ملخص فكرة علم "عَروض قضاعة"
يصر أبو الطيب البلوي القضاعي مؤلّف علم عروض قضاعة، على أن عَروض قضاعة هو نظرية عَروضية منافسة لنظرية الخليل العروضية، وأن كليهما معنيّان بإيقاع الشعر العربي الجاهلي وما سار على نهجه حصراً، أي حتى نهاية عصر بين الدولتين تقريباً. ولذلك رأينا صاحب عروض قضاعة يفرّق بين مفهوم الشعر ومفهوم العَروض فيقول بأن مفهوم الشعر أوسع من مفهوم العروض؛ ولذلك فصاحب عروض قضاعة ليس يحجر على الشاعر في نظمه المخالف لشروط العرب من استحقاقه مسمّى شعر؛ لكن لا يحق لناظمه أن يطالبه بأن يختم له بختم الخليل أو بختم قضاعة بأن نظمه نظم عربي؛ وأن هذا الأمر هو أصل الخلاف في هذه المسألة مع كل باحث عروضي بمن فيهم الخليل.
ويصرّح صاحب عروض قضاعة بأن نظريته قد تفوّقت على نظرية الخليل بأشواط كثيرة، وأن عروض قضاعة لا يُعدّ تطويراً على علم عروض الخليل، وذلك لاختلاف الأساسات التي ينطلق منها كلّ منهما، حتى لو اشتركا ببعض التفاصيل القليلة التي لا بد من حضورها – كما يقول- كونهما يتعاملان مع نفس الواقع. وهو يقول بأن عروض قضاعة يمتاز بالسهولة والإحكام وانعدام الثغرات تقريباً.
ويلّخص لنا صاحب عروض قضاعة الفرق بين العلمين بشكل عام فيقول: بأن الفرق بين عروض قضاعة وعروض الخليل هو فرقٌ بين صائب وأصوب، وليس فرقا ًبين صائب وباطل، تماماً كالفرق بين نظرية نيوتن والنظرية النسبية لاينشتاين التي تفوّقت عليها. وأن الفرق الجوهري بينهما يكمن في أن الخليل قد أقام نظامه العروضي على قدر ما وصل له من قوالب بحور شعر العرب؛ وأن هذه القوالب هي ما شكلّت كيان نظامه، النواة وغلافها؛ بحيث انه إذا استُدرِك قالب على نظامه من العرب المعتد بنظمهم ولم يكن له مكان في نظامه، تخلخل نظامه وصنّف هذا القالب بأنه من الشواذ ظلماً. أمّا نظام قضاعة فقد أقامه صاحبه على القواعد الصوتية والإيقاعية التي سارت عليها قرائح العرب بحسب ما تكشّفت له، سواء وردت القوالب موثقة عنهم أم أبدعها شاعر معاصر.
أما من حيث التفصيل لأساسات كل من العلمين، فهذا تقريباً قد استغرق كل شيء بينهما، ابتداءً من الأساس الصوتي كالساكن والمتحرك والسبب والوتد، مروراً بالمكونات الإيقاعية لكلا النظريتين وعلى رأسها فكرة الجُزء في نظام الخليل، وأيضاً فكرة الدائرة، وانتهاءً بالمسمّيات في كلا العلمين؛ فلعروض قضاعة مصطلحات خاصة به، لا تُقارن إطلاقاً من حيث السهولة بمصطلحات نظام الخليل الكثيرة والمشوشة للذهن. وليس هناك من مصطلحات عروض الخليل في كتاب "عروض قضاعة" سوى المصطلحات العامة التي لا خلاف عليها، كالعَروض والصدر والعجُز والشعر والقافية.
وعلى الرغم من أن الوتد المجموع [//0] والسبب الخفيف [/0]حاضران في نظرية قضاعة أيضاً، وأن لهما أساس صوتي صحيح كما يقول صاحب عروض قضاعة، إلّا أنهما يسميان عنده بالعُقدة والخطوة لكونها أسماء مَرِنة بنظره. أما الوتد المفروق والسبب الثقيل فمفقودان في نظريته، وهو يقول بأن الخليل اخترعهما من عنده ولم يفرضهما الواقع الصوتي عليه، وذلك كحل منه لثغرتين واجههما الخليل في بداية صنعه لنظامه العروضي. وهما كيفية فصل الكامل عن الرجز، وفصل الوافر عن الهزج؛ وقد نتج عن إقفال الخليل لهذه الثغرة اختراعه للسبب الثقيل كأداة ربط بين هذه البحور الأربعة، ونتج عنها كذلك اختراعه لدائرة السبب الثقيل (دائرة المُؤْتَلِف) كي يتموضع فيها الكامل والوافر بعيداً عن الرجز والهزج الذين يتموضعان في دائرة المـُجْتَلِب برفقة بحر الرّمل.
أمّا الوتد المفروق فالذي قدح فكرته في ذهن الخليل برأي صاحب عروض قضاعة، فهو ثغرة تسبب بها بحر المنسرح في صورته القياسية، إذ هو يرفض التقطيع السباعي أو الخماسي الضروريان لترابط نظرية الخليل وشموليتها، فلا يمكن إخضاعه للتقطيع السباعي إلّا بحضور الوتد المفروق، والذي نتج عن إقفال هذه الثغرة الخطيرة جداً هو ميلاد التفعيلة المشوهة (مفعولاتُ) الواقفة على متحرك بعكس الباقيات، لكونها محملة بالوتد المفروق في نهايتها بزعم الخليل (/0 /0 /0/)، وكذلك ميلاد دائرة المشتبه التي صنعها الخليل على عينه ولم يفرضها الواقع عليه، هكذا قال؛ وما اضطر الخليل بعد ذلك إلى صنع (مستفع لن) و (فاع لاتن)، المحملة بالوتد المفروق أيضاً.
فالبديل عن فكرة الجزء في نظام الخليل - والتي هي أداة نظام الخليل الإيقاعية- هي فكرة الأنساق الثلاثة في عروض قضاعة. وهي نسق الفتلة (لا نعم)، ونسق القنطرة (لا لا نعم)، ونسق العنقاء (لا لا لا نعم). ويقول صاحب عروض قضاعة أن عروض العرب على الحقيقة قد قام عليها وليس على فكرة الأجزاء الثمانية لفظاً وعشرة حكماً. وأن الجزء ليس له شرعية في ذاته، إنما شرعيته مستمدة من دوائر نظام الخليل الهندسية ذات الأطوال المحددة. ومع أن صاحب عروض يتفق مع الخليل على أن الدائرة الإيقاعية لها وجود حقيقي في عروض العرب، إنما هما يختلفان في مفهومها؛ فصاحب عروض قضاعة يرى أن الدائرة العربية مؤلفة من انساق منتظمة التكرار بحيث لا يزيد التكرار عن نسقين، ولذلك فليس للدائرة طول محدد بنظره، وان الطول إنما هو للسلاسل المقتطعة منها، وأن العرب قد راعوا بصرامة أحكام اقتطاع معينة من الدائرة.