أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: في معية الرافعي و (تحت راية القرآن) 2

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الرياض
    العمر : 56
    المشاركات : 45
    المواضيع : 6
    الردود : 45
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي في معية الرافعي و (تحت راية القرآن) 2

    بسم الله وبحمد الله أعود
    كنت قد بدأت هذه القراءة هنا:
    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=11112
    وهذا هو الجزء الثاني منها آمل أن يكون إضافة ذات بال في هذا الواحة المتالقة..
    (عصبية طه حسين على الإسلام)
    هذا الفصل من أمتع فصول الكتاب وأكثرها تنوعاً وأعمقها بيانا وأوضحها تحقيقاً لكتاب طه حسين المشؤوم..
    وسأقف أولاً مع العنوان الذي لم يناسب المضمون وأرى أن الرافعي - وهو من هو- لم يوفق في اختياره كون "التعصب" على أحد هو التجمع مع العَصَبَـة أو العصابة عليه حمية أو غزوا أو تأليبا.. فلم يتبين لي وجه العصبية في محاور هذا الفصل, على يقين مني بدقة الرجل وغزارة بحره اللغوي ولكن ذلك لا يمنع من إخفاقه في اختيار عنوان يناسب المضمون كما سيتبين ..
    وكان الكلام في هذا الفصل على أربعة محاور:
    - مقدمة طويلة تبين خدمة كتاب طه لأغراض المبشرين والمستشرقين وتحمله عناء بحثهم الطويل عن مثالب لم يسطع أحد منهم الوصول إليها قبل هذا الكتاب.
    - عقيدته في القرآن وأنه موضوع لا منزّل.
    - رأيه في النبي صلى الله عليه وسلم وأنه رجل سياسي فلا نبوة ولا رسالة.
    - توهين أمر الأئمة من الصحابة ومن بعدهم.
    شكلت هذه المحاور ما وصفه الرافعي بالعصبية على الإسلام التي استنتجها من خلال حكمه على منهج طه حسين التقريري في كتابه حيث قال:
    (كلما نظرنا في كتاب الشعر الجاهلي لم نزدد إلا يقيناً بأن هذا الأستاذ الذي يسبّح بمذهب ديكارت هو أشدّ الناس خروجاً في كتابه على هذا المذهب.. الخ)
    إلى أن قال:
    (فالأستاذ لا يبحث كما يدعي وكما هو الأصل في مذهب ديكارت, وإنما يقرر تقريراً, وشتان بين بحث يراد منه ما ينتجه من غير تعيين لنتيجة محتومة, وبين تقرير النتيجة التي يساق لها البحث وتجمع لها الأدلة, فإن الأول يصلح على التجرد من الأسباب التي تؤثر في الرأي كالعاطفة والعصبية وغيرهما, وأما الثاني فزعم التجرد فيه حماقة وسخرية؛ لأن النتيجة المعينة لا تجاذب إلا مقدماتها, وهذه المقدمات لا تستدعي إلا أسبابها, وهذه الأسباب لا تقوم إلا بأحوال مقررة منها الرأي والعصبية والميل والهوى ونحوها؛ وذلك ما حمل طه في اقتحام هذه الخطة وركوب هذا النهج, على ما فعل من تحريف النصوص وإرادتها لما ليس فيها؛ وعلى ذلك الخبط وسوء الفهم وفساد الاستنتاج, ومن أجل ذلك تناول الدين بالتكذيب والردّ, وتعصّب تلك العصبية الحمقاء في تأويله وسياق أدلته, وجعل الشبهة حجة والحجة شبهة ليستوي له أن يخالف الإجماع, فإذا خالفه نقضه وظن أنْ قد تهيأ له نسق تاريخي ولو مزوراً مكذوباً عاد بالهدم على التاريخ وعلى الأسباب الطبيعية الواشجة فيه وكسر كل قياس كان العلماء يقيسون عليه, فيتم له بذلك ما يسميه هو وأمثاله جديداً وهو من السخف بحيث ترى.) ا.هـ.
    فلم يتبين لي رغم الإسهاب والإطناب مسوّغَ "العصبية", أي نعم يتبين لنا المنهج التقريري لطه في بحثه هذا وتتبين مغالطاته التاريخية وجرأته على الدين ورموزه وطريقة استنباطه السقيمة الهشة للحقائق كل هذا جلي وينطبق على الرجل ولكن أين العصبية من هذا؟ لعل الإخوة الأعلم والأعلى أدباً أن يداخلوا فيبينوا ما لم أهضم!
    ولعلنا معا نعمل على فتح مدخل لقراءة مفتوحة لأي عمل أدبي مشابه دون عقدة تقديس النجوم أو انغماسٍ في انطباعية عمياء لا تحرض على التفكير ولا على نقد النقد تسهم في خلق جوٍ من التلقي السلبي و ركود بحيرات الثقافة والأدب.
    نعود الآن للمحور الأول ألا وهو مقدمة الفصل الطويلة التي بين الرافعي فيها كيف وجد المبشرون ضالتهم في كتاب طه هذا وما كانوا يحومون حوله فلا يصلون إليه منذ زمن بعيد ولعلنا نقلع معا مع هذه القطعة الأدبية الفريدة التي "حلّق" فيها الرافعي "ولم يقصّر" في فضاء البيان مضمناًً فيها قبساً قرآنياً ذا عبرة.. وهو "الذئب ودم يوسف",آسراً معه عقل القارئ.. شاحذاً فكره نحو دلالات عميقة تغوص به في بحر البديع دون أن تغرقه في دهاليز الغموض الضارب في اللاشيء.. فتأمل:
    (قيلت لي عبارة لم أصدقها ولا أزال في ريب منها, وأرجو أن تكون حديثاً مفترى وكذباً صراحاً, وأن يكون الشيخ طه بريئاً منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب له دم غير دماء الناس, وقد كان لا بد لهذا الدم الزكي أن ينشأ به ذلك الفكر النبوي الملهَم فيستنقذ مصرَ وأهلها من المجاعة والقحط؛ فلو أن الذئب ولغَ فيه لقتل به أمة كاملة, وبهذا كانت براءة الوحش من ذلك الدم كأنها فضيلة نقلته من طبع الذئاب إلى طباع أهل النّسُك من عباد الله المقرّبين وجعلت تهمته مثلاً مضروباً في الظلم دائراً في الأفواه باقياً في ميراث بني آدم من الحكمة والبلاغة, وعاد الذئب- وإنه لذئب بعد- كأنما استُشهد وكأنما وقعت عليه التهمة فقتله في سبيل الله فأصبح قديساً اخضرت أظفاره من ريح الجنة فأنبتت ورق الريحان وانقلب ما كان سَفكه من الدم فنبت منه الورد, وبدا الذئب القدّيس في التاريخ كأنه طاقة زهر فيها الأخضر والأحمر, وفيها أوراق الياسمين البيضاء من أنيابه وأضراسه...) ا.هـ.
