أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الزحاف بين الواقع النظري في نظرية الخليل والواقع الحقيقي في الشعر

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 145
    المواضيع : 30
    الردود : 145
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي الزحاف بين الواقع النظري في نظرية الخليل والواقع الحقيقي في الشعر

    الزحاف بين الواقع النظري في نظرية الخليل والواقع الحقيقي في الشعر


    الزحاف بالعادة لا يستغرق كل الأسباب في البيت، حتى لو كان الواقع النظري في النظرية العروضية يحتمل ذلك؛ فشواهد شعر العرب خالية من هذا الاستغراق. فشطر الطويل التام مثلاً: (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن)، من النادر جداً، بل من المعدوم؛ أن ترد فيه (فعولن) مقبوضة أينما وردت (فعولُ //0 / )، ويكون ذلك قد ترافق في نفس الوقت مع كون (مفاعيلن) فيه قد أصابها زحاف مركّب من القبض والكف (مفاعلُ //0 // )، هكذا: (فعولُ مفاعلُ فعولُ مفاعلن)؛ بل ولا حتى هكذا: (فعولُ مفاعلُ فعولن مفاعلن). وهذا الاستغراق المكروه بشدة في الزحاف، أكثر ما يحصل هو فيما لو أصاب الزحاف السببان المتجاوران في حشو السلسلة.

    وهذان السببان المتجاوران قد يقعان في نفس الجزء، كما في الأجزاء الخمسة التالية: (مستفـعلن، مفعولات، مفاعيلن، متَـفاعلن، ومفاعلَتن) (1). وقد يقعان بين حدود الأجزاء المؤلفة لشطر من البحر المعين [كما في المديد والرمل والخفيف والمجتث: (فاعلاتن فاعلن)، (فاعلاتن فاعلاتن)، (فاعلاتن مستفع لن)، (مستفع لن فاعلاتن)].

    (1) إمكانية وقوع المعاقبة لجزء الكامل متَـفاعلن، ولجزء الوافر مفاعلَتن، هو على اعتبار أنّ (متَـفا - // /0) للكامل و(علَتن - // /0) للوافر، مؤلفتان من سببين متجاورين، الأول منهما ثقيل والآخر خفيف، بهذا الترتيب؛ وتطبيق نص المعاقبة في الكامل والوافر مضطرب ومختل كما سنرى في الكتاب الأم لعروض قضاعة.
    وقد كان من حق جزء المضارع فاع لاتن ( /0/ - /0 /0 ) أن تشمله المعاقبة أيضاً؛ لأنه من فئة الأجزاء التي وقع فيها السببان المتجاوران في نفس الجزء؛ ذلك أنّ (فاع) وتد مفروق، و(لاتن) بعدها سببان خفيفان متجاوران بزعم الخليل. لكن لـمّا كان المضارع مجزوء وجوباً بتقرير الخليل، فإنّ (لا تن) ستقع في موضع العروضة والضرب، وليس في الحشو [المضارع المجزوء: مفاعيلن فاع لاتن]؛ فتنحصر المعاقبة فيه بذلك في (مفاعيلن) فقط. وفي (المراقبة) المختصة بالمقتضب والمضارع، ستنحصر المراقبة في المضارع في (مفاعيلن) لذات السبب.


    وهذا المعضل، أي الاستغراق المكروه بشدة في الزحاف، قد انتبه له الخليل في نظامه، فحاول حله عن طريقين، الأول: باختراع ثلاثة تفريعات إضافية للزحاف تعالج كيفية توجيه الزحاف للتعامل مع السببين المتجاورين في السلسلة، وهي: المعاقبة، والمكانفة، والمراقبة. فهذه الثلاثة ليست زحافات في نظام الخليل، إنما من ألقاب الزحاف.

