خطأ شائع أن البراطيش هي الأحذية !!
والشكر لقاصٍ لم ينل حظه من الشهرة اسمه سمير مراد وكانت له مجموعة قصصية أظنها الوحيدة له باسم ( البراطيش ) وقد قرأتها منذ زمنٍ بعيد، وقت أن بدأت تتفتح مداركي في سنوات الجامعة الأولى وقد عرفت منه أن الفلاحين في القرى الصغيرة كانوا يستقبلون الأعياد بالفرحة الفطرية والتزاور والذهاب إلى البندر أو المدينة لقضاء يوم في التنزه والذهاب للتمتع بأكل السمك الفيليه والذي لم يكن شائعاً بالقرى وقد كان بعض أصحاب المطاعم يقومون بنزع الجزء الأخضر من قشر البطيخ ووضعه في الدقيق ثم القيام بعملية القلي في الزيت مع قطع السمك ولأن البسطاء لا يعرفون طعم السمك الفعلي في ذلك الزمان، فإن هذه الحيلة كانت تنطلي عليهم ....

اسمي حمدي عبد المعبود، أنتمي إلى مدينة تتبعها العديد من القرى الصغيرة ووجدتني منذ صغري وأنا محبٌ للحياة، راغباً في الإحساس بطعمها في فمي! نعم، للحياة طعمٌ عندي قد يكون صورة جميلة أو أغنية مُبهجة شجية أو



رائحة زكية أو لمسة حانية حبذا لو كان حضناُ دافئاُ ويُفضل أن يكون متأججاُ مترجرجاً ....

ودخلت كلية الحقوق وكلي أمل نابع من حبي للحياة أن املك المعرفة بهذه الدنيا من خلال دراسة الآلية التي تنظم حياة البشر ....

وفي خلال سنوات الجامعة انطلقت أنهل من كل مصادر المعرفة من كتب، أفراد، جماعات مذهبية، جماعات فنية وحتى السياسية، وفي خلال ذلك كان لي الكثير من الأصدقاء على اختلاف اتجاهاتهم، وخلال هذه السنوات تصادف أن دخلنا أنا وبعض الأصدقاء أحد المطاعم في وقت أحد الأعياد لنطلب أصنافاً من الطعام كان منها السمك الفيليه، ومع بداية تذوقي لأول قطعة تذكرت واكتشفت البراطيش، وأخبرت زملائي بهدوء وقد كان كلٌ منا وقتئذ يُمثل ثلاثة أرباع محامي حيث كنا في نهاية العام الثالث من دراسة الحقوق التي تستغرق أربع سنوات، وشرعنا في فحص قطعة تلو الأخرى مع استمرارنا في أكل السمك، بل إننا قد طلبنا مرة أخرى سمك فيليه ونقدت النادل بقشيشاً سخياً ليحتفي بنا أكثر ....



وبعد أن أتينا على ما استطعنا من السمك، بدأنا في الدفاع عن جمهور المغفلين السذج المنصوب عليهم من صاحب هذا المطعم وأمثاله، وقد أخذتنا فورة الشباب وسخونة معلوماتنا القانونية الطازجة إلى أن نطلب حضور صاحب المطعم الذي حضر بعد تمنع الغانيات، وبدأنا في تلاوة نص الاتهام وتحددت طلباتنا – نحن الدفاع – في إحضار الشرطة والصحة والتموين وحماية المستهلك والأمم المتحدة إذا أمكن !! وذلك تمهيداُ لجعل هذا المطعم عبرةً لكل من تُسول له نفسه أن يقترف جريمة غش الشعب المسكين الذي كان من حُسن طالعه وجود لجنة دفاع تكونت لحظتها منا، وفاجأنا المتهم المتمرس والذي علمته خبرته الطويلة كيفية التعامل مع مثل هذه القضايا بأن أحذ يَرغي ويزبد ويحلف ويُقسم بل أنه استعان ببعض الدموع التي ظهرت على وجهه المجدر وبللت شاربه المرسوم مثل مقود سيارة ولم نلحظ أنه في أثناء ذلك كان قد أرسل أحد عماله لإحضار أفضل ما عنده من مأكولات بحرية قام بوضعها أمامنا مع استمراره في إطلاق الوعود بأن هذه ستكون آخر مرة علما بأنها أول مرة يفعل ذلك !! ، ربما يقصد في هذا اليوم فقط !!



وسيعتبر هذا درساً من الأساتذة الأفاضل – الذين هم نحن – ولن يعود أبداً لمثل هذا الفعل ....

وقد نجح، نعم نجح في استثارة عطفنا وتعاطفنا بل إننا عرضنا جدياً أن ندفع له الحساب ولكنه رفض بإباء وشَمم وطلب منا أن نمر في أي يوم للتأكد من أنه لن يُكرر هذه الجريمة ..

ومر هذا اليوم مثل ما تلاه من أيام ولكنني أصبحت محترفاً لاكتشاف البراطيش في كل مجال، بل كنت أتفنن في كشف كل ما يبدو لي أنه براطيش مما ساعدني كثيراً في تحقيق النجاح في مهنتي كمحامٍ يُشار له بالبنان، فكل القضايا التي قبلتها كنت دائماً أبحث عن البراطيش بها، وعندما أكتشفها كنت أشعر بالراحة لأني عند ذلك فقط .......أكون قد كسبت هذه القضية.

م./ شريف البلتاجي
الكويت مارس 2007