شِعرُ العجائب
أتُنكِرُ ، يا شِعرَ العجائبِ ، ما بِيَا ؟ وتَعجَبُ مِن حُزنٍ تَوخَّى فُؤادِيَا ؟ وتَزعُمُ أنّ الوَصلَ يُخمِدُ لَوْعتي ولَمْ تَدْرِ أنّ الوَصلَ يُذْكي عَذابِيَا فوَصلِيَ إيّاكَ احتراقٌ لِمُهْجتي ووَصلُكَ إيّايَ اختراقٌ لِذاتِيَا
أشَوقاً تُناديني إليكَ ؟ ومَن أنا لأَركَبَ أشواقي ، فأَرقَى المَعالِيَا ؟ وأنّى لمِثْلَيْنا التَّلاقي ، وهذهِ طَبائعُنا تأبَى علينا التَّلاقِيَا ؟ فلَستُ بفِردَوسِ الخَيالِ مُبشِّراً ولَستَ إلى نارِ الحقيقةِ داعِيَا
أبُثُّكَ شكوى القلبِ لحْناً مُرتَّلاً فتُنشِدُني لحْناً عنِ القلبِ نائِيَا وأرسُمُ أشواكاً وسَوطاً وظُلْمةً فتَرسُمُ لي غِيداً ودُفّاً وساقِيَا وأُفصِحُ عن مَعْنىً تَوهَّجَ نُورُهُ فتُفصِحُ عن لَفظٍ يُحاكِي الأَحاجِيَا وتصفُو لكَ الأفراحُ إن هدَّني الأسَى وتحلُو لكَ الأمداحُ إن كنتُ هاجِيَا بِحارٌ بأسبابِ الفِراقِ خبيرةٌ إذا اختارني بحْرٌ ، تَخيَّرتَ ثانِيَا فيا شِعرُ ، إنْ شَقّتْ عليكَ صراحتي وضِقتَ بأشجاني ، فذَرْني وشانِيَا ولا تَسألَنِّي عن قَوَافٍ نثَرْتُها فتِلكَ الدَّواهي أنطَقَتْني القَوافِيَا
وشَرُّ الدَّواهي : أنْ أرى لِيَ أُمّةً تَرى غيْرَها يَرقى ، فتَبقى كما هِيَا يُغرِّدُ في أوْكارِها الجهلُ ضاحكاً ويَنفِرُ مِن أقطارِها العلمُ باكِيَا ويبْزُغُ مِن أشواكِها الذُّلُّ يانِعاً ويغْرُبُ عن أشواقِها العِزُّ ذاوِيَا تَعَضُّ على الدُّنيا أنامِلَ حَسْرةٍ وتُجْري على الدِّينِ الحنيفِ المَآقِيَا فلا هيَ في الدُّنيا تُشرِّفُ عَصرَها ولا دينُها يُرْضي العصورَ الزَّواهِيَا لَئِنْ عَرَفَ الأجدادُ للصِّفْرِ قَدْرَهُ لقد صارَ للأحفادِ خِلاًّ مُصافِيَا وهل تَرتَقي إلاّ إلى الصِّفْرِ أُمّةٌ قدِ امتَشَقَتْ عِندَ الخُطوبِ الأمانِيَا ؟ إذا خَطَّ أهلُ الفخرِ فِعلاً مُضارِعاً أعَدَّتْ لهُمْ فِعلاً يُضاهيهِ ماضِيَا
وتَزعُمُ ، يا شِعرَ العجائبِ ، أننّي أزُفُّ إلى المَوتِ البَطيءِ فُؤادِيَا وأحمِلُ أثقالاً ، إذا ما نَبَذْتُها بَدَتْ ظُلمَتي نُوراً ، ودائي دَوائِيَا لكَ العُذرُ – كُلُّ العُذرِ – فيما تقُولُهُ فإنّكَ مِن فوقِ السّحابِ تَرانِيَا وإنّ حديثاً يُنكِرُ القلبُ صِدقَهُ لَآخِرُ ما تهفو إليه جِراحِيَا فذَرْني وأشجاني ، فإنّي كما ترى أسِيرُ شُجونٍ ، قد ألِفْتُ وَثاقِيَا وحَسْبُكَ مِن قبْلِ التفرُّقِ صرختي : أتُنكِرُ ، يا شِعرَ العجائبِ ، ما بِيَا ؟
تطوان (المغرب) - 02 نوفمبر 2008
ملحوظة لغوية :
في البيت 13 : (عن قَوَافٍ) .
لا يظُنَّنَّ أحدٌ أنّ الصواب : (عن قَوَافِيَ) .
صحيحٌ أنّ هذه الكلمة ممنوعةٌ من الصرف ، وينبغي أن تُجَرَّ بالفتحة النائبة عن الكسرة .
إلاّ أن لهذه الكلمة وما ماثلها قاعدةً خاصّة ، تقتضي أن تُقدَّر الفتحةُ المذكورة على الياء المحذوفة ، المعوَّض عنها بالتنوين .