غشاوة




انتبه من نومه على بوق أحد السيارات ،كان متثاقلاً جداً ويحس أنه لم يأخذ كفايته من النوم ، حاول جاهداً بعينين نصف مغمضتين النظر إلى الساعة التي تتربع على المنضدة الخشبية بجانب السرير ، كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة بقليل .

هب من فراشه وقفاً يكيل الشتائم ويهذي بالسباب ، كان متأخراً على موعده مع أحد التجار أكثر من ساعة ، وبصورة سريعة ارتدى قميصه المزركش باللون السماوي و بنطاله الأسود ، وكان أثناء ذلك يبدد نظام الغرفة برمي ملابسه السابقة في أرجاء الغرفة .

غادر الغرفة وزوجته لميس نائمة ، وبدا له إثر ثقل نومها أنها امرأة لا مبالية لا تهتم به ولا تضحي من أجله .

نزل من السلم يأكل درجتين درجتين محاولاً اختصار الوقت اللازم ، وساعياً مع ذلك إلى عمل حركة تطير النوم من عينييه وتعطيه نشاطاً يحتاجه كثيراً .

ركب سيارته ذات اللون البحري الجاثمة بشموخ أمام المنزل ، أدار المحرك فانطلق يهدر كغاضب يتوعد بالانتقام ، تحرك في طرقات الحي ، وما هي إلا لحظات حتى غاب في معمعة الطريق .

# # # #

الساعة تشير إلى الحادية عشرة ، تستيقظ لميس متعبة جداً من ليلة البارحة ، قامت مسرعة وغادرت الغرفة دون أن تلاحظ ما تعج به من فوضى سببها بالتأكيد هو الزوج .

اجتازت الردهة المعتمة إلى غرفة سامح ذي الأعوام الأربعة ، كانت غرفة سامح متماوجة الألوان تبعث على البهجة وتريح الطفل في مثل سنه .

كان سامح سبباً مباشراً في سهر لميس ليلة البارحة ، حيث توعك وأصابته الحمى فأردته طريحا للفراش لا يقدر على الحراك .

كان سامح نائما ، تخرج مع أنفاسه همهمات وتنهدات تدل على أنه يعاني حرارة داخلية كانت كوخز السهام على قلب أمه ، التي عنفت نفسها على لامبالاتها – كما ترى هي – ونومها تلك السويعات القليلة بعد صلاة الفجر .

سقطت دموع التألم من عيني الأم ، وراحت تجهز الضمادات مرة أخرى لابنها العليل ، وهي أثناء ذلك تدعو لأبي سامح أن يوفقه الله في عمله الذي ألمح له بالأمس
# # # #
عمرو رجل وقور يعمل في تجارة القماش ، يمقت الاستغلال والجشع ، كان قد اتفق مع أبي سامح على أن يسوّق أبو سامح جزءاً من البضاعة في مدينته ، وكان عمرو رجلاً يحرص على القماش الجيد المتلائم مع ذوق الناس واستطاعتهم .

كان الاتفاق على أن يحصل أبو سامح على نسبة من الأرباح مع تحديد سقف أعلى للأسعار ، لكن ما كان يدور في ذهن أبي سامح كان غير الواقع ، فهو يعلم أن تلك الأقمشة شيء جديد في مدينته ، لذا فقد نوى – دون علم صاحب المال – احتكار تلك الأقمشة والحصول إثر ذلك على أرباح مضاعفة وأموال كثيرة .

عاد أبو سامح وفي طريقه كان يستعرض شريط المستقبل في ثقة وزهو ، ولم يعلم أن المقادير تجري بيد العزيز الحكيم ، وأن شريط المستقبل الذي ينسجه هو لم يكن له وجود في كتاب الله ، أشغله التفكير وأعماه الثراء فغفل عن سيارته ، انحرفت عجلات السيارة عن الطريق إلى هوة في إحدى جانبي الطريق ، تكسرت عظامه فأصبح ملازما للفراش ،تقوم عليه لميس بالرعاية ولابنه بالتربية دون كلل محتسبة ذلك عند خالقها .

تمت

10/10/ 1427هـ