صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 25

الموضوع: عودة حافلة

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد سامي البوهي
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+ الكويت
    العمر : 48
    المشاركات : 1,087
    المواضيع : 110
    الردود : 1087
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي عودة حافلة

    عــودة حافلــة



    كانت تنتظر قدومه كل يوم حتى الإنسدال ,لم تشعر يوماً بيأس تسللها , اليقين يرسم لها دائماً طريقاً للعودة , مزجت بصرها بأشجار الزيتون الوارفة,أرسلت الأمل داخلها ,عله يخرج من بينها مزيحاً أغصانها كاشفاً عن وجهه ,غاصت أصابعها برأس ابنتها " فاطمة " ,تداعبت بين خصلات شعرها المجدول ,تتساءل عنه كثيراً ,عن صورته على الجدار ,متى رحل؟ , متى سيعود؟ , هل كان يداعبها في مهدها؟, أكيد قد تبدل وجهه كثيراً ,تتراكم الأسئلة فوق جسدها الرقيق ,تشعرها بالدفء , تنام... الأم تنتظر المؤذن ...تصلى ...تدعو... تتوسل... تبكي... تنام في أحضان الأمل..

    كست جسدها بثياب المدرسة , جدلت ضفائرها بعد أن نقدتها بالأمس, ناولتها حقيبتها الصغيرة, قبلتها بين عينيها,أكدت عليها إلتقام الطعام , تركت لها علامات الطاعة قبل الرحيل ,غابت مع الصغار وسط بقايا منازل الشارع المظلم.وحيدة بين أطلالها المتناثرة في كل مكان , هنا كان يجلس لتناول الطعام, بهذا الركن كان يصلي , على هذا الكرسي قص عليها همومه وأفراحه ,جلبابه البيضاء تتدلى هناك , تنظره ليطوف بها طرقات المدينة، رائحته تملأ المكان , عشقها الزمن فأبقاها على حالها , وجهه يقف أمامها كظل شع من جسدها النحيل ، دب الخوف قلعتها ، نظرت نحو الباب القديم طرقات .. طرقات .. طرقات، سقط الباب .. تهشمت عظامه.

    سنوات التهمت فراشه الدافئ فتحول لهباً يكويها ,انتزعوه من راحة يومه الشاق , جرجروه وسط توسلات الرضيعة المفزوعة ،تمسكت بأطراف جلبابه , تمزق ... تمزق جسدها تحت وخزات البنادق ... قاوم أغلالهم ... ضربوه على رأسه ...أغشي عليه ,داسوا أشلاء الباب المتناثرة بأحذيتهم الضخمة , تركوها دون باب يسترها , يداري عورتها ,تعازي الجيران تجمعت حولها , الكل يواسيها بم وصل إليه من حال , لملموا هشيم الباب , أقاموه كما كان بين الجدار , عادت إلى جروحه المندمله , طرقات... طرقات ... طرقات , عناكب الخوف نسجت خيوطها حول رقبتها , اسرعت بفتحه ,رجل بحلته العسكرية عابسة الوجة , أحكمت العناكب خيوطها حولها , طمأنها... :

    - لا تخافي . لست منهم.
    - ماذا تريد .
    - أنا بشير خير .
    - خيراً ؟!
    - غداً سيأتي زوجك .
    - زوجى؟!
    - نعم . سيعود.
    - متى سيعود ؟
    - وقت الغروب , سترسو الحافلة عند الجسر.

    بين الشك واليقين تتهاوى ، الأمل القابع خلف أشجار الزيتون يزحف نحوها , تذكرت "فاطمة" ابنتها , تساؤلاتها التي لا تخمد ... اليوم أو غداً ستهداً , يعود الشك إليها نفضته عنها , رائحته تزيد انتشارها بالمكان , جلبابه البيضاء ترفرف بأذيالها ,المنزل كله يرقص فرحاً , الخبر تمدد للجيران , التهاني تنساب , استعارت بعضاً من الاواني الفاخرة ، ستصنع له أفضل ما يحب من طعام , ُتعرض مساعدات الجيران , البيت يمتلئ بالنساء ,يصنعن أقراص "الكعك" المنقوش ، تتقافز "فاطمة" مع أطفال الحي , يمتلئ صدرها الصغير بشوق اللقاء , من تنتظره سوف يعود ,أخيراً ستتحرك الصورة المتجمدة بخيالها المكنون .

