أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: الزيارة ( نص بقلم / مجدي جعفر )

  1. #1
    قاص
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 598
    المواضيع : 65
    الردود : 598
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي الزيارة ( نص بقلم / مجدي جعفر )

    الزيارة
    نص / بقلم : مجدي جعفر
    لا أحب عادة زيارة المرضي ، يؤلمني منظر المريض وهو يتوجع ، تخرج الآه منه لتمزق قلبي ، وتفتت أعصابي .
    أحياناً أدعو له بالرحمة ، والرحمة في عُرفي – كما في عُرف العامة تعني الموت .
    نعم .. فالموت أرحم ، فالمريض يتمني ولا ينال ، يشتهي ولا يستطيع ، يبطل جهده ، وتتبدد طاقته ، تتعطل عنده قوانين الجهد والطاقة والفعل ، وينعدم عنده رد الفعل تماماً ، بل يصبح لا يربطه بالحياة سوى صوت الألم .
    كان راقداً في سريره ، في غرفة واطئة مصنوعة من الطوب اللبن ، ومعروشة بالغاب ، وعندما دخلت عليه ودارت عيني في الحجرة ، لا أدرى لماذا تذكرت على الفور " أمل دنقل " وقصيدته المشهورة .
    " في غرفة العمليات .
    كان نقاب الأطباء أبيض .
    لون المعاطف أبيض 0
    تاج الحكيمات . أردية الراهبات .
    الملاءات .
    لون الأسرة ، أربطة الشاش ، والقطن ، قرص المنوم ، أنبوبة المصل ، كوب اللبن .
    كل هذا يشيع بقلبي الوهن .
    كل هذا البياض يذكرني بالكفن " .
    هل اجتزائي لهذا المقطع من قصيدة شاعرنا الجميل يغنيني عن الوصف والسرد ؟ وهل اجتزائي لهذا المقطع يكفي لتعرف يا قارئي العزيز كم أنا أكره المرض وأهرب من المريض .
    أقسم من البداية أني سأصدقك القول :
    فحين أستعيد المشهد الآن ، أجدني وقد سرت رعشة خفيفة في بدني . كانت تقودني عبر سلم طيني إلى غرفته بالطابق الثاني .
    ولأني أقسمت على قول الصدق .
    تمنيت لحظتها – لو كان راقداً بالدور العاشر ، وأصعد السلم خلفها درجة ، درجة .. لأمتع ناظريَّ ، باهتزازات ردفيها ، واستواء ظهرها . هذه هي الحقيقة ، حتى لو لوى كاتب أو ناقد سلفي بوزه ، وامتشق قلمه ، وراح يلعن جدودي .
    كانت شاهقة مثل جبل ، وعالية مثل نخلة .
    حينما استويتُ أمامها – أمام الدار ، وهي تفتح لي الباب ، لا أدرى لماذا شببتُ على أطراف قدميّ ، عادة قديمة لازمتني كلما صادفت امرأة شاهقة.
    بالكاد وصل رأسي إلى مستوى صدرها المنتفخ . لثوانٍ حار البصر بين الصدر وبين العينين السوداويين الواسعتين .
    اختلج القلب حين استراحت يدها في يدي
    - أنت الأستاذ عبد الله النهري ؟
    طربتُ لأنها نادتني باسمي ، وعرفتني دون أن نلتقي من قبل0
    هممتُ أن أسألها : كيف عرفتني ؟!
    ولكني تذكرتُ أن صورتي تتصدر المقالة الأسبوعية التي أكتبها بالجريدة اليومية الأكثر انتشاراً ، وأن قصصي ورواياتي صدرت في عدة كتب هي الأكثر توزيعاً رغم ندرة القراء في وطننا العربي .
    قلت " بفخر وثقة " : وهل يعجبك ما أكتبه؟
    قالت : بالطبع لا !
    ابتلعتُ غيظي ، ضاق صدري عن الغيظ ، فانتفخت أوداجي وجحظت عيناي ، واحمرت أذناي ، ونفختُ حتى لا تتفجر رأسي ، فخرجت الأنفاس حارة ملتهبة .
    قالت " ببرود " : هل أزعجتك صراحتي ؟
    حككتُ أرنبة أنفى التي أحسستُ بها كقطعة من الجمر ، وعبثتُ بنظارتي الطبية ، ولم أعلق .
    قالت : " الصراحة " كده " ، " دايماً " مؤلمة .
    هممتُ أن أقول : ثمة فارق بسيط ، وفاصل صغير بسُمك شعرة بين الصراحة وبين الوقاحة . ولكني لم أقل .
    " كنا نجلس بالغرفةِ – الراقد فيها صديقي – أتحاشى قدراستطاعتي النظر إليه ، وبين الحين والآخر ، أختلس النظر إلى سمانة رجلها الممتلئة و…"
    ( أعتقد أنه لا داعي لإكمال المشهد ، فالقارئ يستطيع أن يكمله )
    قالت وهي ترى القلق بادياً على وجهي :
    لا تقلق ؟ 00
    كوب من الليمون أصنعه لك بيدي يزيل عنك التوتر والقلق ، ويهدئ من أعصابك .
    ونهضت وهي تقول :
    دعني آتي لك بليمونة أو بليمونتين ، " تخمشهما " بأسنانك – كما أفعل – حين يداهمني الأرق " وتضحك " :
    فليس لدينا سكر حتى أصنع لك كوب ليمونادة ! عموماً لليمون فوائد جمة ، أظنك لست بحاجة لأن أشرحها لك ، ولست بحاجة أيضاً لأن أبين لك أضرار السكر .فأنت تعلم أضرار كل ما لونه أبيض .
    السكر ، الدقيق ، الملح .
    لا أدرى . هل المرض هو الذي حرمنا منها أم الحكومة ؟
    وراحت تثرثر :
    هذا البيت المتواضع ،سورته بأشجار الليمون والنخيل بدلا من " الفيكس " لماذا نُصِر على غرس شجر" الفيكس " الذي بلا ثمر وبلا رائحة ونترك أشجار الليمون والخوخ والبرتقال والنخيل ؟0
    تمد يدها . لتفتح النافذة الصغيرة - حيث كانت تجلس علي الأريكة التي أسفل النافذة مباشرة ، بينما أجلس أنا على الأريكة المواجهة للسرير الراقد عليه صديقي وأتحاشى النظر إليه ما أمكن .
