هناك بين جنبات الجبال .. وحشية العلو بديعة الالوان والتى تنفرج عن وادى متسع لم يعرف له اسم ولم تكن له شهرة تناثرت على جنباته الوان شتى من الحشائش والنباتات اضافت الى جمال خضرتها روائحها التى حملتها نسمات ربيعية رقيقة أبت الا ان تحرك الشجيرات القلائل لتعزف بحفيفها اعزب لحن مس أذن ((رجوم)) الفتاة البدوية التى اعتادت ان ترعى غنماتها وحيدة تدرع جيئة وذهابا بخيلاء قد ممشوق لا يشبهه لاغصن البان و لا سيال الوادى ((رجوم)) كانت جميلة الجميلات فى قبيلتها ومن حولها فى جنوب سيناء.... ولو تقف شهرة رجوم عند جمالها فقط ولكن ثوب العذارى الذى طرزته بوحداته الزرقاء وذوقه وتناسق ذيل الفستان الذى زادته الالوان الزاهية على صدره وكمه حسنا وجمالا حتى صارت حديث بنات القبيلة...
عصر ذلك اليوم تسلل الى اذن رجوم صفير ناى ماسمعت له مثيلا وكأنما اذهلتها المفاجأة فاستدارت عيونها الغزلانية تجاه النسمة التى حملت ذلك النغم العذب فإذا هو رجل يجلس بعيدا وبدا وان الارض انشقت عنه فجأة فلم تتمالك نفسها قائلة : ظنيت انك من الجن ياجنى
واتاها صوت وكأنما الجبل قويا واضحا رغم بعده انا انس من وجوه العرب
فقالت له : وجوه العرب لاتفاجىء الاصايل يوم انك تعرفنى ماقطعت خلوتى فإن بوى شيخ
فقال لها :: وانا بوى شيخ المشايخ وارى ثوبك ازرق اى ثوب بنات وانا فارس الاصايل
فقالت رجوم: هملنى ألم غنماتى ضب الليل واريد اروح...
وانتهى الحديث الذى اشعل قلب فارس بن سلمان والذى جن جنونه بوجه القمر الذى رآه هلالا عصر ذلك اليوم لايفارق خياله ولم يفت فارس الفرصة فأخذ يتحسس اخبار القبائل حتى من افواه اخواته اللاتى افضن فى وصف ماسمعوه عن جمال رجوم بنت الشيخ سعيد وقبيلته التى عرفت بالتعالى والقوة وعزة النفس وكأنما يصفون حديثها له ونهيها عن ملاحقتها ... الا ان فارس تشبث برجوم وبنى خيالاته على ذكريات الرواة عن عنتر بن شداد الذى يشبهونه به فى القوة والجسارة وقد يصبح كما كان لعنترة عبلة له رجوم ومن يدرى ؟؟؟؟ولم ينم فارس تلك الليلة فى انتظار الفجر والذى خيل اليه انه لن يأتى ابدا وعلى غير العادة طلب فارس من والده ان يقوم هو بتدريب الاولاد على الجرى وارمح ليرفع من شأن القبيلى ويقوم الصبيان برعى الغنم وماكان من الشيخ الا ان وافق ووصلت رجوم الى الى واديها المفضل ببال مشغول بدأت تدغدغه احلام الفتى ذى الحصان الابيض والفارس الذى يخطفها زوجة تعيش معه اسعد ايام عمرها وحاولت ان تتخلص من هذه الخيالات دون جدوى حتى جاء فارس على مشرف الوادى واطلق أغنامه ترعى وبقى بعيدا مراعيا عرف عرف البادية وامسك بالناى وعزف عليه اجمل الالحان ويوما بعد يوم زادت وتوسطت اواصرالمحبة العذرية وشغفها حبا وهى كذلك وبدا يحدثها برغبته فى الزواج منها وكاد قلبها يطير فرحا كتمته دون ان تجيبه ولأن الصب تفضحه عيونه واحيانا مناديله فصنعت رجوم لفارس منديلا يرقص به الدبكة الرقصة الشهيرة عند البدو الذين يزينون ايديهم بمناديل مطرزة من محبوباتهم عند رقصتها .. وألح فارس على رجوم فى طلب الزواج فلم يكم مفر من ان تصارح امها فى الامر فقالت الام لرجوم ياويلى بوكى يقطع رقبتكى تقول ليه عاشقة ... ياويلى ... نسيتى انك موعودة لولد عمك غيث فقالت رجوم : ياأمى فارس نشمى ولد نشمى وقصلتى بيد ابوى ماعطاها لا لغيث ولا ابوه... فقالت الام كفى ابوكى يدبحكى ونصير بين العرب جريسة........ ليلة سوداء قضتها رجوم بللت خصلات شعرها الاسود الذى يكاد يصل كعبيها وما ان طلع نهارها ووصلت واديها حتى اتاها حبيب القلب وقرة العين اخبرته بما كان ليبتلعه علقما مرا كحنظل الجبل ويضمر نية على مصارحة ابيه لعله يجد دواء لعلته وما ان وصل حتى ضرب ابوه بيده قشة صغيرة قائلا : هناك قصلة زوجتك بنت الشيخ مغنم ونقيم الليالى الملاح والفرح والمرعى خليه عنك من باكر.. واسقط فى يده فلقد افتضح سره وها هو يرى فى عيون ابيه الذى اورثته فراسته ان شكا قد ملأ صدر ابيه الذى اقلقه هزال غنماته بما يؤكد بعد مراعاها وعدم جدواه ولم تمر ساعات حتى سقط فارس مريضا واضفر وجهه وارتجفت يداه وكأنما مضى على مرضه دهر وشد الشيخ خرجا على جمل فارس وساق غنماته عله يجد ضالته ويكشف سر ولده فطال المشوار والجمل يقطع سيرا لانهاية له وابو فارس ملثم الوجه حتى اذا اقترب من الوادى اسرع الجمل خطاه الى زبدية الحليب حيث اعتادها واعتادت رجوم انتظار الحبيب الى جوارها ولمح الاب الفتاة فاقترب منها كاشفا لثامه عن وجه غير الذى احبته وعهدته وما ان حاولت تقف تستطلع الامر لتسأل عنه عل مكروها قد اصابه حتى اسقطتها المفاجأة ميتة على حالها
لاحول ولا قوة الا بالله .. زلم يكن صعبا عبى الرجل ان يدرك ان الفتاة من عرب الشيخ سعيد القاطنين الى جوار الوادى بقدر سهولة ادراك سرها وسر وسر ولده فتركها على مكانها واسرع ينادى ديرتها وابوها ليواروها الثرى وأذ هو عائد بقومها واجمين غير مصدقين اذا بغبار مسير قوم يقترب مسرعا الا ان سرعته لم تأت به من قبل ان ينتهى القوم من دفن رجوم والترحم عليها وبدأ بمغادرة المكان حيث لاح للشيخ وجه الشيخ غنيم صهره المقبل مكفرا سارعه قائلا : استرد الله وديعته ولدك فارس وصى ان ندفنه بوادى رعيه فأومأ الرجل رأسه فهو وحده بين قومه العارف بما كان وتم دفن فارس بجوار رجوم وبينما هم القوم بمغادرة المكان راح ابوه لفارس يردد ... وادى رعيه ...وادى الحب ... وادى الريد
وادى الحب... وادى الريد
ولم يبق من فارس ورجوم الا قبران تعالت زهرتا الصبار الصفراوتان والتفت احداهما على الاخرى لتصبح رجما يذكر بالحب الذى حرمته شريعة البادية واصبحت الحكاية اسما لوادى الريد الشهير بسيناء حاليا