فائدة عَروضية
الباحث العروضي/ وصاحب علم عروض قضاعة: أبو الطيّب ياسر بن احمد القريـــــــني البلوي القُضاعي
الخرم ثغرة خطيرة في نظام الخليل العروضي وذلك لسببين، الأول: لكون أن الخرم قد تصرّف بمتحرك في الوتد المجموع بحذفه فتحوّل بذلك لسبب خفيف، ما أدّى لنقص في طول السلسلة، وبذلك فهو أشبه بالعلة في طريقة عمله، فوظيفة العلل عموماً هو الإنقاص من أطوال السلاسل في مرحلة صنع قوالب متعددة للبحر. وعلة القطع وإنْ كانت تستطيع تفسير الخرم لأن الوتد المجموع بالخرم قد تحوّل لسبب خفيف، تماماً كما تفعل علة القطع بالجزء المنتهي بوتد مجموع؛ فهي مثلاً تحوّل الجزء فاعلن /0 //0 إلى فاعل /0 /0، لكن لا دخلَ لعلة القطع بالخرم، لأن العلل مكان عملها نهاية السلسلة وليس أوّلها؛ وما مثل الخليل من يفوته ذلك.
والسبب الثاني في كون الخرم ثغرة: هو أن الخرم على الجواز لا الوجوب، فهو بذلك أشبه بالزحاف الذي هو على الجواز أصالة؛ أمّا العلة فهي على اللزوم لا الجواز.
توضيح: الخرم بتوصيف نظام قضاعة هو حذف المتحرك الأول من عُقدة القِفل التي قد تبتدئ بها سلسلة البحر على الجواز، فتتحوّل به عُقدة القِفل إلى خطوة. لكن الخرم في نظام الخليل مربوط بأجزاء نظامه، ولذلك هو يُوصف بدلالة أجزاء نظامه فيقع في الأجزاء الثلاثة المبدوءة بوتد مجموع فيما لو احتلت بداية الشطر طبعاً، وهي: فعولن، مفاعيلن، مفاعلَـتن (العقد الفريد ج6، ص 275). والخرم يقع في أوّل شطر الصدر غالباً، ونادراً ما يقع في أول العجز. هذا وقد صنع الخليل للخرم ثمانية أسماء لا داعي لها أصلاً وفصلاً، وذلك بحسب الجزء المبدوء بوتد، وبحسب حضور الزحاف أو غيابه مع الخرم؛ ، وهي: أخرَم - أثرَم – أثلَم - أشتَر – أخرَب – أعضَب – أقصَم – أعقَص – أجَمّ. فقد كان مُسمّى الخرم العام يُغني عنها جميعاً. بل قد صنع الخليل مصطلحين قي نظامه متعلقين بالخرم وعلاقته بالجزء، لا داعي لهما أيضاً، وهما الموفور والابتداء. فالجزء المبدوء بوتد ولم يُخرَم يوصف بأنه "جزء موفور". أمّا إذا اعتل بالخرم فيوصف بأنه "جزء ابتداء". (المعجم المفصل في العروض والقافية، ص 12، ص 440). وفي ذلك دلالة على أن الـوَلَع باختراع المصطلحات كان طاغياً على النفس في عصر الخليل وما بعده (ظن ناقب). فلا عجب إذن أن صنع المتأخرون معاجم مخصّصة لعلم عروض الخليل ومبحث القافية فيه، لكثرة المصطلحات فيه.
وها هنا الفائدة العروضية: فحتى لا يأتي متحاذِق فيزعم أنّ الخرم هو نفسه علّة القطع، لِما سيجره ذلك من خطر على نظام الخليل؛ فقد قطع الخليل الطريق عليهم بأن عرّف الخرم تعريفاً معاكساً لتعريف علة القطع. فمع تعريف علة القطع الذي اختاره الخليل، ليس هناك ذكر لحذف متحرّك من الوتد المجموع، إنما فيها حذف لساكن الوتد المجموع مع تسكين ما قبله.
أمّا في الخرم فقد جعل الخليل تعريفه ينصّ على حذف المتحرك الأول من الوتد المجموع (العقد الفريد، ج 6، ص 275)، مع أنّ كلا التعريفين يؤديان إلى الغاية نفسها؛ وهو حلول سبب خفيف مكان الوتد المجموع..! وهذا يعني أنّ الخليل أصّل الخرم في نظامه بأقل الأضرار؛ وهذه عبقرية فذة حتى لو خالفه صاحب عروض قضاعة في الحكم على حقيقة الخرم.
فالخليل وإن كان يحكم بكراهة الخرم، لكن عروض قضاعة يعتبره كسر وزن صريح لأكثر من سبب. والخرم وإن بدا في أعين البعض كثيراً بحقّ بحر الطويل على الأخص، لكنه في دراسة الدكتور محمد العلمي التي شملت 191 ديواناً من دواوين أشهر شعراء الجاهلية والمخضرمين والإسلاميين والأمويين وبين الدولتين، قد بلغت نسبة الخرم في الطويل مع التساهل 0.9 % فقط. أي أقل من 1 %. ونسبته في البحور الخمسة جميعها المعرّضة للخرم (الطويل- الوافر- الهزج- المتقارب- المضارع) 0.37 %..!
بل أنّ كثيراً من الأبيات المخرومة الواردة في هذا الإحصاء، هي أبيات حائرة عروضياً؛ أي لها أكثر من رواية مختلفة عن بعضها عروضياً، ومن هذه الروايات ما هو سليم من الخرم. والرأي الذي يتبناه صاحب عروض قضاعة في الترجيح بينها، هو الأخذ بالرواية التي تتوافق إيقاعياً مع نظام قضاعة؛ أي الخالية من ظاهرة الخرم المزعومة؛ وبذلك ستنخفض هذه النسبة للخرم (0.37 %) أكثر وأكثر. وبذلك يتأكد لنا أنّ الخرم المزعوم، ما هو إلّا كسر وزن، مثله مثل أيّ كسر آخر وجد في شعرهم.
فلو أنّ كل ظاهرة شاذة ونادرة أو كسر وزن في شعر العرب وفي غيره من العلوم، صنعنا لها مصطلحاً دون واقع حقيقي يسندها، أو حكم عقليّ يؤيدها بالقرائن والبراهين العقلية، لَما استقام علم لأحد أبدا. ولك في مصطلح الـخَزْمَ (بالزاي) المشبوه خير مثال على ذلك؛ هذا الذي زعم أربابه بأنه استدراك على الخليل؛ والذي هو مناقض لعمل الخرم في كونه زيادة حرف أو أكثر في أوَّلِ صدر البيت أو أوّل عجزه في بعض البحور، مهما كانت بداية سلسلة البحر؛ ولا يُعتَـدّ به في التقطيع بزعمهم (المعجم المفصل في علم العَروض والقافية، ص 228). فهل منح هذه الزيادة اسماً فقط، سيجعله شرعياً..؟
أمّا لماذا اضطر الخليل لتقعيد الخرم في نظامه العروضي مع أن الواقع لا يدعمه، والقياس في نظامه لا يوجبه ولا بأيّ وجه؛ فهذا موضوع آخر، لعله يكون تتمة لهذه الفائدة العروضية إن وجدتُ تفاعلاً.