أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: الأصواتيون وعِلم العَروض العربي.. عجيبٌ وأعـجب..!

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 145
    المواضيع : 30
    الردود : 145
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي الأصواتيون وعِلم العَروض العربي.. عجيبٌ وأعـجب..!

    الأصواتيون وعِلم العَروض العربي.. عجيبٌ وأعـجب..!

    بقلم/ أبو الطيب ياسر بن احمد القريني البلوي القُضَاعي، صاحبُ علم عَروض قضاعة. 30- 10- 2024

    (1)

    مقدمة:

    أول ظهور لعلم أصوات اللغة الـمُحْدَث (Modern Phonetics)،كان على يد الباحث السويسري (فرديناند دي سوسير)، وذلك مع نشر كتابه الشهير في عام 1916م (دروس في علم اللغة العام Course in General Linguistics)، وكان ذلك بعد وفاته بثلاث سنوات. فهذا الكتاب ضمّ الملاحظات التي أبداها دي سوسير لطلابه في محاضراته التي ألقاها عليهم، وهي تتناول بعض الإشارات عن النظرية التي بلورها الباحثون فيما بعد، فعُرِفت باسم (نظرية دي سوسير)(1). وعلم الأصوات هو دراسة أصوات الكلام المنطوق، وهو ينقسم إلى فرعين رئيسيين: علم الأصوات اللغوية Phonetics، وعلم وظائف الأصوات (الفونولوجيا Phonology). فعلم الأصوات ينظر في الأصوات في حد ذاتها، فيدرس صفاتها من حيث إخراجها ومن حيث سماعها. أمّا علم وظائف الأصوات فهو يدرس الأصوات من حيث وظائفها في الاستعمال اللغوي. (2)

    ويعتبر علم الأصوات فرع من علم اللغة العام الرئيس. كما ويعتبر علم الأصوات النُطقي، كفرع من فروع علم الأصوات المتعددة؛ من أقدم فروع علم الأصوات وأرسخها قدماً، وأكثرها حظاً من الانتشار في البيئات اللغوية كلها. ويرجع السر في ذلك على ما يقول كمال بشر، إلى وظيفة هذا الفرع، وإلى طبيعة الميدان المخصص له، الأمر الذي جعل الباحث العادي قادراً على الخوض فيه.(3)

    (1) [نقلاً بتصرّف عن: دراسات في علم اللغة الوصفي والتاريخي والمقارن، صلاح الدين صالح حسنين. ص 61].
    (2) (دروس في علم أصوات العربية - جان كانتينو، ص 17)
    (3) (علم الأصوات- كمال بشر، ص 41 – 42)

    ولا بد لنا هنا قبل الاسترسال، أن نشير إلى المكوّنات الصوتية الخمسة الدّنيا في البحث الصوتي، مهما كان هناك اختلاف في طبيعة صوتها بين اللغات، ومهما كانت نظرة الباحث الصوتي لها. وهذه المكونات الصوتية الخمسة الدّنيا باستعمال مصطلحات العرب كالتالي:

    1 - الحركات الثلاث: الفتحة، والضمة، والكسرة.
    2 - حروف المد الثلاثة: الألف والواو والياء: نَار- نُور- دِين.
    3 – حرفَـيّ اللين الواو والياء المسبوقتين بحركة الفتحة: دَين- حَوض.
    4 - حرفَـيّ العلة الواو والياء المحركين: وَجد، يَجد.
    5 - الحروف الصحيحة، وهي الهمزة، والباء، والتاء، والثاء ... الخ.

    فهذه هي المكوّنات الصوتية الخمسة الدّنيا، سواء كانت هي نفسها التي يستعملها العرب بهذه المسميات، او كانت احد تنوعاتها التي لم يصنع العرب لها اسماءً ولا رموزاً. فاللغويون العرب يكتفون بتوصيف الحركات التي لا مسميات ولا رموز لها عندهم، أي أحد تنوعاتها الممكنة، وذلك بدلالة مسمّيات وأصوات الحركات الثلاث القياسية عندهم؛ فيقولون (مثلاً): (الحركة التي بين الفتحة والكسرة). ويقولون: (الفتحة المشوبة بشيء من الكسرة أو الضمة). وقل نفس الشي عن باقي المكونات الصوتية الدّنيا. ويطلق الاصواتيون على كل كائن صوتي من هذه الخمسة مسمّى "صوت" (Sound )

    وقد جاء علم أصوات اللغة الـمُحْدَث بمفاهيم ومصطلحات متصادمة تماماً مع قال به اللغويون العرب. فهم لا يعترفون بمفهوم الحرف الصوتي الذي أنجب مفهوم المتحرك والساكن، فلا يستخدمون كلمة "حرف" إلّا للدلالة على الرمز الكتابي للصوت (4). ذلك انهم يرون أن الانسان قادر على نطق الحركات بمعزل عن الحروف، ونطق الحروف بمعزل عن الحركات، ويزعمون أن الاجهزة العلمية أثبتت ذلك..!(5). وهم يقولون أن الحركات نوعين، وليس كما ظن اللغويين العرب بأنها نوع واحد. فالحركات عندهم التي يسمونها "الصوائت"، تفريقاً لها عن "الصوامت" التي هي الحروف الصحيحة بمفهوم اللغويين العرب؛ تنقسم عندهم إلى صوائت قصيرة وصوائت طويلة، أي إلى حركات قصيرة وحركات طويلة.

    فالحركات القصيرة عندهم هي الفتحة والضمة والكسرة وما على شاكلتها. أمّا الحركات الطويلة عندهم فهي بمفهوم العرب حروف المد الثلاثة مع الحركة المجانسة لصوت كلٍّ منها (الألف والواو والياء: نَار- نُور- دِين). فهم يقولون بأنهما من جنس واحد، فالحركة القصيرة قد تطول فتكون حركة طويلة؛ فالفرق بينهما على قولهم انما يكمن في الكم ومدّة النطق (Duration). بمعنى أن الحركة الطويلة حسب قولهم، تعادل ضعفيّ طول الحركة القصيرة الزمني في المتوسط. (6)

    فالأصواتيون يصنّفون المكوّنات الصوتية الخمسة الدّنيا تصنيفاً آخر، ولهم مصطلحاتهم عنها غير مصطلحات العرب. فهي في علم أصوات اللغة المحدَث: الصوائت، والصوامت، وأشباه الصوامت وأشباه الصوائت؛ وما رُكّب عليها من مصطلحات أخرى كالألفون والفونيم. ودافع الاصواتيين في هذا التصنيف قد تأسس عندهم على مرتكزين متضادين؛ فقد ارتكز على فكرة مرور الهواء مروراً حرّاً أثناء النطق، من غير أن يكون هناك ثمة احتكاك أو إعاقة؛ وهذه هي الصوائت. أم أنه أثناء مروره قد واجه احتكاك أو إعاقة، وهذه هي الصوامت. (7)

    (4) (الأصوات اللغوية رؤية عضوية ونطقية وفيزيائية، - في الهامش، ص 106).
    (5) (مناهج البحث في اللغة، ص 139، تمام حسّان).
    (6) [علم الأصوات- كمال بشر، ص 149، 207].
    (7) (الأصوات اللغوية، ص 27، إبراهيم أنيس).

    ولـمّا تخلّى الأصواتييون عن مفهوم الحرف الصوتي (Letter)كأداة صوتية يتم بها تقعيد وتفسير النواحي الصوتية والصرفية والاعرابية في اللغات؛ وكان لا بد من ايجاد كائن ومفهوم آخر يسدّ محله كي تستمر عجلة علمهم بالدوران؛ فقد زعموا بأن المقطع الصوتي (Syllable) على اختلاف أشكاله عندهم، هو المدرج الصوتي الحقيقي الذي ينتجه عضو النطق البشري [وليس الحرف الصوتي على ما توهّم اللغويون العرب]؛ وهو الذي تقوم عليه الناحية الصوتية في جميع اللغات بزعمهم. (8)

    وعلى الدّقة، فالذي حلّ محلّ الحرف الصوتي عند الأصواتيين عدّة أفكار على السواء، هي: فكرة الصامت والصائت، وفكرة الفونيم ومعه فكرة الألفون، وفكرة المقطع (9). فبدلاً من قول (حرف الباء)، سيقولون فونيم الباء. وبدلاً من قول (حذف الحرف المحرك) أو (حذف الحرف الساكن) لسبب كذا، سيقولون أنّ التركيب المقطعي قد تغير هنا أو هناك، فطال ذاك المقطع أو قُصّر أو استُبدِل بآخر، لأن قوانين التركيب المقطعي للغة الفلانية لا تقبل بهذا أو بذاك.