    يتسلل ضوء صغير ، ورائحة أشجار الليمون ، يبدد الضوء مساحة من عتمة الغرفة ، وتطرد رائحة الليمون رائحة الأدوية .
    تنحني على النافذة ، تسد بجسمها الممتلئ فضاء النافذة تماماً ، أتأمل مؤخرتها وهي تفرط يدها عن آخرها ، تقطف بضع ليمونات ، تلف بنصف جذعها ، وتقف في مواجهتي وتقول :
    مُبلل بالندي ، ومغسول بماء المطر ، ويؤكل هكذا ..، و " تخمش " بأسنانها ليمونة …وتقول وهي تلوك الليمونة بقشرتها في فمها :
    - يجب ألا نلوثه بماء " الطلمبة " ولا بماء الحكومة المخلوط بالمجارى ! 00
    تتلذذ بمضغ الليمونة ، تمسك بليمونة أخرى ، تقلِّبها بين يديها ، وفجأة تدفعها إلى فمي " وتضحك " :
    - اغرس أسنانك فيها أيها الكاتب الكبير ؟….. لماذا تجزع وتغمض عينيك ويختلج وجهك هكذا ؟ ..ازدرد ماء الليمون ، دعه ينزلق إلى جوفك ليطفئ ناراً ، وليكن برداً وسلاماً على قلبك ، على صدرك .
    (( قطع المشهد ))
    ** إستدراك :
    فاتني أن أحكي لك عزيزي القارئ عن دواعي وملابسات الزيارة ، وأنا الذي لم أزر مريضاً قط من قبل ، وإذا ما سقط زميلٌ أو صديقٌ أو قريبٌ لي فريسة للمرض . أكتفي بإرسال باقة ورد له أو برقية أدعو له فيها بالشفاء . قد أزوره عندما أتأكد أنه قد امتثل للشفاء تماماً . أما واجب العزاء ، فلا أتخلف عنه أبداً ، وأنا حينما ذهبت إلى صديقي – كنت أظن والله أنى سأقدم واجب العزاء لزوجته التي لم أرها من قبل . هل أنا فعلاً لم أرها من قبل ؟00 ولأني أقسمتُ على قول الصدق أقول : ليس من الضروري أن يري الإنسان إنساناً آخر رؤيا العين ، فقد يراه بعين الخيال أو بقوة الحدس ، فأنا أزعم أنى رأيتها من خلال حديث صديقي عنها ، عندما كان يخصني وحدي بالحديث عنها ، فكان يرى أنني صديقه المفضل فيؤثر أن يفضفض معي ، ويبوح لي بأسراره ، ورغم أننا والله على طرفيّ نقيض ، فهو في زعمه وزعم كل أصحابنا الملتزم وأنا المنفلت ، *ولا أجد غضاضةً أو حرجاً في أن أفضي إليك بواقعة قد يجد المتنطعون من القراء والنقاد على السواء أنه لا ضرورة لها . ولا فائدة منها ، ولا تخدم النص الذي أكتبه ، ولكني أقسمت :
    فذات يومٍ بعيد ، تركتُ له سريري ، رغم البرد القارص ، فكان يُمنى نفسه ويحلم بأن تأتيه في المنام ، فأفسحتُ لها مكاني على السرير ، وافترشتُ الأرض راضياً وضاحكاً ، وفى الهزيع الأخير من الليل ، تسللت على أطراف أصابعها ، وأطفأت النور ، وشاركتني أنا النوم على الأرض !
    ** ملحوظة :
    هذه الواقعة " المنامية " التي لا أنساها أبداً ، كانت سبباً في عدم حضوري حفل زفافه ، واكتفيت بإرسال باقة ورد وخطاب تهنئة .
    ** عودة إلى المتن :
    ذات صباح من صباحاتي المكرورة ، كنتُ جالساً بمكتبي بالجريدة ، وجاءت السكرتيرة الجديدة الحسناء ، بتلالِ الخطابات ، وكان هذا بداية عملها معي ، عشر سكرتيرات ارتبطن بي قبلها على مدى خمسة عشرة عاماً وعملن معي ، ما بين سمراء وشقراء ، طويلة وقصيرة ، ثيب وبكر، نحيفة وسمينة ، و " بين بين " . من تستعصي على أطردها ، ومن تسلم لي نفسها بسهولة ويُسر أملها وأطردها أيضاً .
    كنت أتأملها – أقصد السكرتيرة الحسناء – وهي تقرأ علىَّ ما دبجه القراء ، لم أجد فيها ما يغرى بما فيه الكفاية ، رغم جمالها اللافت بمقاييس السينما المصرية والغربية أيضاً .
    ( أعتقد أن كلمة مقاييس السينما – تكفى لأن يضع القارئ تصوراً لما تكون عليه السكرتيرة ، ويرسم لها الصورة الجمالية المناسبة وفقاً لمواصفاتِ ومعايير السينما )
    المهم أنى شعرتُ بأني التقيت بها من قبل في أخريات : ربما في النادي أو الجريدة ، في الشارع ، في السينما …وحينما أقول السينما أُذكرك بأني كاتب روائي ، ولى روايات أخذتها السينما ، وقام بتمثيلها .ممثلات ملء السمع وملء البصر . وأظن أن الإشارة هنا تغني عن العبارة والتلميح أفضل من التصريح كما يقول نقادنا الأشاوس !.
    معذرةً إذا كنتُ أخرج أحياناً عن الموضوع ، وأقطع حبل التواصل ، فلا أكتمك سراً – أني في قصص وروايات البدايات ، كنتُ أحرص فيها على مد جسور التواصل والمحبة معك أيها القارئ العزيز ، وقد أجمعَ النقاد علي أني موهبة لافتة ، أفوق في بداياتي ، بدايات يوسف إدريس ! ولكن مر عامان ولم أكتب رواية ولا حتى قصة قصيرة ! ، لا أظن أنني أفلست فنياً كما يُشاع ، ولكني أحلم بكتابة نص أفجر فيه قاعدة الثبات ، أحطم السائد ، وأخرق المسار الأدبي المألوف ، وأنا أعوِّل عليك كثيراً في هذا النص أيها القارئ .. أنا والله لا أكتبه عن قصدٍ أو عمدٍ ، ولكن الموضوع ، موضوع الزيارة ، هو الذي فرض هذا الشكل …. المهم أنى أريدك قارئاً نشطاً ذهنياً ووجدانياً ومعرفياً أيضاً ، تعمل فكرك ، وتجهد عقلك ، لا كسولاً تطلب الفكرة المجانية ، فعليك أيها القارئ ، أن تُشارك معي في إنتاج المعني أو في إنتاج الدلالة ، وتساهم في صناعة النص وأن تكون – كما نادي – رولان بارت – مُؤهلاً علمياً ومعرفياً وفنياً لتلقي النص ، ومناوشته والاشتباك معه … فهل أنت مستعد؟*
