أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 15

الموضوع: قراءة في قصيدتين للسياب

  1. #1
    الصورة الرمزية صبيحة شبر قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    المشاركات : 590
    المواضيع : 69
    الردود : 590
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي قراءة في قصيدتين للسياب

    قراءة في قصيدتين للشاعر السياب
    الشاعر هو بدر شاكر السياب ،أعظم الرواد واشهرهم لحركة التجديد التي أصابت القصيدة العربية ، ولد الشاعر ، عام 1926 في إحدى قرى مدينة البصرة( جيكور) ، ماتت أمه / وهو في السنة السادسة من عمره ، أنهى دراسته الابتدائية والثانوية ، في أبي الخصيب ، والبصرة ، ثم التحق بقسم اللغة العربية ، أولا ، وغير بعد ذلك نوع الاختصاص الى اللغة الإنجليزية ، في دار المعلمين العالية ( كلية التربية حاليا) ، وحين تخرج من الجامعة ، عين مدرسا في الرمادي ، ثم فصل من عمله لأسباب سياسية ، مما اضطره أن يشتغل في عدة أعمال بعيدة عن مجال اختصاصه ، وأصيب بمرض عضال عز شفاؤه ، توفاه الله وحيدا في مستشفى الكويت عام 1964 ، بعيدا عن العراق ، الذي عشقه ، شيعه قليل من أصدقائه ، ودفن في مقبرة الحسن البصري في الزبير
    أصدر عدة دواوين : منها ( أزهار ذابلة ) و ( أنشودة المطر) و ( المعبد الغريق ) جمعت دواوينه كلها في مجلدين بعنوان ( ديوان بدر شاكر السياب)
    تعد قصيدته ( غريب على الخليج ) من أهم القصائد التي قالها ،، ومن أكثرها جمالا وروعة ، يتغنى فيها بالبلد الجميل ،، الذي عرف أقدم الحضارات( العراق الحبيب)
    يقول فيها (اقتطعت جزءا من القصيدة الطويلة )

