مجلة كلية الآداب ـ جامعة القاهرة
مجلد ( 56 ) عدد (3) يوليو 1996
النظرالنحوي في النص الأدبي
مفهومه وغاياته
الدكتور مصطفي عراقي حسن
مدرس النحو والصرف والعروض
كلية دار العلوم جامعة القاهرة
المقدمة
يهدف هذا البحث إلي الإجابة عن السؤال التالي:
هل عرف التراث العربي نظرا نحويا يصلح للتعامل مع النص الأدبي !
ينطلق السؤال من تزايد إدراك حاجة النص الأدبي إلي نظر كاشف عن أسراره خباياه بصفته بناء لغويا مؤلفا علي نسق خاص يتسم بسمات تركيبية تجعل منه مستوى مميزا ، مهما تعددت أجناسه شعرا ونثرا .
وإذا كان الغموض الموحي ملمحا بارزا من ملامح النص الأدبي : فهل نجد في التراث النحوي وسائل تعين على الوصول إلى غرض المبدع من خلال تحليل النص بهدف توصيله إلى المتلقي !
إن محاولة الوصول إلي إجابة موضوعية تقتضي مراجعةً للتراث النحوي للوقوف على مفهوم النظر النحوي وغايته للتحقق من مدى صلاحيته لتحليل النصوص الأدبية .
وقد اخترت أن يكون البحث عن مفهوم النظر النحوي في النص الأدبي وغايته سبيلا إلى الإجابة ؛ لأنني أرى أن في هذا النظر منطقة التقاء النحو بالنص للوقوف على عناصره وكيفية انتظامها في نسق خاص .
وقد حاولت التنقيب عن الإشارات التراثية الكاشفة عن مشروعية النظر النحوي ، وأهميته فلاحظت أن النظر النحوي يضرب بجذوره في أعمـاق التراث ، كما ترى في قول " الزركشى " : " على الناظر في كتاب الله الكاشف عن أسراره ، النظر في هيئة الكلمة وصيغتها ومحلها : ككونها مبتدأ أو خبرا ، أو فاعلة أو مفعولة ، أو في مبادئ الكلام أو في جواب .. إلي غير ذلك " (1)
فهذا نظر نحوي يتدرج من الكلمة ووظيفتها في الجملة إلى النص بفقراته ؛لأن المبادئ والجواب ، لا تكون في جملة واحدة.
من أجل هذا اعتمد كثير من المفسرين والشراح للنصوص الأدبية المعرفة النحوية سبيلا إلى تحقيق غايتهم المنشودة وهي الوقوف على أسرار النصـوص . يقول " الزمخشري " : " وذلك أنهم لا يجدون علما من العلوم الإسلامية : فقهها وكلامها وعلميّ تفسيرها وأخبارها إلا وافتقاره إلى العربية بيِّنٌ لا يدفع ، ومكشوف لا يتقنع ، ويرون الكلام في معظم أو أبواب أصول الفقه ومسائلها مبنيا على علم الإعراب ، والتفاسير مشحونة بالروايات عن سيبويه ، والأخفش ، والكسائي ، والفرّاء ، وغيرهم من النحويين البصريين والكوفيين والاستظهار في مآخذ النصوص بأقاويلهم والتشبث بأهداب تفسيرهم وتأويلهم "(2).
إن أخذ معاني النصوص متوقف على خبرات النحاة ونظراتهم التفسيرية الكاشفة فهل نجد صدى إدراك قيمة النحو لدى النحاة أنفسهم ؟
هل أدرك النحاة طبيعة النص فتعاملوا معه بما يتسق مع طبيعته كما أشار رولان بارت ( 1915 هـ ـ 1985 م ) قائلا :
" يبدو أن العلماء العرب حين يتحدّثون عن النص ، يستخدمون هذا التعبير الرائع " الجسد " أي جسد ؟
إن لدينا أجسادا عديدة ، فلدينا جسد لعلماء التشريح ، وجسد لعلماء وظائف الأعضاء ، وإن هذا الجسد الذي يراه العلم ويتكلم عنه لهو نص النحاة والنقاد والمفسرين وفقهاء اللغة . (3)
إن عناية الحضارة الإسلامية بالنص معروفة حتى قال بعض الدارسين : " إن الحضارة اليونانية هي حضارة ( العقل ) أما الحضارة العربية الإسلامية فهي حضارة (النص) " (4)
ولكن الناظر في الحضارة الإسلامية يرى أنها عرفت الصلة الوثيقة بينهما يقول " ابن رشده " : " أما أن الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل وتطلب معرفتها به ، فلذلك بين في غير ما آية من كتاب الله تبارك وتعالى ، مثل قوله : ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) ( الحشر :2)
وهذا نص على وجوب استعمال القياس العقلي ، أو العقلي والشرعي معا " (5)
كما ارتبطت الحضارة اليونانية بالنص حتى قال لسن ( lessing ) : " إن لكتاب أرسطو ( فن الشعر ) من العصمة ما لكتاب ( أصول الهندسة ) لأقليدس"(6) .
فلا تكاد تخلو حضارة من العناية بالنص من غير أن يعني ذلك إهمالها للجوانب الحضارية الأخرى .
فهل ترتب على عناية العرب بالنص وجود نحو للنصوص (7) أم بقي النحو حبيسا في حدود الجملة الواحدة لا يتجاوزها ؟
إن النص " تتابع مترابط من الجمل " (8) والمبدع لا يبدع بالكلمة المفردة ولا حتى بالجملة الواحدة ، وإنما يصل إلي غرضه بنص متكامل ، يستطيع بمجموع عناصره وأسلوب تأليفه بين هذه العناصر في بناء متسق أن يؤثر في المتلقي التأثير المطلوب . و" هذا - على ما يقول ابن جني - لا يكون مع الحرف ولا الكلمة الواحدة ، بل لا يكون مع الجملة الواحدة ، دون أن يتردد الكلام ، وتتكرر فيه الجملة ، فيبين ما ضُمِّنَهُ من العذوبة وما في أعطافه من النعمة واللدونة " (9)
وقد توجّهتُ إلى العناية بتحديد مفهوم النظر النحوي مفرقا بينه وبين التقعيد النحوي ، وقد رأيتُ أن التوصل إلى هذا المفهوم ينطلق من فهم النحو أولا ؛ لأنه " ينبغي للشارع في كل علم قبل الشروع فيه معرفة ماهيته وموضوعه ليكون على بصيرة ، والغرض منه لئلا يُعدَّ سعيه عبثا " (10).
إن النحاة حين عرفوا النحو ذكروا مصطلح الكلام ، فهل الكلام مرادف للجملة كما يرى بعض الباحثين ، أم أن له فهما آخر يتجاوز حدود الجملة الواحدة ، ويقترب من فهم المعاصرين للنص تأليفا وتأثيرا .
وهل يتسع مجال النظر النحوي لاستغراق البناء المركب للنص في مستوياته المتعددة . وما الشروط التي يجب أن تتحقق في القائم بمهارة النظر النحوي في النص ، حتى يستطيع توظيف وسائله التي تعين على تحقيق غاياته المرجوة .