    ** هامش صغير :
    " رولان بارت " هو الذي أعلن موت المؤلف ، وناقش مفهومات مؤلف وقارئ ، وبشر بعصر القارئ ، ولكي يتحقق عصر القارئ الذي بشر به ، فإنه يفتح لهذا العصر مجال النص بأن يعرض له نوعين من النصوص هما النص القرائي والنص الكتابي . والنص الكتابي هو النص الحديث الذي يدعو إليه بارت ، وهو نص يمثل الحضور الأبدي ، والقارئ أمام هذا النص ليس مستهلكاً وإنما هو منتج له ، والقراءة فيه هي إعادة كتابة له .
    وللمزيد من المعلومات اقرأ : د .عبد الله محمد الغذامي . الخطيئة والتفكير – كتاب النادي الأدبي بالسعودية ، العدد ( 27 ) ، عام 1985 ، ص 73 وما بعدها .
    ** عودة إلى المتن مرة أخرى :
    كانت السكرتيرة الحسناء " بمقاييس السينما " تقرأ علىَّ ، وأنا شارد الذهن ، موزَّع الفكر ، وأقول لنفسي : لماذا لا تُثيرني هذه الفتاة وأنا الذي أُستثار بسهولة ؟….
    أحاول أن أتخيلها وهي بين ذراعيَّ …
    ( فاتني أن أقول لك – أنه منذ أن صعد نجمي في سماء الصحافة والأدب وأنا لا أجد صعوبة في اصطياد الجميلات ، بل أن معظمهن كن هن اللاتي يسعين إلىَّ )
    كانت لم تزل تقرأ . وعندما تحسستُ شعري فجأة ، أحسستُ بزيف سواده ، منذ متى وأنا أصبغه ؟……" تساءلت بيني وبين نفسي " : هل انكسر الزمن في داخلي ؟ هل ؟…..وهل ….؟
    أحاول أن أبعد هذا الهاجس عن نفسي ، فأنا رغم الخمسين عاماً التي تركتها ورائي ، أعتقد ، بل متأكد ، أنني لم أزل قادراً 00 حتى لو فرت منى السكرتيرة السابقة في ليلة خائبة ، مجرد ليلة من آلاف الليالي خابت ، ومحاولة من آلاف المحاولات طاشت – هل هذا يعنى أنني ….لا …..لن أعلن انهزامي ، ولن أستسلم لهذا الهاجس الشيطاني 0
    أحسستُ بيدها الرقيقة تهزني :
    - أستاذ ؟…..أستاذ ؟…..هذا الخطاب ، اقرأه بنفسك ؟
    نحيتُ الخطاب جانباً ، وأمسكتُ بيدها ،تحسست خديها ، ولضمتُ فمي في فمها ، أحاول 000 ، تسحب فمها 000، وقلبها يعلو ويهبط …وتشير ناحية الباب ، أمضي إلي الباب ، أتأكد من غَلقـه تماماً ، أنزع قميصي وأزيح الستارة التي تفصل السرير عن المكتب ، وأدعوها لتطارحني الغرام ، أحاول وأحاول ، ولكني أفشل . وبينما أنا أخبط بيدي عارضة السرير( كما يفعل البطل المأزوم في الأفلام العربية !! ) ، كانت ترتدي ملابسها ، والدموع في عينيها ، وتلقي على مسامعي ما ألقته السكرتيرة السابقة : أنا مستقيلة يا أستاذ .
    ** حاشية :
    خطاب مهمل ، ملقى على المكتب ، غير ممهور بتوقيع ، وليس فيه ما يشفي الغلة ، مكون من سطر واحد فقط ، مرت عليه عينيّ فتجمدتا ، فقط أربع كلمات لا غير " صديقك سعيد صبري يحتضر" ، حوقلت ، وجلست على الكرسي ، وأسندت بمرفقيّ على المكتب ، وحشرتُ رأسي بين راحتيّ ، وأغمضتُ عينيّ ، تواردت على ذهني صور وحكايات ، شخوص كانت ساطعة تتوارى ، أشياء تخبو ، وأشياء تتوهج ، أشياء تذبل وأشياء تتفتح ، ومن رحم حكايات " سعيد صبري" القديمة كانت تتخلق ، تنمو شيئاً فشيئاً ، تشب عن الطوق ، خراط البنات يخرطها قبل ألاوان : جبهتها العريضة ، وصدرها العالي ، قوامها الممشوق ، وعودها السامق ، شعرها السارح خلفها ، باسمة الثغر ، ضاحكة السن ، دقيقة الأنف ، حلوة الملامح ، عذبة التقاطيع ، اسمها " سلوى " ، دعاها سعيد في المنام فجاءتني أنا 0
    تحتل سلوى الآن الكادر بالكامل ، أُثبت الصورة عليها ، تتوارى كل النسوة اللائي عرفت ، أتأملها ، أزدرد ريقي وأنا أتذكر يوم أن طارحتني الغرام على الأرض . أشعر بدبيب الشباب يغزوني ، بدماءٍ عفية تتدفق في عروقي ، تضخ سلوى في شراييني دماء جديدة ، أنهض ، أرتدي قميصي على عَجل ، وأُعلق " الجاكيت " على كتفي ، وكشاب في العشرين ، أقفز درجات السلم قفزاً ، لم أنتظر المصعد ، أدير المفتاح في السيارة ، أنهب الطريق إلى قرية " سعيد صبري " نهباً ، وصورة " سلوى " المتخيلة . ولا يخامرني شك في أنها ستطابق الواقع – تخايلني ولا تفارقني .
    ( أكتفي بهذا القدر من الحاشية ، التي تتسع للمزيد من الفضفضة والبوح ، وهذا القدر يكفي تماماً للكشف عن الجوانب الجوانية للشخصية الإنسانية التي نحن بصددها ، ويكفى أيضاً لكي لا يدعى دعيٍّ علىّ ويتقول بما ليس فيّ ، فمن يدرى – ربما قارئ ترك اللحية ، وقص الشارب ، ولبس الجلباب القصير ، يقرأ ما كتبته ، فيحل دمى ، رغم أنني والله أكتب هذا النص – ونحن في أحد الأشهر الحرم )
    ** عودة مرة ثالثة إلى المتن :
    طول عمري – وأنا أكره الخط المستقيم ، وكنت ومازلت – أفترض أنه خط وهمي لا وجود له في الواقع ، فالأصل هي الدوائر وأنصاف الدوائر ، والمنحنيات ، أعشق المنحني وخاصة في لحظات الصعود والهبوط ، أكره القطر وقضيب القطر ، فالقطر ينطلق من نقطة محددة ، ويسير في اتجاهٍ واحد ، ليصل بسلام إلى محطة الوصول ، في تقديري ليست الحياة هكذا – ورحلتي معها لا تعرف الطرق المستقيمة الممهدة ، ثمة طرق متعرجة ، وملتوية ، وحواري ، وأزقة ، ثمة طرق غير مطروقة ، أسعى للسير فيها ، يكفيني شرف المحاولة ولذة الاكتشاف .
