صَبَاحٌ مُعَقَّدْ ..
وَمَقْهَى غَاضبٌ وَكَرَاسِي مُبَعْثَرَةْ ...
ضَجَرٌ يُجَرْجِرُ ثَوْبَهً نَحْوي ...
طَلَبْتُ شَايْ كَغَيْرِ العَادَةِ وَجَلَسْتُ أَرْمُقُ نَفْسِي مِنْ بَعِيدْ ..
صَاحِبُ المَقْهَى : هَلْ مِنْ قَصِيدَةْ ؟
قُلْتُ : نَعمْ ، فِي كَنَفِي أَلْفُ قَصِيدَةْ .. وَلَكِنْ سَأُسْمِعٌكَ الأَخَفَّ حُزْنَا مِنْهَا ..
وَبَعَدَ أَن أَلْقَيتُ أَطْرَافَهَا عَلَى مِئْزَرِهِ المُلَطَّخْ بِقَلَقِ القَهْوة ..
طَرِبَ جِداُ ، ذَهَبَ لِيَمْسَحَ أَثَرَهَا فِيهْ .. ثًمَّ عَادْ ...
جَلَسَ أَمَامِي وَأَوْمَأَ لِلنَّعْنَاعِ وَالشَّايْ بَيْنَنَا ...
ثُمَّ قَالْ وَكُلُّ السُّؤْمِ فِيهْ : " فِي رَأْيِيِ أَنَّ مَنْ صَنَعَ المِصْبَاحَ الكَهْرَبَائِي .. أَفْضَلُ مِمَّنْ صَنَعَ القَصِيدَة '' ...
نَطَقَ الطِّفْلُ فِيَّا : ( '' أَنْ لَا لِقَوْلِكَ هَذَا " ... وَ بِكُلِّ عَفْوِيَّتِهِ أَضَافْ ... ''عَلَى هَذَا المِصْبَاحْ .. يَقُومُ المُظْلِمُ وَ المُضِيءُ مِنَ الخَلْقِ ...
وَانْطَفَأَ الِمصْبَاحُ مِنْ فَوْقِي مُذْ خَرَجَ المُظْلِمُ فِيَّا لِلْعَالَمْ " ... )
ثُمَّ رَدَّ النَّادِلُ دَونَ تَفْكِير قائلا : " لَا لَا لَا !'' ...
يَخْرُجُ الكَاتبُ فِيَّا مُتَعَصِّبًا لِيَقُولْ : إٍييهٍ يَا وَلَدِي ... لَا يُؤْمِنُ النَّاسْ إٍلَّا بِأَوَاخِرِ الأَفْكَارْ ... فَمَنْ يُقْنِعُ النَّاسْ أَنْ الرِّوَائي "ستريندبرغ"
كَانَ أَوَّلَ مَنْ تَنَبَأَّ فٍي رٍوَايَتِهِ " الكابتن كول "عَنْ اِمْكَانيَّةِ اسْتِخْلَاص الآزُوتِ مِنَ الهَوَاءْ .. ؟
أَوْ مَنْ يُقْنِعُ النَّاسَ أَنَّ فِي قَوْلِ طرفة بن العبد :
يشقّ حباب الماء حيزومها بها
كما قسّم الترب المفايل باليد !!
أنه أول من تنبأ بظهارة قص التربة والتي تسمى normes geotechniques ...
وَهَذَا مَا تَوَصَّلَ إِلَيْهِ عُلَمَاءُ الهَنْدَسَةِالمدنية تخصص جيوتقني الآن ..
يَقُولُ الطِّفْلُ فِيَّا لِأَبِيهِ الكَاتِبْ : أَبِي ... لِمَا قَالَ صَاحِبُ المَقْهَى ذَلْكْ ؟
الكَاتٍبُ فِيَا : كُنْتَ قَدْ خَاطَبْتَ الجَبَانَ فِيهْ يَا وَلَدِي .. قَدْ كَانَ يَخَافُ الفِكْرَةَ وَلَا يَقْرَبُ حِمَاهَا ... كَانَ فَقَطْ يَسْمَعُ نَشِيجَهاَ بِآخِرِ الَلْيلِ مِنْ بَعِيدْ ... فَلاَ هُوَ صَنَعَ المِصْبَاحْ وَلَا هُوَ صَنَعَ القَصِيدَةْ وَإِنْ كَانَتْ عَزْفاٌ ...
تَمْلَّكْتْني هَالَةُ الصَّمتْ ... وَهَدَأَ كُلُّ الضَّجِيجْ ... أَصْبَحْتُ أَسْمَعُ فَقَطْ صَدَى الكَلَامْ ...
يَنْظُرُ الطِّفْلُ لّشَيْبِ أَبِيهِ الكَاتِبْ وَيَقُولُ فِي نَفْسِهْ : الحَمْدُ لله أَنَّنِي لَمْ أَقُلْ لِأَبِي أَنَّ صَاحِبَ المَقْهَى " فَنَّانٌ مُوسِيقِي وَرَسَّامْ" ...
قَالَ الكَاتِبُ فِي نَفْسِهْ : " لَنْ تَكُونَ القَصِيدَةُ مِصْبَاحَ مَنْ لَا جَمَالَ فِيهْ " ...
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ

بقلم : هارون عمري ..