وقد قمت بالبحث عن إجابات موضوعية عن هذه الأسئلة المطروحة من خلال المحاور التالية :
أولا : التعريف بالنظر النحوي .
ثانيا : مجالات النظر النحوي
ثالثا : شروط الناظر في النص الأدبي .
رابعا : غايات النظر النحوي
خامسا : وسائله .
أولا : التعريف بالنظر النحوي
النظر النحوي في النص الأدبي مهارة تعين من يكتسبها على الكشف عن أسرار التراكيب ودلالاتها وإغراضها في هذا النص
وقد كان النحاة على بصيرة بالفرق بين النظر النحوي والتقعيد كما يبدو لك من قول الشيخ الأمير مناقشا من قال : " لا مدخل للطبع في الأحكام النحوية لا ردا ولا قبولا " فقال :
" أما قوله لا مدخل للطبع فيه إن أراد لا مدخل في اختراع حكم وأصل إثباته فهذا لم ندَّعه ، وإن أراد لا مدخل له في ترجيح الاحتمالات فلا يسلم " (1) .
ففرَّق بين إنشاء الحكم النحوي ، وإثباته من جهة ، والترجيح النحوي من جهة أخرى .
إن الترجيح بين الاحتمالات ينتمي إلى منطقة النظر النحوي ، أما إنشاء الحكم فيخضع لدائرة التقعيد (1) .
يقول الشريف الجرجاني : " القانون أمر كلي منطبق على جميع جزئياته التي يتعرف أحكامها منه كقول النحاة : " الفاعل مرفوع " والقاعدة هي قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها " (2) .
وليس كذلك النظر النحوي ، إذ يختلف باختلاف طبيعة النص ، وغرضه. فإذا كانت القاعدة تتسم بالثبات ؛ فإن النظر النحوي يتسم بالمرونة التي تتيح له التعامل مع النصوص وكشف أسرارها
النظر لغة :
يدل النظر في اللغة علي أمرين هما :
1. التفكُّر : كما في قوله تعالي : [ أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض ] ( الأعراف : 185)
2. التأمُّل : كما في قوله تعالي : [ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلِقَتْ ] (الغاشية :17 )
والمقصود بالنظر عموما في اصطلاح العلماء : " ترتيب أمور معلومة على وجه يؤدي إلى استعلام ما ليس بمعلوم " (3) .
بهذا تكون ثمرة النظر النحوي الاستدلال على الدلالات الخفية من خلال ملاحظة التراكيب النحوية ، في النصوص ، وعناصرها المختلفة ، وعلامات هذه العناصر . يقول صاحب المستوفي : " النحو صناعة علمية ينظر لها أصحابها في ألفاظ العرب من جهة ما يتألف بحسب استعمالهم لتعرف النسبة بين صيغة النظم ، وصورة المعنى " (4)
يشير هذا النص إلي أمور ، منها :
1. أن النظر النحوي يتجه إلي التراكيب المؤتلفة من ألفاظ ، والوقوف على نسق التأليف .
2. أن الهدف من معرفة خصائص النظم الوصول إلى صورة المعنى ، لأن ثمَّ علاقة ترتب بين الأمرين .
3. إن علم النحو صناعة علمية منضبطة ؛ لأنه نظام وقانون ؛ لكنه إلى ذلك وسيلة من وسائل النظر في أساليب النظم ومعرفة صور المعاني.
أخلص من هذا إلى أن النظر النحوي هو تأمل أنساق التأليف للوصول إلى دلالاتها ، ومقاصدها .
ولما كان النظر النحو فرعا من فروع علم النحو منه ينطلق وعليه يعتمد رأيت أن نتعرف إلى مفهوم النحو العربي وغايته لدى نحاتنا الأوائل
مفهوم النحو وغايته
يصدر النظر النحوي في النص الأدبي عن مفهوم للنحو بعينه على النهوض بوظيفته المحددة ، من أجل هذا فإنه ينحاز إلى الاصطلاح الأوائل ، ذلك أن ثمّ اصطلاحين للنحو ، أولهما للأوائل يرتبط بالكلام ، والثاني للمتأخرين ينظر في شكل الحرف الأخير معنيا بالإعراب والبناء . فحين يعرِّف " الأشموني " النحو بأنه :
" هو العلم المستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي ائتلف منها " .
يعلق الصبان قائلا :
" هذا اصطلاح القدماء واصطلاح المتأخرين تخصيصه بفنِّ الإعراب والبناء وجعله قسيم الصرف ، وعليه فيعرَّف بأنه : علم يُبحَثُ فيه عن أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناء ، وموضوعه الكلِم العربية من حيثُ ما يعرض لها من الإعراب والبناء " (5)
ولكن بعض الباحثين يعممون نسبة هذا التعريف الأخير إلى النحاة كلهم ، كما صنع أحد الأساتذة تحت عنوان : " حدُّ النحو كما رسمه النحاة " ، فقـال :
" يقول النحاة في تحديد علم النحو : إنه علم يعرف به أحوال الكلم إعرابا وبناء فيقصرون بحثه على الحرف الأخير من الكلمة ؛ بل على خاصة من خواصه وهي الإعراب والبناء " (6) .
ثم يرتب على هذا التصور لمفهوم النحو لدى النحاة أن " غاية النحو بيان الإعراب وتفصيل أحكامه "(7)
وليس هذا المفهوم الذي ينسبه الأستاذ إبراهيم مصطفي هو مفهوم النحو لدى نحاتنا ، وليست هذه الغاية التي اختارها للنحو هي غايته الحقة لديهم.
إن مفهوم النحو في الثقافة العربية الإسلامية هو انتحاء سمت كلام العرب كما نصّ النحاة الأوائل ، أما غايته فهي الاستعانة به على فهم القرآن والحديث وكلام العرب شعرا ونثرا .
أما النحاة المتأخرون فربطوا الإعراب بالمعنى ، يقول " الفاكهي " :
• فحدُّه اصطلاحا : " علم بأصول : أي قواعد كلية منطبقة على جزئياتها منها :
• كل ما اشتمل على علم الفاعلية فهو مرفوع .
• وكل ما اشتمل على علم المفعولية فهو منصوب .
• وكل ما اشتمل على علم المضاف إليه فهو مجرور " (8)
ولكن الأستاذ إبراهيم مصطفي ينسب إلى نفسه هذا الاكتشاف فيقول :
" لقد اطلعت تتبُّع الكلام ، أبحث عن معاني لهذه العلامات الإعرابية ، ولقد هداني الله ، وله خالص الشكر والإخبات إلى شيء أراه قريبا واضحا وأبادر إليك بتلخيصه :
- إن الرفع علم الإسناد ودليل أن الكلمة يتحدث عنها .
- إن الجر علم الإضافة سواء أكانت بحرف أم بغير حرف.
- إن الفتحـة ليست بعلم على إعراب ، ولكنهـا الخفيفة المستحبة " .. (9)
فهل رأيتَ كيف أن النحاة قد اهتدوا قبله إلى معاني العلامات الإعرابية لكنه يلومهم بأنهم " رسموا للنحو طريقا لفظية فاهتموا ببيان الأحوال المختلفة للفظ من رفع أو نصب من غير فطنة لما يتبع هذه الأوجه من أثر في المعني "(9) .
