عوج
مثَله مثل عوج بن عنق، بعير آدمي هائج، يشرب أربع قرب ويأكل ثلاثة قدور، وينام نصف يوم، ويبقى حتى الغد وجوفه يصطخب بهضم طعامه، مطلقا ريحه وجشاءه بين البيوت الطينية القميئة، فيرتفع بكاء الصغير ويهتز فؤاد الكبير. ويمكّنه جسمه العملاق من رقاب تجار القرية، فتطال يده ما يشاء بحجة أنه فقير على باب الله، ويأخذ حقه بالقوّة. ومن يعارضه فإنه يطلق خرطوم بوله على بضاعته حتى يغرقها. غير أنه لا يتعرض لشيخ ولا صبي ولا امرأة، وكلّ بيت أو حائط أو بئر فله فيها فزعة يوم واحد تعادل عمل عشرين رجلا. وإذ يحدث شجار بين رجل من القرية وغريب فإنه يأتي متظاهرا بالبراءة كالمستفهم، ويعطس في وجه الغريم فيرتجّ رأسه ويفقد صوابه. لم يعجز في شيء قط إلا عن زحزحة الصخرة الكبيرة التي تجاور المحراب، فقد ضربها بالعتلة أكثر من مرة فلم تتزحزح من مكانها، فقرر أن يهجر المسجد إلى الأبد. وكان يقول للمطوع: أنا لا أصلي، لكن إذا جاء العدوّ وأعياكم القتال فأخبروني. احتال سادة السوق ليحدوا من طغيانه عليهم فتوصلت أذهانهم إلى أن يعرضوا عليه إحدى بناتهم للزواج. فسخر منهم قائلا: أنا مثل آدم، ولا يصلح لي إلا مخلوقة خرجت من ضلعي. واشتدّ وقع شكواهمْ منه ودعواتهم عليه بالعذاب والثبور، دون أن يرتدع أو يرف له جفن. لكن شيئا غامضا لا تفسير له جعله ينقطع عنهم ويظل غائبا سائر يومه وراء الجبل حتى يهبط الليل، وانقطعت غزواته المفاجئة لهم. لكن القرية بعد ذلك غاصت في وحل الذلّ وتسلط عليها الغادي والرائح وقاطع السبيل، فلم يكن من التجار إلا أن عقدوا اجتماعا آخر بهدف توليته منصب الشرطيّ لقاء مرتبٍ مجزٍ. فلم يقبل إلا بشرط أن تطلق يده لتنال ما يشتهي من الأطعمة والملابس والأمتعة. لم يوافقوا في البداية، ثم استقرّ الأمر على أن يرسموا له لليوم الواحد، أربع قرب لبن، وثماني قرب ماء، وثلاثة خراف، وأن يكسوه حلة لجثته المتطاولة مرة كل شهر. وأبرم الاتفاق بمشهد من الأعيان وكبار السن. ولم يحدث أي اختراق أمني بعد ذلك، إلا مرة واحدة، سارع فيها بإمطار الغزاة بوابل من الحصى جعلهم يولّون الأدبار. وظل البعير الآدمي ينام ويقيل على قطعة السعف في ظل الجبل، بعد أن يملأ جوفه الهائل بما لذ وطاب، مطلقا شخيره الرهيب في الأرجاء، دون أن يجرؤ أي طائف من طوائف الدهر على أن يسيء إلى جناب قريته المحروسة.