نفس ما أرادوا


انصرف الجميع ولم يبق إلا هما وحدهما .. بكامل ملابسهما جلسا لتناول العشاء .. هو بنهم وسرعة ..هي ببطء وحياء .. كان ينظر إليها بين الحين والآخر نظرات تزيدها حياء وتزيده شراهة في التهام الطعام .. بحركة مباغتة أمسك بالدجاجة من فخذيها بكلتي يديه وجذبهما للخارج فانفصلا , وبدا في التهامها .. نظرت إليه مذعورة .. وضعت يدها على فيها .. وأسرعت إلى الحمام لتفرغ ما في جوفها ..
عندما تأخرت أتاها صوته من الردهة ساخرا : ألن تأتي ؟ أم تمضين الليلة في الحمام .. لعلك لا تحتاجين طبيبا ..
رددت بشرود : طبيب .. طبيب
( نظر الطبيب إلى أمها قائلا
ــ لقد تحسنت كثيرا .
ــ الحمد لله أن جعل الشفاء على يديك يا دكتور .
ــ لم أقل أنها شُفيت . فقط قلت أنها تحسنت وحاذري أن تعرضيها إلى أحزان أو صدمات .
ــ لا أحزان بعد اليوم ،لم يعد هناك إلا الأفراح .
ــ أية أفراح ؟
ــ زفافها الذي تأجل من قبل بسبب ما حدث وكاد أن يلغى لولا أنه رجل بمعنى الكلمة.
ــ إياكِ أن تجازفي بهذا الآن .
ــ ليس الآن يا دكتور . بعد أسبوعين إن شاء الله .
ــ أسبوعان ؟! ليس قبل عام ، فهي غير متوازنة نفسيا، ولن يضمن
لك أحد ردود أفعالها في مثل هذه المواقف .
ــ الزواج أفضل حل لها . خاصة أنها شُفيت .
ــ قلت لك من قبل أنها لم تٌشف بعد، وأنا أدرى بحالتها .
ــ وأنا أمها وأنا أدرى بمصلحتها .
ــ لقد حذرتك وأرضيت ضميري . )

وسط نحيبها ودموعها المنسابة سمعت صوته يتعجلها :
ــ ألم يحن الوقت بعد ؟ أم تريدين أن آتي أنا ؟
ــ لا أرجوك لا تأتي ، إني آتية لرفع المائدة.
ــ وهل هذا وقته ؟ دعيها فيما بعد .
ــ أحب أن يكون بيتي نظيفا ومرتبا ، ومنذ الليلة الأولى .
ــ إذن أسرعي .

بدأت برفع أطباقه ..لم تجد من دجاجته إلا أشلاء .. مادت بها الأرض .. كادت أن تسقط .. تمالكت نفسها وأسرعت بأطباقه إلى المطبخ .. عادت لرفع أطباقها .. في طبق الحساء كانت هناك ذبابة تقاوم الغرق .. ضاق صدرها وانساب رغما عنها على وجنتيها خيطان من الدموع .. أسرعت إلى المطبخ وهي تتأمل الذبابة الغارقة بأسى ..

( لم يقل لها يوما كلمة حب واحدة ، كان ينظر إليها نظرات ملؤها الاشتهاء .. كانت بالنسبة له شيئا جميلا لا روح له ولا عقل ولا منطق .. ضاعت فترة الخطوبة بينهما في شد وجذب على شيء واحد يريده منها .. وتأباه هي .. والشرع .. والتقاليد ..
سألته ذات يوم ماذا أكون بالنسبة لك ؟ أجابها شيء شهي .. دجاجة مشوية .. سمكة مقلية .. عندما أخبرت أمها ضحكت قائلة : هكذا هم الرجال يا ابنتي . )

كانت دجاجتها ترقد في الطبق كما هي لم تمس .. حملتها وربتت عليها بحنان ..أتاها صوته هذه المرة مناديا نافد الصبر وهي ترفع الأدوات .. ارتبكت .. فاصطدمت يدها بسكين .. جحظت عيناها .. ارتدت للخلف .. وجلست ..

( وضعوها على رقبتها .. كانت حادة لامعة .. شل لسانها .. بعد جهد يسير اقتادوها )

وضع يديه على كتفيها .. هبت مفزوعة .. تعالت ضحكاته وهو يدفعها دفعا للحجرة .. بعد مقاومة يائسة منها دخلت .. ويدها خلف ظهرها .

( لم تعرف عددهم على وجه التحديد حينما تكالبوا عليها وكبلوها .. كان في نظراتهم بريق غريب مخيف .. انقسموا إلى فريقين .. واحد للنصف الأيمن والآخر للأيسر .. وجذبوا .. تأوهت وصرخت .. تبادلوا أماكنهم واحدا بعد الآخر .. تعالى صراخها وسط ضحكاتهم الماجنة .. تركوها ممزقة ….. والنفس و…. )

اقترب منها فارتدت للخلف .. ضحك وتقدم مرة أخرى وهو ينظر إليها .. نظرت في عينيه .. صرخت .. في عينيه نفس النظرة .. إنه يريد نفس ما أرادوا .. نفس ما أرادوا ..
رجعت للخلف .. اصطدمت بالجدار .. جحظت عيناها وهي تصرخ :
ــ ابتعدوا عني .
ــ ماذا ؟ ابتعدوا ؟ إني زوجك .
ــ قلت ابتعدوا لن تفعلوها مرتين يا أوغاد .
ــ أوغاد ؟ تعالي يا مجنونة .
هم باحتضانها عنوة .. دفعته بيسراها بينما ظهرت يمناها من
وراء ظهرها ممسكة بسكين ..ألجمت المفاجأة لسانه لحظات ثم انفجر ضاحكا :
ــ لن تستطيعين إخافتي فالليلة ليلتي . أعطني السكين .
هاجمها.. طعنته .. صرخ فضحكت .. رأت أحدهم يسقط .. طعنته مرة أخرى .. صرخ فضحكت وسقط آخر.. طعنته مرة ثالثة .. سقط ثالث .. استمرت في طعنه مرات ومرات .. حتى سقطوا جميعا وسط ضحكاتها المجنونة .


حسام القاضي


ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
نُشرت هذه القصة من قبل في
جريدة عٌمان ؟ / 11 / 1995 ( سلطنة عُمان )
جريدة القبس 5 / 6 / 2002 ( الكويت )