    الأم.. فاطمة والجيران , عند الجسر وقت الغروب في انتظار الحافلة , تضيق الأنظار مع أطراف الطريق المستقيم , ارتشفت الشمس أشعتها الباقية , تعلق بينهم بعض من ضوء خافت , انغلقت نهايات الطريق بالظلام,الهمهمات تتناثر : سيعود ... لا تقلقي ... الطريق طويل ... الصبر أجمل ما في الوجود. كان ضوء الحافلة المنبعث من بعيد هو أجمل ما رأت في الوجود ,ينبوعان من النور انفجرا وسط الظلمة القاحلة , اقتربا نحوها مع اقتراب التهنئات من آذانها , كبرت الملامح وليدة الطريق , اقترب قلبها من الحافلة ، كاد ان يقفز داخلها , الترقب ينتظر على جوانب الطريق ,استقرت العجلات على الجسر الموعود , أطراف الأصابع وضلالات الوجوة تبرز بين قضبان النوافذ،انفتح الباب ... ارتفعت الأعناق , وسط الوجوة تبحث عن صورة الجدار , الأم أصابها صمت الذهول , الشك يداعبها , اليقين يضئ وينطفئ ، القلوب تنبض كطبول الحروب , بدأ الخروج ، الوجه تلو الوجه , تغيرت الملامح القديمة , صارت الأجساد مسحة لحم تكسو العظام , الفرح خالطه النحيب ... العناق ، صوت اللقاء يتطاير , تساؤلات فاطمة تنهمر : هل سيعود؟متى سيعود ؟، مازالت الحافلة تلقي بالوجوة الشاحبة ، ارتمى عليها ... تعرف عليها... لم تعرفه , دققت ملامحه , أشباه خاوية من أصل مضى , قبلها ، عانقها ، تساءل عن فاطمة ,أخذها بين يديه ، بكى على صدرها المرتعش بعد أن ازاحت عن جسدها التساؤلات ،أمسك براحتها الصغيرة ، عرج مع أمها والجيران ناحية المنزل ، مرارة الحرمان تودعه ،فرحة اللقاء ترحب به , تداخل وأشجار الزيتون الوارفة , أزاح أغصانها كاشفاً عم تبقى من منزله المهدوم .


    محمد سامي البوهي


    مدينة دمياط :14 يوليو /2006
    .

  2. #2
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي
    مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 58
    المشاركات : 12,624
    المواضيع : 378
    الردود : 12624
    المعدل اليومي : 1.70

    افتراضي

    حين تثلم منا .... عوراتنا

    وتدخل التماسيح .. غرف نومنا

    فأن أحدا ً منا ... لن يعود ...


    وإن تخدعنا الحفلات ... التي أمتلأت بأنين المنكسرين

    \

    لله در حرفك ...

    أيها المتألق
    الإنسان : موقف

  3. #3
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    المشاركات : 416
    المواضيع : 75
    الردود : 416
    المعدل اليومي : 0.06

    افتراضي

    مالى كلما شرعت فى قرأة النص اذا بي اعود قراته من جديد

    قراته اكثر من اربع مرات دون ان اشعر وكأنه بحر غريق

    نص متحرك جدااااااااااااا به جاذبية ورقة واحاسيس وتصاوير

    كأنى اشاهد مشهدا من مسرحية عالمية

    دمت بكل خير

    وداما لنا ابداعك

    تلميذكم / محمد عسران

  4. #4
    الصورة الرمزية محمد سامي البوهي
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+ الكويت
    العمر : 48
    المشاركات : 1,087
    المواضيع : 110
    الردود : 1087
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    أخي وصديقي العزيز / خليل

    أعلم أن كلماتي أتت على الجرح , اعتذر بالطبع ، لكننا لابد وان نجسد ما نراه , هذا هو واجبنا , وجودك له مذاق آخر

  5. #5
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر
    أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,750
    المواضيع : 296
    الردود : 9750
    المعدل اليومي : 1.37

    افتراضي

    القاص الأديب / محمد سامي البوهي .