    ( 8) (دراسة الصوت اللغوي- احمد مختار، ص 163).
    (9) الفونيم والألفون ( The Phoneme and Allophone ) في علم أصوات اللغة المحدَث: الفونيم بشيء من الاختصار، هو كل كائن صوتي من وحدات البناء الصوتية الخمسة الدنيا، قادر على التفريق بين معاني الكلمات. وتنوعات الفونيم الممكنة تسمّى عندهم ألفونات (Allophones). وهذه الألفونات للفونيم الواحد قد تكون مشروطة ومقيّدة بسياقات معيّنة، وقد تكون غير مشروطة. لكن هذه التنوعات لا تؤدي إلى تغيير المعاني، وليس لهما من أثر يُذكر في البُنية أو في النظام الصوتي للغة، من نحو تفخيم الأصوات أو ترقيقها، كما في تفخيم اللام أو ترقيقها في كل من (الصلاة) و (الضلال)، فما زال حرف اللام مدركاً في هاتين الكلمتين. [راجع للاستزادة: (علم الأصوات-كمال بشر، ص 70، 71، 485، 490، 491].

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 145
    المواضيع : 30
    الردود : 145
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    (2)

    ويعتبر المقطع الصوتي (Syllable) من الأفكار الرئيسة في علم أصوات اللغة المحدَث، والأصواتيون، عرباً وعجماً، مفتونون به أشد الافتتان (10). بل أن هناك من العرب من توهّم بأن المقطع بضاعة العرب أصلاً. والمقطع بمفهومهم يضم صوتين على الأقل وستة على الأكثر، ويتضمن المقطع صائتاً واحداً لا غير، قصيراً كان أم طويلا (11). وهناك من شذّ منهم فقال أنّ المقطع في أحوال نادرة قد يقتصر على صائت وحده أو صامت وحده؛ أو على صوامت دون صائت (12)؛ أقول (ابو الطيب): وهذا لا يُلتفَت إليه؛ فهذه أحوال نادرة بوصفهم؛ جلبها لهم خطأ فكرة المقطع من أساسها (ظن عازم).

    (10) يقول هنري فليش Fliech: {والغريب أنّ هؤلاء الذين يفكرون في الحروف والحركات في هذا الإطار المقطعي [أي اللغويون العرب]، لم يمكنهم أن يستخرجوا فكرة المقطع، الذي لم يكن له اسم في مجموعة مصطلحاتهم} (التفكير الصوتي عند العرب، مجلة مجمع اللغة العربية، ج 23، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1968). ويقول محمد مندور : {**، ولكننا لا نكاد نترك وجود التفاعيل إلى بُنية تلك التفاعيل حتى نختلف مع الخليل، وذلك لأنه لم يدلنا على وحدة الكلام وهي المقطع. وأكبر ظني أنّ الخليل لم يعرف العروض اليوناني، وإلّا لفطن إلى المقطع، **. هذان السببان لا يجوز أن يحجبا عنا الحقيقة اللغوية التي تصدُق على كل لغة؛ وهي أنّ المقطع هو وحدة الكلام} (في الميزان الجديد، ص 227 - 228).
    (11) (علم الأصوات- كمال بشر، ص 503).
    (12) (الأصوات اللغوية، ص 88، إبراهيم أنيس)

    تنبيه: رغم تـخلّي الأصواتيين العرب في أبجديات عِلمهم، عن مفهوم ومصطلح (الحرف الصوتي) كما قلنا؛ لكننا لن نعدم أن نرى في كتبهم العربية، استخدامهم لمصطلح (الحرف الساكن) ومصطلح (الحرف المتحرك)..! بل قد تجدهم ينسون أنفسهم فيقولون (صامت ساكن)، وغير ذلك. فهذا إن حصل في كتبهم وعلى لسانهم؛ فاعلَم أنه إنما كان لتقريب الصورة للقارئ العربي المسكون بمصطلح الحرف، المتحرك منه والساكن. أو لأن البيئة العربية والإملاء العربي ما زالت لها سيطرة على أذهانهم؛ فكثير من مواضيع أبحاثهم قد تعرضوا فيها لأقوال اللغويين العرب الذين مضوا على استخدام هذه المصطلحات، فتحتّم عليهم مجاراتها لتقريب الصورة للقارئ العربي، لا أكثر ولا أقل.

    وفكرة المقطع في أول نشأتها في أذهانهم، بعد تخليهم عن مفهوم الحرف الصوتي طبعاّ؛ قد قامت على أساس فكرة اختلاف الوضوح السمعي بين الأصوات عموماً، وعلى الأخص، تفاوت الوضوح السمعي بين أصوات الصوائت وأصوات الصوامت، أي بين أصوات الحركات قصيرة ام طويلة، وبين أصوات الحروف الصحيحة. فالصوائت هي أوضح في السمع من صوت الحروف الصحيحة. ولذلك هي برأيهم من تحتل قمة المقطع الصوتي المقتصر على صائت واحد كما قلنا، تاركة هوامش المقطع للأصوات الصامتة وأشباه الصوامت. (13)

    وكنتيجة حتمية ترتّبت عن فصلهم الحركة عن حرفها الصحيح، وقولهم بإمكانية بدء الكلام بحركة أو بساكن أو ساكنين أو حتى ثلاثة؛ فقد كان تعداد أشكال المقاطع الممكنة الوجود في عِلمهم، كثيرة على حدّ توصيف أحمد مختار (14)؛ معللين ذلك بأنّ لكل لغة مقاطع خاصة بها مُستثناة من تلك الكَثرة، قد تتوافق مع مقاطع لغة أخرى وقد لا تتوافق. (15)
    والأصواتيون يعطون كل من الصامت والصائت بنوعيه، القصير والطويل؛ رموزاً مختصرة يستعملونها في تحديد المقاطع الصوتية حسب تصوّرهم، في التسلسلات والسلاسل الصوتية. فالصامت قد يمنحوه رمز (ص)، والصائت قد يمنحوه رمز (ح). ولو كان الصائت قصيراً استحق (ح) واحدة عندهم. أمّا إن كان الصائت طويلاً بعُرفهم، فهو يستحق (ح) مكرّرة مرتين (ح ح)؛ على أساس أنّ الحركة الطويلة حسب قولهم تعادل ضعفيّ طول الحركة القصيرة الزمني في المتوسط كما قلنا.

    (13) (الأصوات اللغوية، ص 87- 88، إبراهيم أنيس)
    ( 14) (دراسة الصوت اللغوي- احمد مختار، ص 299).
    ( 15) (علم الأصوات، ص 503، كمال بشر)

    والعربية الفصحى لم تكسر خاطر مقطعهم، فهي منضبطة مع المعيار القياسي للمقطع، فليس فيها مقطع شاذ أو نادر. فالعربية الفصحى بنظرهم جميعاً [تقريباً]، تقتصر على ستة أنماط من المقاطع، خمسة منها متفق عليها بينهم، الراضي منهم بفكرة المقطع والمشاغب عليها مع أخذه بها؛ ومقطع سادس لا يكاد يُذكر عند تعداد مقاطع العربية. وهذه الانماط الستة يمكن أن تصنّف بحسب رؤية أحمد مختار؛ إلى ثلاث طوائف رئيسية تقتصر على الحركات القصيرة، فينبثق عنها ثلاث طوائف غيرها عند إطالة الحركة القصيرة فيها (دراسة الصوت اللغوي، ص 301). وقبل أن نعرضها، ننبهك إلى أننا سوف نذكر الترميز بالمتحرك والساكن ( / - 0 ) بجانب كل مقطع منها، وذلك من أجل مقارنة اقوالهم مع ما يقوله اللغويون العرب وصاحب عروض قضاعة.

