"(العـــــــــيد) ...هنـــا و هنــاك "
بقلم : إبراهيم محمود الخضور
الأطفال هنا يرقبون ذلك اليوم بكل الشوق و الحنين ،.. يتطلعون إلى أفول نجم رمضان ، وليبشرهم سقم الهلال بالعيد ..
يخبىء أحدهم ملابسه الجديدة .. تحت و سادة نومه ، و يضع حذاءه اللماع وألعابه المختلفة أسفل سريره ،.. لتتفتح عيناه عليها في الصباح عند بداية التكبير ،.. فينتفض من فراشه بلمحة من بصر ، كعصفور بلله القطر ، وينشأ في ارتداد ما خبأه تحت و سادته و سريره من جديد الملابس و الألعاب .. حتى دون أن يعير لوجه الانتباه .. فقد نسي أن يغسله بالماء .. بل و نسي أن يقول لوالدته : عيدك مبارك يا أمي ... .
وهناك.. خلف سياج الموت والقهر، يقبع أطفال رضعوا الرعب والخوف،.. وفطمــوا على مرئى الدم، وأصوات الثكـــالى ،.. وأنّات الجرحـــى ، .. يرقبون ذلك اليوم بقلوب يعتصـــرها الألـــم ، .. يخبّــئون تحت وسائــدهم (المتيقّظة)، .. اكفـــان الغــدْ ، ويضعون بجانب فراش نومـــهم.. ( مقلاعاً.. او حجـــراً.. أو كوفيّــــة )، ..تلك هــي كلّ ألعابهم التي وهبتهــا لهم ظروفـهم القاسية ... .
ينام أحدهم بإحدى عينيـــه ، ويبقـــي الأخــرى مفتوحة..على أهبة الإستعداد ، لينتفض على صوت تكبير المدافع وهي تعلن عن بدئ القصف العشـــوائي،.. ليطال بيته المتهالك ، أو يصل إلى فراشه الذي لم يهنـــأ بالنوم عليــه منذ بداية عهد الإنتفاضـــة الجديد ،.. هـاربـاً بما يستطيع أن يحمل مما إستطاع أن ينقذ من جسده ..0 رأسٌ ..أو قدمٌ .. أو ذراع )..ليعاود بها الكرّة في الصـــباح من جــــديدْ... .
وهنـــا.. حيث يغتـــال الليلُ النـــهار،.. يصحــو الأطفال والكبــار ،حيث يصلّـــون العيد،.. وتتصــافح الأيدي والقلوب مهنّئــة باليوم السعيد، .. يتزاور الناس فيما بينهم ..فحلـوى العيد تغـصّ به البيوت، وتتعارك الأسنان عليها بُـغيـة الفتك بهـا،..والعلب القاتلــة (المشـروبات الغازيّـــة )تنصبّ في الأفواه ،.. معلنة عن حالــة طـــوارئ في المستشفيــات نتيـــجة التلبك المعوي.. لكـثرة الإفراط من تناولهــا ... .
وترقص الإذاعــات والفضـــائيـات على أنغام الشِـــعر والموسيقــى..، وتغصّ الصــحف بعبــارات التهنئـة والتبريك بحلول العيـد الســعيدْ ... .
وهنــاك..بين البنــايات المتهدّمــة والمزارع الخربة..، وزقــاق الخــوف، ..وأكــوام الحجــارة ، والدمــاء المتناثرة في كلّ إتّجــاه..، حيث يتشابك اليل بالنهــار..، يصــــحو الأطفـــال والكبــار يصلون الجـنائز على أرواح الشـــهداء ، ..وتتصافح الأيدي والقلوب.. مهنّــئة بسقوط فوج جديد من طـلاب الحريّـة والجــنّة..، ..يتزاور النّـاس فيما بينهم لتقديم واجب العــزاء..،وتغصّ البيوت بأنواع القهوة العربية( الســادة )..، وبالــدمــوع..على فراق حبيب غادر البيت ليــلة العيد، لكن إلـى غــير رجعة... .
وحلــوى العيد هنــاك.. ليست كما هي عندنــا( كــعك وبسكويت، وبيتيفــــور )..، حلــوى العيد هنــاك صليــات من الرصاص، وطلقات تخرج من رشاش أو مدفـــع..، تدخل الأجساد البريئة ، ليس عبر الفم ، ولكن من أي مكــان لتخترقها.. وتتفجّـــر فيها،.. وتتركها أشـــلاء تتراقص فرحـــاً... بحصــولها على نعمة الشهادة، فهذه هي الحلــوى ، وهذا هو العيد الحقيقي .. ، أو تتركهم مصــابين وجـرحـــى ، تنقلهم سيارات الإسعاف إلى المستشفيـــات ، معلنـــة حالـة الطوارئ فيها بسبب ( التلبك الدمــوي ).. من كثرة الإفراط في تناول الطـلقـات النارية... .
وتتراقص الإذاعات والفضائيــات على أنغــام صليات رشاشات المدافع و الطائرات،.. وتهتز على صــوت تدمير البنايــات، وعلى أصــوات أزيز البلــدوزرات.. وهي تقتلع مزارع البرتقــال/ وأشجار الزيتون..( حــياة النـاس هنـــاك ).. ، وتغصّ الصحف بعبارات التعزيـــة والمواســاة ..بســقوط شهيد تلو الشـــهيدْ.... .
هذا هو العــيد هنـا.. وانظــر، كيف سيكــون العيد هنـــاك ؟ !!
***********************************************************
بقلم : إبراهيم محمود الخضور