يقول الزجاجي في علل النحو(فإن قال: فأخبروني عن الكلام المنطوق به الذي نعرفه الآن بيننا، أتقولون إن العرب كانت نطقت به زماناً غير مُعرب ثم ادخلت عليه الإعراب، أم هكذا نطقت به في أول تبلبل ألسنتها؟ قيل له: هكذا نطقت به في أول وهلة، ولم تنطق به زماناً غير معرب ثم أعربته).
وقال بعد ذلك(وقد أجاز بعض الناس أن تكون العرب نطقت أولاً بالكلام غير معرب، ثم رأت اشتباه المعاني فأعربته، ثم نقل معرباً فأعربته فتتكلم به).
إذا قارنا بين هذا الكلام وبين علم اللغة الحديث الذي يقول أن الإعراب موجود في اللغات السامية فإنه يتولد هذا السؤال:
عن أي لغة عربية يتحدث الزجاجي؟
وعن أي عرب يتحدث؟
أكثر لغة سامية تشبه العربية في الإعراب هي الأكدية الرفع فيها بالضمة والنصب بالفتحة والجر بالكسرة والمثنى وجمع المذكر السالم مثل العربية تماما الرفع بالألف والواو والنصب والجر بالياء:
في نص قلقامش(پِي مَشاتِم)كأنك قلت في العربية(في مساءِن)والميم في مشاتم مثل النون في مساءن أي التنوين الذي في العربية مثل التمييم الذي في الأكدية. والفاء في الأكدية پ باء خفيفة .
هناك شبه كبير بين اللغتين حتى في القرآن الكريم(ذا النون)(صاحب الحوت)في الأكدية تقول في الرفع(نونُمْ)نونوم يعني حوت أو سمكة .
واضح أن كلام الزجاجي وعلماء النحو ينطبق على اللغة الأكدية كما ينطبق على اللغة العربية فلابد أن اللغتين قد تفرعتا من لغة وتلك اللغة التي تفرعا منها لتبد أن تكون معربة .
هذه اللغة قد تكون هي أصل اللغات السامية أو انها تفرعت من لغة تفرعت من اللغة التي هي أصل اللغة السامية .
واضح ان كلام الزجاجي ينطبق على أجداد البابليين والعرب أقصد أن جدهم واحد وأن هذا الجد كان يتكلم لغة فلما تفرع من هذا الجد البابليون والعرب كذلك تفرعت من لغته اللغة العربية واللغة الأكدية .
أعتقد أن هذا الكلام منطقي فكيف نقول أن اللغة العربية هي أصل اللغات ولانقول أن اللغة الأكدية هي أصل اللغات .
هنا يظهر تعصبنا للغتنا إذ ينبغي أن نقول أن اللغة العربية هي أقرب اللغات الى اللغة التي هي أصل اللغات السامية وهذا الكلام معقول علميا .
اللغة الأكدية القديمة المعربة لها نقوش نستطيع ان نقول من خلالها أن الإعراب موجود في الأكدية من قبل خمسة آلاف عام من الآن وبالتالي تكون العربية مثلها لانهما تفرعتا من لغة واحدة .
الا أن العربية عربيتان عربية شمالية حديثة وعربية جنوبية قديمة ينتمي لها لغات أريتريا والحبشة والمقصود باللغة العربية عند علمائنا هو العربية الشمالية وقد قالوا لسان اليمن ليس بلساننا يقصدون بلساننا لسان قريش اللغة العربية الفصحى ولسان اليمن مثل لغة حمير ومثال على ذلك طمطمة حمير يقولون امرجل أي الرجل ام التعريف في حمير مثل ال التعريف في الفصحى .
وكما يلاحظ ان ام التعريف الحميرية منتشرة جدا الآن في جنوب الحجاز في تهامة وجبال السروات حتى اليمن مما يعني أن هناك تقارب وتداخل بين بعض لغات اليمن واللغة العربية الفصحى أما لغات مثل اللغة الشحرورية التي في عمان فهذه ليست بعربية ولكنها من لغات الجزيرة العربية .
ولذلك ينبغي أن تكون اللغة العربية الفصحى تفرعت من لغة عربية قديمة في اليمن واللغة العربية القديمة التي في اليمن تفرعت من لغة وهكذا كل لغات الجزيرة العربية بالإضافة الى لغات العراق والشام التي تعرف بالسامية وكذلك لغات شمال أفريقيا المنتمية الى الكنعانية كلها تنتمي الى لغة هي أصل اللغات السامية هذه اللعة هي يمكن أن نسميها اللغة الجزيرية نسبة الى جزيرة العرب أما أن نسميها اللغة العربية فلا أعرف كيف لأنه لم يكن هناك عرب في ذلك الزمان القديم .
علماء النحو يتحدثون عن أجداد أجداد العرب والبابليين يمكن ان يكونوا هم قوم عاد لأن الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن الكريم عن قوم عاد(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ).(من بعد)وليس(بعد)مجرور الظرف بمن يعني بعدهم فورا .