    وبعد هذه الومضة البديعة يبدأ الرافعي في توضيح كيف خدم طه أغراض المبشرين بكتابه هذا حيث مارس التشكيك والتطاول على الدين والرسول بدعوى البحث والتفكير الحر!
    ثم يستطرد الرافعي كالعادة بعيداً حتى لتكاد تمل من تكرار بعض الأفكار والمواقف لولا أنها صيغت بقلم حاذق يجعل من الحروف لهيبا وكان أجمل ما في هذه الاستطرادات هو حديثه عن تلك المواجهة الساخنة التي جمعت الرجلين في مكان واحد حيث يقول الرافعي واصفاً إياها:
    (وما زلنا نذكر له كلمة غريبة لو خلق الله منها شيئاً بعد موت طه لجاء منها طه نفْسُهُ مرة أخرى .. فقد لقيناه في جريدة "السياسة" عند رئيس تحريرها وقلنا له فيما قلنا: إنك لست بالعقل العام ولا الحقيقة الكلية فيسوغ لك أن تظن أن ما لا تفهمه أنت لا يفهمه أحد, وإن الناس خلقوا على درجات قد يبعد أعلاها من أسفلها حتى ليكون العالم من عالمٍ أذكى منه بموضع كموضع الجاهل من العالم, وروينا له قصة إمام عصره بهاء الدين العاملي حين اجتمع له العلماء في مجلس وفيهم علامة الشام الإمام البوريني, فبدأ البهاء يتكلم في التفسير بكلام صريح واضح فهمه كل من في المجلس من عالم وغير عالم, ثم دقق حتى لم يفهمه إلا العلماء, ثم علا حتى لم يفهمه إلا البوريني وحده, ثم غمض غموض السر في حقائق المعقولات حتى لم يفهمه ولا البوريني. فما كان من جواب الأستاذ الأديب المهذب طه حسين إلا هذه الجملة بحروفها "دا مغفّل لازم"...
    أما والله إن المغفل هو الذي يحسب أن سنن الكون تنشئ له أمة جديدة بكتاب ككتاب الشعر الجاهلي, وتفسد له أمة قديمة بمجموعة كمجموعة قصص السياسة, ثم لا يعلم أن الفاسق الفاجر يكون من الهوان على الله بحيث لا يجعل الله أمره في هذه الأمة المسلمة يزيد شيئاً على حانة في شارع في مدينة.) ا.هـ.
    ومن أبرز ما بين الرافعي في المحور الثاني " عقيدته في القران" قضية شبهة وضع النبي للقران حيث قال:
    (يقول في صفحة 85 في الرد على المستشرق هوار الذي زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من شعر أمية بن أبي الصلت واستعان به في نظم القرآن: "من الذي يستطيع أن ينكر أن كثيراً من القصص القرآني كان معروفاً بعضه عند اليهود وبعضه عند النصارى وبعضه عند العرب أنفسهم, وكان من اليسير أن يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم – تأملوا- كما كان من اليسير أن يعرفه غير النبي؛ ثم كان النبي وأمية متعاصرين, فلمَ يكون النبي هو الذي أخذ من أمية ولا يكون أمية هو الذي أخذ من النبي؟"
    وهذه العبارة ناطقة برأي قائلها, حتى كأنه يقول إن القرآن لا ينقصه إلا أن يكتب عليه "تأليف فلان" ونعوذ بالله ونتوب إليه ونستغفره.) ا.هـ.
    ثم قوله:
    (ويقول في صفحة 91: "إن اليونان يقدسون الإلياذة والأوديسا ويعنون بجمعهما وترتيبهما وروايتهما وإذاعتهما عناية المسلمين بالقرآن الكريم".
    ولم نفهم شيئاً من هذا الكلام, لأنه يحتمل كل شيء, ولو فسّرَ لنا فسّرنا له وأريناه مبلغ جهله وسوءِ أدبه!) ا.هـ.
    ثم أورد المزيد من النقولات في هذا الباب ومنها فكرة طه من أن العلماء العرب أرادوا إثبات عربية القران بالشواهد الشعرية ورد عليها كالعادة بالتحليل فالتعرية فالتسفيه ولا داعي لإيراد النص هنا لهشاشة الفكرة وتهافتها..
    ثم ينتقل الرافعي إلى المحور الثالث "رأيه في النبي صلى الله عليه وسلم" حيث يعرض بعض الطوام في هذا الباب مما يعجب منه القارئ ذو الحد الأدنى من الإيمان وكيف بلغت جرأة الرجل ووقاحته مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لا يزال يجد من يعده رمزاً للتنوير وعميداً للأدب زعموا!
    ومما جاء في هذا الباب قوله:
    (والأستاذ يكذب الحديث الصحيح ويتهكم به كما رأيت في بعض ما مر, وما نظن أحداً يسلم من تكذيبه, بل هو يقول في صفحة 128: "فأنا لا أقدس أحداً من الذين يعاصرونني ولا أبرئه من الكذب والانتحال".
    فإذا كان هذا من رأيه فيمن يعاصرونه ويعرفهم حق المعرفة, فيهم أستاذه وصديقه وأبوه وأمه, فكيف به فيمن لا يعرفهم إلا من الكتب) ا.هـ.
    وقوله:
    (ثم يقول في صفحة 50: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرض على الهجاء ويثيب عليه أصحابه, ويتحدث أن جبريل كان يؤيد حساناً".
    وهذا الجهل مما تضيق به الصدور فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن به الهجاء ولا الإقذاع, وإنما كانت تلك سنة عربية اضطرته إليها طبيعة العرب لحماية أعراض المسلمين, فقد كان من هذه السُّنة عند العرب أنه إذا سكت المشتوم صدّق الشاتم فجرى كلامه مجرى التاريخ الصحيح, ثم كانت معارك الألسنة لا يسكت فيها إلا الذليل فسكوته ذل, ولا يُغلب فيها إألا العييُّ فعيه ذلٌ آخر, وكل ذلك من أمرهم فلم يكن بدّ من المصير إليه ليتعالمه العرب فلا يؤثر هجاء قريش أثره فيهم ويكون سبباً لنفرتهم ولتوهين أمر المسلمين عليهم) ا. هـ.
    وقد ذكر الرافعي في الحاشية تعليقاً رائعاً يحمل من المعاني ما يغفل عنه كثير من المهتمين وحتى بعض أهل الاختصاص.. فانظر ماذا يقول:
