الجسر مائل

" تيك ، تاك ، تيك ، تاك " وانفتح البابُ ، كومة من الشعر الأبيض تقبع فوق مكتب كل ما عليه مشوش الترتيب . ألقت التحية فلم تتحرك تلك السدرة البيضاء ،، فتقدمت في قلق وتردد : - بابا ، صباح الخير ..
ارتفعت تلك الكومة من الشعر الأبيض ببطء ، وإذا بدمعة تتسلل بحياء عبر تجاعيد حفرها السهر على وجهه المصفرّ ، وطقم أسنانه العليا يضغط على ما أبقت القهوة والسجائر من شفته السفلى . وغمغم بكلام كأنما يخاطب الجنّ ، فانحنت عليه والقول في فمها يرتجف إشفاقا :
- بابا ! أتبكي ؟ ما بك ؟
فسحبها بحنان وأجلسها برفق فوق فخذه اليمنى ، وبرقت عيناه بما يشبه الغضب المشوب بالحسرة ، فنظرت فيهما والحيرة تلهب تساؤلها ، وجاءها الرد من خلف حطام السنين والتجارب :
- إنّه الفشل يا عزيزتي ، لقد أغلقوا الجسر واجتمعوا لمناقشة هدمه .. قد بذلتُ العمر أوصل شرق المدينة بغربها بجسر متين قوي الأواصر .لقد بذلت فيه كلّ صدقي وحبي وإخلاصي ..
- أعرف ذلك ، جسر الحب ّ، بل الجميع يشهد لك . فماذا حدث ؟
وضغط على نظارته بين أصابعه حتى جرّح زجاجها راحته وهو يقول :
- قال لي بكل بساطة : جسرك مائل يا عظيم ، ولن نغامر بأرواح الناس .