
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة براءة الجودي
مقدّمة هادئة ورياح خفيفة لهطول مطر مؤكّد يشتدّ تدريجيا في أبيات القصيدة ، أعجبني استعمال البنّ حقيقة لاسيّما أنّ له دور على التركيز والتأمّل ورائحته ودفئه يميل إليها أغلب الكتّاب فكان توظيفا ذكيّا لهذه اللفظة.
المعنى هذا رغم أنه متداول ولكن توظيف الوضوء كان دقيقا ورائعا فالوضوء يزيد من ضياء المؤمن فليس كل صمت يكسوه الهيبة والوقار فهناك صمت خائف وصمت مُتجسّس وصمت حاقد لذا كانت صورة حسنة في استعمال السمت وتشبيهه بالماء وهذه استعارة مكنية ذكر فيها الشاعر المشبه وهو السمت وحذف المشبه به وهو الماء ودلّت على المحذوف القرينة (وضأت) والجامع بين السمت والماء هو الصفاء وحُسن الهيئة مع السكينة ، تشبيه موفّق.
وبين صمتي وسمتي جناس ناقص.
كذلك في العجز استعارة مكنية جعل الضرّ كالإنسان المتجنّي والجامع بينهما وقوع شيء من الأذى والاتهام وهذا ماتدل عليه القرينة (تجنّى).
جميل النغم الموسيقي والإحساس خصوصا في العجز
التقسيم في البيت الأول (أغض) (والبسمة البلهاء) (في شفتي) (ولوعة الوجد) (في ) (عيني تنتشر) أعطى التراكيب تدريجا جيدا في تتابع الوصف لرسم صورة لأحد صور الشعور والوجد.
والبيت الثاني متماسكا وأقرب للشعر العباسي في تركيبه وجماله كما أن استعنال(لأيًا) زادت قوته ومتانته مع العجز بشكل خاص.
صورة ايضا جميلة كعادة الصور المتنوعة في أشعاركم أن تجعل للأسئلة شباك لأن السائل يفتح بابا أو نافذة يبحث فيها إلى أن يتلقّى الإجابة التي تشفي صدره ،وهنا تبعا لصورة البيت بشكل كامل أنّ نافذة الأسئلة التي تردُ على الشاعر تُفتح وتتجدد باستمرار مع نمو الحزن القديم الجديد ، ولفظة (مازال) يدلّ على استمرارية الفعل ووجود الأثر، وقول (فهل ياحزن تنحسر) فالسؤال بهل أعطى لمسة لطيفة غير مضجرة ولا ساخطة ولكن بنفس صبورة وأمل أن تنحسر ، ولاحظوا لم يقل تبتعد أو تزول أو ترحل أو كلمة أخرى بديلة بل لفظة ( تنحسر) ليس من أجل القافية فقط بل لأنّ الانحسار لا يكون سريعا ودفعة واحدة بل على دفعات شيئا فشيئا حتى يزول بالكامل والهموم والأحزان لا ترحل مرة واحدة إنما تنحسر وتنكشف بالتدريج ثم يظهر نور الفرج والبشرى ، وهو حقيقة استعمال حكيم .
الله الله !
هذه تجعل القارئ تبتسم فيها الإحساس والتصوير والمعنى خصب وجميل واستعمال بعض الألفاظ التي زادت بروزها وتميزها مثل (فلا تؤودي) وهي أخف وألطف من فلا تعوجي وكذلك تُعد متوسطة وليست خفتها ككلمة و(تثني) التي قد تناسب في المديح أحيانا ، (فلا تؤودي) أنسب في العتاب والعظة ، رأيت استعمالها جيدا هنا.
والابتكار وخصوبة الخيال مشهود في قراءة الإبداعات لكم في الواحة.
واستعمال نوارس القلب مازالت محلقة كان الشعور فيها متدفّقا والعاطفة عالية ثم زاد الجمال والابتسامة الاقتباس المباغت لأحد أبيات جرير الذي أعطى معنى رائعا يؤكده بعد نفي " إلا العيون التي في طرفها حور".
وَهَــا اجْـتَبَيْتُ فَــهَلْ أَنْـتِ الَّتِي انْتَظَرَتْ = مَـفَاتــِـحُ الــغَيْبِ أَمْ هَـلْ زَاغَ بِــي الــبَصَـرُ؟
وكما بدأ القصيدة بهدوء وتأمّل وحيرة أنهاها بنفس الوتيرة مع إضافة سؤال يحيّره موجّه للمُخَاطَب ، ولا أعلم لم اشعر أنه فيه شيء من السؤال الإنكاري وقد أكون مُخطئة.
بالمجمل قصيدة جميلة ورقيقة وسهلة
تقديري