لعل لنا في حياة الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام – الكثير من العبر والعظات والدروس العظيمة التي تزداد حاجة الإنسانية لها يوما بعد يوم، وقد أثارني كثيرا الأسلوب الراقي الذي تعامل فيه سيدنا إبراهيم عليه السلام في خطابه مع الجميع ، ذلك الخطاب الذي تظهر فيه أسمى معاني الأدب في الحوار مع الآخرين ، ويتضح ذلك من خلال ما يلي :
أولا : في كلامه مع رب العالمين والذي يظهر في قوله تعالى :" والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضتُ فهو يشفين " أسند المرض إلى نفسه تأدبا في كلامه مع الله.
وأسند الشفاء إلى الله ، وإنما المرض والشفاء كلاهما من الله .
ثانيا : في حواره مع أبيه آزر حينما قال له أبوه :"قال أراغب أنت عن ءالهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا " تهديد من الأب بالرجم والهجر الطويل
فبم رد خليل الرحمن :" قال سلام عليك سأستغفر لك ربي "إنه أدب الحوار ، ورد الإساءة بالإحسان .
ثالثا :في حواره مع الملائكة مع جهله بحقيقتهم في بداية الأمر فقد ظنهم أضيافا وذلك في قوله تعالى :" ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ" فانظر إلى أدب المعاملة وكرم الضيافة حتى مع الغرباء .
رابعا : في حواره مع أبنائه عندما وصّاهم بالتمسك بالدين في قوله تعالى :" ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيَّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون "
ويظهر ما في لهجته مع أبنائه من تحبب وتقرب يدلان على أدب رفيع في الحوار مع الآخرين
خامسا : في حواره مع الكفار والنمرود الذي ادّعى الألوهية واحد منهم ؛ ويتضح ذلك في قوله تعالى :" ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب فبهت الذي كفر" فتأمل في القدرة البارعة على إدارة الحوار بطريقة إبداعية تجيّر الحوار نحو الانتصار للفكرة دون تعصب ، فقد تسلسل في حواره بطريقة حاصرت خصمه ووضعته في زاوية الخاسر ، إنه أدب الحوار الذي يجعل الإنسان هادئا متزنا في كل الأمور .
وبعد فليس غريبا أن يقول الله سبحانه وتعالى في سيدنا إبراهيم عليه السلام :
"إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا"
وختاما ما أحوجنا في هذا الزمن العصيب إلى أدب الحوار الذي بتنا نفتقده بين الابن ووالديه ، بين الطالب ومعلمه ، بين الصغير والكبير ......................
اللهم ردنا إلى دينك ردا جميلا