الشرنقة
الحاضرات ثلاث  ، أنت  واثنتان أخريان  ، امرأة وفتاة ، الوجوم يغلف الوجوه   ، يعلو العبوس  محياكن ، وتختفي الابتسامات ، جلبوكن  ،  رغما عنكن   للإدلاء بمعلومات قيمة ،لاستجلاء بعض الغموض ،الذي يحيط بالحادث. يلفك إبهام شديد ، تنقبين عن بصيص ضوء في هذه المتاهة الخانقة....
الصمت يسيطر على القاعة الكبيرة ، ولا تسمعين إلا أصوات التنفس التي  تنطلق ببعض الصعوبة ، لا تدري الواحدة منكن  ، لم أجبرت على المجيء إلى هنا ،
؟ وهل هناك  تهمة يمكن أن توجه ضدها ؟، وماهو نوعها ؟ وأنت ماذا جرى لك  ، ولم تظهر قدرتك ؟كيف عجزت عن شم تلك الرائحة المنبعثة من الحريق؟ ، عرفت  بقوة حاسة الشم ، وكثيرا ما كنت موضع إعجاب جميع من يعرفك ، كنت قادرة، على تمييز  المخلوق الواقف خلف الباب ، من رائحته المنبعثة خلف الأبواب   المغلقة ، تتبارين مع أخواتك وأشقائك  ،من  يستدل  على   الواقف  ؟طالبا فتح الباب المسدود ، دائما تكسبين  الرهان ، فكيف اندلع الحريق الكبير ؟، وفي منزلك ، و أنت آخر من يعلم به ، وكيف يحدث  أن يشتعل حريق هائل  ؟ ، ولم يكن شيء على آلة الطبخ ، و الوقت  عصر ، ولا حاجة لإشعال نار ،    أغلقت مفتاح الغاز بيدك ، بعد أن  هيأت  الشاي كعادة كل يوم ، وتناولت مع الوالدة  ،أقداحا من الشراب المهيّل المنعش.
تفكرين ، في إيجاد حل لهذا اللغز ، زميلتاك  يلتفتان ، تنظرين  إلى جهة الباب،
يدخل رجل سمين ، يرتسم توتر الأعصاب عليه بوضوح  ، ، لم يسبق لك أن شاهدته قبل هذه اللحظة ، تنقبض نفسك لمراه..
قال كلمة واحدة ، وأعطى لكل واحدة منكن ورقة وقلما:
-        لتسجل كل منكن ما رأت بعينيها ، ومن هو المستفيد من الحادث  ؟
الزميلتان غريبتان ، شاهدتهما أحيانا في نهاية الشارع ، حين كنت تذهبين إلى المدرسة كل صباح ، أيعقل أنهما تعرفان من اليد المدبرة  ؟، وأنت تجهلين ، والمنزل لك ووالدتك فيه ، يعييك بقاؤك حائرة وسط هذا الذهول الكبير ، يهيمن عليك بلا رحمة  ، تحاولين ان تعثري على وضوح الرؤية في هذا الخضم الهائل من الظلمة ..
-        هل لكم أعداء ؟ من تتوقعين انه الفاعل؟
-        ليس لنا  خصوم ، نحن مسالمون ، وكل قاطني  هذه المدينة  ،أصدقاؤنا
-        من أشعل النار إذن ؟
تصعب عليك الإجابة ، وتعسر عليك  مهمة تحديد الفاعل ، ولم تتعودي إطلاق التهم جزافا واتهام الأبرياء ، لقد عشت دائما موضع احترام الناس وتقديرهم ، لو كان أخوك هنا ، لاستطاع لما جبل عليه من معرفة الناس ، وفهم دوافعهم ، إيجاد الأجوبة الشافية  ،لسيل أسئلتهم الجارف   ،تعجزين عن   الإجابة ،
رحل ، أخبرك انه عائد عن قريب ، وانك يجب ان تضعي الأمر سرا بينكما ، ولا تخبري أحدا بحقيقة رحيله ، واخبري أمك حين تفتقده:
-        انه في رحلة إلى الجبال مع  أصدقائه.
-        زميلتاك تكتبان ما تفكران فيه بحرية ، وأنت حائرة بينهما ، من يمكن أن يتسبب في اندلاع حريق  مرعب ، في بيتكم ، وفي وقت  ذهاب أخيك في مهمته التي لم يحدثك عن أسرارها ؟.
-        - حين أعود ، أقص عليك أخبارا سارة.
فما طبيعة تلك المهمة ، ولماذا أصر أخوك على عدم إفشائها  ؟، لا سيما أمام أمك ، معللا الغموض ، لئلا تبتئس  ، وما الذي يجعل أمك تحزن ؟  هل ذهاب  الشباب بلا إياب ؟ المتفشي هذه الأيام ؟
الورقة أمامك فارغة ، لم تكتبي كلمة ، كيف يمكنك أن تبيني ما حدث تماما ، كنت تظنين: إن الحريق في منزل جارتك ،  هل يمكنك ان تحددي : من المستفيد من اندلاع ذلك الحريق؟ ، وقد عشت حياتك كلها ، لا ترغبين  في الإساءة إلى الناس والإضرار بهم.
ينطلق صوت الرجل:
-        لماذا لا تكتبين ، مثل زميلتيك؟
-        لأني لا أعرف  شيئا
-        كيف لا تعرفين  ؟، والحريق شب في بيتكم ؟
-.............
-        أين أخوك ؟
-        ذهب في سفرة مع أصدقائه ؟
-        أين ؟
-        جبال  العراق.
