عصفور الجنة

جمال علوش





كان عُصفور الجَنَّةِ الجميل في طريق عودته إلى عُشِّهِ وصِغاره ، حين سمع صوتاً حزيناً مُتوسِّلاً يناديه :

- أيها العُصفور .. أيها العصفور !

نظر العصفور إلى أسفل ، فرأى صديقه حَقْل الحنطة . كان الحقل حزيناً يابس الوجه.. وكانت عيناه تتوسّلان .

قال العصفور :

- ماذا تريد أيها الحقل ؟

قال الحقل بحزن :

- لقد تأخَّرتْ عليَّ الغيوم..ولم تعد سنابلي الضعيفة قادرة على تحمُّل العطش الشديد . أرجوك ساعدني .

قال العصفور :

- أساعدك ! .. وهل أنا غيمة حتى أتحوَّل إلى مطر ؟!

قال الحقل :

-لا .. لم أقصد ذلك .

- ماذا تقصد إذن ؟

- أقصد أن تعود أدراجك إلى صديقاتي الغيمات ، وتخبرهنَّ أنني بحاجة ماسَّة إلى الماء.. وهنَّ لن يتأخرْنَ عن المجيء إلي .. أرجوك .

أطرق العصفور لحظات ، ثم رفع رأسه وقال :

- أنا آسف أيها الحقل.. لقد أمضيت نصف النهار وأناأبحث عن الطعام لأطفالي ..وها أنذا عائد به إليهم ..ثمَّ إنني مُتعَب .. أنا آسف .

صاح الحقل :

- أرجوك أيها العصفور .. سأموت .

وتابع العصفور طيرانه غير عابىء بتوسلات الحقل المسكين . سمع الحوار غدير صغير كان يتمدد باسترخاء إلى جوار الحقل .

هزَّ الغدير رأسه وتمنّى لو يتحوّل إلى نهر .. نهر كبير يكفي لإسكات عطش الحقل الصّديق .

ومرَّت الشهور ...وجاء الصيف بدفئه وشمسه وأحلامه .

أفاق عصفور الجنّة من نومه . نظر إلى فراخه . كانوا يغطوُّن في النوم . ابتسم ، ثم فرد جناحيه ، وطار ليبحث لهم عن طعام الإفطار .

دار العصفور ، وبحث كثيراً .. إلاّ أنه لم يوفق في الحصول على الطعام .

وأخيراً تذكَّر صديقه حقل الحنطة، فقال لنفسه : (( لاشك أنَّه الآن مُكتنِزٌ بالسنابل الذهبية )) ..ثم طار باتجاه الحقل ،وهناك فُوجىءَ العصفور ..كان الحقل حزيناً صامتاً لاأثر للحياة فيه تساءل العصفور : (( أين السنابل الذهبية التي كان الحقل يمتلىء بها كلّ عام ؟ )) ... ولمَّا لم يجِبْه أحد ، طار ليتابع بحثه عن الطعام .

اقترب العصفور من الغدير الصغير وهو يشعر بعطش شديد .. وعندما حاول أن يضع منقاره في الماء ، صاح به الغدير :

- توقَّف أيها العصفور.. لن أدعك تشرب من مائي !

- لماذا أيها الصديق .. إنني أكاد أموت عطشاً ؟!

صرخ الغدير :

- لا تدعني صديقك .

- لماذا أيها الغدير؟

- لأنَّ الصديق هو الذي يحترم أصدقاءه ويعمل على مساعدتهم إن هم احتاجوا إليه .

قال العصفور :

- وهل قصَّرت في مساعدتك يوماً ؟

قال الغدير :

- لا .. ولكنك قصَّرتَ ، بل امتنعتَ عن مساعدة أعزّ اصدقائنا .

قال العصفور :

- ومن الذي امتنعتُ عن مساعدته ؟

- جارنا وصديقنا الحقل ..ألا تذكر موقفك معه في الشتاء الماضي الا تذكر توسلاته إليك قبل أن يموت ؟ . أطرق العصفور مسترجعاً في خياله صورة الحقل الذي رآه قبل لحظات بلقعاً لاحياة فيه.. وتذكَّر ماجرى بينهما من حوار في الشتاء الماضي ، وكيف صمَّ أذنيه عن سماع توسلات الحقل المسكين .

شعر العصفور بالألم .. وبأنّه السبب في موت صديقه ، فبكى ... ويُقال إنّ العصفور قطع على نفسه عهداً منذ ذلك اليوم بأن يبحث طوال الشتاء عن الغيوم ، ويدعوها لسقاية الحقول العطشى .

لذلك ، وكلَّما أوشك المطر أن يهطل ، نرى عصافير الجَنَّةِ تطير قريباً من الأرض وكأنّها تُبشِّرها بقدوم المطر .