    (كأن أستاذ الأدب في الجامعة لا يحفظ القرآن ولم يتل قوله تعالى : {والشعراء يتبعهم الغاوون* ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون* وأنهم يقولون ما لا يفعلون* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا} فهؤلاء الذين انتصروا من بعد ما ظلموا هم شعراء النبي صلى الله عليه وسلم فليس هجاؤهم هجاء ولكنه انتصار من ظلم حاق بهم فتأمل هذا فإنه من أدق معاني الأدب.) ا. هـ.
    بالفعل صدق الرجل إنه من أدق معاني الأدب وهل بعد أدب القرآن أدب؟! وهكذا يجب أن يعي الأدباء رسالتهم ويلتزموا هذا الخط الذي يضعهم من المستثنين في الآية الكريمة من التخبط وعدم المصداقية.
    ثم ختم هذا الفصل بالمحور الأخير "توهين أمر الصحابة وأئمة المسلمين" الذي يضج بتخريفات طه التي تبعث على الغثيان.. حيث لم يسلم الصحابة من شك طه وتعديه وتحليله الملوث للحوادث والحقائق حيث يقول:
    (وانظر كيف يقول في صفحة 51 عن أبي سفيان في فتح مكة: "فنظر فإذا هو بين اثنتين: إما أن يمضي على المقاومة فتفنى مكة, وإما أن يصانع ويصالح ويدخل فيما دخل فيه الناس< وينتظر...> لعل هذا السلطان <السياسي> الذي انتقل من مكة إلى المدينة, ومن قريش إلى الأنصار, أن يعود إلى قريش وإلى مكة مرة أخرى؛ قال: وألقى الرماد على هذه النار التي كانت متأججة بين قريش والأنصار وأصبح الناس جميعاً - في ظاهر الأمر- إخواناً مؤتلفين في الدين" انتهى نصاً.
    وقد طال انتظار أبي سفيان في رأي الشيخ المأفون حتى قام حفيده يزيد بن معاوية فانتقم من غزوة بدر في وقعة الحرّة كما قال في صفحة 55, وفي هذه الصفحة يقول: "إن يزيد صورة صادقة لجده أبي سفيان في السخط على الإسلام وما سنّه من سنن".) ا.هـ.
    إن أول ما يتبادر إلى الناظر في هذه الطعنات الخلفية لصحابة رسول الله عقيدة الرافضة! فها هو صنيعة المبشرين طه يلتقي مع الفكر الرافضي في معالجة الأحداث التاريخية وعلاقات مجتمع القرن الأول ولا غرابة في ذلك إذا كان الهدف مشترك والتصور فاسد والعقيدة ملوثة..
    وبهذا يختم الرافعي هذا الفصل الماتع في نقد كتاب طه حسين القضية "في الشعر الجاهلي" تاركاً القارئ وسط جملةٍ من النتائج الجلية, مشبعاً ذائقته الأدبية ببصمته الخاصة التي مزجت بين المنهج العلمي والصياغة الأدبية الفريدة.
    ***********
    خاتمة:
    طال بي الأمد وفشلت كعادتي في تنظيم الوقت ومتابعة فصول هذا الكتاب الذي لا يمكن تجاوز أحدها فكل واحد منها كتاب بعينه.. ولكن لا حيلة لي إلا أن أعلن عجزي عن المواصلة - أعني هنا - ولعلي أجمع هذا الشتات مع ما فاتني من فصول الكتاب وأطبعها في بحث مستقل إذا كتب المولى سبحانه عمراً لي ويسر هذا العمل, وسأختم هذه "المعية" بفصل ماتع جدا من أواخر فصول الكتاب وأظنه زبدته, حشد فيه الرافعي من البيان ما يسلب الألباب ويقيم الحجة على كل متجبر كذاب! (ذو الأقفال) سأسرد لكم أهم الوقفات في هذا الفصل سردا دون تعليق على شكل مقاطع متتالية حسب تسلسل الحدث والفكرة ثم أتبعها بتعليقي.
    في هذا الفصل يخاطب الرافعي مدير الجامعة بعد أن فرغ من محاكمة "طه" وتفنيد حججه وفِكَره ومكره!
    يقول إمام الأدب:
    (نحن نعرف أن الأستاذ الفاضل مدير الجامعة رجل صلب مستغلق كالأبواب الحصينة بعضها من وراء بعض, إن أنت عالجت باباً منها فانفتح لك بعد الكد والعناء وطول المزاولة قام من دونه باب آخر فاضطرك إلى مثل ما كنتَ فيه واستأنفتَ ما فرغت منه, فما تظفر من الرجل بطائل, لأنه فيلسوف منطيق أريب مطلع يرجع من طبعه الذكي إلى مثل كتب الفلاسفة, ومن كتب الفلاسفة إلى مثل طبعه الذكي, فهو أبداً متحذِّر مستعد, ولا تبرح أقفاله الفلسفية على مد يده, فإذا هو وضع الباب من أبواب الكلام بينك وبينه تناول القفل والقفلين والثلاثة واستغلق وتعسَّر, فهو في الرجال كالشاذ في القاعدة: أما القاعدة فتستفيض في كثير, وأما الشاذ فهو قاعدة نفسِه.) ا.هـ.
    ويقول في موضع تال:
    (نكتب هذا لأن أستاذاً كبيراً من مدرسي الأدب العربي زعم لنا أن فكرة طه حسين التي يعمل لها في الجامعة هي فكرة الأستاذ مدير الجامعة, وأن طه ليس في كبير ولا صغير وإنما هو كالبوق يُنسب إليه الصوت والصوتُ من غيره.) إلى أن قال والكلام لا زال لصاحب الرافعي: (وما ألقيت القنبلة من هذا المدفع وهي محشوة كفراً إلا لتهدم الإيمان القائم, ومثل طه حسين ليس من مدافع العيد... بل هو مدافع ميدان. قال: وعندنا قوانين كثيرة, ولكن قانون الجامعة المصرية المعروض على البرلمان وضع لكسر القوانين والتفلت منها! عندنا قانون يسمونه قانون "المحلات المقلقة للراحة" ونحن الآن في حاجة إلى قانون يسمونه قانون "المحلات المقلقة للضمير" انتهى كلام الأستاذ, وأنا لا أعتقد هذا ولا أقول به: وإن كنت ألمح فيه لمحات, ولكن ترى ما سرّ هذا الصمت العجيب في مدير الجامعة فلا يجيب الأمة ولا يعتذر إليها ولا يعبأ بها ولا يعرف لها حقاً, وبينا هي تتلظى عليه وعلى جامعته وعلى أستاذ جامعته نرى في يده مروحة وفي يدي طه مروحتين...) ا. هـ.
    ثم يأتي الرافعي على لب الموضوع وعنوان الفصل (ذو الأقفال) بصيغة قصصية لافتة يقول فيها:
