أمسك بفرشاته وأخذ في وضع خطوطها ..تلك اللوحة التي راودته فكرتها أياما قبل أن يشرع في رسمها...مجموعة وجوه..فقط مجموعة وجوه...ولكن لكل منها ملامح وقسمات مختلفة..لفت نظره واحد منها...خيل إليه أنه يوجه إليه نظرات مختلفة...فعندما رسمه رأي في ملامحه تعبيرات "الموناليزا"...بعد قليل خيل إليه أنه وقد قطب جبينه يرسل نحوه نظرات كشواظ من نار وكأنه يقول: لماذا رسمتني وسجنتني بين قضبان إطار لوحتك؟؟

في اليوم التالي لرسمها ارتسمت فوق جبين الوجه المتمرد آكام من سحب الغضب..آخذ الرسام في تعديلها بإضافة بعض الألوان..ما أن انتهي حتى ألقي بجسده المنهك فوق أقرب أريكة...تنفس الصعداء..غفا قليلا..وهنا خرج الوجه من الصورة مادا ذراعيه نحو رقبته...حتى إذا بلغت التراقي..هب الرسام من غفوته مذعورا...فاكتشف أن الليل قد انتصف..

طمأن نفسه بأنه لا بد أن يكون كابوسا...غطي اللوحة بستارة قماشية سميكة..نظر نحوها ثم عبس وبسر..ثم فكر..ثم نهض ليفعل شيئا..ثم أدبر..نام ـ بعد معاناة ـ وقد بيّت أمرا.

ما أن تنفس الصبح حتى هب واقفا..أمسك بفرشاته..غمسها في اللون الأبيض...اتجه نحو اللوحة..أزاح عنها الستارة..ابتسم في وجه بعض الوجوه..وعندما وجه بصره نحو الوجه المراد إزالته..ارتسمت فوق وجهه هو علامات الدهشة والذهول...لقد غادر الوجه المكروه اللوحة تاركا مكانه شاغرا 0