    أحببت فيك عراق روحي او حببتك أنت فيه
    يا أنتما مصباح روحي أنتما
    وأتى المساء
    لو جئت في البلد الغريب إلي ما كمل اللقاء
    الملتقى بك والعراق على يدي هو اللقاء
    شوق يخض دمي إليه
    كأن كل دمي اشتهاء
    جوع إليه كجوع كل دم الغريق إلى الهواء
    شوق الجنين إذا اشرأب من الظلام إلى الولادة
    الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام
    - حتى الظلام – هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق
    واحسر تاه متى أنام
    فأحس ان على الوسادة
    من ليلك الصيفي طلا فيه عطرك يا عراق ؟
    بين القرى المتهيبات خطاي والمدن الغريبة
    غنيت تربتك الحبيبة
    وحملتها فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه
    إن مت يا وطني فقبر في مقابرك الكئيبة
    أقصى مناي
    يا ريح ، يا إبرا تخيط لي الشراع : متى أعود
    إلى العراق ؟ متى أعود ؟
    ×××××××××××××××××××××
    في هذه القصيدة الطويلة المشهورة ، التي ظلت نشيدا عذبا يردده العراقيون
    في جلساتهم ، كلما طال بهم الحنين الى البلاد الساحرة ، وأهلها الطيبين ، الذين امتازوا بالدفء والحنان وطيب الكلام ، والمواقف الجميلة التي تربطهم بالأصدقاء والمحبين ، نلاحظ في القصيدة الوحدة الموضوعية المتمثلة في وحدة الإحساس ، يظل الشعور المسيطر ، نحو الوطن الحبيب ، يتكلم عبر هذه القصيدة التي هي ،، من مطولات الشاعر ، والقصيدة من شعر التفعيلة الحديث الذي يتميز بتنوع القوافي ، والموسيقى الجميلة التي منحها استعمال إيقاع البحر الكامل
    ( متفاعلن ) أضاف لها جمالا باهرا وانفعالا يتناسب والجو النفسي العاطفي الذي أحاط بالقصيدة
    يستهل الشاعر قصيدته بمخاطبة امرأة مجهولة ، لا ندري من هي ؟ قد تكون الزوجة ام الحبيبة ام الاخت ام الصديقة ، وكانت علاقة الشاعر بالمراة وطيدة ، فقد حرم من الأم وهو صغير ، لكنه أحب العديد من النساء ، وقد يكون وجد في حبه لهن ،، تعويضا عن حب الأم المفقود ، وقد تكون المراة المخاطبة هي الأهل الذين أرغم الشاعر على الابتعاد عنهم ، وقد تكون الوطن ، ذلك الساحر العجيب والأليف الذي يضطر شاعرنا الى هجره الى ضفاف أخرى قد تقيه حينا من حرارة الشوق المستعر ، ويربط الشاعر بين المراة والوطن بعلاقة قوية ،،لا انفصام بها ، فالحب بلا وطن ، لا يمنح الوصال ،، والدفء المنشود ، والوطن الذي يخلو من الحب ، هو مكان ظالم لأهله ، فالمراة والوطن كلاهما ، مصباحان ينيران طريق الشاعر ، الوعر المظلم والذي تحيطه المحبطات ، فقر طويل مهلك ، يتم وحرمان من حب الأم ، نشاط سياسي غير متواصل ، وشكل غير جذاب ، مرض عضال أقعده عن العمل ، وتذبذب بين اليمين واليسار في مسالك السياسة ، كل هذه الأمور جعلت منه شاعرا عاطفيا رقيقا رومانسيا ، والقصيدة الجميلة هذه ،، قد أبدع الشاعر في ان ينقل لنا بأسلوبه الرائع ،، معاناته الطويلة وهو متغرب في بلاد أخرى ، حتى وان كانت شقيقة ، لهذا يخبرنا ان الوطن وحده ،، يحلو به اللقاء بالحبيبة ، وان أي لقاء آخر بحسناء ،، بعيدا عن تربة العراق المعطاء ،، سيكون مبتورا ناقصا عديم الجدوى ، لا يمنح الدفء الذي ننتظر من الحب ان يمنحه
    يزدحم الشوق الى الحبيبين معا ،، في نفس الشاعر ، المرهف الحس ، فيخض دمه خضا ، ويظل يحلم بان يرى العراق ، حيث يعيش هذا الحلم الجميل في دمه ، وتتحول الدماء فيه إلى اشتهاء ، لكل ما في الوطن من جمال وقبح ، ويأتي بطرق أسلوبية كثيرة ،، لتبيان ذلك الشوق ( حتى الظلام هناك أجمل فهو يحتضن العراق) ، وتظهر الروح الوطنية لدى السياب في هذه القصيدة بأحلى صورها ، فكل شيء رائع الفتنة والجمال ، ويتحسر الشاعر وهو غريب مريض على أمنيات ،، ميسورة سهلة متواضعة ، ولكنها بعين الغريب عن وطنه ،، مستحيلة وبعيدة التحقيق ، وهي رغبته في النوم في العراق ،، ليالي الصيف ،، حيث تتساقط قطرات الندى المنعشة ، معطرة العراق دون غيره ، وهو لم يجد أجمل من العراق ،، بعد أن جرب كل بلدان الدنيا ، ويختتم قصيدته ،بان يأتي ،، بحلم مؤثر وهو ان يجد قبرا صغيرا في العراق ، يضم رفاته ، بعد ان شعر انه سيموت بعيدا ،، عن الوطن الحبيب ، وتلك الأمنية رغم بساطتها ،، تظل حلما يراود قلوب المبعدين عن الأوطان ، والذين يعيشون بحبهم لأوطانهم رغم اضطرار الابتعاد وتوالي سنين المعاناة
    وفي قصيدة ( أنشودة المطر) يقول الشاعر السياب :
    عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
    أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
    عيناك حين تبسمان تورق الكروم
    وترقص الأضواء ،،،، كالأقمار في نهر
    يرجه المجداف وهنا ساحة السحر
    كأنما تنبض في غوريهما النجوم ،،،
    وتغرقان في ضباب من أسى شفيف
    كالبحر سرح اليدين فوقه المساء ،،
    دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف ،،
    والموت ،، والميلاد ،، والظلام والضياء ،،
    فتستفيق ملء روحي رعشة البكاء
    ونشوة وحشية تعانق السماء ،،
    كنشوة الطفل اذا خاف من القمر
    كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم
    وقطرة ،، فقطرة تذوب في المطر
    وكركر الأطفال في عرائش الكروم
    ودغدغت صمت العصافير في الشجر
    أنشودة المطر ،،،
    مطر،،،،
    مطر ،،،
    مطر،،،
    يبدأ الشاعر السياب برسم صورة لحبيبته استوحاها من بيئته الجنوبية ،، حيث أشجار النخيل المتكاتفة ، كما استوحى من منظر الشرفة في الظلام ،، حين يبدأ القمر بالابتعاد مخلفا العتمة ، ثم ينتقل الى صورة اخرى ، والشاعر معروف انه من مولدي الصور ، فهو يشبه الشيء بآخر ، ويشبه المشبه به بشيء آخر
    العينان مثل غابة النخيل ،،، او الشرفة التي اخذ القمر ،،، يبتعد عنها ويشبه الأضواء المنعكسة كأنها أقمار في نهر ، والنهر يرجه المجداف ساحة السحر ،، وقد عرف عن الشاعر انه يكثر من التشبيه باثنين من حروفه المعروفة ( الكاف وكأن) مثل كالبحر ،، كنشوة الطفل كالحب ، كالأطفال
    السياب الذي عانى من ألوان من الحرمان ، نجح في ان يجسد أجواء الحزن بتراكم التشبيهات ، ، ويقد يجمع من اجل ذلك التجسيد بين أشياء عديدة تكون متناقضة فيما بينها ،،، في الواقع بواسطة حرف الواو الذي يدل ،، على العطف والجمع كما في قوله ( دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف ) والموت والميلاد ،،والظلام والضياء ، كما ان السياب يكثر من استعمال صيغة ( فعلل ) لتجسيد أجواء الحزن الذي كان يعيش في اتونها ، لقد نجح الشاعر في التعبير عن الحزن الذي يعيشه هو والعراق معا ، كانت قصيدته من الناحية الشكلية صورة معبرة عن ضخامة الحزن الذي يجتاحه ، كما ان المعاني التي تناولها تعبر عن حجم المعاناة التي يعيشها العراق ، الذي يعاني الاضطهاد السياسي والفقر واشتداد الفاقة رغم ما عرف عنه من توافر الثروات المتعددة ، ويمكننا ان نقول ان قصيدته ( أنشودة المطر ) تعبر عن المرحلة التي يعيشها العراق الآن ابلغ تعبير