    ( قال دمنة: زعموا أن رجلاً حازماً فيلسوفاً كان في بلد كذا, وكان مخلصاً للناس ما يبرح لهم حق يقضيه, فكتب وألف زمناً, ثم خطب وتكلم حيناً, ثم حل وعقد في حبال السياسة, ثم إنهم أنشأوا مدرسة لهذه الأمة فلم يجدوا غيره يتولاها إذ كانت الآمال فيها على قدر الثقة به, وأنه كان رجلاً سليم دواعي الصدر طيب النفس حسن الظن بمن يستخلصه, وكان من جماعته ومريديه رجل مغرور ينتسب في آرائه وعلمه إلى الأستاذ الجليل, كما تكون النواة في الثمرة الناضجة, فهي مرارة تحت حلاوة, وهي من أثر طين الأرض في أثر ماء الجنة. وهي شيء لولا موضعه من الثمرة لم يكن له موضع إلا بحيث ينبذ ويهمل, ولكن الأقدار هي وضعته بذلك المكان فكأنه غلطة يغطيها الصواب.
    ثم إن هذا المغرور سعى سعيه وتحمل على الرجل الطيب بشفاعة غفلته الفلسفية, فإنه يقال إن لكل فيلسوف خصالاً يفوق بها الناس ولكنها لن تجتمع له إلا أحدثت فيه خصلة يفوقه الناس بها, ما من ذلك بدّ, لأن المعنى الإنساني المحض لم يخلص في أحد غير الأنبياء, فالإنسانية فيهم مُصفّاة وفيمن عداهم كالماء: تصفيه وتتركه في سقائه فإن لم ينشئ الترك فيه كدراً أنشأ فيه معاني الكدر, فأنت واجد بعدُ في قرارته من الهوامّ والجراثيم, وهي معاني ما يحمله الماء العكر من الأخلاط والغبار والطين أو هي شر منها, ولولا حكمة الله هذه وأنه لا بد لكل فيلسوف من الغفلة والسقطة, وأن العلم لايدفع من ذلك نوعاً إلا ليجلب نوعاً آخر- لما رأيت عالماً اسقطَ نفساً من جاهل, ولا فيلسوفاً يلعب به العامة في بعض أمور دنياه مما يتعامل عليه الناس كالبيع والشراء وتعاطي أسباب العيش.
    قال دمنة: ثم فاز المغرور وسهل له الفيلسوفُ تسهيلاً عجيباً فإذا هو أستاذ في تلك المدرسة, فلما استوى له المنصب قال: ما أحرى الناس جميعاً أن يكونوا مغفلين إذا كان الفيلسوف صاحبي كما أرى, فلأصنع له من العلم على نحو ما أدخلت ُ عليه من الغش فإنه لا يُحسن مما أقول شيئاً وهو رقيق الدين كما هو رقيق النفس, وما أراني معلناً عن نفسي بشيء كما يُعلن عني الكفر, فيقتحمني الدين وتردُّ عني الفلسفة فأجمع خلالاً ما اجتمعن لأحد من قبلي, وأكون كالراية يسقط الناس من حولها وهي قائمة.
    ثم إنه انحط على العلم والأدب وسفّه كلَّ من لا يجهل جهله ولا ينعب نعيبه, وكان كالغراب الذي زعم أنه شاعر كاتب فيلسوف, فلما سألوه في الشعر قال "غاق" فسألوه في الكتابة قال "غيق" فسألوه في الفلسفة قال "غوق"! فقيل له: فلسنا معك إلا في غاق وغيق وغوق, فأين الشعر والكتابة والفلسفة؟ قال: قطع الله ألسنتكم أيها الناس, فلو أن الله بدلكم بها لسان غراب فصيح مثلي لوعيتم ما أقول, ولكنكم قوم تجهلون!
    قال دمنة: فلما غوَّق أستاذ المدرسة ذلك التغويق المنكر وأضحك الناس منه ومن مدرسته وعلوم مدرسته, وطارت السخرية ووقعت, ثم طارت ووقعت, قال ذلك الفيلسوف: لقد احتجت الآن عقلي وذكائي, فإن هذا الأحمق أنا انخدعت به ثم خدعت به الناس,, فأنا من فضيحته الواحدة بين فضيحتين, وهو مني بمنزلة الذيل من الجواد. إن سبقتُ سبق وماجرى ولا تعب ولم يعانِ شيئاً مما أعانيه وليس إلا أنه لَصيق بي! ولقد أوقعني حُمقه في هذه المنزلة, فلن تحملني قدماي إلا إذا جعلت ساقيهما عمودين من حجر واستمسكت في الأرض بجذور تجعل أصابع قدميَّ عشر شجرات.
    ثم أقوم بعد ذلك قومة جبل راسخ لا قَعْدة له إلا بشق الأرض من تحته وأنا بعدُ ذو الأقفال. ما من كلمة تُفتح عليّ إلا ولها عندي قفل, فجهل هذا الأحمق قُفْله "حرية التفكير" إن فتحوا بذاك أقفلنا بهذا, وكُفْره نقفل عليه بـ"حرية البحث" وغروره الشنيع ما له قفل ولكن لعل قولنا إنهم يحسدونه يصلح قفلاً, وسقوط المدرسة نجعل له قفلاً من "سنة التجربة" وسوء النتيجة لا يغلقه عنا إلا قفل "التخبط في البداية" وتدخل الحكومة لتلافي الأمر قفله "التفكير تحت وصاية الغير" قال وجعل ذو الأقفال يضع لكل مُخزية قفلاً... فضج الناس وفزعوا, وكلن لهم دارُ ندوة , وكان فيها زعيم يغمُرُ الناسَ جميعاً بذكائه, وكأنما أنشأ فيه القدر من أسباب القوة على قدر حاجة الأمة كلها, فما تراه في لسانه وبيانه وذكائه وقلبه وهمته وعمله إلا قلتَ من ﻫٰـهنا ينبعث اليتار الإنساني ليعبَّ به البحر كله في هذه الأمة!
    قال: وجمع الفيلسوف أقفاله ووضع عليها كلها قفلاً من معدن لا تذيبه النار, اسمه "استقلال المدرسة" وبعث بها إلى دار الندوة ليقفل بها على أفواه الناس وعقولهم, فما هو إلا أن رماها ذلك الزعيم بنظراته وأدارها في يده حتى جعلت تتهاوى وتتفلَّق, وإذا هي تنماث كما ينماث الملح ألقي في الماء, وكان كل قفل لا يسقط إلا فتحَ عن سوءة أو غلطة أو مخزية من المخزيات, فقال الفيلسوف: إنا لله.. ما يصنع العناد إلا صنعة واحدة أولها الحيلة وآخرها الخيبة, ولقد كنت عن هذا في غِنى لولا أن هيجني ذلك الأحمق وغلبني على الرأي بمثل ما يغلب به الطفلُ أباهه المخدوع, فقد والله فضحني بنفسه, ثم عاد ففضحني بنفسي, وأسقطني بجهلة مرة وبعلمي مرة! ولقد سخرَتْ مني الحوادث فهيأت لي أن أكون ذا الأقفال حتى إذا صرت ذا الأقفال رمتني بذي المفاتيح!) ا.هـ.
    ثم يواصل تقريعه للجامعة ومديرها قائلاً:
