كعادة عم حسين العربجى ممتطياً حماره الأعرج متجهاً لأرضه الزراعية ، وفى طريقه توقف قليلاً ، فقد لفت نظره وانتباهه شيئاً ما على الطريق ، تجاهله وعاود السير بحماره إلى مصدر رزقه ... لم يكف عن التفكير فيما رآه منذ قليل .
أوقف الحمار ... هبط إلى الأرض ، وجه الحمار إلى الطريق المضاد للرزق .
مشى على قدميه ساحباً حماره وراءه ... يتبعه فى استسلام دون أى اعتراض ، فهذه هى المرة الأولى فى حياة هذا العربجى الذى بدأ فى تغيير إتجاه سير هذا الحمار ، وهذه المرة إلى اتجاه مخالف لما عاهده معه ، فلم يعهد الحمار من قبل هذا الطريق إلا عند الرجوع إلى البيت فقط .
سار خلفه إلى أن أوقفه سيده وربطه فى نخلة تتوسط الطريق وتركه ومشى .
تعثرت قدم حسين العربجى حين لامست شيئاً وسط هذا الكم الهائل من التراب الملوث بروث البهائم ... بعثر ذرات الرمال ... غربلها بين كفيه عسى أن يعثر على قطعة نقود ... عربية كانت أم أجنبية ... أياً كانت تقدر .
" ربما تفتح لك الدنيا ذراعيها وأحضانها وتعثر على كنز دفين فى باطن هذه الأرض ... ربما تكون معك عملات العالم جميعها ... ولتتزوج إمرأة جميلة وترزق منها بالولد الذى تتمناه " .
- آهٍ لو رزقنى الله بالولد ... آه .
" يستحيل على أى إنسان أن يعيش مرة ثانية ، ولكن من الصعب البقاء فى حياة أدنى من حياة " .
قد كان نهيق الحمار إنذاراً وتنبيهاً له بأن شيئاً هاماً يستحق النظر إليه ... إلى أسفل!
هكذا تتم عملية التفاهم ، وفى كثير من الأحيان التخاطب والغناء أيضاً .
- ما هذا أيها الحمار الأعرج .. ما كل هذا النهيق ، كأنك تصرخ بأعلى صوت لتسمع العالم على ما رأيت ، أخفض صوتك ، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ، كل هذا من أجل علبة ! ، يا لك من حيوان تثير الفزع لى وللآخرين ، وفى النهاية لا شئ ، أخلقت لتشاركنى المأكل والمشرب ، يا لك من حمار أعرج لا تحمل هم الملبس والمسكن !
يزداد نهيق الحمار ، كأنه أراد غيظه وإشعال نيران الغضب فى صدر حسين العربجى ، فهو السيد هذه المرة ... فالكل أسياد ، والكل عبيد ... والكل يعمل ، والكل يأكل ... والكل يشرب ، والكل يلبس ... والكل ينام ، والكل سواء .
- إمشى يا أعرج !
عاد حسين العربجى وبيده تلك العلبة :-
- صغيرة جداً
أخرج زفيراً حاراً وبعد طول تفكير :-
- أأعرف ما بداخلها أم لا ؟
" ربما تكون أحدث ما وصل إليه العلم الحديث من أشكال المتفجرات صغيرة الحجم " .
جاءه نهيق الحمار من بعيد ... نظر إليه ... وجد أن لجام الحمار قد انحل من مكانه ، واتجه الحمار إلى حقل سيده ... ترك سيده وحده - لا تركه مع العلبة - وللعلم هذه أول تجربة للحمار ... فهل سينجح ويصل للحقل بمفرده ؟!
وما لبث حسين العربجى واستقر على أن يكشف حقيقة العلبة .....
- ماذا ... لقد فتحت لك طاقة السماء ... يا لها من قطعة آثار صغيرة الحجم كحبة القمح ... الآن أصبحت مخازن القمح فى العالم ملكى ... فلن يجوع بعد اليوم أحد ... إنها تقدر بملايين الدولارات .. بل هى التاريخ كله ... التاريخ كله !!!
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com