أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: ملخص فكرة علم "عَروض قضاعة"

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 147
    المواضيع : 31
    الردود : 147
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي ملخص فكرة علم "عَروض قضاعة"

    ملخص فكرة علم "عَروض قضاعة"

    يصر أبو الطيب البلوي القضاعي مؤلّف علم عروض قضاعة، على أن عَروض قضاعة هو نظرية عَروضية منافسة لنظرية الخليل العروضية، وأن كليهما معنيّان بإيقاع الشعر العربي الجاهلي وما سار على نهجه حصراً، أي حتى نهاية عصر بين الدولتين تقريباً. ولذلك رأينا صاحب عروض قضاعة يفرّق بين مفهوم الشعر ومفهوم العَروض فيقول بأن مفهوم الشعر أوسع من مفهوم العروض؛ ولذلك فصاحب عروض قضاعة ليس يحجر على الشاعر في نظمه المخالف لشروط العرب من استحقاقه مسمّى شعر؛ لكن لا يحق لناظمه أن يطالبه بأن يختم له بختم الخليل أو بختم قضاعة بأن نظمه نظم عربي؛ وأن هذا الأمر هو أصل الخلاف في هذه المسألة مع كل باحث عروضي بمن فيهم الخليل.

    ويصرّح صاحب عروض قضاعة بأن نظريته قد تفوّقت على نظرية الخليل بأشواط كثيرة، وأن عروض قضاعة لا يُعدّ تطويراً على علم عروض الخليل، وذلك لاختلاف الأساسات التي ينطلق منها كلّ منهما، حتى لو اشتركا ببعض التفاصيل القليلة التي لا بد من حضورها – كما يقول- كونهما يتعاملان مع نفس الواقع. وهو يقول بأن عروض قضاعة يمتاز بالسهولة والإحكام وانعدام الثغرات تقريباً.

    ويلّخص لنا صاحب عروض قضاعة الفرق بين العلمين بشكل عام فيقول: بأن الفرق بين عروض قضاعة وعروض الخليل هو فرقٌ بين صائب وأصوب، وليس فرقا ًبين صائب وباطل، تماماً كالفرق بين نظرية نيوتن والنظرية النسبية لاينشتاين التي تفوّقت عليها. وأن الفرق الجوهري بينهما يكمن في أن الخليل قد أقام نظامه العروضي على قدر ما وصل له من قوالب بحور شعر العرب؛ وأن هذه القوالب هي ما شكلّت كيان نظامه، النواة وغلافها؛ بحيث انه إذا استُدرِك قالب على نظامه من العرب المعتد بنظمهم ولم يكن له مكان في نظامه، تخلخل نظامه وصنّف هذا القالب بأنه من الشواذ ظلماً. أمّا نظام قضاعة فقد أقامه صاحبه على القواعد الصوتية والإيقاعية التي سارت عليها قرائح العرب بحسب ما تكشّفت له، سواء وردت القوالب موثقة عنهم أم أبدعها شاعر معاصر.

    أما من حيث التفصيل لأساسات كل من العلمين، فهذا تقريباً قد استغرق كل شيء بينهما، ابتداءً من الأساس الصوتي كالساكن والمتحرك والسبب والوتد، مروراً بالمكونات الإيقاعية لكلا النظريتين وعلى رأسها فكرة الجُزء في نظام الخليل، وأيضاً فكرة الدائرة، وانتهاءً بالمسمّيات في كلا العلمين؛ فلعروض قضاعة مصطلحات خاصة به، لا تُقارن إطلاقاً من حيث السهولة بمصطلحات نظام الخليل الكثيرة والمشوشة للذهن. وليس هناك من مصطلحات عروض الخليل في كتاب "عروض قضاعة" سوى المصطلحات العامة التي لا خلاف عليها، كالعَروض والصدر والعجُز والشعر والقافية.

