حياة الهوامش


في بعض الأحيان يرى المرء نفسه أمراً زائداً على الحياة، إما بتصرفاته هو أو بتجاهل الغير له، ويزيد بالانطواء حاله سوءاً، وافتعال الإشكالات مع الآخرين نبذاً.
إن الرضا بالهامشية مسألة تخص المرء نفسه، وبمدى تقبله له، ورضوخه لأوهامها.
يرى بعض الناس أنفسهم مهمشين من قِبل المحيطين لهم، وتؤكد لهم شكوكهم ذلك الأمر، فيبدؤون بتحييد أنفسهم عمن حولهم بالعزلة النفسية أصلاً، والاجتماعية فرعاً، مما يوصل لحالات الاكتئاب والوسواس التي لن تنتهي وتنقضي.
إن التهميش في أصله إما من تلقاء المرء نفسه، أو ممن هم حوله.
فما كان من تلقاء المرء نفسه؛ فنابع من ضعف الشخصية التي توصله في كثير من الأحيان لاستعداء المحيطين به، فتجده في الأصل ضعيف في جوانب حياتية؛ كقدرات أو علاقات، ولا يرضى أن يرى الناسُ ضعفَه في تلك الجوانب، فيفتعل الإشكالات التي لا يرى المحيطون به لها سبباً وذريعة، ويفتعل تمسكه بفضائل ويقينيات يحرم على غيره المساس بها، ويحارب ويعادي من يشكك فيها فضلاً عمن يعارضها ويخالفها، فيظن بهذا الفعل قد أعطى نفسه قدرها، وجعل الناس بذلك يقدّرون وجوده، ويستعظمون مخالفته، وفي الحقيقة قد أعطى بافتعالاته العذر الحقيقي لمن هم حوله بتجنبه حيناً ومواجهته أحياناً أخرى، فيضطر حينها لتهميش نفسه اجتماعياً ويردد الوساوس، ويختلق الموافق الافتراضية التي لو تعرض لها؛ وكيف يكون رده فيها.
وتزداد بذلك حاله يوماً بعد يوم بمحاولاته طرد التهميش الذي أوقع نفسه فيه؛ وذلك بنفس الطريقة التي أوقع نفسه فيه.
ولا يخرج المرء نفسه من هذه الحال دون استعانة بالله، وحسن ظنه بالآخرين، ورغبته الجادة بتحسين علاقته بمن هم حوله أولاً؛ فالأقربون أولى بالمعروف، والبدء بجدية في علاقات أساسها التسامح؛ وجوهرها رأب الصدع، وإعطاء كل ذي حق حقه الأخلاقي والاجتماعي، وإنزال الناس منازلهم الاجتماعية – فلا يُقدم البعيد على القريب -، وبذلك ينتهي التهميش الناتج من استبدادات سابقة؛ فيعود من حولك لك، ويقف من كان يجب عليه والوقوف معك معك.
وأما ما يكون ممن هم حول المرء، فتهميشهم أهون على من تَفَكر في حاله وحالهم، فلو رأى ما في نفسه من قدرات وعيوب ورآى ما لغيره ممن يهمشه لوجد تقارباً وتفاضلاً في جوانب عدة، ولهوّن عليه ذلك كثيراً مما يجد، ولساعده في اجتياز ما حله به، فما من مرء إلا وله ما يميزه عن غيره، وما منّا إلا وله ما يدنيه عن غيره، فبعض الثقة تكفي لتجاوز هذه المشكلة، وجرأة المواجه مع النفس لتعويض ما قَصُرت عنه قدراته.
وفي بعض الأحيان – وهو أسهل الحلول – يقضي المرء على تهميش المحيطين له بتغييرهم، واستبدالهم بأناس يكون الخُلق الحميد لهم سمة، فهم عون على الخير الذي يحتاجه، رافضون للسوء الذي يؤذيه.


باسم الجرفالي
12/5/1438هـ