    فالمعاقبة [أو التعاقب]: تعني أنه ممنوع زحاف كلا السببين المتجاورين في السلسلة معاً، إنما يجوز فقط زحاف أحدهما، أو تركهما معاً دون زحاف [وقد أُخِذَ مسمّى المعاقبة من تعاقُب الرجلين على الدابة في السفر، فهما لا يجتمعان عليها معاً، وقد ينزلان عنها]. والمعاقبة تقع في كلا الاحتمالين، أي مع سببـَيّ الجزء الواحد، ومع السببين المتجاورين بين حدود الأجزاء. ومبدأ المعاقبة مبدأ صارم في نظام الخليل، فهو يفيد المنع القطعي. (2)

    (2) وقد صنع الخليل للأجزاء المنخرطة في المعاقبة ألقاباً تخصها؛ لا تسمن ولا تغني من جوع، بل أنها متشابكة مع مصطلحات قائمة في نظامه. فحيث أنّ المعاقبة قد تقع بين جزأين، وليس فقط داخل الجزء نفسه، وأنّ زحاف الجزء المستهدف بالمعاقبة مرتبط بزحاف ما قبله وما بعده، فقد صنع الخليل مصطلحات بيّن بواسطتها ذلك؛ فما زوحِف لمعاقبة ما قبله سُـمّي (الصدر)، وما زوحِف لمعاقبة ما بعده سُـمّي (العَجُز)، وما زوحِف لمعاقبة ما قبله وما بعده سُـمّي (طرفان). أمّا ما سَلِم من المعاقبة فاسمه (البرئ). (العِقد الفريد ج 6/ 277)، (الجامع، ص 105)، (شفاء الغليل، للمحلّى المتوفى سنة 673 هـ، ص 79). فعلى ذلك، فالصدر والعَجُز لهما معنيان في نظام الخليل، المعنى المعروف وهذا المعنى المذكور هنا؛ بل وأدخل الخليل هذه المصطلحات في جُمل وصف نظامه التي تصف أنواع البحر وتحصرها [انظر شواهد المديد ذوات الأرقام: 9- 10- 11- 12، في الملحق رقم (1)]

    وأمّا المراقبة [أو التراقب - الترقب]: فهي أنه يجب سقوط ثاني أحد السببين المتجاورين وثبات الثاني منهما، فهما لا يثبتان معاً ولا يسقطان معاً. وقد قرّرها الخليل في المضارع والمقتضب فقط. والمراقبة مبدأ صارم في المنع أيضاً، وهي مخصوصة بفئة الأجزاء التي وقع فيها السببان المتجاوران في نفس الجزء.


    وأمّا المكانفة، فهي أنه يجوز لك جميع احتمالات الزحاف مع هذين السببين المتجاورين. وعلى ذلك، فالمكانفة مبدأ غير صارم في المنع، لأنه لا منع معه؛ فهو يبيح لك جميع الاحتمالات دون محاذير. والمكانفة مخصوصة بفئة الأجزاء التي وقع فيها السببان المتجاوران في نفس الجزء. وهي محصورة بالجزء (مفعولات) في المنسرح، وبالجزء (مستفعلن) أينما ورد في البحور، ما عدا (مستفعلن) الواقعة عروضة في المنسرح التام، فهذه أدخلها الخليل ضمن مبدأ المعاقبة لسبب سبب لنا أن شرحناه في مقالتنا (عقلية الخليل الرياضية المفترضة والسر الدفين).


    ولـمّا كان الجـزء هو أسّ نظام الخليل، وكان مفهوم الزحاف في نظامه مركباً عليه؛ فقد كان لا بد أن يكون التعبير عن هذه الثلاثة، أي: المعاقبة، والمكانفة، والمراقبة؛ يمر عبر الأجزاء؛ وهذا جعل من مَهمّة توصيفها على كل بحر، خاصة مبدأ المعاقبة، معقداً جداً ومشوشاً للذهن. وبعض العَروضيين استعاض عن الإشارة للمعاقبة من خلال السببين المتجاورين، بالإشارة للحرف في الجزء الذي ثانيه ثاني سبب، حيث ثاني السبب هو موضع عمل الزحاف ومسمّاه، وهذا زاد من التعقيد والتشويش.(3)