    صبيحة شبر

  2. #2
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الأخت الفاضلة الأديب صبيحة شبر

    لقد اطلعت على القراءة الأدبية , وأعجبت بالمحاور التي تناولتها في القراءة , وقد
    اطلعت سابقا على قراءات كثيرة في شعر السياب , وقراءتك من مستوى جيد ,
    بالمقارنة , دون شك , على الرغم
    من أنني تعبت جدا في قراءة الخط .
    تقبلي تقديري الكبير لك

    أخوكم
    د. محمد حسن السمان

  3. #3
    الصورة الرمزية صبيحة شبر قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    المشاركات : 590
    المواضيع : 69
    الردود : 590
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. محمد حسن السمان مشاهدة المشاركة
    سلام الـلـه عليكم
    الأخت الفاضلة الأديب صبيحة شبر
    لقد اطلعت على القراءة الأدبية , وأعجبت بالمحاور التي تناولتها في القراءة , وقد
    اطلعت سابقا على قراءات كثيرة في شعر السياب , وقراءتك من مستوى جيد ,
    بالمقارنة , دون شك , على الرغم
    من أنني تعبت جدا في قراءة الخط .
    تقبلي تقديري الكبير لك
    أخوكم
    د. محمد حسن السمان
    الاخ العزيز الدكتور محمد حسن السمان
    اشكرك على الثناء العاطر
    واسفة لصغر الخط
    دمت بخير

  4. #4
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    الفاضلة صبيحة شبر :

    شكرا لهذه القراءة الجميلة ...
    وإن سمحت لي سأضع دراسة كنت قد قرأتها قبل أيام لهذا الشاعر الكبير في حياته وشعره

    سلمت ودمت بكل الخير
    لك ودي وباقة ورد

  5. #5
    الصورة الرمزية صبيحة شبر قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    المشاركات : 590
    المواضيع : 69
    الردود : 590
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سحر الليالي مشاهدة المشاركة
    الفاضلة صبيحة شبر :
    شكرا لهذه القراءة الجميلة ...
    وإن سمحت لي سأضع دراسة كنت قد قرأتها قبل أيام لهذا الشاعر الكبير في حياته وشعره
    سلمت ودمت بكل الخير
    لك ودي وباقة ورد
    سحر الليالي
    اشكرك على الاطلالة الجميلة
    وانتظر دراستك عن الشاعر الرائع بشوق المحبين

  6. #6
    الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي شاعر
    في ذمة الله

    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : محارة شوق
    العمر : 64
    المشاركات : 3,523
    المواضيع : 160
    الردود : 3523
    المعدل اليومي : 0.54