    تحية مضمخة بعطر زهر شجرات البرتقال من على ربى فلسطين ، أرسلها لك عبر هذه الصفحات ، الوارفة بأشجار الزيتون التي لا تشيخ .
    عشت نصك حرفا حرفا .. كنت هي ، فاطمة ، الوالدة ،الجيران ، كنت الجدران ، وكنت الباب المتكسر تحت أحذية الجنود ، إلى أن أصبحت نور تلك الحافلة ، ينبوعا أمل يدخل القلوب ، فصرت لحظة الفرح باللقاء والدمعة والنحيب .
    كأنك هنا ، بين هذه المشاهد كلها حاضرا ، فأخذتنا معك بحضورك .
    لا زال وطننا العربي يجمعنا بخيط نور ، ليتحقق حلم الوحدة بالمشاعر والقلب الواحد ، لنجتاز بقلوبنا كل الحدود والأسلاك الشائكة .
    أمتعني الأسلوب بقدر ما عشت الألم والفرح في النص .
    شكرا لك على هذه الصورة الواقعية التي نقلتها لنا في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لنستشعر قلوبنا وهي تجمعنا جسدا واحدا .
    كل التقدير والإحترام .
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  6. #6
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 12
    المواضيع : 2
    الردود : 12
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    الاخ الكريم سامي
    تحية تقدير لك على هذا النص الموحي،نص يعزف بصوت شجي النغمات
    نص يشد القارئ اليه ليعيش معه لحظات ترقبه ،فرحه،حزنه وتساؤلاته
    سلمت اخي سامي
    اجمل تحية وتقدير

  7. #7
    الصورة الرمزية محمد سامي البوهي
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+ الكويت
    العمر : 48
    المشاركات : 1,087
    المواضيع : 110
    الردود : 1087
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    الأخت / دخون

    أحمد الله انني استطعت ان اصل الي أحساسيسك كفلسطينية , كم اسعدني تعليقك واعطى لكلماتي قيمة ومعنى .

  8. #8

  9. #9
    الصورة الرمزية محمد سامي البوهي
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+ الكويت
    العمر : 48
    المشاركات : 1,087
    المواضيع : 110
    الردود : 1087
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    أخي / محمد عسران

    أشكر لك قراءتك المتأنية , البحر الغريق هو ما نحن فيه من كبت للحريات والظلم والقهر

    أشكرك يا محمد

  10. #10
    الصورة الرمزية محمد سامي البوهي
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+ الكويت
    العمر : 48
    المشاركات : 1,087
    المواضيع : 110
    الردود : 1087
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    القاصة / إيمان

    قمة الروعة أن نعيش كما كتب لنا أن نعيش , وطن - حرية - سلام

    قمة الروعة وطن يضمنا , وحرية نطير بها , وسلام يحفنا .

    سعدت بوجدودك

    دمت بخير

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. بيوم الرّحيل " إلى أطفال حافلة القدس"
    بواسطة رفعت زيتون في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 29-03-2012, 01:46 PM
  2. جاك كوستو : والكاليبسو - ستون عاما حافلة
    بواسطة الصباح الخالدي في المنتدى عُلُومٌ وَتِّقْنِيَةٌ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 28-12-2007, 03:06 AM
  3. رحبوا معي بالشاعر الثائر فارس عودة
    بواسطة د. سمير العمري في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 29-07-2005, 06:52 PM
  4. عودة الفاتح
    بواسطة محمد سوالمة في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 11-08-2003, 03:08 AM
  5. عودة الأسود-قصيدة مهداة لروح الشهيد نائل أبو هليل
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 24-12-2002, 11:07 AM