    (3) (فمثلاً) هناك معاقبة في السببين المتجاورين في الجزء نفسه، كما في مفاعيلن ( //0 /0 /0 )، الموجود في الطويل والهزج. وحيث أنّ هناك زحافين يدخلان على مفاعيلن لاحتوائها على سببين، هما القبض والكف، وبالتالي فهناك معاقبة بين الكف والقبض؛ فقد يقال: (في هذا الجزء مفاعيلن معاقبة، فإذا دخله القبض سَلِم من الكف، وإذا دخله الكف سَلِم من القبض؛ ولا يجوز فيه دخول القبض والكف معاً [فتصير: مفاعلُ //0 //]، لكن يجوز أن يسلَـم منهما معاً). وقد يقال: (في هذا الجزء مفاعيلن معاقبة، فالياء فيه تعاقب النون، فإذا دخله القبض سَلِـمَ من الكف، وإذا دخله الكف سَلِـمَ من القبض، ولا يجوز فيه دخول القبض والكف معاً، ويجوز أن يسلم منهما معاً). وقد يقال: عن المعاقبة في السببين المتجاورين بين حدود الأجزاء، كمجيء المعاقبة من الجزاين (فاعلاتن فاعلن: /0 //0 /0 - /0 //0 ) في المديد، أنّ النون من (فاعلاتن) تعاقب الألف من (فاعلن)، فمهما زوحف (فاعلاتن) بالكف سَلِـمَ (فاعلن) بعده من الخبن، ومهما زوحف (فاعلن) بالخبن سَلِـمَ (فاعلاتن) قبله من الكف. (الغامزة، ص 90)، (وراجع شفاء الغليل، للمحلّى المتوفى سنة 673 هـ، ص 79؛ فقد توسع في ذلك توسعاً يصدّع الدماغ).

    أمّا الطريق الثاني الذي حل به الخليل ذلك المعضل، أي الاستغراق المكروه بشدة في الزحاف، فقد كان ذلك عن طريق فكرة (مراتب الزحاف). فمراتب الزحاف هي وصفٌ لمدى حُسن الزحاف أو قبحه في البحر المعين، استناداً على نسبة شيوعها في الشعر، أو بتدخل مباشر من ذوق الخليل نفسه. وقد قسّم الخليل مراتب الزحاف إلى ثلاث مراتب: مرتبة الـحَسن، ومرتبة الصالح، ومرتبة القبيح. وتستطيع أن تعتبر أنّ (الاعتماد) الذي قرّره الخليل في قالب وحيد للطويل، ينتمي لفكرة مراتب الزحاف، أمّا الاعتماد في المتقارب فليس كذلك كما سنرى في حينه.

    وآلية تطبيق فكرة مراتب الزحاف تمر من خلال فكرة الجزء، وهذا يكون بوصف الزحاف الواقع على الجزء المعين في البحر المعين، بأحد هذه المراتب الثلاث. ومع الانتباه هنا إلى أنّ مراتب الزحاف موجهة فقط للزحافات التي نجت من مبدأ المعاقبة والمراقبة الصارمين، وبما أباحه مبدأ المكانفة غير الصارم.

    والخليل لم يخص كل جزء في البحر بمرتبة واحدة من هذه الثلاثة، بل عمّم المرتبة المعيّنة الممنوحة لزحاف معيّن منها، على البحر نفسه بجميع قوالبه. ففي البسيط المؤلف من الجزء (فاعلن) والجزء (مستفعلن) في كل قوالبه بلا استثناء؛ حيث زحاف الخبن يمكنه الدخول عليهما كلاهما، أمّا زحاف الطي والخبل فهما مقصوران على الجزء (مستفعلن) التي تبيح لها المكانفة جميع احتمالات الزحاف. فيقال في نظام الخليل تعبيراً عن مراتب الزحاف في هذا البحر بجميع قوالبه الآتي: {**، ويجوز في حشو البسيط: الخبن، والطي، والخبل، **، والخبن فيه حسن، والطي فيه صالح، والخبل فيه قبيح} (العقد الفريد، ج6/ 298).

