ليس الغريب غريب الشام واليمنِ
1- ليس الغريب غريب الشام واليمنِ *** إن الغريب غريب اللحد والكفــنِِ
2- إن الغريب له حـقٌ لغربتـــِهِ *** على المقيمين في الأوطان والسكن
3- لا تنهرنَّ غريبًا حـال غربتــهِ *** الدهــرُ ينهره بالذلِّ والمِحَــنِ
4- سفـري بعيدٌ وزادي لـن يبلِّغَني *** وقوَّتـي ضعفُتْ والمـوت يطلبني
5- ولي بقايـا ذنوبٍ لسـتُ أعلمها *** اللهُ يعلمُـها في الســرِّ والعلَـنِ
6- ما أحلَمَ الله عني حيث أمهلنـي *** وقد تماديتُ في ذنبـي ويستُرُنـي
7- تمـرُّ ساعاتُ أيامي بِلا نــدمٍ *** ولا بكـاءٍ ولا خـوفٍ ولا حَـزَنِ
8- أنا الذي أغلـق الأبوابَ مجتهدًا *** على المعاصي وعينُ اللهِ تنظرني
9- يا زلـةً كُتِبَتْ في غفلـةٍ ذهبت *** يا حسرةً بقيت في القلب تحرقني
10- دعني أنوحُ على نفسي وأندبها *** وأقطعُ الدهـرَ بالتذكيرِ والحَزَنِ
11- دع عنك عَذلي يا من كان يعذلني *** لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني
12- دعني أسُحُّ دموعا لا انقطاع لها *** فهل عسى عَبرةً منها تُخَلِّصَني
13- كأنني بين جُـلِّ الأهل منطرحًًا *** على الفِراشِ وأيديهـم تُقَلِّبُنـي
14- وقد تجمَّع حولي من ينوح ومَنْ *** يبكي علي و ينعاني ويندبني
15- وقد أتَـوا بطبيبٍ كي يعالجني *** ولم أرَ الطبَّ هذا اليـومَ ينفعُني
16- واشتد نَزْعي وصار الموت يجذبني *** من كلِّ عِرْقٍ بلا رفقٍ ولا هَوَنِ
17- واستخرَجَ الرُّوحَ مني في تَغَرْغُرِها *** وصار ريقي مريرًا حين غَرْغَرَني
18- وغمَّضوني وراح الكلُّ وانصرفوا *** بعد الإياسِ وجَدّوا في شِرا الكَفَنِ
19- وقام مَن كان حِبُّ الناسِ في عجلٍ *** نحوَ المُغَسِّلِ يأتيني يُغَسِّلُني
20- وقال يا قومُ نبغي مُغَسِّلاً حَذِقـًا *** حُرًّا أديبًا أريبًا عارفـًا فَطِنِ
21- فجاءني رَجُـلٌ منهم فجرَّدنـي *** من الثياب وأعراني وأفردني
22- وأودعوني على الألواحِ مُنْطَرِحًا *** وصار فوقي خرير الماء ينظفني
23- وأسكَبَ الماءَ من فوقي وغسَّلني *** غسلا ثلاثا ونادى القومَ بالكفنِ
24- وألبسوني ثيابــًا لا كِمامَ لها *** وصار زادي حَنوطي حين حنَّطني
25- وأخرجوني من الدنيا فوا أسفًا *** على رحيـلٍ بلا زادٍ يُبَلِّغُـني
26- وحمَّلوني على الأكتاف أربعةً *** من الرجالِ وخلفي من يُشَيِّعُني
27- وقدَّموني إلى المحرابِ وانصرفوا *** خلفَ الإمامِ فصلَّى ثمَّ ودَّعَني
28- صلوا عليَّ صلاةً لا ركوع لها *** ولا سجودَ لعلَّ اللهَ يرحـمُني
29- وأنزلوني إلى قبري على مَهلٍ *** وقدَّموا واحدًا منهم ليلحدَني
30- وكشَّف الثوبَ عن وجهي لينظُرَني *** وأسبلَ الدمعَ من عينيه أغرقني
31- فقـام محترِمًا بالعـزمِِ مشتملاً *** وصفَّفَ اللبْنَ من فوقي وفارقَني
32- وقالَ هيلوا عليه التُّرب واغتنِموا *** حُسنَ الثوابِ من الرحمنِ ذي المِنَنِ
33- في ظُلمةِ القبرِ لا أُمٌ هناك ولا أبٌ *** شـفيقٌ ولا أخٌّ يؤَنِّسُـني
34- وهالني صورةٌ في العينِ إذ نَظَرت *** مِنْ هَولِ مَطْلَعِ ما قد كان أدهشني
35- مِنْ مُنْكَرٍ ونكيرٍ ما أقـول لهم؟ *** قد هالني أَمْرُهُم جِـدًّا فأفزعني
36- وأقعدوني وجدُّوا في سؤالهِمِ *** إلهي مالي سِواكَ إلهي مَنْ يُخَلِّصُني
37- فامنُنْ عليَّ بعفوٍ منكَ يا أمـلي *** فإننـي مُوْثَـقٌ بالذَّنْبِ مُرتَهَـنِ
38- تقاسَمَ الأهلُ مالي بعدما انصرفوا *** وصار وِزري على ظهري فأثقَلَني
39- واستبدلت زوجتي بَعلاً لها بَدَلي *** وحكَّمَتْهُ على الأمـوالِ والسَّكَنِ
40- وصيَّرَتْ ولدي عبـدًا لِيَخْـدِمَهُ *** وصار مالـي لَهُمْ حِلاً بلا ثمن
41- فلا تَغُرَّنَّـكَ الدنيـا وزينَتُهـا *** وانظر إلى فعلها في الأهل والوطنِ
42- وانظر إلى مَنْ حوى الدنيا بأجْمَعِها *** هل راحَ منها بغيرِ الحِنْطَ والكفنِ
43- خُـذِ القنـاعةَ من دُنياك وارضَ بها *** لو لم يكن لك إلا راحةََ البَدَنِ
44- يا زارعَ الخيرِ تحصدْ بعدَهُ ثمرًا *** يا زارعَ الشَّـرَّ موقوفٌ على الوَهَنِ
45- يا نفسُ كُفِّي عن العصيانِ واكتسبي *** فِعلاً جميلا لعلَّ الله يرحمُني
46- يا نفسُ ويحكِ توبي واعملي حَسَنًا *** عسى تُجازِينَ بعد الموتِ بالحَسَنِ
47- ثم الصلاةُ على المختارِ سيـِّدِنا *** ما وضَّأ البرقُ في شامٍ وفي يَمَنِ
48- والحـمد لله مُمْسينا ومُصْبْحُنا *** بالخـيرِ والعفـوِ والإحسانِ والمِنَنِ