في ظلال المولد




خبء السماء

بمكّة أشرق وجه الحبيب
شروقٌ وما بعده من غروب
أيا شمس مكة طال الظلام
وأعيى القوافلَ خبط ٌالدروب
وفي الشام شمس علاها الكسوف
تطوّقها ظلمات الغيوب
وضاق على الأرض رحبُ الفضاء
وقد أيقنتْ بالهلاك القريب
وقد قارفتْ كلَّ ذنب عظيم
فصدرُ السماء عليها غضوب
وظُنَّ بأمر السماء الظنون
وقد بلغت للحلوق القلوب
طلعت َأيا رحمة العالمين
ففرّجتَ بعد الإياس الكروب
و أيقنتِ الأرض أن السماء
أقالتْ لها عثراتِ الذنوب
فيا أرض جاءك مسكُ الختام
وأُغلق باب ُالسماء الرحيب
حبتكِ بكنز الوجود القديم
وقد كان خبئا ببحر الطيوب
هوالخبء كم طال بحث الوجود
ونفس السماء به لا تطيب
فيا فرحة الأرض بعد الإياس
بمولودها إذ ْغزاها المشيب
أمكّةُ تنسينَ صوت الخليل
وما زلتِ قفراً بواد كئيب
وقد قطع المهلكاتِ القفار
ليُطلعَ شمسَك ليس تغيب
لمجْدكِ أودع بعض الفؤاد
لديك وكاد حشاه يذوب
لتَهوي إليكِ جميع القلوب
وتفضي إليك جميع الدروب
ومن بعد ذا كله تجحدين
إذا طلعت شمس ذاك الحبيب
ويا ليتها رضيت بالجحود
فهبت لتطفئها لا تؤوب
سوى ثلّة أنجبتها النجوم
فشنّت على الظلمات الحروب
وثابت إليه كطفل يتيم
رأى أمّه بعد طول المغيب
فأودع فيها بذار الضياء
تصبّ عليه السماء الصُّيوب
فشبَّت تشقُّ عنان الفضاء
وما همّها للرياح هبوب
وما ضرَّها لهبٌ أو حريق
ففيها اخضرار الحياة القشيب
فآتتْ سريعا عظيم َالثمار
تََرَقُّبها الأرض بعد السُّغوب
ومدّت بأغصانها في البلاد
تُظِلُّ الشمال بها والجنوب
فبوركتَ يا سيد الزارعين
وحُيّيتَ تسقي بخير ذ َنوب
جعلت الصحاري جنان النعيم
يتيه بها كلُّ واد خصيب
وفجّرت في الصخر نبع الحياة
تدفّقَ ليس له من نضوب
جعلت البداةَ رعاة الجمال
رعاةً أساتذة ًللشعوب
وأضحت خيامهم ُجامعات
تحج ُّالعلوم إليها تثوب
مفاتحَ أرواحهم أسلموك
وكانت مغلّقةً لا تجيب
فأسلمتَهم في السماء العروش
وعرشَ البلاد وعرش القلوب
ثلاثا وعشرين لا تستريح
وترتاح عندك كلّ الخطوب
وعاداك قومك والأقربون
وكنت لديهم أعزّ حبيب
وكنت الصدوق وكنت الرشيد
فهاهم رموك بكل معيب
ولو شئتَ قد أسلموك الرقاب
وكنت المليك العظيم المهيب
إذا ما ركنتَ قليلَ الركون
إلى الأرض وهي الفتاة اللعوب
فلم ترض غير حياة العبيد
فعرش السماء لكم عن قريب
وآذوك حتى بكتكَ السماء
وهمّت بهم بالدمار الرهيب
ولولا اصطبارك كانوا كعاد
فما كنت إلا الرؤوف الطبيب
وتدعوهم دائبا للنجاة
وكلهم في أذاك دؤوب
ومن أدّب الله كيف يكون
وجبريل صاحبه والرقيب؟!
فصبرا ففي القدس تنسى العناء
إمام النبيين ثم الخطيب
وبعد تعال لقدس السماء
وجبريل عن ناظريك يغيب
تناديه جبريل أين تروم
وتتركني في المقام العصيب
فحيّيت ربك مامن حجاب
مقام الحبيب يناجي الحبيب
وأهداك خير الهدايا الصلاة
ليعرج مثلك كلُّ منيب
أمكةُ أجدبتِ رغم السحاب
روى منك كلَّ الذرى والسهوب
وداعا وأنت أحب البقاع
إليّ ولكنّ عَودي قريب
سآتيك تسبقني العاديات
فجُدِّي إنِِ اسطعت منّي الهروب
لأفتح عينيك تأبى الضياء
برغمك يا للعناد العجيب
إلى المجد أدعوكِ ثمّ الجنان
و تدعينني للردى والحروب
تكاد تمزّقني الحسرات
عليكِ وقلبي حزينٌ يذوب
ستسلب يثربُ منك الضياء
كذلك قد حدّثتني الغيوب
هنالك أُسقى بماء العيون
وأسكن بين سويدا القلوب
هنالك أزرع خير النجوم
لتخلفني إذ يحين المغيب
هنالك أثوي قرير الفؤاد
ونفسيَ عند الوداع تطيب