عندما...!!


لم يعرفه أحد في هذا اليوم، متجولا في الكلية مبكراً، حاملا أوراقه وأدواته الهندسية، لم يره معارفه السابقون على هذه الحال من قبل، ربما منذ عرفوه.
حتى هي لم يعرها أي اهتمام،وقفت مشدوهة لا تصدق " أهذا هو؟!"
سأله أستاذه متهكما :
ـ ما هذا الشرف العظيم؟! هل تتنازل وتحضر معنا يا سيد "رجب"؟! :
قالها وهو يترقب منه رد فعل وقح كعادته منذ سنين، منذ أن كانا زملاء دراسة، لكنه باغته
ــ العفو يا دكتور، سيكون جميلا منك أن تسمح لي بالحضور.
" لا يمكن أن يكون هو..ماذا دهاه؟أهذا هو "رجب الألماني"؟!
صٌعق عامل البوفيه عندما ناداه بـ "عم كامل" بدلا من "الواد كموله" ،طالبا منه بأدب كوبا من الكاكاو، عامله باحترام وكأنه أبوه ..
لم يذهب إليه منذ دهر، كان يرفض ذلك رفضا باتا، “عنده الكثير من المعاونين فلم يحتاجني معه؟”، كان يعرف مواعيده المنضبطة والتي لا تتفق مع نظامه، يراه يخرج مبكراً إلى العمل، ويعود مساءا، أنيقا معطرا كما خرج صباحا.
لم يقل له لا أبدا؛ كل طلباته مجابة، لكنه كثيرا ما كان ينظر إليه نظرات لم يكن يفهم مغزاها.
ورث عنه جسده الضخم وورث عن أمه الألمانية ملامح وجهها ،بياض بشرتها ، زرقة عينيها، وشعرها الأشقر ، كانا يتعاملان كصديقين ، يتجولان معا بالدراجة ، كانت الدراجة نمط حياة تعلمه منها ، ولكنه تمرد عليه وجعل منها وسيلة انتقال فقط وجمع معها كل تقاليع العالم ، آخر صيحة في كل شيء يجب أن يكون هو رائدها .
حتى أمه لم تعرف سبب انقلابه المفاجئ، وإن كانت قد باركته، كل ما تذكره أنه عاد متغيرا يومها..
عاد يومها مشحونا، سار على قدميه دون أن يدري أكثر من عشرة كيلومترات، يحاول أن يداري دموعه المنهمرة، الآن والآن فقط فهم معنى نظراته المؤنبة له، والمشفقة عليه.
لظرف طارئ ذهب إليه، بحث عنه في أرجاء الورشة الخالية، ولم يجده، انحنى ليبحث تحتها، انهمرت دموعه فجأة عندما رآه تحت السيارة؛ أباه ذا السبعين خريفاً يرقد تحت سيارة لإصلاحها ..!
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
http://www.alraimedia.com/ar/article...7344/nr/kuwait