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صبيحة شبر مشاهدة المشاركة
    قراءة في قصيدتين للشاعر السياب
    الشاعر هو بدر شاكر السياب ،أعظم الرواد واشهرهم لحركة التجديد التي أصابت القصيدة العربية ، ولد الشاعر ، عام 1926 في إحدى قرى مدينة البصرة( جيكور) ، ماتت أمه / وهو في السنة السادسة من عمره ، أنهى دراسته الابتدائية والثانوية ، في أبي الخصيب ، والبصرة ، ثم التحق بقسم اللغة العربية ، أولا ، وغير بعد ذلك نوع الاختصاص الى اللغة الإنجليزية ، في دار المعلمين العالية ( كلية التربية حاليا) ، وحين تخرج من الجامعة ، عين مدرسا في الرمادي ، ثم فصل من عمله لأسباب سياسية ، مما اضطره أن يشتغل في عدة أعمال بعيدة عن مجال اختصاصه ، وأصيب بمرض عضال عز شفاؤه ، توفاه الله وحيدا في مستشفى الكويت عام 1964 ، بعيدا عن العراق ، الذي عشقه ، شيعه قليل من أصدقائه ، ودفن في مقبرة الحسن البصري في الزبير
    أصدر عدة دواوين : منها ( أزهار ذابلة ) و ( أنشودة المطر) و ( المعبد الغريق ) جمعت دواوينه كلها في مجلدين بعنوان ( ديوان بدر شاكر السياب)
    تعد قصيدته ( غريب على الخليج ) من أهم القصائد التي قالها ،، ومن أكثرها جمالا وروعة ، يتغنى فيها بالبلد الجميل ،، الذي عرف أقدم الحضارات( العراق الحبيب)
    يقول فيها (اقتطعت جزءا من القصيدة الطويلة )
    أحببت فيك عراق روحي او حببتك أنت فيه
    يا أنتما مصباح روحي أنتما
    وأتى المساء
    لو جئت في البلد الغريب إلي ما كمل اللقاء
    الملتقى بك والعراق على يدي هو اللقاء
    شوق يخض دمي إليه
    كأن كل دمي اشتهاء
    جوع إليه كجوع كل دم الغريق إلى الهواء
    شوق الجنين إذا اشرأب من الظلام إلى الولادة
    الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام
    - حتى الظلام – هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق
    واحسر تاه متى أنام
    فأحس ان على الوسادة
    من ليلك الصيفي طلا فيه عطرك يا عراق ؟
    بين القرى المتهيبات خطاي والمدن الغريبة
    غنيت تربتك الحبيبة
    وحملتها فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه
    إن مت يا وطني فقبر في مقابرك الكئيبة
    أقصى مناي
    يا ريح ، يا إبرا تخيط لي الشراع : متى أعود
    إلى العراق ؟ متى أعود ؟
    ×××××××××××××××××××××
    في هذه القصيدة الطويلة المشهورة ، التي ظلت نشيدا عذبا يردده العراقيون
    في جلساتهم ، كلما طال بهم الحنين الى البلاد الساحرة ، وأهلها الطيبين ، الذين امتازوا بالدفء والحنان وطيب الكلام ، والمواقف الجميلة التي تربطهم بالأصدقاء والمحبين ، نلاحظ في القصيدة الوحدة الموضوعية المتمثلة في وحدة الإحساس ، يظل الشعور المسيطر ، نحو الوطن الحبيب ، يتكلم عبر هذه القصيدة التي هي ،، من مطولات الشاعر ، والقصيدة من شعر التفعيلة الحديث الذي يتميز بتنوع القوافي ، والموسيقى الجميلة التي منحها استعمال إيقاع البحر الكامل
    ( متفاعلن ) أضاف لها جمالا باهرا وانفعالا يتناسب والجو النفسي العاطفي الذي أحاط بالقصيدة
    يستهل الشاعر قصيدته بمخاطبة امرأة مجهولة ، لا ندري من هي ؟ قد تكون الزوجة ام الحبيبة ام الاخت ام الصديقة ، وكانت علاقة الشاعر بالمراة وطيدة ، فقد حرم من الأم وهو صغير ، لكنه أحب العديد من النساء ، وقد يكون وجد في حبه لهن ،، تعويضا عن حب الأم المفقود ، وقد تكون المراة المخاطبة هي الأهل الذين أرغم الشاعر على الابتعاد عنهم ، وقد تكون الوطن ، ذلك الساحر العجيب والأليف الذي يضطر شاعرنا الى هجره الى ضفاف أخرى قد تقيه حينا من حرارة الشوق المستعر ، ويربط الشاعر بين المراة والوطن بعلاقة قوية ،،لا انفصام بها ، فالحب بلا وطن ، لا يمنح الوصال ،، والدفء المنشود ، والوطن الذي يخلو من الحب ، هو مكان ظالم لأهله ، فالمراة والوطن كلاهما ، مصباحان ينيران طريق الشاعر ، الوعر المظلم والذي تحيطه المحبطات ، فقر طويل مهلك ، يتم وحرمان من حب الأم ، نشاط سياسي غير متواصل ، وشكل غير جذاب ، مرض عضال أقعده عن العمل ، وتذبذب بين اليمين واليسار في مسالك السياسة ، كل هذه الأمور جعلت منه شاعرا عاطفيا رقيقا رومانسيا ، والقصيدة الجميلة هذه ،، قد أبدع الشاعر في ان ينقل لنا بأسلوبه الرائع ،، معاناته الطويلة وهو متغرب في بلاد أخرى ، حتى وان كانت شقيقة ، لهذا يخبرنا ان الوطن وحده ،، يحلو به اللقاء بالحبيبة ، وان أي لقاء آخر بحسناء ،، بعيدا عن تربة العراق المعطاء ،، سيكون مبتورا ناقصا عديم الجدوى ، لا يمنح الدفء الذي ننتظر من الحب ان يمنحه