    فالمقاطع الثلاثة الرئيسية عندهم هي:

    1- المقطع القصير [ص ح] ( ترميزه: / ): ويشار له عند اللغويين العرب بالحرف المتحرك. كما في (بَ ، لِ).
    2- المقطع المتوسط نوع [ص ح ص] (ترميزه: /0: ويمثل سبباً خفيفاً على التقريب وليس الانطباق). كما في (قُلْ، هَلْ).
    3- المقطع الطويل نوع [ص ح ص ص] (ترميزه /0 0 : ويمثل على التقريب سبب خفيف مضاف له سكون). كما في (بَـكْرْ، بِـرّ، دَوْسْ).

    وبإطالة الصائت القصير (ح)، في هذه المقاطع الثلاثة الرئيسية لتصبح صوائت طويلة (ح ح)؛ وهذا لا يتحقق إلّا مع حالة حروف المد الثلاثة بمفهومنا؛ فإنّ تلك المقاطع الثلاثة الرئيسية تقفز إلى ستة، هي ما يمثّل مقاطع العربية الستة بنظرهم. هذا مع ملاحظة أنه بهذا التغيير البسيط بنظرنا، سيتغير تصنيف هذه المقاطع المعدّلة تبعاً لذلك، فالمقطع القصير إذا طالت حركته، فلن يعود حينها مقطعاً قصيراً، بل مقطعاً متوسطاً من نوع جديد. والمقطع المتوسط إذا طالت حركته، فلن يعود حينها مقطعاً متوسطاً، بل مقطعاً طويلاً من نوع جديد. هكذا:

    4- المقطع المتوسط نوع [ص ح ح] (ترميزه: /0: ويمثل سبباً خفيفاً على التقريب وليس الانطباق). كما في (مَا، ذُوْ، فِـيْ).
    5- المقطع الطويل نوع [ص ح ح ص] (ترميزه /0 0 : ويمثل على التقريب سبب خفيف مضاف له سكون). كما في (قَامْ، طُولْ، شِيثْ).
    6- المقطع الطويل نوع [ص ح ح ص ص]: (ترميزه /0 0 0 : [؟]: لكنه يمثل على التقريب سبب خفيف مضاف له سكونان). كما في (خاصّ، ضَالّ، هَامّ) المشدد نهايتها دون تحريك، بحسب افتراضهم.

    وبعضهم يسمّي المقطع المتوسط بالمقطع الطويل، ويسمّي المقطع الطويل بالمقطع المديد. ومما يجدر بنا قوله هنا، أنّ تصنيف المقاطع في العربية وفي غيرها، الممكنة الوجود بحسب تصوّرهم شيء، ومكان موقعها في الكلمة أو في سلسلة الكلام شيء آخر. فمنها ما لا يمكن وجوده إلّا بداية السلسلة الكلامية، ومنها ما لا يوجد إلّا في نهايتها، ومنها حُـر التنقل في السلسلة بسبب طبيعته التي افترضوها.
    ونكتفي بهذا القدر، ونشير أيضاً الى أن التفاصيل العميقة لمزاعمهم وتفنيدها واحداً واحدا، مذكورة في (الكتاب الام لعروض قضاعة).

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 145
    المواضيع : 30
    الردود : 145
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    (3)

    عجيبٌ وأعـجب..!

    من يقرأ كتب الأصواتيين يلاحظ افتتانهم الشديد بفكرة المقطع وبالحركات [الصوائت]. ويلاحظ طعنهم الصريح والمبطن باللغويين العرب القدماء..؟! لكون العرب لم يستدلوا على مقطعهم، ولأنهم قلّلو من احترام الحركات بزعمهم..! بقرينة أنهم لم يستدلوا على أن الحركات نوعين، قصيرة وطويلة..! ولأنهم يقولون باستحالة فصل الحركة عن حرفها الصحيح..!

    ويلاحظ كذلك في كتب الأصواتيين العرب على الأخص، وفي كل صفحة فيها تقريباً، حضور تعويذة (العلميّة) ليسحروا بها أعين العرب وعقولهم، وربما سحر الاصواتيون أنفسهم بها وهم لا يشعرون..! وهذا هو سبب تضمين صاحب عروض قضاعة لمبحث "مختصر خريطة العقل" في الكتاب الام لعروض قضاعة، وذلك كي أساعد القارئ العربي على التخلص من ضرر وخطورة تعويذة (العلمية) على العقول. ولا يعنينا في هذا المقالة سوى الجانب العروضي من هذا الافتتان وهذا الاتهام.

    فهذا الغمز واللمز بحق اللغويين العرب، التي لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب الأصواتيون، لعجيب ومؤلم؛ لدرجة جعلت رجلين غيورين من قومنا يفرحان فرحاً عظيماً بنصٍّ وجداه في كتاب كانا يحققاه عن العروض، وهما الدكتور غازي زاهد والأستاذ هلال ناجي، إذ قد فرحا بما قاله أبو الحسن العروضي (ت/ 342 هـ) كأقدم عروضي وصلنا كتابه عن عروض الشعر العربي مكتملاً (الجامع في العروض والقوافي). وهو نص موجود تحت عنوان (باب تفسير الأصوات)، يدحض فيه هذه التهمة عن العرب بظنهما، فقد قالا (ص 56): {**، قد وجدنا في هذا الكتاب مباحث لُغوية دقيقة فاتت الكثيرين من الباحثين المعاصرين. من ذلك مثلاً: دقته في تصنيف المقاطع اللغوية، فقد وضّح لنا أن اللغويين العرب وأولهم الخليل بن احمد الخليل واضع علم العروض، كانوا يدركون المقاطع اللغوية بدءا بأصغر مقطع، وهو ما شك دارسو اللغة المحدثون فيه وتصوروا أن الدراسات اللغوية الحديثة في أوربا أول من أدركت ذلك}.

    والحقيقة أن فرح هذين المحققين وإن كان معروفاً دافعه، وهو مثل دافع صاحب عروض قضاعة بإنشاء هذا المقالة؛ لكن الأدهى هو سباق بعض الغيورين منا على دحض تهمة أن العرب لم تعرف المقطع..! فهذا بحد ذاته تهمة؛ فالعرب ليسوا بحاجة لفكرة المقطع أساساً..؟ سواء عرفوه فعرفوا انه بائس فاشل، أم أنهم لم يستدلوا عليه أصلاً، فأراح الله بالهم وكتبهم منه. فالمقطع فكرة بائسة ومعاقة مذ ولدت، فهو إنما وَهْمٌ تدثر بشبهات صوتية، مثله مثل الوتد المفروق والسبب الثقيل في نظرية الخليل العروضية؛ وهي تنتظر من يعلن عن وفاة هذه الأوهام كلها رسمياً، وإني لصاحب الإعلان عن ذلك إنّ شاء الله..!

    ومثل هذه التهم وجهت لنظرية الخليل العروضية أيضاً، منهم الأستاذ عبد الرحمن آلوجي في كتابه (الإيقاع في الشعر العربي، ص 57) الصادر عام 1989 م، حيث قال: {فالملاحظ في عمل الخليل [في علم عَروض الخليل] أنه يضطرب في ضوء الدراسات الصوتية الحديثة، ولا نجد مقاطعه تنسجم مع أنواع المقاطع الحديثة، وعذره انه اعتمد الأذن الرهيفة وحدها أداة كشف، كما أنه كان يتناول الوحدات الأكبر، فألغى دور الحركة في تكوين مقطع أولي بسيط}. ومثل هذا القول عن الحركة، قاله الاصواتي الدكتور محمد مندور وغيره ايضاً (في الميزان الجديد، ص 228).

    وقولهما هذا جاء ترديداً وتأكيداً منهما لأقوال من سبقهم من الأصواتيين، على رأسهم الدكتور إبراهيم أنيس، وذلك في كتابه (موسيقى الشعر) الصادر عام 1952 م إذ زعم في ص 4، وص 50 من كتابه المذكور، أنّ كتابه هذا هو بحث علمي مؤسّس على الدراسة الحديثة للأصوات اللغوية كما قال، ومتهماً في نفس الوقت منهج الخليل الذي سلكه في صنع بنيان علم عروضه، بأنه نهج فيه نهجاً خاصاً غير مؤسس على الأسس العلمية من الناحية الصوتية بزعمه..!