    (إن النواميس لا تعرف استثناء ولا تخضع له, وإنما يتغير وصف الشيء فيتغير قانونه, هذا عاقل يُتَّهم بعظيمة ويجنيها فيعاقب: وهذا معتوه يقترف إثماً فيترك, ولكل منهما حالة, ولكل حالة قانونها, ففي أي شيء يريد الأستاذ مدير الجامعة أن يكون للحكومة إشراف عليها وتدخّل فيها؟ أهو أنشأها وهو يملكها وهو يرعاها؟ أم حين لا يكون هو في الأمة تكون للأمة جامعة؟ ألا يجوز في "التجربة" إلا وجه واحد من الجهل والفوضى والكفر, فإن قيل جرِّبوا الإيمان والتدقيق والنظام لم يكن ذلك شيئاً إلا عبثاً من العبث! ما هو وجه الاستثناء بعد الفضيحة والخزي وتبيُّن المكتوم, وبعد سنة كاملة في "التخبط", ولا بد من وجه للاستثناء إذا كان لابد من قانون غير قانون الحالة التي أنت فيها, وإلا كان هذا فساداً في أصل النظام وعكساً للنواميس, وكنا فيه كالذي ينقض من ركن في بيته ليرمَّ صَدْعاً في ركن آخر منه, كأن كل ركن مستقل بذاته مع انها أربعة في خراب أحدها خراب جميعها, لأنها لا تراد لنفسها بل لما يَحمِلُ عليها: ومرض الخراب لا يعدي بيتاً من بيت ولكنه يُعدي ركناً من ركن. ومتى اختلفت الجامعة المصرية والأمة المصرية واستحرَّ النزاع بينهما فما بقي في حكم العقل أنها جامعة كالجامعات, بل هي وحدة قانونية, فإن لم تكن فوحدة علمية كالطبيب في المرضى, فإن لم تكن فوحدة عقلية كالعاقل في المجانين: وكل هذا سب للأمة في ظاهره وهو في الحقيقة سب للجامعة ومَهانة.
    ولكن الأمة بخير. وفيها أهل الحزم وأهل الرأي وأهل العقل: فما قيمة رجل أو رجلين أو بضعة رجال توظفهم الحكومة في الجامعة حتى يستبدوا بالأمة هذا الاستبداد ويتخذوا الجامعة مرتعاً, ويبلغ من غرورهم أن يَسْخَروا من ألف عالم من علماء الدين ويزدروا كل أدباء البلاد ويُصرُّوا على مافعلوا ويستكبروا استكبار إبليس ويهزأوا بالأمة ويُلبِّسوا عليها ويزعموا لها المزاعم العريضة كذباً وزورا!) ا.هـ.
    ثم يختم هذا الفصل المجلجل بقوله:
    (لسنا من أمر هذه الجامعة في صندوقين ولا شخصين: إنما نحن في عمل له ما بعده: وقد قلنا للجامعة غير مرة إن علم الأدب الذي تخرجه سيكون علم الأدب في الشرق العربي كله: فلم تفهم, فلما أفسدته أفسدناه عليها, ولو لم نفعل لكنا مجرمين آثمين: وتالله لهدْمُ الجامعة أخفُّ ضرراً من هدم التاريخ, لأنها إن تُغلق اليوم تفتح غداً: ولكن التاريخ لو هُدم فمن الذي يبني "هرم كيوبس" غير كيوبس؟) ا.هـ.
    - نظرات في الوقفات السابقات:
    * جنوح الرافعي إلى العاطفة والخطاب شبه المباشر في هذا الفصل تحديداً والرمي بسلسة أفكاره بترتيب منطقي أخاذ بعيداً عن التقعيد -هكذا ما ثم خطأ طباعي- والتفكيك والنظر العميق الممل أحيانا فكان الكلام رقراقاً كجدول.. دفاقاً كشلال.. فليته أكثر من هذا المذهب في بقية أطراسه رحمه الله.
    * كعادته في التفنن في سلخ خصومه استخدم الرافعي في هذا الفصل الأسلوب القصصي التخيلي موظِّفاً بطله الدائم "دمنة" والكمبارس "كليلة" وتلاحظ البصمة المميزة في السرد الذي اعتمد فيه على الدوران حول محور الفكرة وإن أسهب في التفاصيل فتجد أن الأحداث تتسلسل وفق حبكة درامية متماسكة فكان التأثير بالغ القوة.. عميقا.
    * إن مقاله هذا لم يؤرخ وإذ هو كذلك, فلعلي أخمن أن هذا المقال يسبق المقالات التي استعرضتها وإن وضع في آخر الكتاب حيث نلاحظ أنه يطرق على مدير الجامعة بمطرقة وردية بها من التساؤلات أكثر مما بها من الاستنتاجات, بينما نجده في مقالات سابقة - وقد أشرت إلى هذا في موضعه - يحمل مدير الجامعة بالكامل مسؤولية عبث "طه" وينتقده مباشرة, فلعل هذا مما يعزز أن المقال كتب قبل مقالاته في نقد كتاب طه "في الشعر الجاهلي" ويدل على هذا قوله تعليقاً على مقال صاحبه: " وأنا لا أعتقد هذا ولا أقول به: وإن كنت ألمح فيه لمحات " حيث تلحظ صيغة تردد واعتذار تجاه مدير الجامعة, والله أعلم.
    - وقفات متفرقة على مجمل الكتاب:
    * جاءت الحواشي في هذا الكتاب لافتة رشيقة.. تعد كتاباً بذاتها! وتحفة أدبية علمية فاتنة.. ولا أجدني أبالغ إذا قلت أن الرافعي قد اختط بهذا منهجاً لا أظن أحداً سبقه إليه فقد عمد إلى صبغ الحاشية بصبغة ساخرة لاذعة في فعل لا نسقي لا يجيده إلا هو, أضف إلى ذلك الانتقال النوعي الواضح في نَفس الكتابة حيث يتضح الفارق الإيقاعي بين المقال والحاشية, مما أضفى على المقالات نقلات وفواصل زادت متعتها متعة.
    وفيما يلي أطرف ما جاء في الحاشية:
    - نيتشه:
    هو فيلسوف ألماني تركته الإنسانية مجنوناً فأراد أن يتركها مجنونة.
    - كان أهل نجد وجبال السرواة من أفصح العرب: حتى يقال في صفة الألفاظ الفصيحة الجيدة: إنها نجدية.
    - كان الأصمعي يقول في الكميت الشاعر "إنه جرمقاني من جراميق الشام لا يحتج بشعره" والجراميق الجرامقة: قوم من العجم صاروا بالموصل في أوائل الإسلام فشبه بهم في اللغة. والجرمقاني بضم الجيم والميم بينهما راء ساكنة.
    - كان صلى الله عليه وسلم ينشد الشعر فلا يقيم وزنه: وقد بينا حكمة ذلك في كتابنا "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية" ولكنه يستنشد الشعر كثيراً.
    - كان "أبو حية" هذا رجلاً أعرابياً به لوثة وكان له سيف من الخشب يسميه "لعاب المنية" والدكتور طه حسين كان يعتقد أن قلمه المنية...