بل إن النحاة جميعا كانوا أكثر إدراكا لحقّ ا لمعنى ؛ إذ عرفوا دلالة الفتحة التي أهدرها إهدارا .
أما الأحوال التي يعنيها النحاة فليست أحوال الإعراب كما فهم الأستاذ فالأحوال هنا هي أحوال التراكيب من تقديم وتأخير ، وتعريف وتنكير ، وإضمار وإظهار ، وتقييد وإطلاق ، وغيرها .. مما يدخل في قضية تنظيم الكلمات في الجملة وتأليف العبارة (10) .
وهذا دليل على عنايتهم بتأليف الكلام ومع هذا يتهمهم الأستاذ قائلا : "فالنحاة حين قصروا النحو على أواخر الكلمات وعلى تعرف أحكامها قد ضيقوا من حدوده الواسعة وسلكوا به طريقا منحرفة إلى غاية قاصرة وضيعوا كثيرا من أحكام نظم الكلام وأسرار تأليف العبارة "(11) .
ولو أنه رجع إلى " الفاكهي " مرة أخرى لرآه يعبر عن غاية أخرى غير الغاية التي ذكرها ليحاكم النحاة من خلالها ، ولعلم أن الغاية الحقة من النحو هي فهم النص والخطاب يقول " الفاكهي " :
" وغايته الاستعانة على فهم معاني الكتاب والسنة ومسائل الفقه ومخاطبة العرب بعضهم لبعض " (13) .
وقد عرف العلماء المعاصرون سعة مفهوم النحو ولم ينخدعوا بقصره على الإعراب ، يقول أستاذنا الدكتور كمال بشر :
" ومن المدهش أن يتمسك بعضهم بهذا التعريف الناقص ، حين يقومون هم أنفسهم - يعني النحاة - بدراسات عملية تطبيقية تتجاوز هذه الحدود الضيقة كما يظهر ذلك في مناقشاتهم لقواعد التقديم والتأخير والمطابقة " (13) .
إن النحو في حقيقته " نظر في كلام العرب " (14) ، وعلى هذا النظر تتوقف معرفة النصوص العربية على اختلافها يقول " الجاحظ " :
" فللعرب أمثالٌ ، واشتقاقات ، وأبنية ، وموضع كلام يدل عندهم على معانيها وإرادتهم ، ولتلك الألفاظ مواضع أخر ، ولها حينئذٍ دلالاتٌ أخر ؛ فمن لم يعرفها جهل تأويل الكتاب والسنة ، والشاهد ، والمثل (15) .
فهذه طائفة من النصوص مختلفة ، تتطلب جميعا ، معرفة بكلام العرب ودلالاته في سياقاته المتعددة .
ولا ينحصر النحو العربي في كتب النحو المعروفة على أهميتها ووفائها فما أكثر النحو المفرق في كتب العربية المختلفة ، كما يقول الدكتور محمود الطناحى :
" إن مجاز كتب العربية مجاز الكتاب الواحد ففي كتب التفسير وعلوم القرآن نحو كثير، وفي معاجم اللغة وكتب الأدب والبلاغة نحو كثير ، بل إنك واجد من كتب أصول الفقه والسير والتاريخ والمعارف العامة من أصول النحو وفروعه ما لا تكاد تجده في كتب النحو المتداولة (16) .
أضف إلى هذا شروح الحديث النبوي وشروح الشعر والأمثال والمقامات لترى ثراء النظر النحوي وتنوعه .
النحو والكلام :
النحاة حين ربطوا النحو بسمت الكلام كما هو مشهور في تعريف " ابن جني " (17) ، دلوا على عنايتهم بمسألة التأليف كما دلوا على أنهم لا يقصرونه علي الجملة الواحدة لأن الكلام هو الجملة وزيادة .
يدل الكلام في اللغة على : " ما كان مكتفيا بنفسه وسُمي كذلك لالتئاطه بالقلوب فكأنه يكلمها بمعناه (18) ؛ لهذا يعرفه " ابن جني " بأنه :" عبارة عن الألفاظ القائمة برءوسها المستغنية عن غيرها وهي التي يسميها أهل هذه الصناعة الجمل على اختلاف تركيبها " (19) .
ويتتبع " ابن جني " هذا المعنى في استعمال الشعراء فيرى أن الكلام إذا أُريد به التأثير في سامعة تأثرا حسنا ينبغي أن يكون مؤلفا من جمل كثيرة ، لتمتع المتلقي وتؤثر فيه ، فيقول :
" ومعلوم أن الكلمة الواحدة لا تشجو ، ولا تحزن ، ولا تتملك قلب السامع إنما ذلك فيما طال من الكلام .. ؛ فالكلام إذن إنما يعني المفيد من هذه الألفاظ القائم برأسه المتجاوز لما لا يفيد ،ولا يقوم برأسه من جنسه ، ولا يكون إلا جملا كثيرة ، فضلا عن الجملة الواحدة " (20) .
إن الجملة الواحدة هي الحد الأدنى للنص الأدبي ( الكلام) ؛ " فكل كلام مفيد مستقل بنفسه ولو بلغ الإيجار غايته لم يكن له من بدّ من أن يعطيك تمامه وفائدته مع أنه لا بدّ فيه من تركيب الجملة ، فإن نقصت عن ذلك لم يكن هناك استحسان ولا استعذاب " ألا ترى إلى قوله :
" قلنا لها قفي فقالت قاف "
وأن هذا القدر من النطق لا يعذب ولا يجفو ولا يرق ولا ينبو ، وأنه إنما يكون استحسان القول واستقباحه فيما يحتمل ذينك ويؤديها إلى السمع ، وهو اقل ما يكون جمله مركبة " (21) .
إن مشاعر الشجو والحزن والرقة والجفاء ، وأسباب الاستحسان والاستعذاب متوقفة جميعا في الأغلب الأعم على تألف الكلام من جمل كثيرة مترابطة وربما تحققت بالجملة الواحدة ، كما في كثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأمثال العرب.
وذهب فريق من غير النحاة إلى عدم ربط الكلام بالفائدة " وقد بالغ " الخفاجي" في إنكار ذلك على النحاة : فقال في كتابة " سر الفصاحة " : " وليس يجوز أن يشترط في حد الكلام كونه مفيدا على ما يذهب إليه أهل النحو "(22) .
وقد تصدى إليه " أبو طالب العبدى " في " شرح الإيضاح " لنصر مذهب النحويين في ذلك ، وأكثر ما استدل بقولهم لمن يورد ما تقل فائدته : " هذا ليس بكلام " . ويقول " سيبويه " : " إن الكلام إنما يقع على الجمل " . وقرره بأنه اسم لمصدر ونائب عنه ، وذلك المصدر - وهو التكليم موضوع للمبالغة والتكثير ؛ لأن فعله كلم دال على ذلك فلما جرى الكلام عليه وجب أن يراد به التكثير وأقل أحوال التكثير أن يكون واقعا على جملة (23).
واستدل " ابن جني " على صحة كلام النحاة بالاشتقاق ؛ " فقال " :
" الكلام مأخوذ من الكَلْم ، وهو الجرح والتأثير ، وإنما يحصل التأثير بالتام المفهوم دون غيره " (24)
فكان تأثير الكلام في قلب المتلقي ، سواءٌ أكان هذا التأثير ، محزنا أم مبهجا ، دليلا على اختصاص الكلام بالفائدة علىما ذهب إليه النحاة .