    فالادعاء بأن اللغويون قلّلوا من احترام الحركات بزعمهم، خاصة في عروض الخليل؛ هو ادعاء غير صحيح إطلاقاً. ويدل على أنهم لم يُتعبوا أنفسهم حتى في محاولة فهم نظرية الخليل العروضية قبل أن يحاولوا نقضها..؟ إذ لو فعلوا ذلك لاكتشفوا أن الخليل ناقض أساسات نظامه واعتمد الحركة في توصيف التغيير الذي حصل في زحافـَيّ الإضمار والعصب، واعتمدها كذلك في وصف بعض العلل، كعلة القطع والقطف. فمع أن اعتماد الخليل للحركة في التفسير مناقض لبنية نظامه، لكن هذا على الأقل ينقض ادعائهم هذا جملة وتفصيلا.

    ومع الاعتذار مقدماً للأصواتيين العجم المنصفين، لأن القول القادم لا يشملهم. فهذه الادعاءات منهم ما هي إلّا ترديد أعمى لمقولة أطلقها كبيرهم الأعجمي الذي علمهم السحر، عندما زار الجامعة المصرية القديمة عام 1929 م، وألقى فيها محاضرات عن علم اللغة وخاصة العربية، يعلم العرب فيها جهل أجدادهم العرب في إدراك صوت الحركات، وأن الإملاء العربي "الملعون" خدعهم..! فتتابع بعض قومنا عليها..؟

    أقصد برجشتراسر [G. Bergstrasser] عندما قال: {إن النحويين القدماء [العرب]، وإن كانوا ألـَمّوا بخواص الحروف الصامتة إلماماً مقبولاً حسناً، لم يوفقوا إلى معرفة طبيعة الحروف الصائتة؛ لأنهم كانوا يتأثرون بالخط خلافا للنطق [!!]، ***، وهذه الضلالة هي منبع ضلالات ومشكلات كثيرة، تجنبناها نحن إذا فهمنا أن الحركات منها مقصورة ومنها ممدودة}.(16)

    وجاء كمال بشر بأسلوبه الساخر في انتقاد ما أنجزه اللغويون العرب، فلم يُفده مدحه لهم في بعض المواضع من كتبه في دحض هذا الاتهام عنه، لأن مدحه لم يخلو من تهكّـم مبطن واستعلاء غير مبرر نهائياً، لم نجد مثله عندما كان يتحدث عن أرباب علمه من الروم. أقول: وجاء كمال بشر بأسلوبه الساخر فاستلم المزمار وعزف على نفس تلك النغمة المهترئة، فقال (مثلاً لا حصراً): {أمّا أن هذه المدّات مسبوقة بحركات تجانسها فهو وَهْمٌ آخر لا أساس له من الصحة؛ إذ ليست هناك حركات سابقة أو لاحقة، وإنما المدات نفسها هي الحركات وهي حركات طويلة، **، وقد ساقهم إلى هذا الاضطراب عدم قدرتهم على التمييز بين الرمز والصوت، أو بين المكتوب والمنطوق}. [!!] (17)


    (16) التطور النحوي لِلُّغَةِ العربية، تأليف برجتستراسر، ص 3 وص 53- تصحيح وتعليق د. رمضان عبد التواب.
    (17) (دراسات في علم اللغة، كمال بشر ، ص 191).


    ألهذا الحدّ كان أجدادنا اللغويون العرب بلهاء قد خدعتهم الرموز الكتابية العربية..!؟ ألم يشفع لهم علم الصرف، أو علم عروض الشعر العربي الذي لا يمكن لأحد إتقانه إلّا إذا قفز الباحث فوق الإملاء فاستخرج المنطوق وأهمل غير المنطوق حتى وإن وجد رمزه الكتابي، في دحض هذه التهمة، بل قل (المسبّة)..! لا أدري لماذا عندما قرأت كلام برجشتراسر قفزت على ذهني قصيدة لأبي الطيب المتنبي تناسب هذا الحال، يقول فيها:
    وماذا بمصرَ مِنَ الْـمُضحِكاتِ .... ولكنّهُ ضـَحِكٌ كَـالبُـكـَا
    بها نَـبَطِيٌّ من أهل السّوادِ .... يُدرّسُ أنسابَ أهلِ الْـفَلا
    ومن جَهِلَتْ نَـفْسُهُ قـدْرَهُ .... رأى غيرهُ منهُ مالا يرى

    وقد تتابع القوم من بني جلدتنا على هذا القول في كتبهم، إلّا قليل منهم منصفون. إذ راح معظمهم يُثبّت تلك التهمة على العرب مرجعاً سببها إلى الخط السامي كأصل للخط العربي، الذي لم يكن فيه رمز كتابي يشير للحركات القصيرة ولا للطويلة؛ وأن اختراع رموز الحركات بعد ذلك هو دليل آخر يؤكد هذه التهمة بظنهم. لكن ماذا لو أثبتنا العكس عن جدارة واقتدار، فقلنا أن إملاء الروم الخاطئ هو سبب الضلالة التي وقعوا فيها وما زالوا واقعين فيها، فقد دفع شدة اضطراب إملاء اللغة الفرنسية والإنجليزية البعض منهم، إلى أن يصفوها بكونها (كارثة وطنية)...! (18)

    وأن الأبجدية الصوتية الدولية (International Phonetic Transcription) التي أمّلوا باختراعها تجاوز عجز الإملاء عن التعبير عن الصوت المنطوق فعلاً، خاصة إملاء لغاتهم المضطرب؛ لم تُفدهم كثيراً. ففوق أن الأبجدية الصوتية الدولية الحالية بها عيوب اعترف القوم أنفسهم بها؛ منها أنها ركّزت على المشاكل الصوتية الخاصة باللغات الأوربية، ثم أنها لم تكن نتاج بحث شامل مستفيض بقدر ما كانت حلاً وسطاً لوجهات النظر المختلفة للدارسين، إذ تم التضحية بالدقة والاطراد في سبيل تجميع وجهات النظر المختلفة معها. (19)

    وعلى ذلك، فالأبجدية الصوتية الدولية لن تُغني عن إملاء اللغة المتعارف عليه بين أهل كل لغة، ما سيضطرهم إلى اختراع إملاء يسير بجانبهما، فليس أيها بديل عن الآخر (ظن عازم). ذلك أن صنع إملاء للغة معينة، مهما كانت؛ سواء عُـبّر عنه برموز دالة على الأصوات، أم عُـبّر عنه بالصور الدالة على الذوات؛ مبعثه الأساس هو الناحية العقلية بالأساس، وليس الصوتية. فلا قيمة لرموز الأصوات الكتابية إذا لم يفسرها العقل. فلولا ذلك لَما ظلت الكتابة الصّورية الصينية المعقدة معمولاً بها لحد الآن، ولَما ظل الإملاء الإنجليزي والفرنسي المضطربين معمولاً بهما لحد الآن أيضاً. وتأكيداً على هذا القول منا، يقول (جوزيف فندريس): {فكرة عمل رسم صوتي يطبق على جميع اللغات، سراب وخداع؛ لأن تنوعات النطق من الكثرة بدرجة يستحيل معها أن يكون الرسم غير تقريبي} (20).

    أقول: وهذا ما دفعهم لاختراع أبجدية أخرى تسمى الأبجدية الفونيمية Phonemic Alphabet أو الكتابة الواسعة Broad Transcription، تختص بكل لغة على حدة، وقد لا يصلح للغة أخرى؛ وهي تستخدم الأبجدية الاصطلاحية العادية، أي إملاء اللغة المتعارف عليه (21). وهذا بعكس الإملاء العربي الذي كان من أوفى النظم الكتابية في العالم بالغرض الذي وضع له؛ وهذا بشهادة أصواتي شهير منهم، وهو الدكتور تمام حسان رحمه الله، قال: {**، إن المرء ليستطيع أن يدعي أن الأبجدية العربية ربما كانت من أوفى النظم الكتابية في العالم، بالغرض الذي وضعت له **} (22). والعرب أيضا يشهدون بذلك لأنهم يحسوه معها ومع غيرها.