    - كان طه انتقد في "السياسة" رئيس تحرير "السياسة" فكتب فصلاً هو آية من الآيات في الحمق.
    - قال الجاحظ في بعض رسائله: قال أهل الفطن: إن محض العمى التقليد في الزندقة: لأنها إذا رسخت في قلب امرئ تقليداً أطالت به جرأته واستغلق على أهل الجدل إفهامه. قلنا: وما من أصحابنا المجددين إلا من هو مقلد في الزندقة, فلا عجب طالت الجرأة منهم واستغلقوا.
    - ديكارت:
    فيلسوف فرنسي توفي سنة 1650م وله المذهب الفلسفي المنسوب إليه القائم على هذه الكلمة: "أنا أفكر فأنا إذن موجود" وخلاصة مذهبه أن لا تقر حقاً لست على بينة من أنه حق, وأن لا تقطع بالرأي حتى تكون على يقين من أنك محصته ولم يفتك نص ولا شيء مما تستعين به, وأن تجزئ كل مشكلة تمتحنها إلى الأجزاء التي لا يكون الحل بدونها حلاً, وأن تجري في التفكير على نظام تدريجي من السهل إلى ما فوقه.
    وقد ثبت أن طه لم يفهم هذا المذهب وأنه شعوذ به على الطلبة وأنه لا يعدل جهله فيما ينقل عن العربية إلا ما ينقله عن الفرنسية.
    - رسالة شهيرة اسمها "الإسلام وأصول الحكم" ويخيل إلينا أن بعض الناس لهم قوة على تنويم إبليس تنويماً مغناطيسياً... فالأستاذ البليغ الذكي الشيخ علي عبدالرزاق نوّم إبليس وتلقى بعض آرائه: أما طه فنوَّمه إبليس.
    - كازانوفا:
    رجل مستشرق واسع العلم في مادته ولكن لا قيمة له ولا لرأيه في الأدب العربي, وقد جاءت به الجامعة المصرية لتدريس اللغات السامية, فكانت له مع طه حسين أحاديث في الوسوسة...
    - يقال: انتحل القصيدة: إذا ادّعاها وليست له، ونحلته إياها: نسبتها إليه كذباً. وطه لا يستعمل في كتابه الانتحال إلا خطأ: كرر ذلك في نحو تسعين موضعاً فتأمل واعجب.
    - قال التبريزي: "ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة ولم يعرفها المعري" وما بين مثل هذا ومثل طه حسين إلا كما بين الشخص وظله.
    - كان الأستاذ طه حسين يدرّس في الجامعة قبل تسليمها إلى وزارة المعارف (تاريخ اليونان) وكأنهم لم يروه شيئاً في الأدب, ولكن جامعة تنشأ في بضعة أشهر غير عجيب منها أن توجد أديباً في بضعة أيام!
    * إن تناولي لمقالات منتقاة دون غيرها لا يعدو كونه حيلة العاجز عن الإحاطة بهذا الكتاب الفخم وإلا فبقية المقالات التي لم أتطرق لها لا تقل عن أخواتها بياناً وفائدة وفتنة ولعلي أكفر عن ذلك العجز بهذا العوض! حيث سأكتفي بسرد عناوين المقالات التي لم ترد في هذا البحث:
    الرأي العام في العربية الفصحى
    تمصير اللغة
    أسلوب طه حسين
    رسائل الأحزان في فلسفة الحب والجمال
    واضرب لهم مثلاً...
    وشعر طه هو الشعر
    خنفساء ذات لون أبيض
    أعمالهم كرماد اشتدت به الريح
    قال دمنة
    حرية التفكير أم حرية التكفير
    فيلسوفة النمل
    مسلم لفظاً لا معنى...
    رأيي في الحضارة الغربية
    المجدد الجريء
    الجامعة في مجلس النواب
    جلسة يوم الإثنين
    مسألة طه حسين
    خطبة الأستاذ القاياتي
    بيان رئيس الحكومة
    كلمة جريدة "الأهرام" الغراء: تفاصيل المسألة - تسويتها
    جلسة يوم الثلاثاء
    مع ملاحظة أن الفصول السبعة الأخيرة توثيقية صرفة ما بها من الأدب غير الحروف!. وكان بإمكان الرافعي أن يسرد أحداثها بأسلوبه ويحيكها بخيطه الماهر ليجعلها أكثر تشويقاً وجذبا للقارئ. فالكتاب قطعة أدبية فخمة لم يكن بحاجة إلى وثائق تزيد من صفحاته حتى مع أهميتها لاكتمال منهجية وموضوع الكتاب.
    وقد أورد الرافعي في هذه الفصول وقائع جلسات البرلمان المصري لمناقشة قضية "طه" وتداعياتها السياسية والثقافية.
    * ملاحظة عامة على الكتاب:
    الطبعة التي أنسخ منها هي طبعة "المكتبة العصرية – بيروت- 1422هـ" ويظهر على الغلاف الداخلي للكتاب هذه العبارة: "راجعه واعتنى به د. درويش الجنيدي" وعندما تتصفح الكتاب ابتداءً من أول سطر بعد هذه "الترويسة" وحتى آخر سطر من الفهرس لا تجد أثراً للمحقق - إن جازت التسمية - لا في الحواشي ولا حتى في المقدمة التي تولاها الناشر ولم يحسنها وهي مقدمة من بضعة أسطر لا تليق بالرافعي ولا بكتابه ولا بأدبه.. وللحق فقد أعجبتني جملة وردت في سياق ترجمة الرافعي حيث وصف الناشر شعره بــِ" نقي الديباجه, على جفاف في أكثره. ونثره من الطراز الأول" أما الباقي فهو سرد بدائي مستغرب من الناشر وكان الأجدى والأولى أن يقوم بالتقديم د. درويش على اعتبار أنه صاحب الجهد في المراجعة وكي نرى بصمته في هذه الطبعة بدلاً من ورود اسمه في الديباجة كجزء من الديكور!****
    وختاماً.. فالهدف من نشر هذا البحث هنا هو تفاعل القراء حيث لا تظهر الحقائق غالباً إلا من خلال النقض والبحث والمراجعة والحوار, ولا يظن ظانٌ أن أدب الرافعي فوق هذا.
    وهذه الحالة -بالمناسبة- تؤرقني كثيراً وبالذات في أروقة المنتديات العنكبوتية غضة العود, التي تراوح بين قطبين متنافرين, إذ تغلب السلبية عند التلقي وتغلب الحدة عند التفكيك.
    وبعد... فهذه بضاعة يراعي مزجاة، كُتبت على غربال، ترجو ترقيعكم قبل توقيعكم...
    والله من وراء القصد.
    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
    أبو ياسر
    1426 هـ
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي شاعر
    في ذمة الله

