أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: في سن الستين

  1. #1
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : غزة فلسطين
    العمر : 72
    المشاركات : 2,005
    المواضيع : 323
    الردود : 2005
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي في سن الستين

    في سن الستين
    8 / 3 / 2018 م
    صديقٌ قديم ، كان زميلي في معهد المعلمين في رام الله في أوائل السبعينات من القرن الماضي .. كان - ولا زال - مثالاً في الأخلاق والاستقامة - ولا أزكي على الله أحدًا- وعلاقتي به لم تنقطع طوال هذه السنين ، فنحن لسنا مجرد زميلين في الدراسة ، بل صديقين حميمين بكل معنى الصداقة .
    زرته قبل فترة ، فوجدته كئيبًا مهمومًا ، يكاد يتميز من الغيظ :
    - ما بالك يا أبا فلان ؟
    - ماذا أقول وماذا أفعل بهؤلاء الناس ؟! ما إن كبرت سني حتى أصبح الكثيرون يعطونني النصائح في كيفية التعامل مع الناس ، وكأني طفل صغير لا يعرف من أمور الدنيا شيئًا .
    - هوِّن عليك يا رجل ، وهاتِ ما عندك بالتفصيل .
    - خذ عندك هذا المثال .. في أحد الأيام زارنا قريبٌ لنا ، فوجدني ألهو مع أحفادي وألاعبهم وكأني واحدٌ منهم ، والكل في البيت من زوجتي إلى أبنائي وزوجاتهم وأبنائهم يحبونني غاية الحب ، فما إن رأى قريبي هذا المنظر حتى عبس وبسر ، ولم يتمالك نفسه حتى انطلق ناصحًا : يا فلان ، احترم سنك ، أين الوقار الذي يجب أن تتحلى به ؟ هل رجعتَ طفلاً تلاعب الأطفال الصغار ؟! أنت يجب عليك أن تلتفت إلى صلاتك وعبادتك ، وعليك بقراءة القرآن ، فإنه يجلي القلوب وينير الأبصار والبصيرة , و ... , و....
    ألجمتني تلك السيول من النصائح ، فلم أنبس ببنت شفة وأنا المفوَّه الذي لا يعوقه عائق .
    - طيب .. وماذا أيضًا ؟
    - خذ عندك مثالًا آخر .. فأنا – كما تعلم – كنتُ في أواخر عملي مشرفًا تربويًا ، وكانت علاقتي بالمعلمين والمعلمات رائعة ، الكل يمنحني الثقة والاحترام والتقدير ، وأنا لا أبخل عليهم بشيء في سبيل الرقي بهم للوصول إلى قمة التميز والإبداع .. جاء زميلي المشرف الذي كنت أذهب معه إلى مدارس المنطقة (حيث قُسمت مدارس المنطقة بيننا) فرآني في اجتماع مع المعلمين والمعلمات ، في جو تسوده الألفة ، ويحيط به الجو الأسري ، أنا _ بحق _ أعتبرهم أبنائي وبناتي ، وهم _ بحق _ يعتبرونني أبًا أو أخًا كبيرًا لهم. زميلي هذا لم ينتبه لكل الإيجابيات في الاجتماع ، ولكنه فقط انتبه إلى بعض الطُّرَف من المعلمين والمعلمات _ وخاصة المعلمات _ وقال لي بعد أن انتهى الاجتماع : أرى أنك قد تخطيتَ حدود الوقار والاحترام وأنت قد قاربتَ على الستين ! هؤلاء المعلمات أصغر من بناتك فلا يجب أن تنساق مع الوهم والخيال . وهنا أيضًا قد ألجمتني نصيحة زميلي ، هل أنا الذي تعرفني جيدًا يمكن أن يخطر في بالي لحظةً واحدة ما يدور في خلد هذا الزميل من الشكوك ؟ هل في هذه السن يمكن أن أفكر لحظةً فيما يُغضِب الله تعالى ؟ وهل أنا أفتقد الحب والحنان في بيتي لأبحث عنه خارج البيت ؟
    أخذ صديقي يذكر لي أمثلة أخرى من هذا القبيل . هدأتُ من روعه ، وطمأنته على أنك ما دمت على حق ، وما دمت لا تعمل شيئًا يُغضِبُ الله ، فلا تهتم بكل ما يقال ، ولكني من باب الفضول الذي لا أحبه ولا أستخدمه إلا مضطرًا سألتُ صديقي عن قريبه الذي زاره وعن المشرف الذي نصحه ، فوجدتُني أعرفهما حق المعرفة .
    أما قريبه هذا ، فبيته لا يخلو من المشاكل ، وعلاقته بأفراد أسرته على أسوأ ما يكون ، حتى أنه مقاطعٌ لأقرب الناس إليه وهي زوجته وكل منهما ينام في غرفة مستقلة .
    أما المشرف المذكور فأنا أعرفه أيام كان مدرسًا ، كان الطلاب يكرهونه غاية الكره ، وكان شديدًا عليهم ، وأسلوبه في التدريس سيئًا ، ولا أدري كيف أصبح مشرفًا ، حتى أنه في أحد الأيام انتظره الطلاب في طريقه وصاروا يقذفونه بالحجارة .
    ما هذا أيها الناس ؟! بأي عقل تفكرون وبأي منطق تسيرون ؟! هل إذا بلغ الرجل الخمسين أو الستين ، يجب عليه أن يكون عبوسًا قمطريرًا حتى لا يفقد وقاره ؟! هل يجب عليه أن يهابه الجميع ويسعون لإرضائه _ لا احترامًا وتقديرًا بل خوفًا ودرءًا للبهدلة _ ؟! هل يجب يجب أن يتخلى عن كل عواطفه وإحساساته _ حتى لو كانت عاطفة الأبوة الصادقة لكل من يعتبرهم أبناءه وبناته _ وإلا اتُّهِم بزوغان العين وقلة الدين وفساد الأخلاق ، وأنه يعيش مراهقته الثانية ؟!
    إن الإنسان إذا بلغ به الكبر ، فإنه يسعى أولاً وأخيرًا إلى مرضاة الله ، وإلى الاستعداد للقاء ربه ، ولكن هذا لا يمنع أن يكون ودودًا رقيقًا ، يعطي الآخرين من تجاربه ما يفيدهم في دنياهم وآخرتهم ، وأن يحب الآخرين _ لا كالحب الذي يفهمونه _ بل الحب الحقيقي ، الحب الأبوي الحنون ، حتى يبادلوه حبًا بحب ، حب الأبناء لأبيهم الذي يحب لهم كل الخير .
    اللهم أحسن خاتمتنا ، واجعل خير أيامنا يوم لقائك يا رب العالمين .
    اللهم يا من تعلم السِّرَّ منّا لا تكشف السترَ عنّا وكن معنا حيث كنّا ورضِّنا وارضَ عنّا وعافنا واعفُ عنّا واغفر لنا وارحمنا