    (18) (اللغة - جوزيف فندريس، ص 405).
    (19) (دراسة الصوت اللغوي، احمد مختار، ص 91)
    (20) (اللغة - جوزيف فندريس، ص 406).
    (21) (دراسة الصوت اللغوي، احمد مختار، ص 93)
    (22) مناهج البحث في اللغة- د. تمام حسان، بداية الكتاب، تحت عنوان (تعريف بالرموز المستعملة في هذا الكتاب).


  4. #4
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 145
    المواضيع : 30
    الردود : 145
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    (4)

    وإذا كانت اتهامات الاصواتيين لِلّغويين العرب وللإملاء العربي مؤلمة وعجيبة، فالأعجب منها أنهم وقد صدّعوا رؤوسنا بدعوى (العلميّة) وبالأجهزة (العلمية) التي توفّرت لهم ولم تتوفّر لِلّغويين العرب القدماء، ومع أنّ فكرة المقطع هي فكرة رئيسة في عِلمهم لا قيام لعلمهم دونها، وأنهم يدّعون أنّ أصوات جميع اللغات قائمة عليها وليس على الحرف الصوتي. ورغم أنّ عِلمهم بلغ من العمر فوق المائة سنة، فتعاقبت عليه أربعة أجيال منهم على الأقل؛ إلّا أنّ تعريف المقطع شكل تحدياً لهم جميعاً. فالاختلاف بينهم أنفسهم حول فكرة المقطع وتعريفه قائم حتى الساعة؛ وهو اختلاف مرير جداً. فلا اتفاق بين القوم أنفسهم لا على وجود المقطع وجوداً محسوساً مقطوعاً به، ولا على ماهيته بعد أن افترضوا وجوده.

    استمع لبرتيل مالمبرج المفتون هو الآخر بفكرة المقطع، وهو يدافع عن فكرة المقطع البائسة فيقول: {المقطع syllable: **، الأصوات [الصوائت والصوامت] تتجمع في وحدات أصواتية أكبر منها، وأهم هذه الوحدات هو المقطع؛ وهو فكرة من الأفكار الأساسية في علم الأصوات. وإذا كان علماء الأصوات لم يتّفقوا على تعريف للمقطع [تعريفاً جامعاً مانعاً] فإن ذلك يرجع في جانب منه إلى أنهم يذهبون في تعريفه مذاهب شتى، (صوتية فيزيقية، أو مخرجية، أو وظيفية)} (23). وها هو كمال بشر عميد الاصواتيين العرب يقول بأوضح عبارة لا تقبل التأويل: {المقطع بوصفه وحدة صوتية لم يُحدَّد حتى الآن تحديداً مقنعاً أو متفقاً عليه} (24). وليس كمال بشر هو الوحيد الذي اعترف بذلك، فكثيرون قبله وبعده قد صرّحوا بذلك، عرباً وعجماً.

    أقول (ابو الطيب): فالحقيقة أن اختلافهم على فكرة المقطع ليس سببه أنهم يذهبون في تعريفه مذاهب شتى كما قالوا، بل لأن واقع المقطع ليس له وجود حقيقي هو ما حتّم حضوره، فما هو إلّا واقع افتراضي هُم مَن افترضه [واقع متوهّم]، ثم راحوا يبحثون لوجوده عن دليل وجود..! فلما أعياهم أمره طفقوا يدارون فشله المزمن واختلافهم المرير عليه بالتبرير السابق؛ أي بأن اختلافهم على المقطع إنما هو راجع لكيفية النظر إليه.

    (23) علم الأصوات، ص 154- 155 ـ برتيل مالمبرج ـ ترجمة ودراسة ـ د. عبد الصبور شاهين، 1984م.
    (24) (علم الأصوات، كمال بشر، ص 150).

    والأعجب من ذلك أن اللغويين العرب الذين لم يتشدقوا بتعويذة (العلمية)، لم يختلفوا على مقطعهم الذي هو الحرف الصوتي اختلافَ هؤلاء على مقطعهم، بل قد أدى الحرف الصوتي المهمة المطلوبة منه باقتدار في مبحثَـيّ النحو والصرف، وجزئياً في العَروض..! وها هو الدكتور غانم قدوري الحمد، وهو الواقف بين اللغويين العرب القدماء والأصواتيين المحدثين على مسافة متساوية؛ وهو فوق ذلك رجل يتحرى الإنصاف في أبحاثه، وهو يدعوا إلى الاستفادة من منجزات علم أصوات اللغة المحدث؛ فقد قال كمقدمة تحت عنوان (علم الصرف بين المعيارية والوصفية): {**، فقد كثر الكلام في العصر الحديث على مناهج البحث اللغوي، ودعا كثير من اللغويين العرب المحدَثين إلى إعادة كتابة قواعد اللغة العربية في ضوء تلك المناهج، وظهرت عدة محاولات لتطبيق تلك المناهج على علوم اللغة العربية، وكان لعلم الصرف نصيب من تلك المحاولات التي لم تؤد إلى نتيجة واضحة المعالم في إعادة صياغة علوم العربية، يمكن أن تكون بديلا للتراث الصرفي العربي}.(25)

    ويقول الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف، رحمه الله: {**، وقد نشطت حركة علم اللغة الحديث في أوائل الخمسينات من هذا القرن في العالم العربي؛ وكانت مرجوّة لخير كثير، ولكنها أسفرت - حتى الآن على الأقل- بعد أن خفَت بريق الترجمة، عن حصاد لم يفد كثيرا؛ وفي فترة وجيزة أصبح هناك تكرارا لِما قيل من قبل، ولم تستطع هذه الحركة التي كانت نشطة أول الأمر، أن تتلاحم مع النسيج العربي، وانحسر بعضها في دراسة العاميات تاركة مجال الفصحى. ولكن النتيجة التي تسلم لهذه الحركة، أنها نجحت في تثبيت بعض المفاهيم العامة في دراسة اللغة، وهزت كثيرا من المسلمات. فانطلقت ألسنة بعض الشباب الباحثين وأقلامهم في نقد القديم، وتجريحه وتخطئته والتهجم عليه والتهكم به، دون أن يقدم هؤلاء وأولئك بديلاً عنه}. (26)

    أقول (أبو الطيب): وبرغم هذا القول اللاذع بحق علم أصوات اللغة المحدَث، لكن ذلك لا يعني سوى نقاط الاختلاف بين الفريقين؛ هم فريق وعروض قضاعة فريق، فلا أحد منصف ينكر بعض منجزات هذا العلم.

    (25) أبحاث في العربية الفصحى، الدكتور غانم قدوري الحمد، ص 256.
    (26) اللُّغة وبناء الشِّعر، ص 14، ط1 1992. محمد حماسة عبد اللطيف.

    فمع هذا الكيل بمكيالين لا نملك إلا أن نقول: يا سبحان الله، أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس..؟ تلك والله قسمة ضيزى. فلماذا لم تطاوعهم أنفسهم إلى اعتبار الحرف الصوتي بكلا شقيه، المتحرك والساكن؛ هي مقاطع صوتية بنظر العرب أيضاً. فمن الإنصاف أن تعامل بضاعة الآخرين بمثل ما تعامل به بضاعتك، أليس كذلك..؟ فإنكم أيها الأصواتيون قد أبحتم مثل هذا الاستثناء لفكرة المقطع عندكم فحولتموها من فكرة صوتية عامة مجردة عن المعنى، على ما يفترض بها أن تكون [كحال الحرف الصوتي]، لتنتظم فيها وبها جميع أصوات جميع اللغات دون التفات للمعنى ولا لوظيفة الصوت؛ وذلك لكون الصوت اللغوي أمر مشترك بين جميع البشر لاشتراكهم بنفس الخلقة؛ فحولتموها إلى فكرة مخصصة تتكيف مع كل لغة بعينها..!