    وعلى الرغم من أن الوتد المجموع [//0] والسبب الخفيف [/0]حاضران في نظرية قضاعة أيضاً، وأن لهما أساس صوتي صحيح كما يقول صاحب عروض قضاعة، إلّا أنهما يسميان عنده بالعُقدة والخطوة لكونها أسماء مَرِنة بنظره. أما الوتد المفروق والسبب الثقيل فمفقودان في نظريته، وهو يقول بأن الخليل اخترعهما من عنده ولم يفرضهما الواقع الصوتي عليه، وذلك كحل منه لثغرتين واجههما الخليل في بداية صنعه لنظامه العروضي. وهما كيفية فصل الكامل عن الرجز، وفصل الوافر عن الهزج؛ وقد نتج عن إقفال الخليل لهذه الثغرة اختراعه للسبب الثقيل كأداة ربط بين هذه البحور الأربعة، ونتج عنها كذلك اختراعه لدائرة السبب الثقيل (دائرة المُؤْتَلِف) كي يتموضع فيها الكامل والوافر بعيداً عن الرجز والهزج الذين يتموضعان في دائرة المـُجْتَلِب برفقة بحر الرّمل.

    أمّا الوتد المفروق فالذي قدح فكرته في ذهن الخليل برأي صاحب عروض قضاعة، فهو ثغرة تسبب بها بحر المنسرح في صورته القياسية، إذ هو يرفض التقطيع السباعي أو الخماسي الضروريان لترابط نظرية الخليل وشموليتها، فلا يمكن إخضاعه للتقطيع السباعي إلّا بحضور الوتد المفروق، والذي نتج عن إقفال هذه الثغرة الخطيرة جداً هو ميلاد التفعيلة المشوهة (مفعولاتُ) الواقفة على متحرك بعكس الباقيات، لكونها محملة بالوتد المفروق في نهايتها بزعم الخليل (/0 /0 /0/)، وكذلك ميلاد دائرة المشتبه التي صنعها الخليل على عينه ولم يفرضها الواقع عليه، هكذا قال؛ وما اضطر الخليل بعد ذلك إلى صنع (مستفع لن) و (فاع لاتن)، المحملة بالوتد المفروق أيضاً.

    فالبديل عن فكرة الجزء في نظام الخليل - والتي هي أداة نظام الخليل الإيقاعية- هي فكرة الأنساق الثلاثة في عروض قضاعة. وهي نسق الفتلة (لا نعم)، ونسق القنطرة (لا لا نعم)، ونسق العنقاء (لا لا لا نعم). ويقول صاحب عروض قضاعة أن عروض العرب على الحقيقة قد قام عليها وليس على فكرة الأجزاء الثمانية لفظاً وعشرة حكماً. وأن الجزء ليس له شرعية في ذاته، إنما شرعيته مستمدة من دوائر نظام الخليل الهندسية ذات الأطوال المحددة. ومع أن صاحب عروض يتفق مع الخليل على أن الدائرة الإيقاعية لها وجود حقيقي في عروض العرب، إنما هما يختلفان في مفهومها؛ فصاحب عروض قضاعة يرى أن الدائرة العربية مؤلفة من انساق منتظمة التكرار بحيث لا يزيد التكرار عن نسقين، ولذلك فليس للدائرة طول محدد بنظره، وان الطول إنما هو للسلاسل المقتطعة منها، وأن العرب قد راعوا بصرامة أحكام اقتطاع معينة من الدائرة.

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 147
    المواضيع : 31
    الردود : 147
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    ويلاحظ أن صاحب عروض قضاعة رفضَ إلباس أنساق نظامه الإيقاعية وطوالعها هنداماً لغوياً، على ما فعل الخليل بالترميز الصوتي لأجزاء نظامه لـمّا منح كل متحرك وساكن فيها حروفاً مخصوصة ([1])، الأمر الذي جعل تصوّر الإيقاع في نظامه وما يجري عليه من زحاف وعلّة بحسب قول صاحب عروض قضاعة، تصوراً لُغوياً وليس صوتياً، ما أضاف صعوبة لنظام الخليل فوق الصعوبة المعروفة عنه.