في ضوء من هذا التصور لمعنى" الكلام " نفهم تعريف " ابن جني " للنحو بأنه انتحاء قول القائل :
" بلغني أنك تقدم رجلا وتؤخر أخرى " .
إن جملة " تقدم رجلا " جملة فعلية تامة لكنك على ما يقول " عبد القاهر " :
" لو جهدتَ وَهْمَك أن تتصور لقولك : " تقدم رجلا " معنى وفائدة ما لم تقل :
" وتؤخر أخرى " أو تنوه في قلبك كلت نفسك شططا فأوجبت له الصورة التي يقطع معها بالتحير والتردد فتقول : " قد جعلت تتردد في أمرك فأنت كمن يقول : " أخرج ولا أخرجُ " : فيقدم رجلا ويقدم أخرى (26) .
ترى بهذا توفيق النحاة حين ربطوا النحو بالكلام كما هو مشهور في تعريفاتهم .
والكلام يدخله التصرف بالعوارض كما أشار " سيبويه " في " باب ما يكون في اللفظ من أعراض ويشرح " السيرافى " هذا المصطلح قائلا :
" يعني ما يعرض في الكلام فيجيء على غير ما ينبغي أن يكون عليه قياسه (27) .
وبهذا تتعدد الأنساق النحوية بحيث يدل كل نسق على دلالة خاصة لا تكون لغيره . وقد لاحظ " ابن جني " في هذه الأعراض مظهرا من مظاهر شجاعة العربية في التصرف .
وقال : " اعلم أن معظم ذلك إنما هو الحذف ، والزيادة ، والتقديم والتأخير ، والحمل على المعنى والتحريف (28) .
في ضوءٍ من هذا البيان تتجلى أهمية دعوة أستاذي الدكتور " أحمد كشك" إلى نحو الكلام لا نحو اللغة : فالكلام : " تحقيق فِعْلي حي لتلك الصورة المختزنة في ذهن الجماعة ، وهذا الكلام مجاله أرحب وأوسع من مجال اللغة ؛ فحيث تختزن اللغة في الذهن بعلاقة تجريدية يبدو الكلام أمرا مركبا يحتاج على الأقل إلى متكلمٍ ، ومتلقٍ ، ومشهدٍ ، وموقفٍ خاص ، وزمانٍ ومكانٍ ، ودلالاتٍ تكون مقصودة أو مرتجلة ، بمعنى آخر هو مسرح وإيقاع حياة " (29) .
ويدلك على سعة مفهوم علم النحو تعدد هذه الوجوه التي ينظر فيها من أجل تحقيق هذه الغاية حتى يشمل النص كله بدءا من الكلمة والأداة ومرورا بالأساليب والتراكيب والتصرف الإبداعي فيها بما يتيحه علم " النحو " من "عوارض تركيبية " وانتهاء بسرد الجمل وطرائق اتصالها مشيرا بذلك إلي قيمة التأليف بين الجمل المفيدة مبينا بعض وسائل الربط بينها مبينا أنه من أجل تحقيق هذه الغاية لم يقف العلماء ولا النحاة عند حدود الجملة الواحدة في النص لأنهم عرفوا النص بناء مركبا من طائفة من الجمل المفيدة على نحو خاص "يجعل الأجزاء بعضها أخذا بأعناق بعض فيقوى بذلك الارتباط ويصبر التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء " (30) .
وبهذا المعنى يكون النحو العربي القديم نحوا للنص ينظر في عناصره وطرائق الترابط بينها ومعناه وتأثيره.
أردتُ بهذا أن أبيِّن تصور علمائنا للنحو وغايته فاتضح أن النحو آلة من آلات النظر النحوي في النصوص الأدبية وقد نص العلماء على قيمته التفسيرية يقول " أبو حيان " :
" النظر في التفسير يكون من وجوه :
الوجه الأول : علم اللغة اسما وفعلا وحرفا
الوجه الثاني: معرفة الأحكام التي للكلم العربية من جهة إفرادها ومن جهة تركيبها ويؤخذ ذلك من علم النحو .
ثم ذكر وجوها أخرى مستمدة من علم البلاغة وأصول الفقه ومعظمها راجع لعلم اللغة وعلم الكلام وعلم القراءات ثم قال :
" ولنبين أن علم التفسير ليس متوقفا على علم النحو فقط " (31)
هذا هو تصور علمائنا للنحو وجه من وجوه التفسير وآلة من آلات الفهم والبيان على ماسترى في هذه المجالات من مجالات النظر النحوي .
ثانيا : مجالات النظر النحوي
سلك النحاة ومفسرو النصوص مجالات للنظر النحوي بهدف تفسيرها وبيان أسرارها وعبروا عن هذه المجالات بمصطلحات منها :
1 . التقدير
معناه تدبير الأمر وقياس الشيء بالشيء ويوضح الكفوى قيمة التقدير في النصوص فيقول : " التقدير في الكلام لتصحيح اللفظ والمعنى وقد يكون لتوضيح المعنى ، كما قال " عبد القاهر " في تقدير اللام بين المضاف والمضاف إليه " (32) .
وللتقدير شروط عُني النحاة ببيانها حتى لا يخرج عن غرضه الأساسي في خدمة النص إلى التعسُّف والتكلُّف (33) .
والتقدير خطوة من خطوات الوصول إلى معنى النص لهذا فرَّق العلماء بين تقدير الإعراب وتفسير المعنى، وجعل " ابن جني " للعلاقة بينهما قانونا حيث يقول :
" فإن أمكنك أن يكون تقدير الإعراب على سمت تفسير المعنى فهو ما لا غاية وراءه ، وإن كان تقدير الإعراب مخالفا لتفسير المعنى تقبلت تفسير المعنى على ما هو عليه وصححت طريق الإعراب (34) .
2. التأويل :
المراد بتأويل الكلام تبيينه والكشف عن مراده لهذا كان مجاله النصوص المشكلة التي تحتمل أكثر من معنى .
لهذا جاء في القرآن الكريم مختصا بالمتشابهات : يقول تعالى [ وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ] ( سورة آل عمران :7 ).
كذلك دلت الآية علي أن التأويل لا يقدر عليه إلا الراسخون في العلم لأنهم أقدر علىالكشف بامتلاكهم وسائل الترجيح التي تمدهم بها معرفتهم بالعربية وقواعدها يقول " جمل " : " أصل التأويل الرجوع والكشف وعلم التفسير ببحث عن أحوال القرآن المجيد من حيث دلالته على مراد الله تعالى بحسب الطاقة البشرية ، ثم هو قسمان :
تفسير : وهو ما لا يدرك إلا بالنقل كأسباب النزول .
وتأويل : وهو ما يمكن إدراكه بالقواعد العربية .
والتأويل : ترجيح لأحد المحتملات بلا قطع (35) .