    ** عودة إلى سلوى :
    قالت سلوى : لماذا جئت ؟
    قلت " وأنا أراوغ " : غلبني الشوق .
    قالت "متهكمة " : الشوق لي أم لسعيد ؟
    ألجمتني عبارتها ،وكأنها كانت تقرأ ما في داخلي ، رغم حِرصي علي إضماره .
    ( أُذكرك عزيزي القارئ ، بأن هذا أول لقاء لي معها في الواقع وأصدقك القول : أن الصورة المتخيلة لها عندي قد طابقت الصورة الواقعية تماماً ، ولا أملك إلا أن أقول – إن لله في خلقه شئوناً ، ويمكنك عزيزي القارئ إذا كنت في شك أن تطلع على ما دونه علماء النفس المعاصرون وتقترب من شطحات المتصوفة والعارفين ، و أفلح من قال : " قلوب العارفين لها عيون / ترى ما لا يراه الناظرون …..)
    قالت : أعرف ما توسوس به نفسك ، وما يدور في خَلدك !
    قلت " ضاحكاً " : ولى زمن المعجزات يا سلوى .
    قالت : لكن الله يختار من عباده من يشاء ليكشف عنهم الحُجب .
    ولم تمهلني لأتجاذب معها أطراف الحديث وراحت تقول فيما يشبه البوح : كان يحدثني عنك كثيراً ، كان يحبك رغم انفلاتك ، وكان يحرص على شراء الجريدة التي تكتب فيها ، ويترقب صدور مجموعاتك القصصية ورواياتك ، أحياناً كان يوازن بين شراءها وبين شراء أرغفة الخبز ، كان ينتصر لجريدتك وكتبك !
    لم تعد كلمتك كما كانت ، أحسَّ بأنها فقدت اتصالها وتواصلها بروح الأمة وضمير الشعب ، لم تعد تحفز الهمم ، وتنهض بالعزائم ، لم تعد تحرض وتغير …كان يحزن لتغيرك ، والانسلاخ من جلدك ، امتنع عن شراء جريدتك وكتبك – لما انحزت علناً لطبقة الأثرياء والحُكام ، أصبح جُل همك أن تصوغ أحلامهم وأشواقهم لا أشواق وأحلام الناس البسطاء العاديين ، وقعت في غرام وهوى أهل السلطة وأهل المال ، وتحولت إلى بوق لهم ، تحمل رؤيتهم وأيدلوجيتهم ، وانصرفت عن الناس وقضاياهم ، سافر إليك ليصارحك ، زغت من مقابلته ، بعث إليك برسائل يبثك فيها مخاوفه ، كان مكانها سلة القمامة ، فعل كل ما يستطيعه من أجلك ، كان يرى فيك موهبة كبيرة تتبدد ، فيترقرق الدمع في مآقيه ، معذرة ، معذرة أيها الكاتب الكبير، كانت كل أمانيه أن يلتقي بك ، لا لتنقده مالاً لنسد الرمق أو لندفع أجرة الطبيب ، والصيدلي ، ونسدد دَيننا ، بعنا كل شيء : أساوري ، قطعة الأرض ، الراديو ، التلفاز، المتاع ، خاتم الخطوبة . و ها أنت ترى . لم نعد نملك غير هذا السرير الراقد عليه وهاتين الأريكتين . لا موقد للكيروسين ، لا حلل ولا أطباق ولا ملاعق . معذرة ، معذرة أيها الكاتب الكبير ، فليس لدينا سكر ولا دقيق و لا ملح ، وهذه أول مرة تزورنا ، وليس لدينا ما نقدمه لك ، لا تتعجب كيف نعيش ؟!
    تنظر إلى زوجها الراقد على السرير ، صامتاً ، لا يتحرك ، وتخاطبه :
    قلت له كل ما كنت تتمنى أن تقوله له ، حققت لك أمنية عزيزة لم تستطع أن تحققها ، كم كنت أتمنى أن أحقق لك أعز وأغلى أمانيك ، وتلتفت إلىَّ :
    كان يحلم بولد ، تصور كان يريد أن يسميه عبد الله !!
    لا أتمالك نفسي ، أنهض والدموع تنهمر من عيني ، أرتمي بجواره على السرير ، أغمره بالقبلات ، و أجدني أصرخ : سعيد لازم يعيش ، لازم يسافر بره النهار ده قبل بكره ، فرنسا ، إنجلترا ، أمريكا ، أتحسس جيبي ، " الموبايل " ، أين " الموبايل " ؟ يبدو أنى نسيته بالسيارة ، أهم بالخروج ، تمسك بذراعي .
    - لا داعي أيها الكاتب الكبير ، فات الأوان ، سعيد يحتضر ولا جدوى مما تفعله الآن .
    وتمد يدها أسفل الوسادة ، تسحب مصحفاً وتقول :
    - سعيد يحتاج لمن يقرأ له القرآن .
    وبينما أمد يدي لأتناول المصحف ، تسحب المصحف بسرعة و تقول :
    " لا يمسه إلا المطهرون " وتطلب منى أن أذهب إلى " الطلمبة " بالدور الأرضي لأتوضأ وأتطهر ، نتحلق معاً حول سعيد على السرير ، نقرأ له القرآن .
    ** رؤى :
    وفى تلك الليلة ، رأيت ، عزيزي القارئ العجب ، بل عجب العُجاب وإليك بعض هذى الرؤى ، ولك أن تتصور مكابداتي .
    * الرؤية الأولى :
    كان الليل قد أرخى سدائله ، وأظلمت الدنيا تماماً ، طويتُ المصحف ، فلم أعد أرى الآيات في المصحف ، وأنا لا أحفظ سور القرآن ، وربما تكون هذه المرة الأولى التي أتلو فيها القرآن ، لا أذكر أني قرأت القرآن منذ أن كنت في المدرسة ، فقط كنت أحفظ قصار السور التي ندرسها في منهج اللغة العربية والتربية الإسلامية .
    كان صوتها وهى تقرأ القرآن ندياً وجميلاً ، ولما حانت منى التفاتة ، رأيت ، ويا للعجب ، هالة من النور ، تخرج من المصحف ، فتحت عينيّ عن آخرهما مأخوذاً ومشدوهاً ، خلعتُ النظارة وفركتُ عينيَّ ، كلما تقلب صفحة من صفحات المصحف ، تغطيها هالة من النور ، رغم بُعد المسافة بيني وبينها ، أرى الأسطر والكلمات ، واضحة جلية ، أقرأ معها على البُعد ، كلمات المصحف مكتوبة بحروفٍ من نور ، أقترب منها وأقترب وأنا مشدوهٌ ، لا أصدق ، أمد يدي لأتناول المصحف الذي تقرأ فيه ، وما كاد المصحف يقع بكاملة بين يديّ . حتى اختفت هالة النور . أبتئس ، تتناول المصحف منى ، تطويه ، تقبله ، وتضعه تحت الوسادة ، وتربت على كتفي .وتنهض .