-         نعم ؟ للكارثة ...كاذبة أنت ، ماذا فعل أخوك كي تحاولين حمايته ؟
 ولماذا غادر إبان اندلاع الحريق ؟
-        إنها مصادفة محضة.
- كوني صادقة قليلا ، حسن، لنؤجل هذا الأمر ، صفي الحريق أولا
-  اندلعت النيران على حين غرة ، كنت جالسة أشاهد  فيلما في التلفاز ، فشممت رائحة حريق تنبعث بقوة ، فكرت أنها تأتي  من الجيران ، فالمرأة المسكينة كانت مشغولة دائما ، في أعمال المنزل الكثيرة ، وفي مهمات الوظيفة ، وتربية ثلاثة أطفال تركهم لها أبوهم المرحوم.
فكرت  أن أذهب  إلى الجارة ، لأنبهها  إلى ما يجري في منزلها ، وقد تكون غير عارفة بخبيئة ما يحدث ، فتتعرض حيوات أولادها  للخطر المبين.
- يا لدهائك ...
- تقوى رائحة الحريق ، فأسارع  إلى النهوض ، والاستفسار من أمي  المريضة  ،المقعدة على كرسيها الدوار ، عن سبب تلك الرائحة النفاذة.
-        هذه قصة مفتعلة
-        هي الحقيقة كما رأيتها
تنهي الزميلتان ما كانتا تكتبانه ، يقرأ الرجل ما في الورقتين ،من معلومات
تعلو الابتسامة وجهه ، وينطلق صوته عاليا
-        أخوك هو الفاعل.
-        أخي ؟ انه مسافر منذ ثلاثة أيام ، فكيف يسبب الحريق هذا اليوم ؟
-        هل تناقشينني ؟ اخرسي ، احضري أخاك ، وسوف أفرج عنك فورا ، لقد زدتم في ارتكاب السيئات ، وتجاوزتم الحد...
 
 - أيها العصاة المارقون
هل يعقل هذا ؟ يسافر الشاب ، ويتهم بأشنع  تهمة وأقساها ؟ هل يمكن ان  يشعل النار ،وفي منزل يحبه ، ويود أفراده ، ويكن لهم هذا الحب الفريد ، والتقدير الكبير  ، وكيف يشعل النار وهو بعيد ؟ ولكن أين هو ؟ وماذا يفعل ؟ وما نوع المهمة التي ذهب من اجلها ؟ ولصالح من يقوم بها ، ولماذا غادر وقت طلوع الشمس مسرعا ، ونصحك ألا تخبري أمك بالأمر ، وان تدعي ما بينكما من سر مكتوما لا يشاع .
ولماذا يتهمون أخاك ؟ ذلك الإنسان النبيل والشهم ، والذي تحبينه أكثر من أي مخلوق آخر ، وما طبيعة التهمة الموجهة له ، وما علاقة الفتاتين به ؟ ولماذا تحرصان على اتهامه ، وهل صحيح إنهما اتهمتاه ، أم أنها تهمة أخرى  مركبة ومتشابكة ، لا يمكن مواجهتها ، من يستطيع أن ينكر أمرا قاله أحد المتنفذين
-        اتصلي به، كي يوضح ما لبس..
هل تشين بأخيك ؟ وهل فعل شيئا يستحق الوشاية ؟ ومن أوغر صدورهم ضده ؟، ألا يمكن ان يكون الأمر كله ، مجرد وهم كبير ؟ كيف استطاعوا ان يحرقوا المنزل ، ويتهموا أخاك بتدبير الحادث ، وكيف يمكنك أن تتصلي به ؟ وأنت لا تعلمين  أين يقيم ؟ وجهلك ذاك من حسن حظك  ، وإلا سارع إلى التضحية بنفسه كي ينقذك من براثنهم.
خيوط من القلق والحيرة تستبد بك ،  تلتف حول رقبتك، وتساهم في تصعيب الأمور  ، وإبعاد  الوضوح عنك  ، ، كي تحددي الطريق ، الواجب عليك اتخاذ عدد من الوسائل  ، لا قدرة   لك بها الآن ،  أنت في مفترق ، أمامك سبيلان ،  أحلاهما مر.
تسارع الفتاتان إلى الخروج  ، لا يبدو الفرح واضح المعالم على محياهما ، لقد قاما بما أمرهما  به الرجل  ،ولا خلاص لهما بدون ذلك ، لو كنت تستطيعين أن تفعلي مثلهما ،وتنقذي نفسك من عذاب ، واقع عليك حتما ، ولكن ماهو الثمن الباهض الذي عليك دفعه للخلاص  ؟، وقد لا ينجح ، فكم من بريء ،قضى العمر كله ،يصارع موجات التهم ، دون ان يحظى بما بقي يرجوه ،طوال عمره الضائع المميت ، وأين تلك البراءة ، في مجتمع مهمش ، يفتك الواحد منهم بالآخر ، رغبة في خلاص مزيف؟
يرتفع الصوت آمرا:
-        هيا أين أخوك ؟
النتيجة واحدة ـ إن تكلمت أو صمت ، فالأمر سيان، ينجلي  أمامك الغامض ،  ويقترب البعيد  ،ويتوضح  المبهم  ، فتسمعين صوتك مصمما :
-        أين أخي ؟ أنا أسألكم  أين وضعتموه ؟
تنسدل الستارة إلى عينيك، قلبك يبدي صمودا ،كنت تتوقين  اليه 
تجدين الأيدي تجرك ،  إلى مكان بعيد
صبيحة شبر