    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : محارة شوق
    العمر : 64
    المشاركات : 3,523
    المواضيع : 160
    الردود : 3523
    المعدل اليومي : 0.54

    افتراضي

    أخي الفاضل وأديبنا السامق الأستاذ عبد الرحمن خلف
    تحيات منداة بنور الفجر الصادق إليك يا صاحب السوانح الجميلة والفواتح الجليلة
    وأسمى آيات الشكر لمعيةٍ مباركةٍ تدعو إلى طيب الجوار ، وتحرض على تواصل الحوار .

    للتثبيت حبا ، وإعجابا، وتقديرا

    ودمت بكل الخير والسعادة والنور
    أخوك المحب: مصطفى
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ولريشة الغالية أهداب الشكر الجميل

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الرياض
    العمر : 56
    المشاركات : 45
    المواضيع : 6
    الردود : 45
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    أهلا بك أخي مصطفى..
    وممتن لك بقدر هذا الاحتفاء الذي نضح من ذاتك الطيبة ومعدنك الكريم.. وإلا فالبحث لا يستحق التثبيت بقدر ما يستحق الحوار والتفاعل المثري.. وإني لمتلهف لمثل هذا منك ومن بقية الإخوة والأخوات رواد هذه الواحة المباركة..

    وحبذا لو تكرمت وقمت بتعديل هذه:
    (بسم الله وبحمد لله أعود)
    إلى:
    (بسم الله أبدأ وبحمد الله أعود)

    ولا أدري حقيقة ماهو مبرر إلغاء خاصية التعديل من المواضيع.. فالأولى فتح المجال للتعديل لمدة محددة كما هو متعارف عليه..

    وفقكم الله لكل خير..

    وتقبل مني أعمق تقدير وأعبق تحية.

  4. #4
    الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي شاعر
    في ذمة الله

    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : محارة شوق
    العمر : 64
    المشاركات : 3,523
    المواضيع : 160
    الردود : 3523
    المعدل اليومي : 0.54