    وتعميم الخليل للمرتبة المعيّنة على البحر نفسه بجميع قوالبه، هو أعظم ثغرة في فكرة مراتب الزحاف؛ ما أفقد هذه الفكرة أو كاد، قيمتها التي أوجدت من أجلها في نظامه؛ وهي ثغرة انتبه لها بعض العَروضيين واستنكروها، وحاول بعضهم تصحيحها كما سنرى.

    إشارة: الاعتماد في الطويل محصور بعجز النوع الثالث فيه [فعولن مفاعيلن فعولن مفاعي: الطويل ذو العروضة التامة المقبوضة، ولها ضرب محذوف معتمَد (الشاهد رقم 6 )]. فالاعتماد في الطويل هو أنّ ورود (فعولن) قبل الضرب المحذوف سالمة من الزحاف، هو أمرٌ قبيح؛ أمّا ورودها مقبوضة فهو الحسن (فعولُ). فقبضها هو الاعتماد، أي أنّ الاعتماد هنا لقَب للزحاف وليس زحافاً. ومن هنا يتضح لنا أنّ مفهوم الاعتماد في الطويل داخل ضمن فكرة مراتب الزحاف بامتياز؛ وأنه لم يكن هناك من داع إطلاقاً لصنع مسمى له، ولا أن يحشر في جملة الوصف كذلك. وأن يحصر الاعتماد في المتقارب فقط، لأن مفهومه ووظيفته فيه، مخالفة تماماً لمفهومه في الطويل ولوظيفته فيه، وسنشرح في حينه المناسب سبب ذلك بشأن المتقارب.



  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 145
    المواضيع : 30
    الردود : 145
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    والسبب الحقيقي لهذه الظاهرة بنظر علم عروض قضاعة، أي الاستغراق المكروه بشدة في الزحاف الذي تجنبه شعراء العرب؛ هو أنّ قانون التكافؤ الصوتي يصنع إيقاعاً ثانوياً مكافئاً للإيقاع الأولي، وليس مساوياً له تماماً؛ وهذا بعكس قانون الخبب الصوتي الذي يصنع إيقاعاً ثانوياً مساوياً تماماً للإيقاع الأولي. وبمعنى آخر فالمكافئة الصوتية في شعر العرب لا تعني المكافئة الإيقاعية فيه (ظن عازم). نقول هذا مع أنّ المكافئة الإيقاعية ما كان لها أن توجد إلّا بالاستناد على المكافئة الصوتية التي يؤمّنها لها قانون التكافؤ الصوتي.

    فالإيقاع العربي ذو وجهين، أولي وثانوي. فالأولي هو أصل الإيقاع العربي، وهو هذا الخالية سلسلته من العثرات ومن فعل القانونين الصوتيين، التكافؤ والخبب. أي هذا الذي تخلو سلاسله من الجدلة والربطة والعُقد المتجاورة، التي تنتج بفعل القانونين الصوتيين المذكورين. وبحسب مصطلحات الخليل، فالإيقاع العربي الأولي هو هذا الخالي من الزحاف.

    وما كان للإيقاع العربي أن يكون أولياً كما هو مشاهد، إلّا لكونه يتألف من ثلاثة أنساق عُقَدِيّة. والأنساق العُقدية هي تسلسلات صوتية إيقاعية يبتدئ كل منها بخطوة حتى ثلاث خطوات، وينتهي بعقدة أولية؛ عليها يقوم الإيقاع العربي على الحقيقة. وهي ثلاثة أنساق عُقدية فقط: نسق الفتلة (لا نعم)، ونسق القنطرة (لا لا نعم)، ونسق العنقاء (لا لا لا نعم). فمهما قلّبت هذه الأنساق الثلاثة وراء بعضها البعض في سلسلة، فلن يكون الإيقاع إلّا أولياً وسالماً من العثرات [وهذا بعكس ما سيحصل عند تقليب أجزاء نظام الخليل العشرة في سلسلة]. أمّا الإيقاع الثانوي فهو هذا المزاحِف الذي تظهر فيه ما ذكرنا وبسبب ما ذكرنا.