وقد ثار شغب واسع على لجوء النحاة العرب إلى التقدير والتأويل في تعاملهم مع النصوص وأحسن الأستاذ الجليل " علي النجدي ناصف " (36) في بيان سلامة منهج النحاة مستدلا بما يأتي :
1 - أن التقدير والتأويل كليهما ضرورة ففي العربية لكثرة الإيجاز فيها والحذف .
2- أن الحاجة إلى التقدير والتأويل تمس مع اللغة الأدبية " أمّـا اللغة العلمية ونحوهـا ، فإنما تُحمد بنصوع بيانها ، والقطع في دلاتها بمـا لا يحتمل إلا المراد " (37) .
3- أن التأويل أصيل في الحضارة الإسلامية لوروده عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، والصحابة الكرام ؛ بل هو مطلب من مطالب الإسلام فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم ، لابن " عباس " فقال : " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " (38).
4- التأويل سبيل إلى معرفة المعنى . يقول " التأويل يستلزم التقدير على المعنى وتتضح إشاراته ومراميه إلا بذكر المحذوف ، ورد الأسلوب إلى نظمه الذي يكون عليه حين لا يدخله الحذف " (39) .
5- التأويل والتقدير مرتبطان بدراسة النص ، يقول : " وأكثر ما يكون التأويل والتقدير في دراسة النص لاستنباط المسائل والأحكام وتخريج الشواهد والأمثلة لهذا تجد كتب التفسير والحديث وأصول التشريع وكتب النحو والبلاغة والنقد وما إليها منذ أول عهد الناس بالدرس حافة بضروب منهما لا تُحصى كثرة وتنوعا " (40) .
يدلك هذا على قيمة كل من التقدير والتأويل للنظر النحوي في النص الأدبي حين يوظفهما المفسر بغير تعسف ، فلا نلتفت إلى من أنكرهها على النحاة بل نقول مع أستاذنا:
" هذه هي حقيقة التأويل والتقدير وهذا هو عملهما في النص ومكانهما منه ضرورة استوجبتها سماحة اللغة وحسن مطاوعتها "
3. التفسير:
المقصود به هنا التفسير المعتمد الإمكانات النحوية ، يقول " ابن جني " في خطبة شرحه للحماسة : " وتحاميت شرح أخبارها ، أو تفسير شيء من معانيها إلا ما ينعقد بالإعراب فيجب لذلك ذكره " (42)
ويستخدم النحاة التفسير استخدامها اصطلاحيا في بعض الأبواب كما في باب الإضمار على شريطة التفسير .
ولتفسير الضمير طرق عرضها " ابن معطي " في سياق حديثه عن المضمر فقال : " ويتقسم بالنسبة إلي التفسير إلى خمسة أقسام :
1. مضمر يفسره ما قبله لفظا أو معنى ، أو معنى دون لفظ أو لفظا دون معنى .
2. مضمر ما بعده فيكون التفسير إما بالجملة مثل ضمير الشأن والقصة أو بالمفرد مثل عطف الفعل على الفاعل .
3. يفسره سياق الكلام مثل " من كذب كان شرا له والتقدير : كان الكذب ودل عليه لفظ الفعل .
4. مضمر يفسره المشاهد ة مثل ضمير المتكلم أو المخاطب نحو أكرمتك وأكرمتني .
5. مضمر يفسره ما استقر في النفس كما في قوله تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) (سورة القدر :1 )
الضمير عائد على القرآن ولم يتقدم له ذكر وإنما دل عليه ما استقر في نفس المتلقي (43) .
4. التوجيه
وهو بيان أن لنص من النصوص وجها في العربية ، وأنه موافق لضوابط النحو ، وقد يتعدد التوجيه النحوي للنص الأدبي بتعدد نظرات النحاة لهذا النص.
قانون التــأويل النحوي
ترتبط هذه المجالات من مجالات النظر النحوي بمستوى النص الأدبي ، الذي يؤثر التصرف بقول " ابن جني " :
" ألا ترى ما في القرآن وفصيح الكلام من كثرة الحذوف ، كحذف المضاف ، وحذف الموصوف ، والاكتفاء بالقليل من الكثير ، كالواحد من الجماعة ، وكالتلويح من التصريح " (44) .
كما لاحظ سيبويه ذلك في الشعر فقال : فإن كان الحرف الذي قبل الهاء متحركا ، فالإثبات ليس إلا فجرى على الأصل إلا أن يضطر الشاعر فيحذف كما حذف فقال :
وطرت بمنصلي في يعملات . . دوامي الأيد يخبطن السريحا
وهذه أجدر أن تحذف في الشعر ، ولو أثبتوا لكان أصلا وكلاما حسنا من كلامهم ، فإذا حذفوها على هذه الحال كانت في الشعر في تلك المواضع أجدر أن تحذف "(45) .
فجعل الإثبات جربا على الأصل والحذف عدولا عنه كما رأى الشعر أجدر على هذا العدول عن الأصل .
هذا هو فهم النحاة في حضارتنا لطبيعة الشعر ؛ لكنني وجدت من يزعم قائلا : " لعل خير ما يساعدنا على فهم الدلالة العميقة لموقف علماء اللغة من الشعراء ، هو أن نفهم السبب الذي يكمن وراء التمسك بالأصل اللغوي ، وليس من شك في أن هذا السبب يعود إلى الربط بين اللغة والدين ربطا جوهريا " (46) .
يتهم الكاتب علماء اللغة ( كلهم ) بأنهم يتمسكون بالأصل اللغوي في موقفهم من الشعراء ، ثم يفتش عن الدافع لهذا الصنيع فلا يجد إلا الدين ليستعدي عليه أتباعه ، ومريديه .
وقد رأيت بنفسك سقوط التهمة أصلا .
أين التمسك بالأصل لدى علماء اللغة في موقفهم من الشعراء ؛ وهم الذين نصـوا على أن : " الشعراء أمراء الكلام يصرفونه أنى شاءوا " ....(47) .
إن العدول عن الأصل لا التمسك به هو سر هذه النظرة الخاصة للشعراء ، وكأن الشاعر قد عدل عن الأشهر إلى الأخفى ، إما اضطرارا إلي ذلك أو قصدا إلى الافتنان في معاني الكلام والاتساع ففي مذاهبه ، فمن عادتهم أن يتلاعبوا بالكلام على وجوه من الصحة " (48) .
من أجل هذا مست الحاجة إلى التأويل في النص الأدبي .
إن النحاة لا يلجئون إلى التأويل إلا حين يخرج النص عن الاستعمال الأصلي المألوف للكلام ؛ لهذا فإنه يرتبط بالتصرف الإبداعي وقد صاغ " أبو حيان " للتأويل النحوي قانونا حين قال : " التأويل إنما يسوغ إذا كانت الجادة على شيء يخالف الجادة ، فيتأول . أما إذا كان لغة طائفة من العرب لم تتكلم إلا بها فلا تأويل " . (49)
كما نص النحاة على أن مخالفة الأصل لا تكون ألا لغرض وخصص " ابن جني " لهذه المسألة بابا سماه ( إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول ما لم داع إلى الترك والتحول ". (50)
التحول عن الأصل مقبول لدى النحاة لكنهم لا يفرطون في تأويله بغير داع .
