قد غَفِلت عن أمر وجب التراجع عنه، وهو أنّ إثبات الخليل لأبواب الدائرة يعني إثباته فقط للبحور الحية فيها؛ وهذا غير إثباته للسلاسل التي يمكن لدوائره الهندسية إفرازها، والتي بالضرورة ستكون بحوراً حية وبحوراً مهملة. فهذا الفرق وان كان بسيطاً لكنه مهم جداً؛ فهذا هو المتوافق تماماً مع ما ورد في كتاب العقد الفريد لابن عبد ربّه الأندلسي [ت/ 328 هـ]، الذي تتحقق به مظِنّة النقل عن كتاب الخليل المفقود لدينا (العقد الفريد، ج 6، ص 287- 289). وهو المتوافق تماماً أيضاً مع مقولتنا (بأن ذكر البحر المهمل ضروري في دوائر نظام الخليل وليس ترفاً كما ظن البعض).

وهكذا فإن اعتراض أبي الحسن العروضي على كون المتقارب جاء وحيداً في الدائرة، إنما هو اعتراض عليه كبحر حـيّ وحيد في الدائرة، والأصل برأيه أن يكون في الدائرة بحرّان حيان. قال: {والدائرة الخامسة تسمّى دائرة المتفق، وفيها على مذهب الخليل باب واحد وهو المتقارب. والقياس يُوجب أن يكون أقلّ ما يقع فيها من الأبواب بابان، وإلّا فَـلِـمَ قيل دائرة إلّا ليُـفَكّ باب من باب ويُدرى بالدائرة كيف وَضعُ الفكّ وكيف سبيله..؟ فإذا كان في دائرة باب واحد، فمِن أيّ شيء يَنفَك ذلك الباب..؟ ولم خُصّ بدائرة لولا أنها هنا فائدة عظيمه..؟ } (الجامع في العروض والقوافي، ص 95). وعاد أبو الحسن في باب (فك الدوائر) في كتابه، فكرّر هذا الكلام وزاد عليه.

وهذا ما دفع أبا الحسن لإحياء الباب الثاني في دائرة المتقارب، الذي اعتبره الخليل مهملاً، أي إحياء البندول؛ لكنه على الحقيقة أحيا الراقص فكان البندول إنما جسر عبر منه الراقص لنظام الخليل. (الجامع، ص 95، 238).

وعلى ذلك، أرجو تعديل هذه الفقرة في المقولة الأولى (1): (وفعلاً قد أجمعت المصادر القديمة بأنّ الخليل لم يضع البندول كبحر مهمل في دائرة المتقارب (2)، مع أنّ له مكان مستحَق فيها؛ ومع أنّ ذكر البحر المهمل ضروري في دوائر نظام الخليل وليس ترفاً كما ظن البعض).

بهذه الفقرة المصحّحة لها (وفعلاً قد أجمعت المصادر القديمة بأنّ الخليل لم يضع البندول كبحر حَي في دائرة المتقارب (2)، مع أنّ له مكان مستحَق فيها كبحر حَيّ؛ لكن وضعه فيها كبحر مهمل، فذكر البحر المهمل ضروري في دوائر نظام الخليل وليس ترفاً كما ظن البعض. فعجز قالب الخفيف المجزوء ذي الضرب المقصور المخبون، يقع تماماً على البندول (لا نعم، لا نعم، لا)، وليس على الخفيف. هذا الذي شاهده عند الخليل: كُلُّ خَطبٍ إن لَم تَكو ... نُوا غَضِبتُم يَسيرُ [لا نعم، لا لا لا نعم (ع.= 8) ... لا نعم، لا نعم، لا (ع.= 7)].. فهذا القالب للخفيف نادر وشاذ، وهو مرفوض في عروض قضاعة؛ فالعرب لم تخلط بين الإيقاعات على ما ظن البعض).

وهذا التعديل لا يتعارض إطلاقاً مع مقولتنا (فلا حلّ لهما في نظام الخليل إلّا بطرحهما منه معاً (ظن عازم)).