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,229
    المواضيع : 318
    الردود : 21229
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    إن الإنسان إذا بلغ به الكبر ، فإنه يسعى أولاً وأخيرًا إلى مرضاة الله ، وإلى الاستعداد للقاء ربه ،ولكن هذا لا يمنع أن يكون ودودًا رقيقًا ، يعطي الآخرين من تجاربه ما يفيدهم في دنياهم وآخرتهم ، وأن يحب الآخرين _ لا كالحب الذي يفهمونه _ بل الحب الحقيقي ، الحب الأبوي الحنون حتى يبادلوه حبًا بحب ، حب الأبناء لأبيهم الذي يحب لهم كل الخير .
    اللهم أحسن خاتمتنا ، واجعل خير أيامنا يوم لقائك يا رب العالمين .

    مقالة رائعة عميقة الفكر، ساحرة بجمال أسلوبها
    جزالة قول، وصحة معان ، وحضور مميز
    نص راقي بحسه وتعبيره وفلسفته ومعانيه
    دام يراعك ماطرا بما لم اتذوقه إلا حلوا
    ودمت بروعتك.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jul 2004
    الدولة : غزة فلسطين
    العمر : 72
    المشاركات : 2,005
    المواضيع : 323
    الردود : 2005
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي مشاهدة المشاركة
    إن الإنسان إذا بلغ به الكبر ، فإنه يسعى أولاً وأخيرًا إلى مرضاة الله ، وإلى الاستعداد للقاء ربه ،ولكن هذا لا يمنع أن يكون ودودًا رقيقًا ، يعطي الآخرين من تجاربه ما يفيدهم في دنياهم وآخرتهم ، وأن يحب الآخرين _ لا كالحب الذي يفهمونه _ بل الحب الحقيقي ، الحب الأبوي الحنون حتى يبادلوه حبًا بحب ، حب الأبناء لأبيهم الذي يحب لهم كل الخير .
    اللهم أحسن خاتمتنا ، واجعل خير أيامنا يوم لقائك يا رب العالمين .

    مقالة رائعة عميقة الفكر، ساحرة بجمال أسلوبها
    جزالة قول، وصحة معان ، وحضور مميز
    نص راقي بحسه وتعبيره وفلسفته ومعانيه
    دام يراعك ماطرا بما لم اتذوقه إلا حلوا
    ودمت بروعتك.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    الأخت نادية أشكرك على مرورك وتعقيبك وإطرائك ، وكلماتك تشجعني على الاستمرار في كتابة مثل هذه الخواطر