يرفض النحاة التعسف في التأويل ؛ من أجل هذا أوصى " ابن جني " بالملاطفة في التعامل مع الصور المتغيرة عن الأصل حيث يقول :
" وذلك أن ترى العرب قد غيرت شيئا من كلامها من صورة إلى صورة فيجب حينئذ أن تتأتى لذلك وتلاطفه لا أن تخبطه وتتعسفه " (51).
من أجل هذا اشترط العلماء في الناظر في النص شروطا خاصة :
ثالثا شروط الناظر في النص
يشير " الزمخشري " إلى أهم هذه الشروط حيث يرى أنه ينبغي للمفسر وهو ناظر فلي النص القرآني ، أن يكون :
" فارسا في علم الإعراب ، مقدما من حملة الكتاب ، وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة متقادها ، مشتعل القريحة وقادها ، يقظان النفس دراكا للمحة ، وإن لطف شأنها منتبها على الرمزة وإن خفي مكانها ، لاكزا جاسيا ، ولا غليظا جافيا ، متصرفا ذا دراية بأساليب النظم والنثر مرتاضا غير ريض بتلقيح بنات الفكر ،قد علم كيف يرتب ا لكلام ويؤلف وكيف ينظم ويرصف ، طالما دفع إلى مضايقة، ووقع في مداحضه ومز القه ". (52)
فجمع إلى التمكن في النحو القدرة على تذوق ا لنص : لأن النصوص منها القريب الذي يعطي معانيه من أول وهلة ومنها الغامض الذي لا يلقي فوائده إلا بتأمل ، ومن قبل أشار " ابن جني " إلى قيمة التذوق لدى الناظر في النص لأن غياب هذا التذوق يعرض الناظر للخطأ " (53) .
ويشترط " حازم القرطاجني " فيمن يتعامل مع نصوص الشعراء أمورا تجعله على مستوى الشعراء أنفسهم في الإبداع فيقول :
" وليس ينبغي أن يعترض عليه في أقاويلهم إلا من تزاحم رتبته في حسن تأليف الكلام وإبداع النظام رتبتهم فإنما يكون فضل التأليف على قدر فضل الطبع والمعرفة بالكلام " (54) .
رابعا غايات النظر النحوي
تتجلى غايات النظر النحوي في النص الأدبي ، على النحو التالي :
1- الفهم والإفهام
إن النحو دليل من جملة أدلة مقاصد الكلام ، لهذا عُني النحاة الأوائل بهذه المقاصد ، فكان النحو وسيلة تعين على الفهم والإفهام يقول " السيرافي " :
"وإذا قال لك قائل : كن نحويا لغويا فصيحا ، فإنما يريد : افهم عن نفسك ما تقول ثم رُمْ أن يفهم عنك غيرك " (55) .
من أجل هذا رأى " ابن خلدون " : " أن الأهم المقدم من علوم اللسان العربي ، هو النحو إذا به يتبين أصول المقاصد بالدلالة فيعرف الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر ولولاه لجهل أصل الإفادة " (56) .
كما رأى أن : " علم النحو أهم من اللغة ، إذا في جهلة الإخلال بالتفاهم جملة " . (57)
وتتأكد الحاجة إلى هذه الغاية مع النصوص الأدبية ، لأن الكلام العادي ربما أعطى مقصودة دون حاجة إلى نظر في العلامات ، يقول " الزجاجي " :
" فأما من تكلم من العامة بالعربية بغير إعراب يفهم عنه ، فإنما ذلك في المتعارف المشهور والمستعمل المألوف بالدراية ، ولو التجأ أحدهم إلى الإيضاح عن معنى ملتبس بغيره من غير فهمه بالإعراب لم يمكنه ذلك " (58)
وأحسن " القلقشندى " تصوير مفهوم النحو وارتباطه بالنص إبداعا وفهما وذلك في رسالة بديعة سماها المفاخرة بين العلوم فتخيّل النحو يقول :
" أنا ملح الكلام ومسك الختام لا يستغنى عني متكلم ولا يليق جهلي بعالم ولا متعلم بي ، تتبين أحوال الألفاظ المركبة في دلالاتها على المقاصد ويرتفع اللبس عن سامعها فيرجع من فهمها بالصلة والعائد ، فلو أتى المتكلم في لفظه بأجل معنى ولحن لذهبت حلاوته وزالت طلاوته وعيب على قائله وتغيرت دلالته ." (59)
وإنه لسبيل من سبل البيان لكنه ليس السبيل الوحيد كما هو معلوم في القديم والحديث ، فهناك متن اللغة ودلالات التصريف والقرائن المختلفة يقول الإمام " الغزالي " : " إن كان نصا لا يحتمل كفى معرفة اللغة ، وإن تطرق إليه الاحتمال فلا يعرف المراد منه حقيقة إلا بانضمام قرينة إلى اللفظ والقرينة إما لفظ مكشوف كقوله تعالى : [ وآتوا حقه يوم حصاده ] ( الأنعام : 141 )
والحق هو العشر وإما إحالة على دليل العقل وإما قرائن أحوال من إشارات ورموز وحركات وسوابق ولواحق لا تدخل تحت الحصر " (60 )
يشير الغزالي إلى طائفة من القرائن التي تحدد الدلالة بما يدل على أن معرفة النحو واللغة قرينة واحدة من قرائن الوصول إلى معنى النص .
2 . توسيع مجال التأويل
الثراء بالدلالات والإيجاءات طبيعة من طبائع النص ا لأدبي تجعله مغايرا لغيره من النصوص التي لا تتحمل إلا وجها واحدا من وجوه التأويل والنظر النحوي يعين على تصور الوجوه المتعددة للنص يقول " عبد القاهر " :
" واعلم أن الفائدة تعظم إذا أنت أحسنت النظر فيما ذكرت لك من أنك تستطيع أن تنقل الكلام في معناه عن صورة إلى صورة من غير أن تغير من لفظه شيئا ، أو تحول كلمة عن مكانها إلى مكان وهو الذي وسع مجال التأويل والتفسير حتى صاروا يتأولون في الكلام الواحد تأويلين أو أكثر ، ويفسرون البيت الواحد عدة تفاسير " (61)
وبهذا يختلف النظر في النص الأدبي عن النظر في غيره من نصوص اللغة التي يعنيها الدكتور " تمام حسان " بقوله : " لا بد في نص بعينه أن يكون المعني محدداً " (62) فقد رأيت كيف تتعدد المعاني والرؤى في النصر الأدبي الواحد .
3.الكشف عن الصور ا لفنية
أفاد النحاة من النظر النحوي في النصوص الأدبية للاستعانة به في الوقوف علي الأغراض الفنية الخفية للمبدع من أمثلة ذلك صنيع ابن جني مع قول الشاعر :
ولما قضينا من منى كل حاجة . . ومسح بالأركان من هو ماسح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا . .
وسالت بأعناق المطى الآباطح
حيث لاحظ أن في قوله : " أطراف الأحاديث " وحيا خفيفا ورمزا حلوا ، ألا ترى أنه يريد بأطرافها ما يتعاطاه المحبون ويتفاوضه ذوو الصبابة المتيمون من التعريض والتلويح الإيماء دون التصريح وذلك أحلى وأدمث وأغزل وأنسب" (63).
كذلك يكشف النظر النحوي عن المجاز والاستعارة والتشبيه.