    يزدحم الشوق الى الحبيبين معا ،، في نفس الشاعر ، المرهف الحس ، فيخض دمه خضا ، ويظل يحلم بان يرى العراق ، حيث يعيش هذا الحلم الجميل في دمه ، وتتحول الدماء فيه إلى اشتهاء ، لكل ما في الوطن من جمال وقبح ، ويأتي بطرق أسلوبية كثيرة ،، لتبيان ذلك الشوق ( حتى الظلام هناك أجمل فهو يحتضن العراق) ، وتظهر الروح الوطنية لدى السياب في هذه القصيدة بأحلى صورها ، فكل شيء رائع الفتنة والجمال ، ويتحسر الشاعر وهو غريب مريض على أمنيات ،، ميسورة سهلة متواضعة ، ولكنها بعين الغريب عن وطنه ،، مستحيلة وبعيدة التحقيق ، وهي رغبته في النوم في العراق ،، ليالي الصيف ،، حيث تتساقط قطرات الندى المنعشة ، معطرة العراق دون غيره ، وهو لم يجد أجمل من العراق ،، بعد أن جرب كل بلدان الدنيا ، ويختتم قصيدته ،بان يأتي ،، بحلم مؤثر وهو ان يجد قبرا صغيرا في العراق ، يضم رفاته ، بعد ان شعر انه سيموت بعيدا ،، عن الوطن الحبيب ، وتلك الأمنية رغم بساطتها ،، تظل حلما يراود قلوب المبعدين عن الأوطان ، والذين يعيشون بحبهم لأوطانهم رغم اضطرار الابتعاد وتوالي سنين المعاناة
    وفي قصيدة ( أنشودة المطر) يقول الشاعر السياب :
    عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
    أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
    عيناك حين تبسمان تورق الكروم
    وترقص الأضواء ،،،، كالأقمار في نهر
    يرجه المجداف وهنا ساحة السحر
    كأنما تنبض في غوريهما النجوم ،،،
    وتغرقان في ضباب من أسى شفيف
    كالبحر سرح اليدين فوقه المساء ،،
    دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف ،،
    والموت ،، والميلاد ،، والظلام والضياء ،،
    فتستفيق ملء روحي رعشة البكاء
    ونشوة وحشية تعانق السماء ،،
    كنشوة الطفل اذا خاف من القمر
    كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم
    وقطرة ،، فقطرة تذوب في المطر
    وكركر الأطفال في عرائش الكروم
    ودغدغت صمت العصافير في الشجر
    أنشودة المطر ،،،
    مطر،،،،
    مطر ،،،
    مطر،،،
    يبدأ الشاعر السياب برسم صورة لحبيبته استوحاها من بيئته الجنوبية ،، حيث أشجار النخيل المتكاتفة ، كما استوحى من منظر الشرفة في الظلام ،، حين يبدأ القمر بالابتعاد مخلفا العتمة ، ثم ينتقل الى صورة اخرى ، والشاعر معروف انه من مولدي الصور ، فهو يشبه الشيء بآخر ، ويشبه المشبه به بشيء آخر
    العينان مثل غابة النخيل ،،، او الشرفة التي اخذ القمر ،،، يبتعد عنها ويشبه الأضواء المنعكسة كأنها أقمار في نهر ، والنهر يرجه المجداف ساحة السحر ،، وقد عرف عن الشاعر انه يكثر من التشبيه باثنين من حروفه المعروفة ( الكاف وكأن) مثل كالبحر ،، كنشوة الطفل كالحب ، كالأطفال
    السياب الذي عانى من ألوان من الحرمان ، نجح في ان يجسد أجواء الحزن بتراكم التشبيهات ، ، ويقد يجمع من اجل ذلك التجسيد بين أشياء عديدة تكون متناقضة فيما بينها ،،، في الواقع بواسطة حرف الواو الذي يدل ،، على العطف والجمع كما في قوله ( دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف ) والموت والميلاد ،،والظلام والضياء ، كما ان السياب يكثر من استعمال صيغة ( فعلل ) لتجسيد أجواء الحزن الذي كان يعيش في اتونها ، لقد نجح الشاعر في التعبير عن الحزن الذي يعيشه هو والعراق معا ، كانت قصيدته من الناحية الشكلية صورة معبرة عن ضخامة الحزن الذي يجتاحه ، كما ان المعاني التي تناولها تعبر عن حجم المعاناة التي يعيشها العراق ، الذي يعاني الاضطهاد السياسي والفقر واشتداد الفاقة رغم ما عرف عنه من توافر الثروات المتعددة ، ويمكننا ان نقول ان قصيدته ( أنشودة المطر ) تعبر عن المرحلة التي يعيشها العراق الآن ابلغ تعبير
    صبيحة شبر
    الأديبة الصادقة الناقدة الواعية الأستاذة صبيحة