    يشهد على ذلك قولهم بأن لكل لغة مقاطع خاصة بها مستثناة من تلك المقاطع الكثيرة العدد الممكنة الوجود، قد تتوافق مع مقاطع لغة أخرى وقد لا تتوافق. بل أنه لـمّا أعيتهم فكرة المقطع الصوتي لكونها تشير لواقع متوهم، اخترعوا فكرة (المقطع الفونولوجي) للهروب من هذا المعضل؛ أي المقطع الوظيفي. فالمقطع الوظيفي لا علاقة له بالبحث الصوتي أساساً (ظن عازم). ورغم ذلك لم يستطيعوا فصله عن المقطع الصوتي أيضاً. لأنه لا يمكن الفصل بين الفونولوجيا والفوناتيك فصلاً تاماً، إذ هما متلازمان من البدء إلى النهاية باعتراف كمال بشر عميد الاصواتيين العرب (علم الأصوات- كمال بشر، ص 505، 509، وانظر ص 150 أيضاً). بل أنهم زادوا على المقطع الفونولوجي فقالوا بأن لكل لغة مقاطع فونولوجية خاصة بها أيضاً..! (دراسة الصوت اللغوي، 286، أحمد مختار). فهم قد فعلوا ذلك مع فكرة المقطع خاصتهم لـمّا أعياهم عدم انضباطها المتأصل فيها لخطئها وبطلانها. فلو كان للمقطع وظيفة محسوسة يؤديها في السلاسل الصوتية، لَـما كان الاختلاف عليه بينهم مريراً جداً. ولن ينقطع هذا الاختلاف بسبب ذلك، حتى لو عُـمّر (دي سوسير) و (برجشتراسر) ألف سنة..!

    ويتابع برتيل مالمبرج تعداد أسباب أخرى لاختلافهم على فكرة المقطع، فيلقي قنبلة من العيار الثقيل، تكفي لحفر قبر للمقطع بانتظار الإعلان عن وفاة فكرته، قال: {ويرجع [الاختلاف] في جانب آخر إلى أن الأجهزة [العلمية!!] التي يعتمد عليها حتى الآن، لم تتح لعلماء الأصوات أن يعينوا حدود المقاطع على المنحنيات والرسوم التي يحصلون عليها [بدقة] [!!]} (علم الأصوات، ص 154 - برتيل مالمبرج). وهو فوق هذه القنبلة؛ يدعونا إلى أن لا نتخذ من قوله الأخير هذا، حجة في إنكار أو نبذ المقطع، فيتابع كلامه ويقول: {بيد أنه من الخطأ أن تستنج من ذلك عدم وجود المقطع}. أليس هذا عجيباً؛ ولا يزيل العجب منه الأجهزة العلمية الحديثة التي توفرت لهم ولم تتوفر للعرب القدماء..!

    والأعجب من ذلك أن برتيل مالمبرج [وغيره منهم ومنا حتى الآن]، يدعونا حتى إلى عدم التشكيك بفكرة المقطع؛ حتى لو لم يظهر واقعها بوضوح، ناهيك عن عدم ظهور حقيقتها لحد الآن. بل ويذكرنا بفضيلة الصبر فيدعونا إلى أن نصبر عليه حتى يخترع لنا قومه أجهزة حديثه تثبت تخيلاتهم عن المقطع وجهل علمائنا السابقين به؛ وما كان ينقصه إلا أن يستشهد لنا بقوله تعالى {وبشر الصابرين}..!

    وإذا كان الصبر فضيلة ولا شك أنها كذلك، لكنها رذيلة إن تبع الرجل أوهام المتوهمين بعدما بلغ معهم غاية العذر؛ فذاك الكتاب لبرتيل مالمبرج ترجم وطبع (وليس ألف) عام 1984 م، ونحن الآن في عم 2020 م، في عقد الانفجار العلمي؛ وما زالت حقيقة المقطع لم تظهر بعد، وما زالت تلك الأجهزة المتطورة لم تخترع بعد، بينما بعضها سجل صوت النجم الطارق..! فظل الاختلاف بينهم على المقطع على حاله [لحد الآن]، وما زال ذلك التبرير على حاله..!

    والقول الفصل مع فكرة المقطع عندهم، أنهم وبعد أن تخلوا عن مفهوم الحرف الصوتي الذي أنجب المتحرك والساكن، والذي يسنده واقع محسوس تماما؛ فقد جاءت فكرة المقطع كضرورة منطقية وليس كضرورة حسيّة عقلية على ما تفترض الطريقة العلمية، أملتها الحاجة إلى تجميع مكونات الصوت اللغوي الصغرى، أي الصوامت والصوائت؛ إلى مكونات أكبر تتماشى مع واقع كلام البشر المؤلف من مجموعات منها وليس فرادى، على ما سنشرح بتفصيل في كتابنا (الكتاب الأم لعروض قضاعة). وهو الأمر الذي خاف برتيل مالمبرج أن نظنه بعد ذكره اختلافهم المرير والمزمن حول المقطع، فسبقنا بالقول {بيد أنه من الخطأ أن تستنج من ذلك عدم وجود المقطع، وأن عدم وجود تجمعات الوحدات الأصواتية (الفونيمات) في مقاطع، هو مجرد اتفاق دون أساس من الواقع الموضوعي، **، ذلك أن أي شخص غير مؤهل لغويا يشعر غالبا شعورا واضحا جدا بعدد من المقاطع في أي سلسلة منطوقة. ويكفي أن نذكر أن نظم الشعر يقوم في أكثر الأحيان على عدد من المقاطع (كما في الفرنسية)، وهو يقدم لنا دليلا على أن المقطع وحدة أصواتية يعيها الأفراد المتكلمون وعيا كاملا. وكل ما يهم علم الأصوات أن يحاول العثور على الواقع الصوتي والمخرجي الذي يقوم على أساسه تجميع الأصوات في مقاطع}.

    أقول: فالواقع إذا كان له وجود حقيقي وليس خيالي متوهم، فيمكن أن يقع عليه الحس [حتى لو كان ذلك بمساعدة الأجهزة التي زادت من قدرة الحس عند الإنسان، وليس من قدرة عقله فانتبه]؛ فعندئذ يستطيع العقل الحكم على وجوده دون شك، وعلى الدوام. فلا بد أن يدل الواقع المحسوس بثبات على نفسه خلال سير الباحث المجد في بحثه، في أيّ فرع من فروع العلوم. بمعنى أن واقع فكرة المقطع لو كان لها وجود حقيقي على الدوام، فسوف يرسل واقعها عند البحث عنه والتفكير به وبما يتعلق به، إشارات للباحث تدله على وجوده، وتدعوه إلى الإلتفات إليه وضرورة البحث فيه، للتأكد من وجوده أولا ثم البحث في ماهيته أو تفسيره ثانيا (راجع مختصر خريطة العقل للمؤلف). فمنهم من يلتقط هذه الإشارات ومنهم من تغيب عنه، ومنهم من يفسره تفسيرا متأثرا بأهواء النفس؛ أو لعل سبباً شوش عليه ذهنه كاسلوب التفكير المنطقي كثير المزالق، فلم يصل لنتيجة صائبة بحقه.

  5. #5
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 145
    المواضيع : 30
    الردود : 145
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    (6)

    فمقطع الأصواتيين لم يثبت وجوده أصلاً وفصلاً، إنما هو متدثر بشبهات صوتية؛ لكن القوم أوهمونا بأنهم وضعوا أيديهم عليه، وإنما هم مختلفون على ماهيته فقط؛ حيث الاختلاف على ماهية الشيء واردة..؟ فمنذ فجر التاريخ أدرك البشر وجود الشمس، لكن اختلفوا على ماهيتها، لدرجة جعلت البعض يظن أنها إله فعبدوها. فالقوم عندما قالوا إن سبب اختلافهم على مقطعهم يرجع لطبيعة النظرة إليه، هي مغالطة عقلية وقعوا بها، وأوقعوا غيرهم بها؛ فالحقيقة أن سبب اختلافهم عليه، ورفض صاحب عروض قضاعة له؛ أن وجوده هو المشكوك فيه أصلا وفصلا، فكل تلك الدلائل عنه إنما هي شبهات صوتية كشبهة الخليل عن الوتد المفروق وعن السبب الثقيل.