    وقلنا أن سلسلة الشعر العربية تخلو من العَثَرات، والعَثرة هي حالة تواجد أربع خطوات أو أكثر في حشو السلسلة، متبوعة بعقدة أو غير متبوعة؛ أو تواجد خمس خطوات فأكثر في نهاية السلسلة [أي في موضع الجرس]. والعثرة قد تكون ظاهرة في الإيقاع الأولي للعيان، وقد تكون مطمورة في الإيقاع الثانوي فلا تستخرجها سوى عملية الترتيب. (4)

    وسبب وجود الإيقاعي الثانوي في عَروض العرب، هو أن اللغة مهما كانت مِطواعة وغنية بمفرداتها كالعربية، لكن قريحة الشاعر العربي مهما كانت متمكنة لُغوياً، لن تستطيع سكبها في قوالب الإيقاع الأولي على طول الخط [في كل أشطر القصيدة]. والإيقاع الثانوي لا يتسبب بالنشاز لأنه محكوم بقوانين صوتية هي ما منعت النشاز بين وجهَيّ الإيقاع العربي. وهما قانون التكافؤ الصوتي وقانون الخبب الصوتي.

    (4) قد انتبه الخليل في نظامه إلى قضية أن الإيقاع الأولي هو أصل الإيقاع العربي، فعلى المتعلّم لنظام الخليل أن يراعي عند تصويره لسلاسل البحور القياسية بأجزاء نظامه العشرة، تجنّب رصفها بجانب بعضها بكيفية ينتج عنها اجتماع عُقد متجاورة ولا عثرات. فكل أجزاء نظام الخليل المستخدمة في تأصيل السلاسل القياسية للبحور، وقبل دخول الزحاف عليها؛ هي ذات إيقاع أولي، وينتج عن اجتماعها الصحيح في السلسلة القياسية إيقاع أولي. ما عدا اثنين منها اضطر لها اضطراراً ملحّاً [فالأولية هي: فاعلن، فعولن، مستفعلن، مفاعيلن، فاعلاتن. وحتى الأجزاء الثلاثة المشوّهة لوقوفها على متحرك، هي إيقاع أولي في حشو السلسلة، وهي: (مفعولاتُ) و(مستفع لن) و(فاع لاتن)].
    لكن الخليل قد أمضي الصورة القياسية لكل من الوافر والكامل على الإيقاع الثانوي، فجزء الكامل هو: متَفاعلن [نعمم نعم]، وجزء الوافر هو: مفاعلَتن [نعم نعمم]؛ وذلك من اجل أن يتمكن من فصل الكامل عن الرجز، وفصل الوافر عن الهزج..؟ ذلك أن الإيقاع الأولي بين الكامل والرجز من جهة، والوافر والهزج من جهة، هو إيقاع أولي مشترَك بينهما. فلم يستطع الخليل فصلهما في ظل الأساسات التي انطلق منها إلّا بهذه الطريقة. ونتج عن ذلك اختراع السبب الثقيل كمقابل للسبب الخفيف، ونتجت دائرة السبب الثقيل في نظامه (دائرة المؤتلف) كمقابل لدائرة الهزج (دائرة المجتلب). لكن نظام قضاعة فصل بينها على أساس الإيقاع الأولي بدون كل هذه الأوهام، فالقانون الصوتي العامل في كل اثنين منها هو ما سيفرّق بينهما (التكافؤ والخبب)، على تفصيل خاص شرحناه في كتاب المنتج الجاهز لعروض قضاعة.