    أتقدم بأجمل آيات الشكر وأسمى دلائل التحية لهذه القراءة المضيئة التي أجادت في تناول قصيدتين من قصائد شاعرنا الكبير فأبدعت في توظيف الدلالات الموسيقية وإمكانات النحو التفسيرية وقبل ذلك كله الإحساس الراقي بصدق مشاعرها الجميلة النبيلة!

    ودمت بكل الخير والسعادة والألق


    مصطفى
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ولريشة الغالية أهداب الشكر الجميل

  7. #7
    الصورة الرمزية صبيحة شبر قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    المشاركات : 590
    المواضيع : 69
    الردود : 590
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. مصطفى عراقي مشاهدة المشاركة
    الأديبة الصادقة الناقدة الواعية الأستاذة صبيحة
    أتقدم بأجمل آيات الشكر وأسمى دلائل التحية لهذه القراءة المضيئة التي أجادت في تناول قصيدتين من قصائد شاعرنا الكبير فأبدعت في توظيف الدلالات الموسيقية وإمكانات النحو التفسيرية وقبل ذلك كله الإحساس الراقي بصدق مشاعرها الجميلة النبيلة!
    ودمت بكل الخير والسعادة والألق
    مصطفى
    الاخ العزيز مصطفى عراقي
    الشكر الجزيل على الثناء العاطر والتقييم الرائع
    دمت بخير وابتهاج

  8. #8
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    الفاضل صبيحة :
    شكرا لك وهي دراسة منقولة

    ****
    ستعتمدت هذه السيرة على المصادر التالية:


    1. بدر شاكر السياب: دراسة في حياته وشعره. إحسان عباس
    2. مقدمة ناجي علوش لديوان بدر شاكر السياب
    3. بدر شاكر السياب حياته وشعره .عيسى بلاطة
    4. أضواء على شعر وحياة بدر شاكر السياب: محمود العبطة
    5. بدر شاكر السياب و الحركة الشعرية الجديدة في العراق. محمود العبطة
    6. النار و الجوهر - جبرا إبراهيم جبرا
    7.
    الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد- أبو ظبي - الإمارات. الخميس 26 ديسمبر 1996

  9. #9
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    السياب - دراسة في حياته وشعره


    ولد السياب في منطقة (بكيع) بكاف فارسية وجيكور محلة صغيرة فيها وهي كلمة فارسية تعني (بيت العميان) وتبعد عن أبي الخصيب بما يقارب الكيلوين و تقع القرية على شط العرب، وأمامها جزيرة جميلة اسمها (الطويلة) كثيرا ما كان السياب يقضي الساعات الطوال فيها

    و نهر (بويب) الذي تغنى به الشاعر كثيرا، يسيل في أملاك عائلة السياب وهو يتفرع من النهر الكبير إنها قرية صغيرة اسمها مأخوذ من العبارة الفارسية (جوي كور) أي الجدول الأعمى

    و آل السياب يملكون أراضي مزروعة بالنخيل، وهم مسلمون سنيون عرفتهم جيكور لأجيال عدة. و على الرغم من أنهم لم يكونوا من كبار الملاكين في جنوب العراق، فانهم كانوا يحيون حياة لائقة محترمة حسب المعايير المحلية

    إن أعضاء الأسرة من الذكور لا يزيدون على ثلاثين في الوقت الحاضر مصطفى السياب ، في رسالة إلى المؤلف، بيروت 32 نيسان 1966 لكن الأسرة كان أكبر مما هي اليوم في أوائل القرن التاسع عشر إذ كانت تصم عائلة المير

    لكن كثيرين من أعضائها ماتوا في الطاعون الذي انتشر في العراق سنة 1831 وكان سياب بن محمد بن بدران المير أحد أعضائها، وكان قد فقد جميع أهله الأقربين

    وكلمة سياب بتشديدها بضم السين أو فتحها : اسم يطلق على البلح أو البسر الأخضر. لكن قصة تروى في العائلة تزعم أنه دعي بهذا الاسم لأنه فقد جميع أقربائه وسيب وحيدا. وهي تلفظ سياب في اللهجة المحلية بتسكين السين

    وفي عام تزوج شاكر بن عبدالجبار ابنة عمه كريمة،وكانت أمية في السابعة عشرة من عمرها. و أسكنها معه في دار والده على ما تقضي به العادات المرعية. وفي 1926 ولدت له ابنا دعاه (بدرا). وقد طار به فرحا وسجل تاريخ ميلاده حتى يتذكره، لكنه ما لبث أن فقده وبقي تاريخ ميلاد بدر مجهول

    ولم تكن إدارة البلاد في ذلك الوقت متفرغة لتنظيم تسجيل المواليد، ولا سيما في النواحي النائية. وفي 1928 ولدت له ابنا ثانيا دعاه عبدالله، وفي 1930 ولدت له ابنا ثالثا دعاه مصطفى وكان فخورا بأبنائه الثلاثة، واثقا من أنهم سيكبرون ويساعدونه في عمله لكن أحدا منهم ما ساعده كما كان ينتظر ويأمل

    أما في البيت فقد كان بدر يلعب مع أصدقائه فيشاركه أخواه الأصغران. وكان الأماكن المحببة للعبهم بيت واسع قديم مهجور يدعى (كوت المراجيح) باللهجة المحلية

    وكان هذا البيت في العهد العثماني يؤوي عبيد الأسرة (مصطفى السياب، من مقابلة مع المؤلف، بيروت 41 حزيران 1966) و من هنا أسمه، إذا معنى (المراجيح) المراقيق أي الرقي أو العبيد

    وقد دعاه بدر في شعره فيما بعد (منزل الأقنان) كانوا يلعبون في فنائه بالقفز على مربعات ودوائر تخطط على الأرض وما شابه ذلك من العاب القفز، واكن يلذ لهم كذلك أن يرووا عنه قصص الأشباح. وقد جعله بدر مقرا لجريدة خطية كان يصدرها مدة باسم (جيكور) تتناقلها أيدي صبيان القرية، ثم تعود في ختام المطاف لتجد محلها على الحائط في غرفة الإدارة