    وهذا برأي صاحب عروض قضاعة راجع لارتهان الخليل على الحرف الصوتي بكلا شقيه المتحرك والساكن في كل نظامه، مع أن الحرف الصوتي لا مكان له في السلاسل الصوتية، وهو برأيه مدرج صوتي وسيط بين المكونات الصوتية الدنيا وبين الوحدات الصوتية كالعقدة والخطوة والجدلة والربطة. ولذلك أحيا ابو الطيب الرموز الواردة في رواية التنعيم عن العرب (نعم ، لا)، وأضاف لها مسمّى الجدلة "نعمم" (///0) ومسمى الربطة "نعملم" (////0) المفقودة في هذه الرواية. أما التعبير عن الناحية الإيقاعية الممثلة بتلك الأنساق الثلاثة وطوالعها، باستخدام هذه الأدوات الصوتية الأربعة فقط، فهذا برأيه يكون عن طريق التنغيم (بالغين)، وذلك بوضع فواصل ( ، ) محددة الموضع بين تسلسلات محددة من السلسلة، إبرازاً لقيمتها الإيقاعية، مثلاً: بحر الطويل: نعم، لا نعم، لا لا نعم، لا نعم، لا لا . [في نظام الخليل = فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن].

    وأكثر ما يلفت النظر في نظرية قضاعة هو استغنائها عن مسمّيات الزحاف جميعها، وكذلك مسميات العلل جميعها. فمسمّيات الزحافات الإثنا عشر في نظام الخليل [خَبن، طَيّ، قَبْض، كَفّ، خَبْل، شَكْل، إضمار، وَقْص، عَصْب، عَقْل، خَزْل، نَقْص]، ما هي إلّا تعبير عن فعل قانونين صوتيين لم يستدل الخليل عليهما، وهما التكافؤ الصوتي والخبب الصوتي؛ لذلك راح يصف كيفية فعلهما على الحرف الثاني من السبب في الجزء، الأمر الذي أنتج مسميات الزحاف المتعددة هذه. فصاحب عروض قضاعة يرى أن الإيقاع الأولي الخالي من فعل القانونين الصوتيين هو أصل إيقاع شعر العرب، وهو الذي يجب أن يحافظ عليه الشاعر ما قَـدِر على ذلك. لكن اللغة العربية وإن كانت لغة مُعرَبة تتيح للشاعر صياغتها بأيّ سياق للجملة، إنما بشرط المحافظة على الإعراب؛ وهي غنية في مفرداتها غنىً لا تنافسها فيها لغة أخرى، لكنها مع ذلك لن تظل مطواعة على طول الخط لتطيق الانسكاب في الإيقاع الأولي في كل أشطر القصيدة مهما بلغ طولها، وهذا ما أدى لاستعمال العرب لهذين القانونين الصوتيين شعورياً، ما أنتج إيقاعاً ثانوياً [= مزاحفاً] يسير بموازاة الإيقاع الأولي في نفس القصيدة دون حصول النشاز بشهادة الجميع بمن فيهم الأصواتيون (Phonetics).

    أما مسمّيات العلل الثلاثة عشر في نظام الخليل [الحذف، القطع، البتر، القصْر، القطف، الحذذ، الصَلم، الكشف، الوقف، الإذالة، الترفيل، التسبيغ، التشعيث]، فما هي إلّا تعبير عن أطوال السلاسل المستخدمة في الصدر أو العجز، مع إضافة سكون لنهاية الضرب أو دونه؛ مركّبة على فكرة الجزء المحتل لموضع العروضة أو الضرب. وقد استغنى صاحب عروض قضاعة عنها بصنع ثمانية مسمّيات للأطوال مبنية على ظاهرة الزخم التي يتعذر الحديث عنها في هذه العجالة، فإذا ما ذُكر اسم الطول عُرف تلقائياً مقدار طول السلسلة المستخدم، حيث أن إنقاص الأطوال يكون من نهاية السلسلة حصرا، وان الإنقاص يكون على أساس الوحدات الصوتية وليس الحرف الصوتي، فالعقدة مثلاً هي في الحقيقة خطوتان مدموجتان ببعض، فإذا أردنا إنقاص خطوة واحدة منها فيما لو جاءت العقدة نهاية السلسلة، فإنه يفك دمجها لخطوتين ثم تحذف الأخيرة منهما. أما إضافة السكون لنهاية السلسة فهو أمر مفصول عن الأطوال لأن الزخم لا يقيم وزنا للسواكن.