    الرؤية الثانية :
    في جوفِ الليل ، تفترش الأرض ، تحت النخلة السامقة ، تهز جذعها، يتسَّاقط في حجرها ، بلحٌ ، ر طبٌ جنيٌّ ، ـ أزعق في داخلي : مريم تلك أم سلوى ؟!
    تتناول البلح ، تمضي إلى سعيد الراقد في فراشه ، تزيل قشر البلح الرطب ، وتنزع النواة ، تدغدغه بأسنانها ، قطعاً صغيرة ، برفق تُنهض سعيد ، ترخي رأسه على كتفها الأيسر ، تُطعمه قطع البلح وهى تغني له أغنية أم لطفلها ، ألمح في الظلام بياض أسنانه وكأني به يبتسم ، تهدهده وهى تخرج له صدرها ، وتلقمه حلمة الثدي ، أغمض عينيَّ ، وأنا أحس باللبن يتسرسب لذيذاً وينغمر على جانبيّ فمه ، أجرى من الغرفة ، وأسند رأسي على الجدار الخارجي للغرفةِ وأبكي .
    الرؤية الثالثة :
    قبيل الفجر ، تنشق الأرض عن دجاجة ، ذات جناحين كبيرين وريش وفير ، ناصع البياض ، تقفز على الأريكة ، وتضع ثلاث بيضات ، وتختفي ، تتناولها سلوى وتقول :
    - هذه لسعيد ، وهذه لي ، وتلك لك .
    وتمد يدها لي بالبيضة الطازجة ، الساخنة ، أتوجس ، تبتسم :
    إنها نصيبك ، لا تخف ، هي رزقك ، نحن لا نحتاج إلا لبيضتين فقط ، ولا تضع الدجاجة عادة غيرهما ، ولكنها هذه المرة وضعت ثلاثاً ، وما زاد عن حاجتنا ليس رزقنا .
    هممتُ أن أتكلم . أشارت بيدها :
    أنا فقط التي أتكلم ، أما أنت تري فقط ولا تتكلم ، أعرف ما يدور بخَلدك ، اصبر وإلا الفراق ؟!
    أتناول البيضة ، وأضعها في جيبي ، وأفرط يدي إلى السماء وأنادي : ألهمني يا رب الصبر، ولا تجعلني عجولاً مثل موسى ، وأقول في داخلي : سأستطيع معك صبراً يا سلوى .
    ولكن موسى لم يستطع صبراً على أكثر من ثلاث مشاهدات ، ضاق به الخضر وكان الفراق ، لا أريد الفراق يا سلوى .
    ** رؤيـــــــا :
    أخذتني سنة من النوم ، أرى سعيداً يعود عفياً ، تبتسم سلوى ، تبلل دموع الفرح عينها ، تحضنه ، تقبله ، يتحسس شعرها ، خدها ، يأخذها في حضنه ، وطيور بيضاء وخضراء تحلق حولهما ، أصحو على صوت سعيد وهو يقول : إني أشم رائحة الجنة .
    ويشير لسلوى : إنها على بُعد فرسخ واحد !
    أرفس البطانية بقدميّ ،لا أدرى من ألقاها علىَّ ، إنها بطانية سعيد ، أهزُ رأسي ، أتلفتُ حواليَّ ، لا أثرَ لسعيد ولا لسلوى ، مُسرعاً أهبط الدرج ، لا أجد أمام الدار سوى سيارتي وحولها أولادٌ صغارٌ يعبثون بها ، ويتنططون عليها ، أسأل الأطفال :
    - حـد منكم شاف سلوى ؟
    ** عودة أخــيرة إلى المتن :
    ولأني أقسمتُ من البداية على أن أكون صادقاً معك فقد حدث الآتي :
    أنني أخذت أسير بسيارتي في الشوارع ، والطرقات ، على غير هدي ، لا يخامرني شك أنى سأعثر على سلوى وسعيد ، ولما أعياني البحث والتطواف ، ذهبتُ إلى شقتي مكدوداً وحزيناً مكتئباً ، أصطدم بتلال الكتب ، سحبتُ " فيشة " التليفون ، وأغلقتُ " الموبايل " وتمددتُ على سريري ، وأغمضتُ عينيَّ ، أحاول أن أستعيد سلوى ، وما جرى في تلك الليلة ، نظرتُ إلى مؤلفاتي التي وضعتها في مكان بارز ولا فت بالمكتبة ، وإلى أكوام الجرائد التي تحمل مقالاتي ، وتتصدرها صورتي :
    كانت عيناى على الكتب وصوت سلوى يرن في أذنيّ :
    " أصبح جُل همك أن تعبر عن الوجهاء والأثرياء ، تعبرعن أهل السلطة ، تصوغ أحلامهم وأشـواقهم لا أشواق وأحلام الناس العاديين البسطاء "
    أعتدل على السرير ، ورأسي بين ذراعيّ ، تكاد تتفجر وصوت سلوى يبعثرني ، يجعلني أتشظى ، أتناثر ، أتفتت .
    " وقعت في غرام أهل السلطة والحُكم…وقفت تغني بين آيادي الملوك والأمراء والسلاطين…
    انصرفت عن الناس وقضاياهم ، تحولت إلى بوق …"
    أنهض ، بصعوبة أنهض ، أحاول أن أتماسك ، أتسند على الجدران ، أصل إلى مكتبتي ، أتناول كتبي ، وجرائدي ، أحزمها ، تتلبسني روح أبو حيان التوحيدي :
    - هل أمضي بك أيتها الكتب إلى جبل ، وأحرقك كما فعل التوحيدي ، أم أمزقك وريقة ، وريقة ، وأذروك مع الرياح كما فعل أبو سفيان الثوري .
    أشعل فيها النار ، أضحك ، وأنظر إلى كتب الأصدقاء من مصر وسوريا ، والعراق وفلسطين ، كتب من كل الأقطار العربية .
    ألقي بها في النار ، وأصرخ : إلى الجحيم … ، إلى الجحيم .. ومع آخر كتاب أحرقه ، أشعر بدبيب الراحة تغزوني ، ولكني بدأت أشعر بالجوع والعطش ، أتحسس جيبي ، ما زالت البيضة التي أعطتني سلوى إياها ، ساخنة ، طازجة ، وكأن الدجاجة وضعتها تواً ، أقلِّبها بين يديّ ، أتأملها ، أزيل عنها القشرة ، يتصاعد منها بخار ساخن ، ألوكها في فمي ، أشعر بالشبع ، ولكني رحت أبحث عن صدر سلوى ، لتريحني عليه ، وتهدهدني ، وتلقمني حلمة الثدي ، وتسقيني من صدرها شربة لا أظمأ بعدها أبداً .

