الإشباع والتحريك في الشعر العربي .
غالب أحمد الغول
@@@@@@@@@@@
الإخوة الأعزاء :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد .
موضوعنا اليوم ( زحاف التفعيلة ) ( مفتعلن ــ ب ب ــ ) في بحر الكامل ولقبها ( مجزول ) وأصلها ( متفاعلن ب ب ــ ب ــ )
.
من المسلم به عروضياً وإنشادياً في القصيدة العربية الشعرية , أن كثيراً من التفاعيل السالمة من الزحاف أفضل إنشاداً من التفاعيل التي يلحقها الزحاف , وإن تفعيلة الكامل متفاعلن بفتح التاء , أفضل عند إنشادها من التفاعيل المضمرة أو التفاعيل المجزولة أو التفاعيل الموقوصة , لأن أزمنتها الإنشادية والموسيقية على حد سواء مكتملة لا نقص فيها , ولكن تيسيراً للشاعر عند اعتراضه كلمة لغوية تنتهي بحركة ولا يريد سواها من الكلمات , أو لا يريد مزيداً من التكلف في اختيار الكلمات , فقد أباح له العروض باستعمال ( التحريك أو الإشباع ) لتعويض ما نقص من أصل التفعيلة , أي أن علم العروض أجاز له أن يشبع التاء ــ مثلاً ــ في كلمة ( كنت ِ ) ليلفظها عند الإنشاد وكأنها ( كـُـنتي ) لأن الكسرة والياء متقاربتان في اللفظ , مثل تقارب الضمة والواو . وهذا ما يسمى بالإشباع , في لغة العروض , أو في لغة الإنشاد الشعري بشكل خاص .
وقد أجازوا لبحر الكامل بيت الجزل الآتي :

منزلة صم ّ َ صداها وعفتْ أرسمها إن سُـئلتْ لمْ تـُـجب ِ
ــ ب ب ــ / ــ ب ب ــ / ــ ب ب ــ مجزول / مجزول / مجزول

الكافي في العروض والقوافي صفحة ( 66) باب الكامل .

وعندما نقرأ كلمة اللقب مجزول , فيعني ذلك أن هذه التفعيلة من تفاعيل الكامل وليست من تفاعيل الرجز ( المطوية ) . وبهذا اللقب يتميز ( المجزول عن المطوي) , لكي يعرف الشاعر أصل كل تفعيلة , وهذا هو نظام الخليل في نشأة الزحافات وألقاب التفاعيل , وبمعرفة الجزل والطي وسير الأوتاد باتجاهات منسقة , فإن هذا التنسيق يبعد العروضي من تسمية المقاطع السابقة بالمقاطع الخببــــية , لأنها ليست أسباب ثقيلة , بل هي زحافات الأسباب السابقة للأوتاد . ( ب/ ب ــ ) ( 1 / 3 ) ولن تكافيء ( 2 2 ) نطقاً وزمناً , بأي حال من الأحوال .

والذي دفعني لكتابة هذا المقال , هو وجود تفعيلة واحدة ( مجزولة ) في قصيدتي ( حواء ) الآتية بعد أسطر قلائل , والتي نقدها الدكتور سمير العمري مشكوراً ( وهو على حق حسب تصوره ) لأنها ثقيلة النطق إن لم يتم إشباعها , قائلاً .

( لعلني استوقفني فقط زحاف في قولك

"منــذ أن كنـــتِ بنية"
.. ــ ب ــ/ ــ ب ب ــ / ــ

وهو مما لا أجدني أتقبله ولا أقره في الكامل ولا أجد زحافا يحتمله حشو الكامل إلا الخبن. )

ومن وراء كلمات الدكتور سمير العمري همسة لطيفة , لأقول له , لا يوجد في الكامل أي خبن , فالخبن لا يوجد إلا في الرجز للتفعيلة ( مستفعلن ــ ــ ب ــ لتصير ــ ب ب ــ ) ولعله ــ وهو كما أظن ــ بأنه يقصد ( مفاعلن ) سواء أكانت مجزولة في الكامل أو مخبونة في الرجز . وأشكر الدكتور سمير العمري على هذه اللفتة الهامة , التي أتاحت لي شرح بعض ألقاب الخليل وفائدتها في الشعر العربي,

القصيدة :

حواء/ غالب احمد يوسف

منْ قالَ إنـّكِ مِنْ قــُصاصاتٍ لأوْراق رَديّــــهْ ؟
بلْ أنتِ كالمصباحِ ِ في كبَد السماءِ لنا هَويـّهْ

مَنْ قالَ إنـّكِ تحتَ حرْبةِ شاعرٍ يَهْوى الزريةْ ؟
أنـَسيتِ انـّكِ ورْدة ُ البُستانِ نـَهواها نـَديّـــــهْ ؟

مَنْ قالَ إنـّكِ تحْتَ أجْنِحة الغـُبار لنا أسِيّــــــهْ ؟
أنسيتِ إنـّكِ مِنْ صَبا بَردى ليُبهجنا عَشيّـــــهْ ؟

مَنْ قال إنـّكِ تحْتَ أقدام الرّدى دوْماً شَجيّــــهْ ؟
فالروحُ لولا عِطـْرُك الفوّاحُ ما ظلتْ شَهيّـــه ْ

بلْ أنتِ تاريخٌ مُضيءٌ منذ ُ أنْ كـُنتِ بُنـَيّــــــهْ
بلْ أنتِ يا حَوّاءُ نـِبْراسٌ لـِهاماتٍ أبـِيّـــــــــــةْ

أوْ أنتِ قدّيسٌ ومَنْ يَهْجوكِ شـَيـْطانُ البـريــهْ
والفخرُ أنـْتِ فـَلنْ تـَكوني بَيـْننا أبَداَ شـَقـِيّــــهْ

لا تـَقـْبلي عَيـْشاً شـَقيــّـا مِنْ فـَتافيت دَنيّــــــهْ
مَا ضَاعَ حَقـّكِ بَيـْننا بَلْ كُـنـْتِ أكْـثرنا وَصِيــّهْ

وَنـَبيّـنا أوْصى الأنامَ عَلى مَوائِدك ِ السّخيّـــــهْ
مَا ضاعَ طيـْفك ِ مِنْ ثـَنايا مُؤمن ٍ يَهوى وَفـِيّــهْ

ما ضاع لونكِ من زهور الروض إن كانتْ سَويّهْ
ما ضاع صوْتٌ لحنـُه التِحنان منْ شفــةٍ هَنيّــــهْ

ما ضاع حرفٌ من حروف الحبّ إنْ وجد الزكيّهْ
كلّ الشفاه تبسمتْ للحبّ توقظــــها حَــميـــــــــّهْ

ما ماتَ قلبٌ نابضٌ بالحُسن يرعانا سَويّــــــــــهْ
لِمَ تقتلينَ عَواطفي وأنا لروحكمُ ضحيّــــــــــــهْ ؟

لِمَ تجرحين جوارحي وأنا لحَرفكمُ مَطيـّــــــــــهْ
فالجَمرُ لا يكْوي الجسومَ كما بحرفـِكمُ دَويـّـــــهْ
كوني بحَجْم الودّ والإيمان ِ يا أغـْلى صَبيـّـــــــهْ