    ولأجل طبيعة قانون التكافؤ الصوتي هذه، ولأنّ الإيقاع الأولي هو أصل الإيقاع الذي يجب السير عليه ما قدر الشاعر على ذلك؛ يمكنك بسهولة تخمين الهدف العام من وجود موحّدات الإيقاع في قوالب البحور التكافؤية النظام؛ ألا هو تمرير حيلة الإيقاع الثانوي المكافئ على الأذن، فتظنّه هو ذاته الإيقاع الأولي، أي وكأنّ الشاعر لم يغادر المتوالية أصل الإيقاع؛ أو على الأقل أن تحسَب الأذن بفعل هذه الحيلة، أنّ المصفوفة متوالية، والمتوالية مصفوفة. والمتوالية هي السلسلة المقتصرة على الإيقاع الأولي، أمّا المصفوفة في نظام قضاعة مشروحة بمصطلحات نظام الخليل، فهي السلسلة التي لم يستغرق الزحاف كل سبب فيها، أي مخلطة بين الزحاف وعدمه.

    وهكذا يظهر لنا أنّ الاتكال على قيد القفل وحده (أي منع دمج وحدة صوتية كبيرة في وحدة أقصر منها)، المبني في جوف قانون التكافؤ، والذي هو قيد صوتي فقط؛ ليس كافياً لاستناد المكافئة الإيقاعية عليه بين وجهَـيّ الإيقاع (الأولي والثانوي)؛ لذلك قيّدت قرائح العرب هذا القانون الصوتي في القوالب التكافؤية النظام، بضوابط إيقاعية بعضها صارم وبعضها اختياري (ضوابط الموحّد)، سعت هذه الضوابط لمنعه من استنفاذ أقصى طاقة دمج له على وحدات المتوالية الصوتية (الإيقاع الأولي)؛ وذلك من خلال تثبيت وحدات أولية في سلاسله التي يعمل عليها، تظل ثابتة في المتوالية والمصفوفة معاً.

    وحيث أنّ عروض الشعر العربي إنما يقوم على الأنساق وليس على الأجزاء كما يقول صاحب عروض قضاعة؛ فإنّ موحّدات الإيقاع إنما تتوجّه للأنساق وإلى طوالعها في موضع الجرس، ومَهمتها معها هو المحافظة على أن تظل كينونتها ظاهرة إيقاعياً في المصفوفة [في الإيقاع الثانوي]، وأن تمنع كذلك الخلط بين عمل النظامين الصوتيـّن عَرَضياً؛ وذلك كي يمكن اجتماع المصفوفة والمتوالية في القصيدة دون نشاز. وهذا يعني أنه يجب استبعاد أيّ خَيار لقانون التكافؤ الصوتي يهدم كينونتها، حتى لو كان الخيار ملتزماً بقيد القفل معها.


  3. #3
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : May 2024
    المشاركات : 128
    المواضيع : 29
    الردود : 128
    المعدل اليومي : 0.38

    افتراضي


    الأديب الكريم/أبو الطيب البلوي القضاعي ... المحترم ،،،
    هذا الموضوع ليس بسيطاً بالمرة ، وقد عرض هنا بشكل واضح ،،،
    والجهد المبذول لا شك بأنه كان كبيراً جداً ،،
    تحياتي لك ،،،
    بوركت الأيادي ،،،

  4. #4
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 145
    المواضيع : 30
    الردود : 145
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    الاخ احمد فؤاد صدقي،،،،،
    كل التحية على تعليقك الجميل والمشجّع، وقد جاء بعدما كنت آيست من التفاعل في هذا المنتدى، مع أن بضاعتي التي اقدمها - بنظري- ليست كأيّ بضاعة. وما مواضيعي - بسبب ذلك- التي انشرها كل بضعة اشهر، إلّا لإثبات الوجود ليس غير..!
    فمرة اخرى... شكراَ على تعليقك الطيب والمشجع، ولعله يشجعني على ان أتم هذا الموضوع على اكمل وجه ممكن.
    تحياتي...