    وتشمل ذكرياته أقاصيص جده - على نحو مبهم- وقصص العجائز من عمة وجدة وغيرهما، و من أقاصيصهما حكاية عبد الماء الذي اختطف زينب الفتاة القروية الجميلة، وهي تملأ جرتها من النهر، ومضى بها إلى أعماق البحر و تزوجها، و أنجبت له عددا من الأطفال، ثم رجته ذات يوم أن تزور أهلها، فأذن لها بذلك، بعد أن احتفظ بأبنائه ليضمن عودتها، و لكنها لم تعد, فأخذ يخرج من الماء ويناديها ويستثر عاطفتها نحو الأطفال، و لكنها أصرت على البقاء، و أخيرا أطلق أهلها النار على الوحش فقتلوه، أما الأطفال فتختلف روايات العجائز حول مصيرهم

    كذلك تشمل ذكرياته لعبه على شاطئ بويب، وهو لا يفتأ يذكر بيتا في بقيع يختلف عن سائر البيوت، في أبهائه الرحبة، وحدائقه الغناء، ولكن اشد ما يجذب نظره في ذلك المنزل الإقطاعي تلك الشناشيل، وهي شرفة مغلقة مزينة بالخشب المزخرف و الزجاج الملون

    غير أن الشاعر حين يتحدث من بعد عن بيت العائلة في جيكور فإنما يعني البيت الذي ولد فيه وعاش فيه سنوات طويلة في ظل أمه، وقضى فترات متقطعة من صباه وشبابه الباكر في جنباته، وهكذا ينبسط اسم (جيكور) على القريتين إذا ليست بقيع في واقع الحال الا حلة من جيكور

    ولابد لنا من أن نشير إلى أن بعض الصحفيين زاروا هذا البيت في عام 1965 وكان مما قالوه في وصفه : البيت قديم جدا وعال، وقد تحللت جذور البيت حتى أصبحت كأسفل القبر، والبيت ذو باب كبير كباب حصن كتب عليه بالطباشير اسم ؛ عبدالمجيد السياب

    وهو الذي يسكن الآن في الغرفة الوحيدة الباقية كان البيت قبل عشر سنين يموج بالحركة والحياة، أما سبب هجر عائلة السياب لهذا البيت أو بالأحرى لجيكور فهو بسبب ذهاب الشباب إلى المدن بعد توظيفه" جريدة الثورة العربية، بغداد عدد 184 - 12 شباط 1965

    دخل السياب في أول مراحله الدراسية مدرسة باب سليمان الابتدائية في أبي الخصيب، ثم انتقل إلى المحمودية الابتدائية التي أسسها المرحوم محمود باشا العبدالواحد في سنة 1910 في العهد العثماني، وبقيت تحمل اسمه حتى الآن
    و تخرج من هذه المدرسة في تاريخ 1-10-1938



    عاش بدر طفولة سعيدة غير إنها قصيرة سرعان ما تحطمت إذ توفيت أمه عام 1932 أثناء المخاض لتـترك أبناءها الثـلاثة وهى في الثالثة والعشرين من عمرها. وبدا بدر الحزين يتساءل عن أمه التي غابت فجأة، وكان الجواب الوحيد: ستعود بعد غد فيما يتهامس المحيطون به: أنها ترقد في قبرها عند سفح التل عند أطراف القرية

    وغابت تلك المرأة التي تعلق بها ابنها الصغير، وكان يصحبها كلما حنت إلى أمها، فخفت لزيارتها، أو قامت بزيارة عمتها عند نهر بويب حيث تملك بستانا صغيرا جميلا على ضفة النهر، فكان عالم بدر الصغير تلك الملاعب التي تمتد بين بساتين جيكور ومياه بويب وبينها ما غزل خيوط عمره ونسيج حياته وذكرياته

    وما كان أمامه سوى اللجوء إلى جدته لأبيه (أمينة) وفترة علاقته الوثيقة بأبيه بعد أن تزوج هذا من امرأة أخرى سرعان ما رحل بها إلى دار جديدة بعيدا عن بدر وأخـويه، ومع أن هذه الدار في بقيع أيضا، غير أن السياب أخويه انضموا إلى دار جده في جيكور

    القرية الأم، ويكبر ذلك الشعور في نفس بدر بأنه محروم مطرود من دنيا الحنو الأمومي ليفر من بقيع وقسوتها إلى طرفه تدسها جدته في جيبه أو قبلة تطبعها على خده تنسيه ما يلقاه من عنت وعناء، غير أن العائلة تورطت في مـشكلات كبيرة ورزحت تحت عبء الديون، فبيعت الأرض تدريجيا وطارت الأملاك ولم يبق منها إلا القليل يذكر بالعز القديم الذي تشير إليه الآن أطلال بيت العـائلة الشاهق المتحللة

