صَوتُ الرَّحَى...

أَصَوتَ الرَّحَى(1) عَزْفَاً يُشَنِّفُ مَسْمَعِي
يُنَاغِمُ قَلبِي كَي يَظَلَّ يَعِي مَعِي
وُيَدْعُو إِلى فَهْمِ الحَقِيقَةِ هَادِرَاً
يُنادِي النُّفُوسَ الحَائِراتِ تَسَمَّعِي
وَيَجْرِي كَمَا تَجْرِي الحَيَاةُ بِأَهْلِهَا
بِخَفْضٍ وَرَفْعٍ وَاحْتِيَالٍ لَمَطْمَعِ
فَدَرْبٌ تَرُدُّ الشَّارِدِيْنَ وَمِثْلُهَا
دُرُوبٌ تُضِلُّ الطَّالِبِيْنَ لِمَرْجِعِ
أَصَوتَ الرَّحَى مَا بَالُ أَهلِ عَقِيدَتِي
يَمُرُّون حَيْرَى فِي طَرِيقٍ مُوَسَّعِ
يَبيعونَ دِيناً في تِجارةِ خَاسِرٍ
وَيَا عَجَبَاً مِنْ جَاهِلٍ مُتَسَرِّعِ
يُجَارِي عَبِيداً ضَيَّعُوا أَصْلَ دِيْنِهِم
وَعَاشُوا غِيَابَا فِي غَيَاهِبِ مَقْمَعِ
وَإنْ يَسْلُكوا للضَّبِّ جُحْراً فَمِثْلُهُمْ
وَإنْ يَفْعَلُوا الفَحْشَاءَ كَانَ كَمَنْ دُعِي
يُسَاقُ وَضِيعَاً بالهَوانِ مُسَربَلاً
فَأَيُّ لِبَاسٍ يُرتَجَى مِنْ مُرقَّعِ
بِلَا هَدَفٍ عَاشُوا وَمَاتُوا بِحِيْرَةٍ
أَيَا خَيْبَةَ الَّلاهِيْنَ عَنْ يَومِ مَفْزَعِ
فَمَا عَرَفُوا الحَقَّ المُبِيْنَ أَتَاهُمُ
لِيُشْرَقَ نُوراً فِي الظَّلَامِ المُبَلْقَعِ
أَنَاخُوا المَطَايَا فِي مَرَابِعِ غَيرِهِمْ
مَطَايَا أَنَاخَتْ دُونَ عَودٍ وَمَرجِعِ
عُرَاةٌ خُواةٌ فِي طَرِيقِ غِوَايَةٍ
بَقَايَا فُؤادٍ فِي بَقَايَا مُوَدَّعِ
يَسُوسُ جُمُوعَ القَومِ أَجْهَلُ أَهْلِهِ
يُفَرِّقُ فِيهِمْ كُلَّ أَصْلٍ مُجَمَّعِ
وَيُبْغِضُ أَهلَ الحَقِّ بُغْضَ تَكَبُّرٍ
بِجَهْلٍ بِظُلْمٍ مُسْتَبِدٍ فَلَا يَعِي
فَيَشْرَقُ مِنْ دَاءِ الغُرُورِ بِرِيقِهِ
وَيَهْرُبُ مِنْ صَوتِ الهِدايَةِ لَو دُعِي
أَصَوتَ الرَّحَى مَهْلَاً فَأَيْنَ عُقُولُهُمْ
أَلَيْسَ يُنَالُ العَذْبُ مِنْ رَأْسِ مَنْبَعِ ؟
وَمَنْ طَلَبَ الأَصْلَ الأَصِيْلَ فَنَبْعُهُ
كِتَابُ الهُدَى القُرآنُ أَشْرَفُ مَرجِعِ
وَسُنَّةُ هَادِي النَّاسِ أَعْظَمُ مَنْ دَعَا
رَسُولٌ كَرِيمٌ فِي خُطَاهُ تَتَبُّعِي
فَأُمُّوا إِليهِ العَالَمِينَ فَإِنَّهُمْ
بِدُونِ الهُدَى كَالضَّائِعِ المُتَقَنِّعِ
وَزُفُّوا إِلَيهِمْ وَعْدَ رَبِّي صَادِقَاً
بِدَحْرِ العِدَى فِي كُلِّ وَادٍ وَمَصْرَعِ
وَيَومٍ قَرِيبٍ أَشْرَقَ الصُبْحُ مِثْلَهُ
لِيَرسُمَ نَصْرَاً لِلْكِتَابِ المُشَرِّعِ
قَرِيْبٍ عَظِيمٍ لِلأَعَادِي مُزَلْزِلٍ
وَرَافِعِ شَأنِ العَابِدِ المُتَورِّعِ
أَصَوتَ الرَّحَى إِنِّي سَمِعْتُكَ تَشْتَكِي
كَأَنَّ كِلينَا دَعوةُ المُتَضَرِّعِ
يُؤرِّقُنِي صَوتٌ يُقَطِّعُ مُهجَتِي
كَصَوتِ الرَّحَى جَرْيَاً بِدُونِ تَقَطُّعِ
أَدَرْبَ الهُدَى قَدْ كُنْتُ قَبْلُ مُنَعَّمَاً
وَمَا عَادَ حُزْنِي تَكْتَفِي مِنْه أَدْمُعِي !
وَقَدْ كُنْتُ أَحْيَا يا سَعَادَةُ هَانِئَاً
فَدَارَ الرَّحَى حَتَّى جَرَى بِمَوَاجِعِي ؟


* الرَّحَى : الطَّاحُونة ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ حَجَرَتَيْنِ صَلْبَتَيْنِ نِصْف دَائرَتَيْنِ تُوضَعُ إحْدَاهُمَا علَى الأُخْرَى وَتُدَارُ أعْلاَهَا بِاليَدِ أو بغيرها عَلَى قُطْبٍ .