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    القاص مجدي..
    في البداية ظننت ان اقرا لزينب حنفي احدى رواياتها التي ثير الضجة في السعودية على وجه التحديد..
    حيث برز الطابع البشري الغرائزي فيها بشكل واضح المعالم..فمع الوصف الرائع والجميل..واظن بانه الكئيب ايضا..لما يشعر به المرء وهو يزور مريضا..يراه..فاقد لكل مقومات الحياة..بعيدا عن الاجر والثواب..وكذلك ما يبثه المستشفيات من روائح واهات وانين كلها تجتمع لتخلق في النفس البشرية كآبة وحزن وقلق ووو..الا ان ذلك كله تلاشى بسرعة مع اول تخيل.. واظهار للطابع البشري وهو يصعد السلم..واجدني هنا ملزما الى توضيح لماذا اركز على هذا الجانب الان..والجواب ليس بعقدة..او طلسم لاينفك..لانه واضح تماما..فمجتمعاتنا بصورة عامة تنظر الى مثل هذه النصوص بعين غريبة..خارجة عن اطوار العرف والتقاليد والشريعة..فيظل الكاتب او الحكواتي في نظرهم انسانا منحلا ناقصا للقيم..لذا اريد ان اقول وجهة نظري..التي تقول..بان هذه المواضيع هي التي كانت يجب ان تكون مصدرا للقصص والروايات منذ عقود مضت..لتلافي ما نحدد نعيشه الان من تسيب وشباب ابله ماجن لايعرف اصول الجنس ولايعرف منه سواء النشوة الوقتية والتي جرته الى غيابات الجب..والمخدرات وووو....قد يسأل احدهم كيف..تكون مصدرا..والجواب بسيط جدا..استخدام الثقافة الجنسية لم يحرمها اي شرع..عندما ننظر الى الامر على انه ثقافة فاننا بذلك نضع نصب اعيننا الاحتمالات السلبية والايجابية معا..قلت السلبية اولا لاننا نعيش الشرق..فالامر يؤخذ سلبا دائما..لكن هذه الثقافة التي اريد الحديث عنها هي تلك التي توضح لنا.. مغزى الجنس في عالم الانسان..واتذكر اني قبل اشهر وجدت مدرسة تاتي لتقول لي لا استطيع شح موضوع الرحم لطلاب الثالث المتوسط..ضمن مادة الاحياء..قلت لها اذا انت تهربين من الموضوع اليوم غدا من ياتي ليساعدك في شرحه..انه امر موجود اذا لماذا الخوف منه..ولماذا ندع اخرين يشوهون الامر ويستغلونه لمآربهم الشخصية يشرحون لنا الجنس بصنوفه..لماذا لانكون نحن الفاعلين مادمنا نملك القيم والاخلاق التي تهيانا لذلك..ولست اريد الغوص اكثر في الموضوع لانه شائك..ويحتاج الى حيادية ليناقش بعقلية اخرى غير التي سادت.
    ان تلك الرعشة التي خرقت جسد كاتبنا وهو يشاهد تلك المراة..هي الرعشة التي تخرق الكثيرين من كلا الجنسين عندما يجدون ما يثير فيهم غريزتهم الجنسية المتعطشة للجمال الانثوي او الذكري..والتي هي على الاغلب مكبوته جراء انظمة وعادات تسلطية..وهنا ياتي دور عملية الهدم والبنا..هدم القديم وبناء الجديد..وهذه العملية لا تغفل ابدا الانسان..لان الانسان كان ويظل محور العملية الخلقية في الكون..
    ولندخل الى تفاصيل الرواية القصيرة هذه..حيث تبرز فيها معالم بشرية كثيرة منها..حب الظهور.. وكذلك عدم حب النقد المباشر..وعدم حب الصراحة التي وصفها كاتبنا بانها وقاحة..وكذلك..استغلال المنصب من اجل تحقيق التطلعات الشخصية سواء مادية كانت ام غرائزية جنسية بحتة..او حتى للشهرة..وكذلك..تمثلت فيها رؤى بشرية..ولمحات صوفية..وعدم استحالة العودة بعد السقوط..واهمية الصدق في اداء الواجب.. وروح الصداقة..وتاثير بعض الملامح كوجه سلمى على الشخص المقابل..ووووو.!
    اجتمعت كل هذه الامور داخل النص..والمطلوب الذي اجده ضرورة لفهم النص هو ان يقوم كل قارئ على فصلها داخل النص ذاته لاننا لايمكن ان نجزأ النص لكونه حتى ملاحظاته وهوامشه كلتة متناسقة ومنسجمة وموحدة..حيث نضع كل مايتعلق بالسلب في نظرنا جانبا والعكس..عندما نجد ايجابا..وعندها نعمل مقارنة بين الاثنين وننظر كم موجودة فينا..اي كمية وجودها داخل ذواتنا..وحينها يمكننا معرفة مغزى النص.. واهمية ذكر كل التفاصيل..سواء..الجنسية ..ام ما يتعاق بالطبع البشري والتي تمثلت بالاهواء ووو.. او ما يتعلق بالخط المستقيم..والمنحنيات..او..ما يتعلق بامور اجتماعية عامة..وكذلك ما يتعلق..بتلك الرؤى التي اجد ان فيها المغزى الاساسي للنص..بما تقدمه من رسالة واضحة..ودلالات ايمانية..ورؤى فعلية.. مع ان طابع التصوف قد طغى عليها..الا انها تظل الفاكهة الطازجة للنص..مع كون الجنس كان ركيزة البداية..
    هذه قراة سريعة..اتمنى ان لااكون قد اخرجت الموضوع عن جادة الصواب..وعن نبل الغرض من قبل كاتبه.

