بِمَنْ كُنتَ تُفكِر وأَنتَ تَرمي بعَصاكْ؟ بابنِكَ الذي تَركْتَه بانتِظارِرسالَتِكَ التي لَمْ تَصِلْهُ بَعْد ولن تصل.. بابنَتِكَ التي وَعَدتَها أنْ تَجلِبَ لها قِطعَةَ خُبزٍ طرية وَشريطٍ وَرديٍ مِنْ حَريرٍ تَلفُها حَولَ رَقَبَتِها لترى ابْتِسامَتِها وَتَنْسى يَومَكَ المليء بالغُبارِ وَرائِحَةِ البارودْ. بِزوجَتِكَ التي كُنْتَ تُمني النَفسَ بِقضاءِ يَومٍ سَعيدِ مَعَهُا في أمنٍ وأمانْ تَسمَعُ مِنْها ما يُريحُك ويُثلِجُ صَدْرَكْ.. أنسيتَ أنْ تُخْبِرها بِأنكَ تَخْشى عليها غَدْرَ الزَمان؟ أنَسيتَ أن تُقبِلَهم قُبلةَ الوَداعْ؟ هلْ تَمَنيتَ أنْ تَضُمهُم ألى صَدرِكَ ضَمَةً أخيرة تُودِعهُم فيها؟ ماذا نَسيتَ أنْ تُخبرهُم؟ هلْ نَسيتَ الكثير؟ هلْ وفيتَ الدَينَ الذي عليك؟ هلْ صليتْ؟ أم كُنتَ تُصلي حينَما أطلوا عَليك؟
بِمَن كُنتَ تُفكر؟ ما الذي جالَ بِخاطِرك لحظةَ رَمَيتَ عصاك بِشمالِك أذْ قَطَعوا لَكَ يَمينَك وتَقَطعتْ أوصالُكَ ليسَ مِنْ وَجَع بلْ مِنْ غَدرٍ لَمْ تَحسَب لَه حِسابا قَط.
مِنْ تُرابٍ خُلقْتَ وعُدتَ أليهِ أو لا زِلتَ بانتِظار أنْ تَعود. لَمْ يَكُنْ لَكَ همٌ في الدنيا ألا وَطَنك.. لَم يَهمك جَسدك المُمتليء ألَما.. عِشْتَ وحيداً وعُدت كذلِك.
رَحلتَ عنا جَسدا وأشعرتنا بِضعفِنا أمامَ قوتِك وجَبروتِك.. رَفعْتَ هامَتَنا المطَاطِئة وأنتَ تُغادِرُنا.. علمْتَنا معنى الكَرامَة والعِزة ويا لَيتَك ما فَعلْت.. فَصَحوة مُتاخِرة لا جَدوى مِنها.. وأيةُ صَحوة! أُمةٌ غارِقَة في أحلامِها الوردِية لَنْ تَصحوا أبَدا.. أمة طابَ لها المبيتُ في الخُدور وأحلامُها مليئةٌ بالحورْ.. أمةٌ ..أنْ صَحَتْ.. لتمنَت أنْ تَعودَ ألى المتخِذاتِ أخدان..
يا مَنْ رَحلْتَ عَنا راميا بِعَصاك ولِسانُ حالِك يقول..هذا ما بَقي عِندي.. أِنه عصَايَ أتوَكا عليها ولي فيها مأُربَ أُخرى.. خُذُوها مني.. فَهذا ما تَبقى لَدي. وما رَميتَ أِذْ رَميتْ. أِنه السنوار يَرمي بِعصاه وكأنه يرمى تاريخِ أمةٍ هَزيلة سادَ فيها سُفهاؤُها بعد أن غادرها أشرافُها حتى أضحَت أمةً ضَحِكتْ مِنْ خفتِها الأُمَمُ.
أنتَ لَمْ تَرمِهِم بِعصاكْ بَلْ رَمَيتَنا!