    والذي يشهد لنا ضمنيا بما زعمناه، أي بكون أن معضلة المقطع المزمنة كامنة في الوجود وليس في الماهية، الباحثة المجدة الدكتورة فاطمة الهاشمي بكوش. فهي بعد أن استعرضت جميع محاولات تعريفات قدامى الأصواتيين العرب للمقطع [حتى عام 2004 م]، قالت: {إن تحديد المقطع بوصفه وحدة صوتية هو منجز آخر من منجزات اللسانيات، إذ لا نجد هذا المفهوم في الدراسات الصوتية التقليدية، ومنها الدراسات الصوتية العربية **. وقد وظف اللسانيون العرب المقطع في تحليل الوحدات الصوتية في اللغة العربية. **، وقد اختلف اللسانيون العرب في تعريف المقطع، **، وتبدو هذه التعريفات مرتبكة ومبهمة، وغير محددة، ولا تستند إلى معيار أو قاعدة}. (نشأة الدرس اللساني الحديث، ص 110)

    ويتوالى التعجب بعد الذي رأيناه فيما سبق، وفيما سنراه فيما هو قادم في الكتاب الأم لعروض قضاعة؛ أن علمهم المؤسس على أسس علمية والمستخدمة فيه أجهزة علمية لم تتوفر للأقدمين بزعمهم، لم يستطع تفسير إيقاع الشعر العربي ولا التغيرات الصوتية الحاصلة فيه (الزحاف والعلة). فالقول بأنّ سبب عدم حصول النشاز بحضور الزحافات، انما هو تحويل المقطع المتوسط إلى مقطع قصير، على ما يزعم ايراهيم انيس كأول أصواتي عربي (موسيقى الشعر، ص 149)؛ ليس بتفسير لماهية عَروض الشعر العربي، إنما هو توصيف آخر لهذا الواقع باستخدام فكرة المقطع البائسة، حاله حال توصيفات الزحاف في نظام الخليل بالاستناد على مفهوم الحرف الصوتي بكلا شقيه المتحرك والساكن.

    بل يكاد أن يكون قول أنيس هذا، هو نفس قول الخليل بتحويل السبب الخفيف إلى حرف متحرك عن طريق حذف ساكن السبب كزحاف..؟ فالمقطع المتوسط عند الاصواتيين يوازي على التقريب وليس على الانطباق، السبب الخفيف في الناحية القياسية لعروض شعر العرب، سواء المفتوح منه أو المغلق [لَمْ - مَا: /0]، والمقطع القصير عندهم هو الحرف المحرك عندنا [لَ- مَ: /]. ما يعني أنّ مقطعهم إنما إلتَفّ على مصطلح الساكن عند العرب. فليس هناك فرق جوهري بين قول كلا الفريقين في تفسير سبب أنّ هذه التغييرات لم تُؤدِ إلى نشاز صوتي في شعر العرب، فكلا القولين مجرّد وصف لم يفسر هذه أصل هذه القضية، ما يجعل كلا القولين نسبةً لبعضهما البعض، أشبه بالمثل الذي يقول (هذه أذني وهذه أذني)، فقول أنيس هذا هو نفس قول الخليل إنما بطريقة ملتفة، بل هو أكثر تعقيداً من قول الخليل.

    نقول هذا مع التنويه على حقيقة أن عروض الشعر العربي هو الميدان الحقيقي لاختبار النظريات الصوتية. هذا الميدان الذي رأيت معظم الأصواتيين يتحاشونه، عرباً وعجماً؛ مع أنه من صميم تخصصهم..! ومن جرّب منهم اقتحامه متسلّحاّ بأدوات الأصواتيين، كابراهيم أنيس ومحمد مندور وسليمان ابوستة، وغيرهم، فلن يجني إلّا الشوك، وسيعود بخفيّ حنين.

    وتأكيداً منا للزعم السابق، يقول دافيد ابر كرومبي (David Aber Crombie)، وهو أصواتي غربي بارز؛ وذلك بداية رسالته التي تبحث في العروض الإنجليزي مع مقارنته بالعروض الفرنسي دون غيرهما، قال: {أوَد أن أقول في مستهل حديثي: أني لا اهتم بالعروض اهتمام الهواة. إذ أراه من صميم تخصصي، ومن ثم فأنا أدرسه دراسة المتخصص المحترف. والحق أنّ معظم علماء الأصوات لا يلقون بالاً إلى العروض، كما أنّ العروضيين لا يلقون بالاً إلى علم الأصوات. والسبب في هذا وذاك (على ما يبدو) أنّ الفريقين لم يتفقا على أسُس معرفية مشتركة}. (27)

    وبخصوص رأي الأصواتيين العرب بهذا العزوف، لنستمع لسعد مصلوح، وهو أصواتي عربي بارز؛ قال: {ما أظن مشتغلاً بالدرس الصوتي واللساني بحاجة إلى أن يلقي معاذيره حين يبدي اهتماماً بمسائل العروض وقضايا الإيقاع الشعري. نعم إنّ هذه المسائل والقضايا من الشواغل الأصلية لدى أهل الأدب ورجال النقد، بيد أنها واقعة في الصميم من مشكلات الدرس الصوتي. ومن ثم فإنّ اهتمام الأصواتيين بها هو اهتمام مِهَني؛ والصوتي فيها شريك أصيل. هذا ما أدركه جمهرة من نقادنا الرواد من أمثال محمد مندور (1943)، ومحمد النويهي (1964)، وشكري عيّاد (1968)، فحملهم ذلك على إنتاج حقل الصوتيات، يلتمسون فيه حلاً لِما أشكل من قضايا العروض. أمّا الأصواتيون فقد ولجوا هذا الميدان على استحياء، حتى إنّ كتاب إبراهيم أنيس (موسيقى الشعر)، يقف شاهداً فرداً على تقادم عهده وتجاوز الزمن إياه في كثير من مسائله. لهذا كان عجباً أن ينصرف الأصواتيون [العرب] عن معالجة قضايا الوزن والإيقاع، مع توافر الدواعي وإلحاح الأسباب،**}. (28)

    فالدكتور إبراهيم أنيس رحمه الله، وهو أحد أوائل الأصواتيين العرب، والذي اتهم الخليل عند صنع نظامه بأنه نهج فيه نهجاً غير مؤسّس على أسس علمية، قد أعيته فكرة المقطع التي جاءوا بها في وصف عَروض الشعر العربي، وصفاً محكماً مترابطاً شاملاً كما فعلَ الخليل، ناهيك عن فشله في محاولة بيان ماهيَّته كما قلنا قبل قليل. فمع أن الوتد المجموع ككيان قائم بنفسه (//0)، ليس له مكان في مقاطع الاصواتيين، لكننا وجدنا ابراهيم انيس بعد أن أعيته فكرة المقطع، يعود إلى ثلاثة تفاعيل من تفاعيل الخليل كاقتراح يمكن تطبيقه عملياً لصناعة مسطرة تقيس عروض الشعر العربي (موسيقى الشعر، ص 139). فليس في محاولة د. أنيس أيّ نظامٍ جديد كما يدعي، وإنما هي محاولة للتسهيل، جاءت مختزلةً إلى حدّ الابتسار المخلّ على حدّ وصف د. عمر خلوف، وهو محق في ذلك. (29)

    ومع أن الاستاذ سليمان ابو ستة ليس بأصواتي في الأصل، انما هو عروضي خليلي بارع جداً، لكنه جرّب الاستفادة من معطيات عِلم أصوات اللغة المحدَث في صنع نظرية عروضية عربية جديدة، صدرت عام 1992 (في نظرية العروض العربي)، مؤسسة على فكرة المقطع البائسة بنظرنا. وبرأيي أن نظريته لم توفّق في أن تكون بديلاً حقيقياً عن نظرية الخليل، ولا حتى أن تكون مساعدة في فَهم نظرية الخليل؛ إنما هي بنظرنا قد عَمّقت من مأساة فكرة المقطع البائسة بأيد عروضية هذه المرّة. ولعلنا نفرد مقالة نناقش فيها نظرية الاستاذ سليمان ابو ستة بكل إنصاف، فنبيّن ما لها وما عليها من وجهة نظرنا.