    محبتي وتقديري
    جوتيار

  3. #3
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : بعلبك
    المشاركات : 1,043
    المواضيع : 80
    الردود : 1043
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    أخي العزيزمجدي محمود جعفر
    ما بين المتن و الحواشي و الرؤى يطل السرد الماتع برأسه معلنا قدرتك الفائقة على جذب المتلقي مهما طال نصك و انتفش .
    هنا التفاصيل تستحوذ على ذهن القارئ و تنقله إلى أمكنة و أزمنة و شخوص مختلفة فينسى الحدث المتنامي الذي ما تفتأ تذكره به بين الحين و الحين .
    دمت في خير و عطاء

  4. #4
    قاص
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 598
    المواضيع : 65
    الردود : 598
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    المشاركة الأصلية بواسطة / جوتيار تمر
    القاص مجدي..
    في البداية ظننت ان اقرا لزينب حنفي احدى رواياتها التي ثير الضجة في السعودية على وجه التحديد..
    حيث برز الطابع البشري الغرائزي فيها بشكل واضح المعالم..فمع الوصف الرائع والجميل..واظن بانه الكئيب ايضا..لما يشعر به المرء وهو يزور مريضا..يراه..فاقد لكل مقومات الحياة..بعيدا عن الاجر والثواب..وكذلك ما يبثه المستشفيات من روائح واهات وانين كلها تجتمع لتخلق في النفس البشرية كآبة وحزن وقلق ووو..الا ان ذلك كله تلاشى بسرعة مع اول تخيل.. واظهار للطابع البشري وهو يصعد السلم..واجدني هنا ملزما الى توضيح لماذا اركز على هذا الجانب الان..والجواب ليس بعقدة..او طلسم لاينفك..لانه واضح تماما..فمجتمعاتنا بصورة عامة تنظر الى مثل هذه النصوص بعين غريبة..خارجة عن اطوار العرف والتقاليد والشريعة..فيظل الكاتب او الحكواتي في نظرهم انسانا منحلا ناقصا للقيم..لذا اريد ان اقول وجهة نظري..التي تقول..بان هذه المواضيع هي التي كانت يجب ان تكون مصدرا للقصص والروايات منذ عقود مضت..لتلافي ما نحدد نعيشه الان من تسيب وشباب ابله ماجن لايعرف اصول الجنس ولايعرف منه سواء النشوة الوقتية والتي جرته الى غيابات الجب..والمخدرات وووو....قد يسأل احدهم كيف..تكون مصدرا..والجواب بسيط جدا..استخدام الثقافة الجنسية لم يحرمها اي شرع..عندما ننظر الى الامر على انه ثقافة فاننا بذلك نضع نصب اعيننا الاحتمالات السلبية والايجابية معا..قلت السلبية اولا لاننا نعيش الشرق..فالامر يؤخذ سلبا دائما..لكن هذه الثقافة التي اريد الحديث عنها هي تلك التي توضح لنا.. مغزى الجنس في عالم الانسان..واتذكر اني قبل اشهر وجدت مدرسة تاتي لتقول لي لا استطيع شح موضوع الرحم لطلاب الثالث المتوسط..ضمن مادة الاحياء..قلت لها اذا انت تهربين من الموضوع اليوم غدا من ياتي ليساعدك في شرحه..انه امر موجود اذا لماذا الخوف منه..ولماذا ندع اخرين يشوهون الامر ويستغلونه لمآربهم الشخصية يشرحون لنا الجنس بصنوفه..لماذا لانكون نحن الفاعلين مادمنا نملك القيم والاخلاق التي تهيانا لذلك..ولست اريد الغوص اكثر في الموضوع لانه شائك..ويحتاج الى حيادية ليناقش بعقلية اخرى غير التي سادت.
    ان تلك الرعشة التي خرقت جسد كاتبنا وهو يشاهد تلك المراة..هي الرعشة التي تخرق الكثيرين من كلا الجنسين عندما يجدون ما يثير فيهم غريزتهم الجنسية المتعطشة للجمال الانثوي او الذكري..والتي هي على الاغلب مكبوته جراء انظمة وعادات تسلطية..وهنا ياتي دور عملية الهدم والبنا..هدم القديم وبناء الجديد..وهذه العملية لا تغفل ابدا الانسان..لان الانسان كان ويظل محور العملية الخلقية في الكون..
    ولندخل الى تفاصيل الرواية القصيرة هذه..حيث تبرز فيها معالم بشرية كثيرة منها..حب الظهور.. وكذلك عدم حب النقد المباشر..وعدم حب الصراحة التي وصفها كاتبنا بانها وقاحة..وكذلك..استغلال المنصب من اجل تحقيق التطلعات الشخصية سواء مادية كانت ام غرائزية جنسية بحتة..او حتى للشهرة..وكذلك..تمثلت فيها رؤى بشرية..ولمحات صوفية..وعدم استحالة العودة بعد السقوط..واهمية الصدق في اداء الواجب.. وروح الصداقة..وتاثير بعض الملامح كوجه سلمى على الشخص المقابل..ووووو.!
    اجتمعت كل هذه الامور داخل النص..والمطلوب الذي اجده ضرورة لفهم النص هو ان يقوم كل قارئ على فصلها داخل النص ذاته لاننا لايمكن ان نجزأ النص لكونه حتى ملاحظاته وهوامشه كلتة متناسقة ومنسجمة وموحدة..حيث نضع كل مايتعلق بالسلب في نظرنا جانبا والعكس..عندما نجد ايجابا..وعندها نعمل مقارنة بين الاثنين وننظر كم موجودة فينا..اي كمية وجودها داخل ذواتنا..وحينها يمكننا معرفة مغزى النص.. واهمية ذكر كل التفاصيل..سواء..الجنسية ..ام ما يتعاق بالطبع البشري والتي تمثلت بالاهواء ووو.. او ما يتعلق بالخط المستقيم..والمنحنيات..او..ما يتعلق بامور اجتماعية عامة..وكذلك ما يتعلق..بتلك الرؤى التي اجد ان فيها المغزى الاساسي للنص..بما تقدمه من رسالة واضحة..ودلالات ايمانية..ورؤى فعلية.. مع ان طابع التصوف قد طغى عليها..الا انها تظل الفاكهة الطازجة للنص..مع كون الجنس كان ركيزة البداية..
    هذه قراة سريعة..اتمنى ان لااكون قد اخرجت الموضوع عن جادة الصواب..وعن نبل الغرض من قبل كاتبه.

