للنثر قصيدته..!
في الشعر كان التحديد القديم قائما على أساس أن الشعر هو الكلام ـ الموزون والمقفى ـ وهذا التعريف التقني ظل يمارس فعاليته على مدى زمني طويل ،وهذا ما حدا بالتالي دعاته على اعتبار الشعر الحديث مجرد مغامرة.
لكن الشعر الحديث اخذ يفند هذه الادعاءات بل اصبح يظهر على انه طريقة تعبير ثورية تتلاءم مع نظرة الانسان المعاصر للكون ومع اسلوبه في استكشاف نفسه والعالم..وكان هذا التحول الهام قي مسيرة الشعرالحديث حلا حتميا ضد تصدع ما..الصدع في نفس الإنسان في لهفته وعطشه وحنينه للمجهول وحريته الكبرى ضد المحدودية والتفسيرات والمصطلح العام.
وقد ظلت مجابهة القصيدة التقليدية للشعر الحديث تتسم بصور متكررة من حيث الطعن والرفض...حيث ظلت تنكر على الحديث فقدان وحدة البيت وعدم امتلاكها وحدة القصيدة، وقد دافع الحديث عن نفسه باعتبار ان وحدة القصيدة ليس شرطا ثابتا ومن الممكن ان تكون القصيدة الحديثة متآلفة من وحدات متباينة،فمازال الكون الواسع يشكل مجاميع عديدة ومازالت نفس الإنسان تحمل اشكالا وتجاويف وتعقيدات عديدة إذاً من الظلم ان يفرض على القصيدة مناخ واحد خاص.. لأسباب عدة لعل اهمها التداخل بين الاجناس الادبية والفنية مما جعل الفصل بينها امرا في غاية الصعوبة.
ولعل قصيدة النثر الحالية خير دليل على ما اقول فمما لاشك فيه انها امتدادا للشعر الحر والقصيدة النثرية التي برزت في عقد الستينيات من هذا القرن وقد خضعت الى تفاعلات في القصيدة العربية اذ ان الاخيرة انطلقت بواقع تأثيرات اجنبية حفزت لها مؤثرات كمنت وتفاعلت في الواقع بكل ابعاده وكانت هذه التجربة تجري تحت تاثير واضح لتيار شعري راسخ في الثقافة الاوربية وهذه بالطبع ما حدا بالبعض الى رفضها لكونها لاتحمل اصولا عربية أي انها لا تنتمي الى الشعر العربي بشيء اطلاقاً ووصفوها...بانها ليست الا استنساخاً لمواصفات معينة في الشعر الاوربي، وقالوا ان اصحاب قصيدة النثر يحاولون زرع تجارب غربية في ارض الشعر العربي... بالطبع تجاهل هولاء النظر الى اهمية هذه القصيدة باعتبارها احدى اهم منافذ الخروج عن المحدودية والقيود الموضوعة على الكلمة الشعرية.
وبالرغم من ذلك فقد ارسى هذا التيار دعائمه التنظيرية والتطبيقية على قدم وساق ولفترة طويلة، وقد استقبل هذا الاندفاع نحو تجديد الرؤية الشعرية بشتى المواقف المتضاربة المستجيبة له والرافضة.
عموماً لا يمكن التاكيد تماماً على ان قصيدة النثر قد تأثرت بهذه الحملات والعراقيل والمثبطات، بقدر ما ان ظاهرتها قد اخذت بالتوسع والانتشار..واخذت نصوصها تنفتح على جميع الأشكال الأخرى.
ان مجموعة المعطيات في الذوق الشعري العربي باتت لا تخفي ولعها بهذا النوع من القصيدة ذلك لان الثقافة لا يمكن لها ان تتحرك مقطوعة الصلة عما يدور داخلياً وخارجياً.
ومن المسلمات الحتمية ان التجديد في الشعر لا يكتفي باجراء التعديلات على نطاق شكلي او تقني فقط او من خلال خلخلة بسيطة كهيكل القصيدة، انما الامر اعمق من هذا بكثير في قضية تعني حدوث ثورة تجديدية ضمن الشكل الواحد او ضمن تشكيلات متعددة فعمق التجديد يتبلور اصلاً في الرؤية المتجددة للحياة، وانطلاقاً من هذا التحديد الواضح يمكن تعزيز القول ان قصيدة النثر هو تغير جوهري عميق في ممارسة هذا التجديد الشعري بالاستناد الى ان قصيدة النثر تمارس الانقطاع المطلق ما بين حيثيات القصيدة التقليدية ـ بممكناتها الشكلية بالاضافة الى التجاوز الذي يتم في اطار تغير زوايا النظر الى الحياة والوجود من ناحية ثانية.
ولعل من اهم سمات قصيدة النثر في ساحة الشعر والمنجز هو توظيف المحلي وإنهاضه في الشعر الامر الذي يعد في غاية من الاهمية لتوكيد التجربة وفتح المعابر امامها لتعميق الصدى عند المتلقي..و الاستفادة من المديات الواسعة التي تمنحها هذه القصيدة حتى نبدو وكأننا متحررين من وجودنا الراكد نحو وجود آخر هو في الأصل وجودنا الحقيقي.
اود الاشارة الى ان هذه الاسطر هي وجهة نظر شخصية...واعلم مسبقا رفض الكثيرين لها لكن وجدتها كلمة يجب ان تقال ..؟