4 . الكشف عن الصور الفنية
وقد أدرك علماءنا هذه الغاية من غايات النظر النحوي في سياق حديثهم عن قيمة الإعراب يقول الزركشى : " الإعراب هو الذي يميز المعنى ويوقف علي أغراض المتكلمين " (64)
5. الترجيح بين الروايات
مثال ذلك قول البكري في بيت زينب بنت الطثرية :
كريم إذا لاقيته متبسما . . وإما تولي أشعث الرأس جافله
هكذا رواه أبو علي وغيره يرويه :
كريم إذا استقبلته متبسم
هذه أحسن لفظا وإعرابا لأن قوله " استقبلته " أحسن مطابقة لقوله : وإما تولى " .
وكذلك الرفع في قوله : " متبسم " أجود في المعني لأنك إذا نصبته أوجبت أنه لا يكون كريما إلا في حين تبسمه وإذا رفعت فهو كريم متبسم متي استقبلته أو لاقيته " (65)
انظر كيف دلت العلامة الإعرابية في الرواية الأولى على معنى لا يتسق مع غرض الشاعرة إلى المديح ، لأن النصب يجعل كلمة ( متبسما ) حالا فيكون المعنى أنه لا يكون كريما إلا في هذه الحالة فحسب في حين دلت علامة الرفع على وظيفة نحوية أشد مناسبة للسياق هي الإخبار عن تبسمه وقد ترتب علي حسن الإعراب هنا أمران الأول جودة المعني والثاني ترجيح الرواية .
5.التمييز بين الأساليب:
من غايات النظر النحوي التمييز بين معاني الأساليب ، كما أنه وسيلة مهمة من وسائل معرفة جيد النصوص من رديئها بطريقة موضوعية بحسب دلالة ألفائها علي معانيها.
كان النقاد يحسون بجودة بعض الأشعار وأفضليتها علي بعض دون امتلاك أسبب محددة لهذا التفضيل إلا بكلمات غامضة .لا تعطي تفسيرا كاشفا عن مواضع الحسن أو أسباب التفضيل .
جاء عبد القاهر فأحسن بهذه المشكلة وعاني منها فحاول أن يلتمس تحديد جهات الاستحسان والاستجادة فلم يجد ملتمسة إلا في النحو وقد حكي لنا هذه التجربة الذاتية ، فقال :
" ولم أزل منذ خدمت العلم أنظر فيما قاله العلماء في معني الفصاحة والبلاغة والبيان والبراعة وفي بيان المغزى من هذه العبارات وتفسير المراد بها ، فأجد بعض ذلك كالرمز والإيماء والإشارة في خفا وبعضة كالتنبيه علي مكان الخبي ليطلب وموضع الدفين ليبحث عنه فيخرج وكما يفتح لك الطريق إلي المطلوب لتسلكه وتوضع لك القاعدة لبني عليها ووجدت المعول عليه أن ههنا نظما وترتيبا وتأليفا وتركيبا وصياغة وتحبيرا " (66)
التمييز الصحيح إنما يكون بالنظر في طرائق التأليف ولا يكون ذلك إلا بوسائل معروفة محددة لأنه " لابد لكل كلام تستحسنه ولفظ تستجيده من أن يكون لاستحسانك ذلك جهة معلومة وعلة معقولة وأن يكون إلي العبارة عن ذلك سبيل وعلي صحة ما ادعيناه من ذلك دليل " ( 67)
هذا هو السبيل فلست بواجد شيئا يرجع صوابه إن كان صوابا وخطوة إن كان خطأ إلي النظم ويدخل تحت هذا الاسم إلا وهو معني من معاني النحو قد أصيب به موضعه ووضع في حقه أو عومل بخلاف هذه المعاملة فأزيل عن موضعه واستعمل في غير ما ينبغي له فلا تري كلاما قد وصف بصحة نظم أو فساده أو وصف بمزية وفضل فيه إلا وأنت تجد مرجع تلك الصحة وذلك الفساد وتلك المزية وذلك الفضل إلي معاني النحو وأحكامه ووجدته يدخل في أصل من أصوله ويتصل بباب من أبوابه " (68).
هذا هو النحو المعني بالنص بمفهومه الصحيح لا يحجر واسعا بل يسع كلام الله لفظا وغاية بخلاف تصور الذين ضاق تعريفهم له فضاق مفهومه لديهم ونقص أثره عندهم لأن تعريف العلم مؤذن بغرضه وهذا ما لاحظه الصبان حين قال : " تعريف العلم أحد الأمور التي يتوقف الشروع فيه علي بصيرة عليه ومنها موضوعه وغايته وفائدته " (69)
خامسا : وسائل النظر النحوي
من أجل تحقيق هذه الغاية تعددت الوجوه التي يتناولها النظر النحوي كما أشار عبد القاهر قائلا:
" وذلك أنا لا نعلم شيئا يبتغيه الناظم بنظمه غير أن ينظر في وجوه كل باب وفروقه ، فينظر في الخبر .. وفي الحال وينظر في " الحروف " التي تشترك في معني ثم ينفرد كل واحد منها بخصوصية في ذلك المعني وينظر في الجمل التي تسرد فيعرف موضع الفصل فيها من موضع الوصل ثم يعرف ما حقه الوصل موضع "الواو " من موضع " الفاء" وموضع " الفاء" من موضع " ثم "وموضع " أو " من موضع " أم " وموضع " لكن " من موضع " بل" ويتصرف في التعريف والتكبر والتقديم والتأخير في الكلام كله وفي الحذف والتكرار والإضمار والإضمار والإظهار فيصيب بكل من ذلك مكانه وستعمله عليا لصحة وعلي ما ينبغي له " (70)
أريت كيف يتسع النحو حتى يشمل النص كله بدءا من الكلمة والأداء ومرورا بالأساليب والتراكيب والتصرف الإبداعي فيها بما يتيحه علم النحو من " عوارض تركيبية " وانتهاء بسرد الجمل وطرائق اتصالها مشيرا بذلك إلي قيمة التأليف بين الجمل المفيدة. وبعض وسائل الربط بينها مبينا أن هذا هو الذي يقتضيه علم النحو وقوانينه وأصوله ومناهجه ومعانيه وأحكامه مشيرا إلي وسائل نحوية متنوعة تدلك علي أنه لا عبد القاهر ولا النحو العربي يقنعان بالوقوف عند حدود الجملة .
وهذه الوسائل هي :
1. الأدوات : التي تمد الناظر في النص بالمعاني التالية :
أ ) معاني التعليق
ب) معاني التعدية
ج ) المعاني الأسلوبية المتنوعة
2 . الوظائف النحوية الكاشفة عن عناصر البناء اللغوي في النص كالفاعلية المفعولية ..
3. طرائق سرد الجمل وصور تماسكها في النص ، وتتنوع هذه الصور بتنوع الجمل وأغراض المبدعين
4 . الصور النحوية المتغيرة عن طريق ما يعزف باسم " عوارض التركيب " ويعنون به : " ما يعرض في الكلام فيجئ علي غير ما ينبغي أن يكون عليه قياسه " (71) وأهمها : الحذف والتقديم والحمل علي المعني والقلب والالتفات .