جعلهم خلفاء في الأحقاف في اليمن فيمكن أن يكون قوم نوح عليه السلام كذلك في اليمن وقوم عاد هم أحفاد المؤمنين الذين كانوا في السفينة مع نوح عليه السلام والله سبحانه وتعالى قد قال عن بني اسرائيل في سورة الإسراء في سياق ذكر الإفسادين(ذرية من حملنا مع نوح)يعني قوم عاد هم اصل الساميين لأن الله يقول(وجعلنا ذريته هم الباقين)الضمير(هم)مقحم للتأكيد أي أنه ممكن أن يقال وجعلنا ذريته الباقين .
لكن قد لايكون المقصود جميع البشر ولكن مجموعة منهم مثل(لتفسدن في الأرض مرتين)ليس كل الأرض ولكن القدس وماحولها وكذلك(الذين طغوا في البلاد)ليس كل البلاد بل بلاد معينة لان بعدها بآيات هذه الآية(ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ).
لكن هناك تأكيد قوي جدا بالضمير ولا أحد يستطيع أن يقول غير هذا و(الباقين)ال موصولة وباقين اسم فاعل مثل الذين يبقون إذا أردت معنى الفعل تقول الذين يبقون وإذا أردت معنى الاسم تقول الباقين والفعل يدل على الحدوث والتجدد والاسم يدل على الثبوت والاستمرار .
لكن قراءة البلاغة في النص ليست كقراءتها في كتب البلاغة فحاول أن تطبق قاعدة الاسم على كلمة(الباقين).
ماهي المعاني التي تولدت من استخدام الاسم(الباقين)؟
وطبعا هذه المعاني ستتولد من معنيي الثبوت والاستمرار.
(وَلَقَدۡ نَادَىٰنَا نُوحٞ فَلَنِعۡمَ ٱلۡمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِيمِ (76) وَجَعَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُۥ هُمُ ٱلۡبَاقِينَ (77) وَتَرَكۡنَا عَلَيۡهِ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ (78) سَلَٰمٌ عَلَىٰ نُوحٖ فِي ٱلۡعَٰلَمِينَ (79) إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ (80) إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا ٱلۡأٓخَرِينَ).
ثم أغرقنا الآخرين معطوفة جملة نجيناه وأهله لكنه لم يعطف الا بعد أن استوفى المعنى الذي يريده أعني أنه أضاف معاني الى المعطوف عليه ثم عطف .
هذي المعاني مدح لسيدنا نوح عليه السلام .
يكون مثل هذا غالبا في القرآن بحسب موضوع السورة وسياق الآيات لأن القرآن قد يذكر مشهدا واحدا أو حدث واحد من قصة معينة في أكثر من سورة فتتكرر الآيات وقد يكون فيها كلمة زائدة او كلمة ناقصة ومثل هذا وتخريج العلماء دائما يكون حسب موضوع السورة ومعانيها .
وسورة الصافات فيها مدح للمؤمنين وذم للكافرين فبعد نوح عليه السلام يذكر إبراهيم عليه السلام ويقول أنه من شيعة نوح عليه السلام(وَتَرَكۡنَا عَلَيۡهِ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ (108) سَلَٰمٌ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ (109) كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ (110) إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ )
لاحظ أنه قال عن نوح(إنا كذلك نجزي المحسنين)وقال عن إبراهيم(كذلك نجزي المحسنين)بدون(إنَّا)وباقي الآيات مثل بعض.
(سلم على نوح في العالمين)فيه زيادة(في العالمين)(سلام على إبراهيم)فينبغي أن تكون زيادة(إنَّا)تتعلق بها.
يمكن يكون كل البشر الآن هم أحفاد نوح عليه السلام وهو جد العالم وبالتالي لغته عليه السلام هو وأبناؤه هي أصل اللغات وهذه اللغة قد تكون هي لغة قوم عاد أو أن لغة قوم عاد متفرعة منها .
لكن واضح جدا أن اليمن له علاقة بأصل اللغات وأصل اللغات يعني أصل البشر لأن اللغة لاتتكلم بل يتكلم بها الناس فينبغي أن يكون أجداد البابليين والعرب كانوا في اليمن وأنه تم إعراب الكلام في اليمن أو نطق به اليمنيون معربا .
وهناك لغات غير سامية يقال أن فيها بقايا إعراب وهو تأويل لظواهر لغوية وليس حقيقة علمية فإذا كان هذا صحيحا فلابد أن تعود هذه اللغات هي واللغات السامية الى أصل واحد هم قوم عاد .
وفي القرآن(وأنه أهلك عاد الأولى)(وثمود فما أبقى)مفعول أبقى محذوف والفعل منفي بما .
تقول ماضرب زيد عمرا تنفي ضربا مخصوصا بعمرو وتقول ماضرب زيدٌ تنفي وقوع الضرب من زيد والمعنى هو نفي مصدر الفعل نفي الإبقاء .
وفي آية(فهل ترى لهم من باقية).
وهذا أيضا يؤكد معنى تلك الآية لأن مفعول ترى(باقية)مجرور بحرف جر زائد(من)أي ممكن أن يقال هل ترى لهم باقية وهذا تأكيد قوي جدا أنه لم يبق شيء من آثارهم بعدهم .
والله أعلم