... يزعجني أن أكتب عن همومي ومشاكلي الشخصية ويؤلمني أكثر أنْ أكتب عنك يا صديقي ، أتعلم لماذا ؟ لأنّني أخشى أنْ يفهمك غيري بطريقة ربما تسبّب لك بعض الألم فهم لا يعرفونك حقّ المعرفة و لن يفهموا أبدًا حقيقة ما أشعر به وغاية ما أتمناه ، وهذا الأمر يزعجني جدًا ، كم أودّ لو أنّ الزمن يعود إلى الوراء قليلًا فربما كنت أحزم حروفي وبقايا سطوري بهدوء يسبق عاصفتك التي أثرتها في قلبي لكي لا أحرجك ، عاصفة لم تحدثُ يومًا في عالم البحار والصحارى والقفار أطاحت بزورقي المتعب في ضربة ثلاثية الأبعاد لم أحسب لها يومًا أي حساب ، فعالمي المتقوقع فيك وفي محارتي لم يستعد ولم يهيئ صدره وظهره بما يكفي لتحمّل انقلاب عسكري بقسوة لم تكن لتخطر على بال ، ولم أدرك أيضا أنّ حرب النجوم ستبدأ قبل أوانها ومع من ؟ معي أنا وقلبي وعقلي منزوع السلاح من صوبك ، ليس بسبب ضغوطات دولية أو إقليمية أو محلية كما قد يتوهم بعض النّاس كلا ؛ بل لأنّ من هم بحجمك ووزنك كنت قد حجزت لهم مسبقًا وقبل الولادة بزمنٍ بعيد مكانًا في محارتي ، وضعت عليها قفلًا رميت مفتاحه ذات أمل في بحر لا قرار له .
... ذات جرح ؛ ذات جرح عميق عمق مكانتك في قلبي بل قل ما تبقى من غرفه التي هدّها زلزال ظنونك ضلّلت الطريق وأنا أبحث عني ، و بوصلتي انحرفت تاهت هي الأخرى ولم أعرف إلا بعد فوات الأوان أنّ محارتي هي من عطّل ذبذباتها ، تهت فيك كثيرًا يا أنتَ ، كم ضعتُ فيك وفي كتب التاريخ و خرائط الجغرافيا ونجم سهيل ألم تسمع عنّه ؟ لقد ضاع و تاه هو الآخر في مجرات لم نسمع عنها بعد وتركني أترنح شوقًا وعذابًا بجرم ذنب لم أقترفه ، أأخبرك شيئًا أعلم أنّك لا تعلمه ؛ تستطيع أنْ تجزم أنّني قاب قوسين أو أدنى من السقوط في مثلث برمودا حيث لا عودة و حيثُ الحزنُ ينسال كنهرٍ يئن أنينًا يتطاير في فضاء الوجع كطائر بجع يرقص رقصته الأخيرة ، يسيح في الفضاء فوق أرض الأحبة باحثًا عنهم بلهفة ليودعهم الوداع الأخير ، يرسل سلامًا من شغاف القلب تشقّقت له و من أجله كل صخور البازلت تحت الأرض وفوقها عطفًا وحنانًا على فقيد سيدفن وحيدًا غريبًا في فضاء لا حدود له ، تتردّد فيه صرخات الحيّرة و مرارة الفقد التي تستجدي لحظة أمل قلقة تتساءل عن مصير الحزن نفسه أين سيذهب بخار عذابه بعد أنْ يصبح حطامًا تذروه الرياح ؟ ومن سيشيّع بقايا شوقه إلى مثواه المفقود ؟
... ماذا يوجد في قاموس ( الضحايا ) غير حزن أشدّ بؤسًا من ألم ينفذ قرارات القسوة كعبد مأمور يطيع سيده في كل شيء ؟ وماذا هنالك أعتى من وجع يتفجر ذاتيًا بمجرد تلقيه إشارة وهمية ظنّ أنّ سيده أطلقها ذات شك خدع صاحبه !.
... يزعجني أنْ أكتب إليك يا صديقي فأنا ما زلت قلقًا من تبعات ظنونك عليك أنت وحدك ، أخشى عليك بعد رحيلي ، من يستطيع العيش بدون صديق صدوق ؟ ألا تقل لي أنتَ بربك كيف لا يتحول نهر ماء حزين إلى تراب بعد لحيظات جرّاء شك وظنّ يبعد مسافات ضوئية عن اليقين ؟ جفّت منها ينابيع المودّة والأمل فأتعبت نفسك وأرهقتني ، لكن إياك أنْ تحزن ودع الحزن لي وحدي ، فأنا أعلم يقينًا أنّ السؤال ضلّ طريقه إليك وأنّ هناك طابورًا خامسًا يلعب لعبته في فضاء الزمن المحدق بنا ؛ و الذي قد نتركه أحيانًا يلهو بقلوبنا المتعبة في غفلة منّا ، أعذرك يا صديقي فمن يحمل قلبًا مثل قلبك لا بد لي من أنْ أعذره .
... أعذره يا جرح ، فأنا لست غاضبًا منه ، وليعذره كل من يعرفه ومن لا يعرفه ، فأي أذى قد يسبّبه له أحد ما إنّما هو أذىً يزيد في عمق جراحي ، آهٍ لو تعلمون كم هو طيب قلب صديقي لو كنتم تعلمون .. لكنّه الظنّ والشك أيها القلب فدعه يعيش بسلام آمن هناك ، ودعيني يا محارتي أسأل فأنا لن أملّ السؤال ، لا تحرميني الجواب عن سؤال ما زال يقلق نبضٍ في طريقه إلى الفناء .
... يا بحر هل كان عليه أنْ يسلّط الحزن عليّ ليفتّت عظامي كي يخترق محارتي ويعلم علم اليقين أنّه فيها مقيم ؟
سامحك الله يا صديقي ..