    افتراضي

    وأهلا وسهلا ومرحبا بك أيها النبيل السابق إلى الفضل
    وأما التثبيت فإن مقالك النقدي القيم به جدير وزيادة دون أن ينقص ذلك من حقه في الحوار المرجوّ شيئا.
    ولذلك قلتُ: قبل التثبيت.
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. مصطفى عراقي مشاهدة المشاركة
    وأسمى آيات الشكر لمعيةٍ مباركةٍ تدعو إلى طيب الجوار ، وتحرض على تواصل الحوار .
    وأما التصويب في بدء المقال فقد قمت بذلك حبا وكرامة.
    وإليك أيها الفاضل بعض الملحوظات اليسيرة:
    * قولكم:" جاءت الحواشي في هذا الكتاب ملفتة رشيقة.. "
    الصواب: لافتة لأنها من الثلاثي لفت وفي التاج: " " لَفَتَهُ يَلْفِتُهُ " لَفْتاً : " لَوَاهُ " علَى غيرِ جِهَتِه . واللَّفْتُ : لَيُّ الشَّيْءِ عن جِهَتِه كما تَقْبِضُ على عُنُقِ إِنسان فَتَلْفِتَه . يُقالُ : اللَّفْتُ : الصَّرْفُ يقال : لَفَتَهُ عن الشَّىْءِ يَلْفِتُه لَفْتاً : " صَرَفَهُ " قال الفرّاءُ - في قوله عزّ وجلّ : " أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آباءَنَا "
    ===
    * وقولكم:"ولعلنا سوياً نعمل على فتح مدخل لقراءة مفتوحة
    الصواب :معا لأن معنى " سويا " لا ينناسب السياق هنا.
    =====
    وأما مؤاخذتكم للرجل في عنونتة "(عصبية طه حسين على الإسلام)
    فأقول من باب المدارسة وليس من باب العصبية لأديبنا الكبير :
    العصبة هنا من معنى الشدة ، والتعلق بالشيء ولزومه حتى لا يكاد يفارقه.
    فأما معنى الشدة فيدل عليه قوله تعالى:"وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ سورة هود :(77)
    قال الزمخشري: . يقال : يوم عصيب ، إذا كان شديداً من قولك : عصبه ، إذا شدّه .
    وورد في اللسان : العُصْبةُ هَنَة تَلْتَفُّ على القَتادَةِ لا تُنزَع عنها إِلاَّ بعد جَهْدٍ
    وتَعَصَّبَ : تَقَنَّعَ بالشِّيْءِ ورَضِيَ بِهِ
    وفي معجم المقاييس:" قال ابنُ الأعرابيِّ: عَصَبَ به وعَصَّب، إذا طافَ به ولزِمَه. وأنشد:
    ألا ترى أنْ قد تدَاكا وِردُ وعَصَّبَ الماء طِوالٌ كبْدُ
    "
    والله أعلم
    ودمت بكل الخير والسعادة والودّ

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الرياض
    العمر : 56
    المشاركات : 45
    المواضيع : 6
    الردود : 45
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    أخي الفاضل مصطفى
    أشكر لك ملاحظاتك وأجدني أحترم هذه الدقة - بصرف النظر عن اتفاقنا من عدمه- والذي يدل على صرفك وقتاً ليس باليسير في قراءة هذا المبحث المتواضع...
    فيما يخص ملحوظتيك (ملفت) و (سويا)، صدقت وما ذكرتَه عين الصواب، وآمل تعديلهما في الموضوع طالما أنك كريم وأنا أستحق... :)
    وأما بخصوص (العصبية) فلا يزال الإشكال قائماً إذ لا معنى للشدة هنا فالجرأة والبغي والتعدي ليست شدة ولا أزال أرى أن المفردة لم تناسب المحتوى.
    أشكر لك تعقيبك كما آمل أن تتبعه بأُخَر من علمك ووعيك... كي تكمل الفائدة والمتعة.
    وتقبل تحياتي.

  6. #6
    الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي شاعر
    في ذمة الله

    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : محارة شوق
    العمر : 64
    المشاركات : 3,523
    المواضيع : 160
    الردود : 3523
    المعدل اليومي : 0.54

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالرحمن الخلف مشاهدة المشاركة
    وأما بخصوص (العصبية) فلا يزال الإشكال قائماً إذ لا معنى للشدة هنا فالجرأة والبغي والتعدي ليست شدة ولا أزال أرى أن المفردة لم تناسب المحتوى.
    أشكر لك تعقيبك كما آمل أن تتبعه بأُخَر من علمك ووعيك... كي تكمل الفائدة والمتعة.
    وتقبل تحياتي.
    ===========
    أخي الفاضل وأديبنا الجليل
    إنما أردت من معنى الشدة أن التعصب معناه : التشدّد ، على أنني لم أكتفِ به
    بل أضفت له معنى يناسب السياق وهو معنى التعلق بالشيء تعلقا زائدا ولزومه ، وهذه حالة المتعصب ، ويؤكدها ما قاله ابن نباتة:
    عَصَبِيَّةٌ ينسى الحليمُ لها ما في الاناةِ فيركبُ الجَهْلا

    وما قاله الإمام الشوكاني رحمه الله:
    وَخُذِ الجَواب فَما بِهِ خَطَلٌ وَلا عَصَبِيَّةٌ قَدَحَتْ بِغَيْرِ صَوَابِهِ

    فجعل العصبية هنا مقارنة للخطل.
    وفي الأغاني:" وكان -خالد بن عبد الله - من أشد خلق الله عصبية على نزال "
    وفيه أيضا : " قال لي علي بن هشام - وفيه عصبية على العرب ".
    فاستعمل العصبية هنا بمعنى التحامل ، وهو قريب من مراد شيخنا الرافعي.
    وعن فرقة من الفرق الضالة قال الأصفهاني : " قد قلدوا أمرهم أهواءهم، وجعلوا دينهم عصبية لحزب لزموه، وأطاعوه في جميع ما يقوله لهم، غياً كان أو رشداً، أو ضلالةً أوهدىً".
    وهذا شبيه بصنيع الدكتور طه حسين على ما يرى أديبنا الكبير رحمه الله
    وأرى أن هذا المعنى الأخير مبني على المعنى الأول الذي أشرتم إليه فكأنما المتعصب ينحاز إلى رأيه وهواه كما ينحاز الرجل إلى عصبته، والله أعلم.
    وأرجو أن تتاح لي إن شاء الرحمن عودة لمناقشة مسألة جفاف أكثر شعر الرافعي .
    ودمت بكل الخير والسعادة والودّ

المواضيع المتشابهه

  1. لكي تشرق الشمس - مهداة إلى الذين يحملون راية الإسلام لتعلو فوق أرجاء المعمورة
    بواسطة فارس عودة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 29-04-2010, 05:50 PM
  2. معية ربي
    بواسطة الطنطاوي الحسيني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 10-12-2008, 03:28 PM
  3. في معية الرافعي و (تحت راية القرآن) -1-
    بواسطة عبدالرحمن الخلف في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 29-11-2007, 02:18 PM
  4. فوق كل سنام راية نصر وعلم .
    بواسطة خوله بدر في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-12-2005, 09:53 PM