موكبُ الشُّعَراءِ في خَيْمتي..!
يا إخواني الشعراءْ
شعراءَ الأمسِ الحافِلْ
يتولَّدُ في القلب رجاء
أدعوكمْ لبُّوا دعوتنا
لكنْ مَعْذرةً
لنْ أستقبلَكم الاستقبالَ الهائلْ
فدويُّ قنابلِ أعدائي
تحضنه ضَحِكاتِ الزُّعماءِ
يحْجُبُ صوتي عنكمْ
يحجبكمْ
ومنازلُنا، أعْني خيْمَتنَا، ليْستْ أهْلا لزيارَتِكمْ
لكنْ عُذْري أنكمُو شُعراءٌ مثلي
فتعالوْا كي يزهوَ حَفْلي
***
وليتقدمْ شعراءُ الأطلالِ..،
ليبكوا أطلالَ المجدِ الغاربْ
آثارَ العَدْلِ الشَّاحبْ
وبقايا حُريَّهْ
***
ولْيصِِفُوا ناقتَنا في رحلتها بين الأهوال
تسْعى بينَ جبالِ الوَهْمِ وودْيانِ الحُلْم
حتى سقطت نجمةُ صهيونٍ ، فانبطحت عرجاءْ
***
وليُبْحرْ شُعراءُ مَديحِ الحُكَّامِ بأنْهارِ الحُكَّامْ
بيْن صُدور تتنسَّم ريحًا تمرُقُ منْ كلِّ الأنْحاءْ
تدْفِنُ في يومٍ آلافَ الأحياءْ
وتبعثرُ أفئدةَ الأرْجاءْ
مادامتْ تلَْهو بقصورٍ سِحْريَّة
لكنْ همْ لنْ يَتَّشِحوا بثيابِ الحِلمِ دوامَا
هم أعتى غضبًا ، أقسى إقدامَا
إن همس السائرُ ذاتَ مساءٍ بنشيدِ الحُرِّيَّة!
أوْ أفضى للبدرِ السَّاهرِ بالأشْجانِ السرِّيَّة
***
وليتأملْ شعراءُ الحكمة!
كي يبنوا في الأرضِ قصورًا من حكمتهمْ
تتطاولُ تِيهًا ، وزخارفْ
ونقوشًا باتتْ تترنَّمْ:
هل تهْدِمُها الرِّيــــحْ؟
هل يبكيها السائرُ ذات مساءٍ حين يراها تتهدَّمْ؟
***
وليصْمُتْ شعراء نقائضنا
ليغضَّ الطرفَ جريرٌ، وفرزدقُ ، والأخطلْ
فنقائضُ مِذياع الوطن العربيِّ هي الأفضلْ
وأغاني الزعماء تذاع علينا أكثرُ تسليةً أجملْ
***
وليرقبْ شُعراءُ الحُبِّ النَّازفِ من ثُقْبِ الخيمةِ ..." ليلى"
لكنْ
لن تجدوا "ليلى"
ساقُوها ذاتَ ظلامٍ في سردابٍ للمجهولْ
سحقوا القَلْبَ ببئرٍ مهجورٍ وسحيقْ
يُروى" : أنَّ السِّردابَ المجهولَ هُنالكَ بينَ مَضيقٍ ومضيقْ
خلفَ بحارٍ تأسِرُ كلَّ صباحٍ "قيسا"
تطرحُ كلَّ مساءٍ رأسا"!
***
وليتفضَّلْ شُعراءُ الحُزنِ القاتمْ
كي ننهلَ من نَهْرِ الأحزان
نتساقى زادَ مرارتِنا
نتلاقى وجهًا وجهًا والمأساة!
حتى يتبدَّى حُزْنُهُمُ الغابرُ أكثرَ إشْراقا!
لِيذوبُوا برَمادِ الحُزْنِ الحاضرِ حُبًّا وعناقا!
***
ولْيَسْكُبْ شعراءُ بكاءِ الأندلسِ الضَّائعِ أنهارًا
تجري بدماءٍ ودموعْ
في كلِّ صَباحٍ أندلسُ يضيعْ
يتسرَّبُ من كفِّ "أبي عبدِ الله"
لذراعيْ وحشٍ كاسرْ
لكنَّ "أبا عبد الله" الآتي فوق رماحمهو المسمومةلا يبكي
مادام سيمرِحُ حتى حينٍ في قصْرٍ باهرْ!
***
وليتفضَّلْ شُعراء الحَرْبْ
شُعراءُ جهادِ الأمْسْ
وليأتوا في همس!
إياكم أن تأتوا معكم بالأشعار
حتى لا تمضوا دهْرًا خلفَ الأسْوار!
***
وأبا تمامٍ لا تحزنْ
لنْ تَلْقى فينا مُعْتصِمًا يعْتصِرُ الأحزانْ
ويلبي صيحةَ مُسلمةٍ :
"وامعتصماه!"
فالمعتصِمُ الآن هنا مَشْغوفٌ بأغاني النصْرِ البلهاءْ
تطربه صبحًا ومساءْ!
***
واستمعوا لحوارٍ بين القاتل والمقتولْ!
كيف القاتلُ يعوي ويصول!
والمقتول يعانقه في بلهٍ وذهولْ!
يتثاءبُ حينا ، يتلاشى في الكون المهزولْ!
كيف الأم تسلم طفلتها للأفعى الليلية
في رحلتها الوهمية
والطفلة تستنجد بالنظرات وبالعبراتِ،
وتغتسل الأم بضحكتها الهستيرية
****
معذرةً
يا ركبَ الشُّعراءْ
لم تُعجبْكم خيمتُنا
تترنَّحُ فيها جُثثُ القتْلى
وتُمَزِّقُها ريحُ الأهْواءْ
****
فليتجرَّعْ أبناءُ الحُلْمِ الغضبَ السَّاري
ليصبُّوا الغضَبَ السَّاري أحْجارًا
تصَّاعدُ من بُرْكانِهمُ المرصودْ
تتطايرُ لهبًا وجحيمَا
تتعانقُ والشمسَ الثكلى
تنجبُ أولادًا يصْطبغون برائحةِ الحِمَمِ البيضاءِ
ولونِ الشَّفَقِ الدَّامي
ينتشرونَ عذابًا ، ونسيمًا
****
يا إخواني الشعراء
لا أحْمِلُ إلا مأْساتي
في خيمتنا الملقاةِ بكل فلاةِ
هل تأتونَ تُلبُّونَ الدعوة
أمْ يُفْزِعُكُمْ وَجْهُ المِأساة؟
أم يفزعكم وجْهُ المأْساة ؟