    ومن الأفكار المهمة في عروض قضاعة، هي فكرة التلوين، المركبة على فكرة الجرس. فلكل سلسلة عربية جرس في نهايتها، قد يحتل موقعه نسق مكتمل أو بعض من النسق بسبب الإنقاص من أطوال السلاسل، وكل تسلسل ليس بنسق إنما بعض منه قد احتل موقع الجرس، يدعوه عروض قضاعة "طالع النسق"، والجمع "طوالع". وهي محدودة العدد. وللجرس أحكام تلوين لا تتخلّف في كل البحور، حيث التلوين هو فعل القانون الصوتي (التكافؤ أو الخبب) على الجرس حصراً، بما في ذلك تركه على حاله الأولي. كما أن هناك أحكاما أخرى يقول صاحب عروض قضاعة عنها أن الخليل لم يوليها أهمية، بل لا يستطيع الخليل ذكرها والبحث فيها بسبب أن بُنية نظامه والطريقة التي بُني عليها، لا تؤهله لأنْ يخوض فيها، وذلك كأحكام المِهاد التي راعاها العرب بصرامة، فالمهاد هو المنطقة بين الشطرين على تفصيل مخصص.

    وهناك أيضاً "قوطع البحور"، إذ القاطع هو أدنى طول للسلسلة مسموح به للبحر المعين، وأدنى من ذلك سيختفي وجود البحر الإيقاعي. فمع أن أدنى طول سلسلة للبحر هو طول الأحمر (= سبع وحدات كمية)، فلا يجب النزول دونها وإلّا كانت السلسلة غير عربية. ومع أن معظم بحور العرب يمكنها النزول لهذا الطول فيظل إيقاعها حاضراً مع ذلك، وهي المسمّاة في نظام الخليل بالمجزوءة المحذوفة أو المجزوءة المقطوعة؛ لكن بعضها لا يجب أن ينزل دون طول الأثلم (= إحدى عشر وحدة كمية)، وبعضها لا يجب نزوله دون طول الأخضر (= تسع وحدات كمية).
    وأفضل وأمتع فصل في كتاب عروض قضاعة، هو الفصل الأخير الذي يتحدث فيه صاحب عروض قضاعة عن عملية "الترتيب"، والتي يقول أنها جوهرة علم عروض قضاعة..! ففي عملية الترتيب، وبالاعتماد على قوانين علم عروض قضاعة المقنّنة، يشرح صاحب عروض قضاعة كيفية اكتشاف البحر والقالب المستخدم منه بكل يسر وسهولة ومتعة؛ هذه الميزة الغائبة عن نظام الخليل وسبب النفور منه طوال أجيال.
    هذا وقد أشار صاحب عروض قضاعة في بداية كتابه إلى أن فكرة " المقطع syllable " في علم الصوتيات الحديث، هو كائن صوتي خاطئ، ليس له وجود حقيقي، وقال أن التفصيل العميق لهذا القول موجود في الكتاب الأم لعروض قضاعة. ومع أن هناك تفاصيل أخرى لا تقل أهمية عن ما ذكرناه، لكن نكتفي بهذا القدر طلباً للاختصار في هذا الملخص.


    ([1]) الحروف المخصوصة هي أحرف التقطيع العشرة المجموعة في عبارة "لمعت سيوفنا": فاعلن- مستفعلن متفاعلن مفعولاتُ...الخ.