    (27) [(العروض من وجهة نظر صوتية، ص 47، ترجمة: علي السيد يونس). وراجع لنفس المؤلف نفس هذا الكلام في: (D. Aber crombie/ studies in phonetics and linguistics, oxford univ. press)- نقلاً عن: (المستشرقون ودراسة العروض العربي، ص 190)].
    (28) (في مسألة البديل لعروض الخليل- دفاع عن فايل، ص 204).
    (29) ( دراسات عروضية رَائِدَة- إبراهيم أنيس: للدكتور عمر خلوف- مقالة على الانترنت)

    فعروض الشعر العربي وعلى عكس ما أوهمتنا نظرية الخليل العروضية ومسطرة نظامه، هو غاية في الدقة الإيقاعية والصوتية المذهلة، وهو يستند على أساس صوتي بحت كنخاع العظم الصافي؛ ولا دخل له باللغة؛ لكن تأثر الخليل بأبحاث اللغة هو ما أفسد عليه نظريته وصعبها أيما تصعيب. وبالتالي، فلماذا عجز الاصواتيون الذي علمهم مؤسس على ما ذكروه من أسس علمية، عن تفسير دقائق عروض الشعر العربي على ما سيتضح لنا في كتابنا (الكتاب الأم لعروض قضاعة). ولماذا عجز علمهم، وهو المؤسس على ما ذكرنا، على أن يؤدي إلى نتائج واضحة في علم الصرف، كمثل ما أداه بحث اللغويين العرب له بالاقتصار على الحرف الصوتي؛ هذا المبحث الذي نال من تهكمهم أكثر مما نال غيره من مباحثهم، يرى ذلك كل قارئ لكتبهم.

  6. #6
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 145
    المواضيع : 30
    الردود : 145
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    (7)
    هي الحرب إذن .. !

    حيث أن هذا العنوان إنما هو (مقالة فقط)؛ إذ أن التفصيل العميق لدعاويهم ودعاوي صاحب عروض قضاعة، موجودة في الكتاب الأم لعروض قضاعة. فإني أعدكم أنه في المبحث المخصص من هذا الكتاب، لن أكتفي بنزع الهالة المقدسة الزائفة عن مقطعهم على فعلنا ها هنا، بل أني سأعلن عن وفاة فكرة المقطع في كتابي بكل اقتدار وجدارة. فسوف أعفر وجه فكرة المقطع بالتراب، وسأكسر ظهرها بحيث لن تقوى على النهوض مجددا، فلن أدع لهم ثغرة قد ينقذون بها مقطعهم البائس إلّا وأقفلتها.

    فما كنت لأعلن عن اقتدار عن وفاة وهم الوتد المفروق ووهم السبب الثقيل في علم عروض الخليل، بل والإعلان عن انتهاء صلاحية علم عروض الخليل للاستخدام، وذلك لظهور علم عروض قضاعة كبديل عنه؛ أقوى وأحكم؛ وأدع لهم مقطعهم البائس يهنئون به، وتفتنون به العرب..! فما كنت لأترك فعل ذلك والخليل بن احمد الفراهيدي الأزدي، أحبّ وأقرب إلى قلبي ونفسي ولساني من دي سوسير..!

    هي الحرب إذن .. ؟!
    نعم، هي الحرب إذن. أو لأقل بكل جرأة ووضوح، أو إن شئتم بكل صفاقة: لأتغدى بهم قبل أن يتعشوا بي..! لكن بالمعروف والصدق والعقل والقرائن. فلا بد لصاحب عروض قضاعة من أن يفري كبد الأفكار المتصادمة مع أقواله بسيف مكتشفاته وعقله، لا أن يترك علمه وجهده غير البسيط المبذول في صقل بنيان علم عروض قضاعة، تحت رحمة سيفهم الذي يمارس السحر بتعويذة (العلمية)، التي تسلطت على النفوس والعقول في هذا الزمن الرديء.

    وإلّا فكيف سيكون لعروض قضاعة مكان تحت الشمس، وقد كان عروض الخليل يحتل عين الشمس عن جدارة فأزحته عنها باقتدار. ولم أحسب أن هناك أحدا غيره، حتى وجدت الاصواتيون ولم أجدهم غيره..! لكن وجدت بعض غيومهم تحجب عين الشمس؛ ولا بد من إزالتها لتخلو لي الشمس فيخلو لي وجه العرب. فإنما تكون ديمومة العلم ونشاطه بصراع الأفكار من اجل تمحيصها {كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، كذلك يضرب الله الأمثال (17)}: (س. الرعد).

    فإن كان ما جاء به صاحب عروض قضاعة وما سيجيء به جفاء، فإنه حتى الآن لا يعلم ذلك بحق علمه، فليثبتوا له وللآخرين ذلك إن قدروا عليه، لعل وجه العرب يخلو لهم..! لكنهم لن يقدروا عليه بإذن الله. ثقوا أيها العرب بما أقول، فإني قد قهرت مقطع القوم وطريقة إملاء لغاتهم الأعجمية بتوفيق الله ومعونته. وقد أطمأن عقلي وطابت نفسي عن الإعلان بكل جرأة وتحدي، انه في اللحظة التي سيخرج بها عروض قضاعة للعلن - وقد ظهر- فهي ساعة وفاة فكرة المقطع، فأرّخوا وفاتها بظهوره. أما وقد فعلت ذلك عن جدارة واقتدار، فمن حقي حينها أن أطالب ببقية أبيات قصيدة المتنبي، لتخبر عنه وعني:
    لِتَعلَمَ مِصْرُ ومن بِالعراقِ .... ومن بالعَواصِمِ أَنِّي الفَتَى
    وَأنِّي وفيْتُ وأنّي أَبـَيْتُ .... وأنّي عَتَوْتُ على من عَتَا
    وما كُلّ من قال قولاً وَفَـى .... ولا كُلّ من سِيـْمَ خَسفاً أبَـى
    ولا بُدّ للقَلبِ من آلَةٍ .... ورأيٍ يُصَدِّعُ صُمَّ الصَّفَا
    ومن يَكُ قلبٌ، كقلبِي له .... يَشُقُّ إلى العِزِّ قلبَ التّوَى


    انتهت هذه المقالة.

  7. #7
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 145
    المواضيع : 30
    الردود : 145
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    (7)

    عروض قضاعة
    ' Arood Qud'ah

    عَروض قُضاعة علمُ عَروض عربي مُقَـنّـن مُحكَم، كان قد تخـلّقَ في رَحِم عَروض الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم خرجَ مولوداً جديداً لا صِلة لهُ بأُمّه، على غير ما جرت به العادة..!

    وإنّي أُشبّهُ صفحات كتابي هذا في امتدادها [الكتاب الأم لعروض قضاعة]، كأنها طَلقُ الحامل التي على وشك الوضع،كان فيها عَروض قُضاعة يوسّعُ لنفسه كي يُولَد مثبَتاً ومكتملاً. فلا تقتطع من كتابي هذا قولاً لي إلّا إذا كنت قد استوعبت كل ما فيه، فهو عِـدّةُ كتُبٍ في كتابٍ واحد.

    ولستُ أقول هذا الكلام خَشيةً من شيء، إنما هوَ كتابي وأنا أدرى به. فهذا الكتاب لم أكتبهُ لنفسي، بل كتبتهُ للعرب؛ ولأنّ العربَ لم تعرف غير عَروض الخليل، صار لِزاماً أن أُثبِتَ لهم قولي بدلالة ما يعرفون.

    فبسبب حرصي الشديد على مراعاة التسلسل الفكري للقارئ، وتبياناً لبراهيني بأوضح وأحسن صورة ممكنة، وحرصي على ضرورة تَـخلُّق أعضاء عروض قضاعة، تـخلّقاً سَلِساً خلال الإبحار في هذا الكتاب؛ بحيث يسير فيه القارئ سيراً طبيعياً دون فـجوات فكريّة، آخِذٌ بعضه برقاب بعض؛ فقد أدّى بي هذا الحرص إلى تـَجزِئة الأقوال على أكثر من مبحث.

    فإنّي لو لم أُخرِج عروض قضاعة من رَحِم عَروض الخليل، لـَخرج عَليّ ألفُ خارج بألف سؤال، ولأجلسوني جِلسَة الصابئ. ولَما صارَ لعروض قضاعة مكان في قرص الشمس. كما أنّ البيّنة على من ادّعى، واليـمين على من أنـكر، وليس لي عند العرب حقٌ قد أنكروهُ فـيلزَمـهُم اليـمين، إنما أنا الذي ادّعَيتُ فـلـزِمتني البيّنة، فكان هذا الكتاب الأُم لعلم عروض قضاعة.


    أبو الطيب القريني البلوي القضاعي.