    ويذهب بدر إلى المدرسة، كان عليه أن يسير ماشيا إلى قرية باب سليمان غرب جيكور لينتقل بعدها إلى المدرسة المحمودية الابتدائية للبنين في أبي الخصيب التي شيدها محمود جلبي العبد الواحد أحد أعيان أبي الخصيب، وكان بالقرب من المدرسة البيت الفخم الذي تزينه الشرفات الخشبية المزججة بالزجاج الملون الشناشيل و التي ستكون فيما بعد اسما لمجموعة شعرية متميزة هي شناشيل ابنة الجلبي- الجلبي لقب للأعيان الأثرياء- وفى هذه المدرسة تعلم أن يردد مع أترابه أهزوجة يرددها أبناء الجنوب عند هطول المطر، ضمنها لاحقا في إحدى قصائده

    يا مطرا يا حلبي عبر بنات الجلبي
    يا مطرا يا شاشا عبر بنات الباشا




    وفى هذه المرحلة المبكرة بدأ ينظم الشعر باللهجة العراقية الدارجة في وصف الطبيعة أو في السخرية من زملائه، فجذب بذلك انتباه معلميه الذين شجعوه على النظم باللغة الفصيحة، وكانت العطلة الصيفية التي يقضيها في جيكور مجلبة لسروره وسعادته إذ كان بيت العبيد الذي غدا الآن مهجورا، المكان المحبب للعبهم برغم ما يردده الصبية وخيالهم الفسيح عن الأشباح التي تقطنه
    وكانت محبة جدته أمينة تمنحه العزاء والطمأنينة والعطف غير انه سرعان ما فقدها إذ توفيت في أيلول 1942 ليكتب في رثائها قصيدة

    جدتي من أبث بعدك شكواي؟
    طواني الأسى وقل معيني
    أنت يا من فتحت قلبك بالأمس لحبي
    أوصدت قبرك دوني
    فقليل على أن اذرف الدمع
    ويقضى على طول أنيني


    وتفاقم الأمر إذ باع جده ما تبقى من أملاكه مرغما، إذ وقع صغار الملاك ضحية للمالكين الكبار و أصحاب مكابس التمر والتجار والمرابين وكان بدر يشعر بالظلم واستغلال القوى للضعيف وكانت طبيعته الرومانسية تصور له مجتمعا مثاليا يعيش فيه الناس متساوين يتعاون بعضهم مع بعض بسلام

    هذه النظرة المثالية عمقها شعور بدر بأن أسرته كانت عرضه للظلم والاستغلال فضلا عما لحق به إذ فقد أمه وخسر أباه و أضاع جدته وسلبت حبيبته منه وكان قد بدأ يدرك انه لم يكن وسيما هذا كله احتشد في أعماق روحه ليندلع فيما بعد مثل حمم بركان هائج تدفق شعرا ملتهبا

    يُتبَع!

  10. #10
    الصورة الرمزية صبيحة شبر قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    المشاركات : 590
    المواضيع : 69
    الردود : 590
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سحر الليالي مشاهدة المشاركة
    الفاضل صبيحة :
    شكرا لك وهي دراسة منقولة
    ****
    ستعتمدت هذه السيرة على المصادر التالية:
    1. بدر شاكر السياب: دراسة في حياته وشعره. إحسان عباس
    2. مقدمة ناجي علوش لديوان بدر شاكر السياب
    3. بدر شاكر السياب حياته وشعره .عيسى بلاطة
    4. أضواء على شعر وحياة بدر شاكر السياب: محمود العبطة
    5. بدر شاكر السياب و الحركة الشعرية الجديدة في العراق. محمود العبطة
    6. النار و الجوهر - جبرا إبراهيم جبرا
    7.
    الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد- أبو ظبي - الإمارات. الخميس 26 ديسمبر 1996
    الاخت العزيزة سحر الليالي
    كثيرون تناولوا شعر السياب وتحدثوا عن حياته القصيرة
    الزاخرة بالمتاعب والمعاناة
    وانا احب هذا الشعر وادرس شعره لطلاب المرحلة الثانوية
    اشكرك على هذه الدراسة الجميلة
    واهنئك على نشاطك الجم

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. قراءة في قراءة الدكتور مصطفى عراقي في الشاعر الكبير الدكتور سمير العمري
    بواسطة د. محمد حسن السمان في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 10-03-2015, 01:23 AM
  2. قصيدتين لي / بصوتي
    بواسطة عدنان الشبول في المنتدى كَرَوَانُ الوَاحَةِ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 16-02-2014, 06:41 PM
  3. قراءة الممكن وإمكانية القراءة ( قراءة لقصيدة لي ما يبرر وحشتي للشاعر يحيى السماوي )
    بواسطة هشام مصطفى في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 09-06-2008, 08:46 PM
  4. قراءة في قراءة اطلالة اولى على عالم الشاعر سمير العمري
    بواسطة د. محمد حسن السمان في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 13-03-2007, 05:48 PM
  5. قراءة في قراءة د. عراقي "اطلالة على عالم الشاعر سمير العمري"
    بواسطة د. محمد حسن السمان في المنتدى قِسْمُ النَّقْدِ والتَّرجَمةِ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-03-2007, 01:33 PM