أصبح الشعر الغائم الذي تحتاج إلى إنعام النظر فيه لتكتشف الكنوز التي يحاول الشاعر الملهم الموحى إليه أن يغلفها بطبقات من التجسيم والتشخيص والإيحاء واللعب على الكلمات وفي النهاية بعد التدقيق والتمحيص والتفكر والتدبر الطويل قد تفهمه أو لا تفهمه بل يمكن أن تفهمه على غير مراد الشاعر في النهاية
أقول أصبح هذا الشعر في عرف جمعِ ممن ينتسبون إلى الشعرحاضرا هو الشعر حقا وإذا رأوا غيره من الشعر قريبَ المعنى واضح الصور تراهم انتفضوا وامتعضوا و ارتمضوا وظنوا بأنفسهم حماةَ الشعر وكبراءه العظام وإذا علّقوا عليه علقوا من علٍ بألفاظ تشعر بأنهم تفضلوا على الشاعر بقراءتها والتعليق عليها وكأنهم المتنبي أو تمام ويا ليتهم تشبهوا بالمتنبي أو تمام أو البحتري ونهجوا عُشر منهاجهم بل أنا أجزم أن فحول الشعراء القدماء لو قدموا اليوم إلى هؤلاء شعرهم لتكبروا على هؤلاء الفحول ورأوا أن شعرهم شبه مباشر وصوره واضحة لا تنتمي إلى الشعر وبالمقابل فأنا على يقين أن الشعراء الفحول لو قرؤوا كثيرا من شعر هؤلاء الذين نتكلم عنهم لضحكوا وعجبوا
أنعموا النظر في كل الشعر قديمه وجديده مشرقيّهِ ومغربيه وأندلسيه بل حتى قبل عقود فقط لا تجدوه ينتمي إلى أعراف بعض من ينتسب إلى الشعر اليوم بل ويرى نفسه أنه الشاعر ولا شاعر سواه ويعلّق على غيره وكأنه امرؤ قيس الزمان وسالف العصر والأوان
هذه المدرسة الشعرية الحالمة الهائمة الغائمة لا سبيل لها إلى الانتشار بل هي إلى انحسار واندثار وإن بقيت فحبيسة في دواوين أصحابها لأنها لا تلامس مشاعر الناس ولا تنتمي إلى الوضوح واللغة التي يعرفون وعليها تعودوا منذ سالف القرون
فهل أنتم معتبرون