    محبتي وتقديري
    جوتيار
    لبرائع / جو
    أسعدني مرورك وسعدت برؤيتك الواعية وتنظيرك الجميل للنص وللفن بعامة وأتفق معك تماما في رؤيتك ولك خالص محبتي وتقديري

  5. #5
    قاص
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 598
    المواضيع : 65
    الردود : 598
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    المشاركة الأصلية بواسطة / سعيد أبو نعسة
    أخي العزيزمجدي محمود جعفر
    ما بين المتن و الحواشي و الرؤى يطل السرد الماتع برأسه معلنا قدرتك الفائقة على جذب المتلقي مهما طال نصك و انتفش .
    هنا التفاصيل تستحوذ على ذهن القارئ و تنقله إلى أمكنة و أزمنة و شخوص مختلفة فينسى الحدث المتنامي الذي ما تفتأ تذكره به بين الحين و الحين .
    دمت في خير و عطاء
    أستاذنا المفضل / سعيد أبو نعسة
    نشكر مرورك الكريم وقطرات الضوء التي نثرتها على النص فأضاءت جنباته المعتمة ولك خالص محبتي

  6. #6
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    نص عال رأيت فيه اكثر من ملمح ما بين المتن والحواشي والرؤى..
    البطل تتنازعه صراعات بين منهجه في الحياة ( كرهه للخط المستقيم وحبه للخط المنحني ) وصوفية تتضح في رؤاه ، ومباديء قديمة توارت ؛ وإن كانت تطل برأسها في كل حين ، ولعل هذا هو ما بات يؤرقه فصار يتخبط تارة بين واقعه وبين المثالية ( سلوى وسعيد ) ، حتى يلجأ في النهاية حرق كتبه وأعماله .
    كل هذا بالتاكيد نتاج مجتمعه الذي أدى به إلى
    " وقعت في غرام وهوى أهل السلطة واهل المال ، وتحولت إلى بوق لهم، تحمل رؤيتهم ، وأيدلوجيتهم ، وانصرفت عن الناس البسطاء العاديين "
    في المقابل ماذا حدث لمن لم يناويء السلطة
    " فأنت تعلم أضرار كل ما لونه أبيض السكر ، الدقيق ، الملح .. لا أدري هل المرض هو الذي حرمنا منهم ام الحكومة ؟!!
    هناك الكثير مما يجب الالتفات إليه
    " لماذا نصر على غرس شجر ( الفيكس ) الذي بلا ثمر وبلا رائحة ونترك أشجار الليمون والخوخ والبرتقال والنخيل ؟!!"

    " طول عمري وانا أكره الخط المستقيم ، وكنت وما زلت أفترض انه خط وهمي لا وجود له ؛ فالأصل هي الدوائر وانصاف الدوائر، والمنحنيات ، اعشق المنحنى وخاصة في لحظات الصعود والهبوط ..."

    السكرتيرة التي قدمت استقالتها ليس لأنه راودها عن نفسها بل لأنه لم يستطع ...!!!
    وهذه بالذات تحيلنا إلى سؤال استنكاري .. ماذا حدث للمجتمع ككل؟؟!!

    كل هذه الشواهد تدعو لقراءات أخرى للنص ، ومحاولة استكناه ما به .

    هذه قراءة متواضعة لنص عميق .

    تقبل تقيري واحترامي .
    حسام القاضي
    أديب .. أحياناً

  7. #7
    قاص
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 598
    المواضيع : 65
    الردود : 598
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    الكاتب الكبير الأستاذ / حسام القاضي
    من أروع ما في قراءتك النقدية : أنك لم تدخل إلى النص من أفكار نقدية مسبقة بل تعاملت مع النص ككائن قائم بذاته يفرض رؤاه من داخله ومن ثم كانت سعادتي بالتقطاتك الذكية واشاراتك السريعة إلى أشياء ربما كانت مطمورة في النص ، وصيدك الماهر للرموز المخفية خلف اللغة أو الحكاية المباشرة جعلتني أقنع تماما أن قراءة المبدع للعمل الفني أفضل كثيرا من قراءة الناقد غير المبدع ، فقد لمست كمبدع أسرار النص ، وصدقني أنني كنت بحاجة إلى هذه القراءة التي أضافت لي الكثير ، ودمت لنا قاصا متألقا وكاتبا كبيرا وناقدا مبدعا أو مبدعا ناقدا جميلا ، ولك محبتي وتقديري

  8. #8
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,146
    المواضيع : 318
    الردود : 21146
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    بين السرد الماتع والمتن والحواشي والرؤى قضيت وقتا ماتعا
    لقصة فنية ناضجة تحمل سمات الإبداع وهوية التميز المنحوت
    بأزميل فنان خلاق مبدع..
    وكان الإمتاع أيضا في الحوارات التي تناولها الأخوة في رؤيتهم النقدية للقصة
    سلمت ـ وسلم قلم قلبك.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. أم دغش ( قصة قصيرة بقلم / مجدي محمود جعفر )
    بواسطة مجدي محمود جعفر في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 55
    آخر مشاركة: 04-04-2019, 09:23 PM
  2. جدتي والطائر ( قصة بقلم / مجدي محمود جعفر )
    بواسطة مجدي محمود جعفر في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 52
    آخر مشاركة: 03-11-2018, 07:19 AM
  3. الثور ( قصة قصيرة بقلم / مجدي محمود جعفر )
    بواسطة مجدي محمود جعفر في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 15-08-2016, 05:10 PM
  4. د ( حسين علي محمد وأحلام البنت الحلوة ( رؤية نقدية بقلم / مجدي محمود جعفر )
    بواسطة مجدي محمود جعفر في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 27-05-2007, 12:15 PM
  5. محمد عبد الله الهادي يقيم حلقة ذكر على شرف الفقيدة ( رؤية نقدية بقلم مجدي محمود جعفر
    بواسطة مجدي محمود جعفر في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-08-2006, 12:18 PM