ولكل عارض من هذه العوارض قيمة تعبيرية تحقق غرضا بقصد إليه المتكلم يقول الأستاذ علي النجدي ناصف : " وربما أخذت العربية بما يخالف ظاهر الحال لا عبثا من عابث ولكنها تركن إلي هذا الخلاف قصدا إلي إشارة لطيفة أو لمحة دقيقة " (72)
ويعد الطوفى البغدادي هذه الوسائل من " أدوات التفسير " (73) وقد أفاد العلماء منها بتسميات مختلفة صار أشهرها مصطلح معاني النحو وهي " الطرق والوجوه في تعلق الكلم بعضة ببعض " علي ما فسرها به عبد القاهر (74)
ولعلك واجد في هذه الوجوه من وجوه " علم النحو " خطوات عملية تمكن من يتبعها علي وجهها الصحيح من النظر الأمثل في النص الأدبي وتلكم هي غاية النحو الحقيقية كما أدركها علماؤنا نظرا وممارسة.
الخاتمة
في ختام المناظرة التي جرت بين السيرافي النحوي مع متى الفيلسوف قال ابن الفرات تعقيبا : " لقد جل علم النحو عندي بهذا الاعتبار " (1)
يدل هذا التعقيب على أن القائل مثل كثير في عصره وعصرنا لم يكن يعرف لعلم النحو قدره وجلالته لكنه لما رأي النحو كاشفا عن معانيا لنصوص مميزا بين الأساليب ، مرتبطا بمعاني الكلام . أدرك منزلته الثقافية والحضارية. فهل آن لمثقفينا أن يدركوا ما أدرك ابن الفرات.
يختلف هذا النظر الواعي عن نظر نفعي تجد صورته في هذا الحوار من مسرحية الأيدي الناعمة لتوفيق الحكيم :
الدكتور : إن حتى في الحقيقة مشكلة المشكلات التي حيرت العقول ومعضلة المعضلات التي شغلت الأذهان : فهي تجر وتضم وتنصب أرأيت أعجب من هذا ؟ فأنت تستطيع أن تقول : أكلت السمكة حتى رأسها بالكسر وبالنصب وبالضم . مفهوم ؟
البرنس : وأنت دكتور في هذا ؟
الدكتور : نعم .
البرنس : لا يا سيدي الفاضل ، ثق أني يوم أريد أن آكل سمكا . فإني لن أحتاج إليك أبدا (2)
قلت : أخطأ المتحاوران كلاهما ، الدكتور بما أساء تصوير قيمة النحو حين اختزله في الإعراب الناشئ عن أداة واحدة من أدوات النحو غافلا عن إمكانياته الثرية من خلال مثال ساذج مصنوع وصاحبه لأنه آثر النفع المادي متمثلا في أكل السمكة علي الفهم والمعرفة .
وأشباه هذا الدكتور وصاحبه كثير في القديم والحديث فهذا أبو غسان رفيع بن سلمة تلميذ أبي عبيدة يقول(3)
فقد خفت يا بكر من طول ما أفكر في أمر " أن " أن أجن
رأيت إذن من أين أتي هؤلاء لقد أتوا من هذا النظر الجزئي العقيم لمسألة من فروع النحو لا يجني منها ثمرة أما الذين عرفوا النحو سمتا لكلام العرب وسبيلا إلي تذوق نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف وكلام العرب شعرا ونثرا فهؤلاء جل لديهم علم النحو .
ولا يعين علي تصوير منزلة النحو مثل ارتباطه بالنص تأليفا وتفسيرا فهو أداة من أدوات بناء النصوص علي أنساق خاصة تحقق أغراض المؤلفين كما هو وسيلة من وسائل الناظرين في هذه النصوص للوقوف علي أسرار تراكيبها والتمييز بين أساليبها .
علي أن من الباحثين من يريد التشكيك في إدراك النحاة لقيمة النص وعنايتهم به فيقول أحدهم :" إن النحاة القدماء قروا في قواعدهم أن حرف (إن) لا يدخل إلا علي فعل ولما جاء في القرآن وفي كلام العرب( إن) وبعدها اسم لم يخضعوا لما جاء في القرآن ولم يخضعوا لما جاء في كلام العرب نثرا وشعرا وإنما أرادوا أن يخضعوا القرآن للقاعدة التي قرروها (4)
ويتعقبه الأستاذ علي النجدي ناصف بحق قائلا :
" نلاحظ أنه يجعل قواعد النحو أسبق من دراسة النصوص وتتبع الشواهد مع أن الأمر علي العكس وصنيع النحاة شاهد عليه وطبيعة البحث تقتضيه لأن اللغة أسبق دائما من علومها فكيف يمكن التشريع لها قبل ظهورها أولا وقبل العلم بها بعد ذلك " (5)
رحم الله الأستاذ ف رده الذي ينصف النحاة من الهاجمين علي نحونا العربي.
إن الباحث يعمم الحكم علي النحاة جميعا بغير بصر ولا تمييز في مسئلة خلافية ذكرها ابن الأنبارى في مسائل الخلاف (6) ليتهم النحاة جميعا بتهمة عجيبة تعكس تصورا خاطئا للنحو وجهود النحاة في انتحائهم سمت كلام العرب . " وإذا كيف يتصور أن يقرروا القاعدة وهم لا يعرفون الآية حتى إذا بدا لهم الخلاف بينهما حاولوا أن يخضعوا الآية للقاعدة لا أن يخضعوا القاعدة لها ؟ (7).
تجلي ربط النحو بالنص منذ عرفة النحاة انتحاء لسمت كلام العرب في تصرفه وقد فسر ابن جني مصطلح الكلام تفسيرا يصلح لتعريف النص الأدبي الذي يشجو ويحزن ويتملك قلب السامع ويبعث علي الاستحسان والاستعذاب .
وعرفت الحضارة الإسلامية النص بناء لغويا مترابطا يستطيع النظر فيه أن يستدل بنسقه علي معانيه الكلية وأسراره الفنية وأفكار أصحابه ذلك كله في ضوء من معرفة ما يقترن به من قرائن دالة كاشفة.
وقد بنيت علي تصور علمائنا للنحو وغايته مفهوما للنظر النحوي يحدد غايته ويعرف بمجالاته ويشير إلي وسائله ويبين شروطه التي تجعله صالحا للتعامل مع النصوص الأدبية علي اختلافها ، لما يتسم به من سمات أهمها :
1. شمول في التعامل مع النص الأدبي ستمده من ثراء علم النحو بالإمكانيات يحدد غاياته ويعرف بمجالاته ويشير إلي وسائله ويبين شروطه التي تجعله صالحا للتعامل مع النصوص الأدبية علي اختلافها لما يتسم به من سمات أهمها
2. مرونة تجعله قادرا علي مراعاة طبيعة النص الذي يتعامل معه فقد رأيت كيف يختلف النظر النحوي في القرآن الكريم عنه في الشعر .
3. موضوعية في التقدير والتوجيه تنجيه من التعسف .
من أجل هذا كان النظر النحوي سبيلا من سبل التعامل الأمثل مع النص الأدبي لا يلغي ما سواه من وجوه التفسير لكنه يثريها ويعمقها .