليس هناك سؤال مقدر في المعنى وهذا يكون في الجمل التي تكون الجملة الثانية سببا للأولى أو تعليلا لها:
لاتعذليه فإن العذل يولعه
الأصل ألا يعطف لكنه عطف لأن العطف يناسب المقام وكانها تحاكمه من شدة العذل .
وهذا الأسلوب موجود في القرآن أكثره بلاعطف بالفاء وهناك آيات معطوفة بالفاء مثل محاكمة إبليس ومحاكمة السامري وآيتين(وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)وهاتان الآيتان خطاب من الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى االه عليه وسلم.
وآية تشبهما(وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور)وهي خطاب من لقمان عليه السلام لابنه والمقام فيها مقام النصح فلم يعطف بالفاء .
لكن تلك الآيتين أعتقد أن المقام هو الأمر وليس النصح فعطف بالفاء وليس هذا فقط بل الأمر على جهة قوية من الوجوب أو شيء كهذا والله أعلم .
المهم أن العطف يكون حسب المقام
وهناك شيء مهم وهو أن الشاعر قد يحتاج العطف في الوزن فيعطف أغلبه هكذا كما أعتقد وهذا يكون واضحا في موضع ومقام لايناسبه العطف لأنه تقريبا لم يرد في كلام فصيح بليغ الا بلاعطف وذلك في الحوار اذا قال الشاعر قالوا كذا ... قلت كذاا.... ولايقول فقلت لأن هذا مبني على سؤال:ماذا قلت لهم؟ وكذلك إذا حكى قولا ورد عليه او قال زعموا كذا وكذا فإنه يذكر رده او قوله بلاعطف لأنه جواب سؤال ماذا قلت لهم او بماذا رددت عليهم:
أَلا زَعَمَت بَسباسَةُ اليَومَ أَنَّني
كَبِرتُ وَأَن لا يُحسِنُ اللَهوَ أَمثالي

كَذَبتِ لَقَد أَصبى ..............
لما حكى ماقالته أو زعمته بسباسة قال القارئ وماذا قلت لها؟ وعلى هذا الأساس نقل كلامه من الغائب الى المخاطب .
والله أعلم