أعشق البحث عنكِ ( 4 )
ـــــــــــــ
يا ذئب ،،، لكأن وحيا من أماني[1] أُلهِمْته .
قال : وبم أوحت إليك ؟
قلت : السريالية[2] ! .
قال : ويحك ،،، أوَتجعل لحبيبتك فوق رأسها رأسا ، وفي بطنها رأسا ،،، ويد طويلة وأخرى قصيرة كذاك المجنون الذي قال له الجنون أترك بعضا مني يا سلفادور[3] لغيرك !!!؟؟؟ .
قلت : لا ،،، ليس هكذا يا ذئب .
قال : وما السريالية إذن ،،، إلا الجنون وابتداع غير المألوف ، كأن تأتي بعالم ليس كالعالم .
قلت : هي كما قلت يا ذئب ،،، غير أن سريالية حبيبتي تختلف معها سريالية الجنون .
قال : آهة ،،، ويتفق معها جنونك أنت .
قلت : لكأنك تهزأ يا ذئب ؟
قال : لا ،،، غير أنك إن فعلتَ ، فما من شك أنك قد دُهِيْتَ منها بداهية .
قلت : أوَتقولها يا ذئب ،،، قد دُهِيْتُ والله .
ضحك وقال : فما سرياليتها إذن ؟
قلت : أوَليست هي امرأة ؟
قال : لا بد أن تكون امرأة .
قلت : سأخلع عليها حسن الحُجْر[4] التي نُعِّمَت وسُمِّنَت للنظر فقط لا لغيره .
قال : آهة ،،، وما في الحُجر من حسن ؟
قلت : ويحك أبا سرحان ،،، لحم كالحرير يُنشر ويطوى أمام العين ،،، لا يراها الفرس إلا أُقْحِم في مفازة حسنها ،،، فإن أُقحم حُرِم منها لأنها للنظر كما أسلفتُ .
فإن حُرِم توحّش كمن ندّ في البيداء وتأبّد مع الأوابد .
قال : ثم يأنس بعزيف[5] الجان .
قلت : أحسنت يا ذئب ،،، ويتراءى له ما يكذبه العقل على العين من الترائي[6] .
قال : ثم ؟
قلت : ثم أخلع عليها تشظي الحسن حتى يعمّ بدنها ، وحتى لا يميز منها ولو مقدار حبة خردل من نُكر ،،، .
قال : كيف النكر وهي الجميلة كما تصف ؟
قلت : هو ليس فيها ،،، غير أنه فيما لو علق بثوبها عالق .
قال : أعلم أنك ستنفي عنها الفحش .
قلت : كأنك يا ذئب تتقالّ[7] حسنها ؟
قال : لا ،،، ولكن لم يبق إلا أن تقول أنها تبصقُ عسلا ! .
قلت : أوَتظن أنك أكْذَبْتَ على ريقها العسل ؟
والله لقد جئت بالخبر اليقين ،،، وإني لأحسب النحل يسرق من فيها العسل ، فيدّعيه لنفسه .
يا أبا سرحان ، وأيم الله لإنّ اللّمى تنتح العسل نتحاً ،،، ولتحلب الشهد حلباً .
قال الذئب بعد أن سهم قليلا : ليت جَهِيْزَة[8] كذلك ! .
قلت : جهيزة !!! الحمقاء ؟
قال : ولم الغمز يا حسين ؟ ،،، ألأنها ترضع جراء أم عامر ظنا منها أنهم جرائها ؟؟؟ .
والله ما حمقها إلا في هذا الموضع ،،، وإلا فهي لبيبة فطنة .
قلت : كما ترى يا ذئب .
قال : حسنا ،،، وماذا بعد ؟
قلت : ثم أخلع عليها الخُبث !!! .
قال : هذا هو الجنون يا سريالي حبيبته .
يا رجل ،،، كيف ،،، كيف بالله عليك ؟
قلت : مهلاً ،،، لم أكمل .
إنما حبيبتي خبيثة في معالجتي بحُسنها !!! حيث لا تُلقيه إلا عليّ ، كلئيم لا يلقي الجمرة إلا في هشيم مجتمع !! .
قال : والله إنه الخبث بعينه ،،، وإنها الفتن ترقّت بعضها من بعض .
يا مسكين يا أنتَ ،،، لعلها تريدك أن تقعد هناك تلفظ كلمات وامانيّ عاشق يرزح تحت ما يهجس[9] به ،،، وتحت ما تتخابث به الحسناء ؟
قلت : نعم ،،، ألا تراني قد جُستها[10] بالروح قبل الجسد ؟
لعمري يا ذئب ،،، قد تَمَدّدَت في الحشا ترتع وتتمطّى ،،، وأنا أتلذّع[11] بها وأُكوى .
قال : هيه يا حسين ،،، وماذا أيضا ؟
قلت : أخلع عليها الوَرَع ؟
قال بتعجب : الورع !!! ؟
قلت : نعم ،،، تورّعت عن مقارفة القُبح ! .
قال : وهل القبح يُقارف يا حسين ؟
قلت : أنظر في الأرجاء وستجد ضالّتك .
حرّك ذيله قليلا ثم قال : وهل حبيبتك أُمطرت الحسن ولا شيء غير الحسن ؟
قلت : نعم ،،، ولا أدري كيف سيق لها .
قال : ألا تخشى أن تمطرك الهُيُوم[12] فنّا بعد فن ؟
قلت : بلى والله .
قال : وآخر قولك ؟
قلت : قاتل الله جفنها ، كيف يُشْعِبُ[13] في كبدي صدوعا !!! .
قال : وماذا أيضا ؟
قلت : ألا يكفي بما سلف سريالية خاصة بملكتي ؟
قال : بلى ،،، وربك إنها سريالية جديدة .
ثم تنبه وقال : قلت لي ،،، من التي أوحت إليك بسريالية حبيبتك ؟
قلت : أماني .
ضحك وقال : وهل فهمتُ ؟؟؟ إنه اسم من عرض الأسماء .
قلت : شأنك .
ـــــ انتهى ـــــــ
حسين الطلاع
30/5/2010 م.
المملكة العربية السعودية – الجبيل .
[1] أماني : هي الأستاذة أماني عواد ، حيث ذكرت السريالية في تعليق لها على أعشق البحث عنكِ ( 3 ) .
[2] : السريالية : مذهب فني أدبي في اللا شعور يهيم في ما بعد الواقع الحسي المنطقي الموضوعي ، ظهر في فرنسا في أعقاب الحرب العالمية الأولى ،،، وهو عموما للهروب من الضغوط والتحرر .
[3] : الفنان الإسباني سلفادور دالي .
[4] : الحُجر هي أنثى الحصان ،،، اما الفرس فهو الذكر .
[5] : العزيف هو صوت الجن .
[6] : هو التخيّل من شدة التوحش أو الخوف ،،، وهو غير حقيقي لأن العقل يعكسه على شبكية العين لأنه خائف ويفكر به ، فيقول إني رأيته ،،، وحقيقة لا لم ير شيئا لأنه موجود برأسه فقط لا أمامه .
[7] : يتقالّ أي يجعلها قليلة .
[8] : جهيزة : هي أنثى الذئب .
[9] : الهاجس هو حديث النفس
[10] : من الجوس وهو طلب الشيء بتقصي الأثر ، منه قوله تعالى ( فجاسوا خلال الديار )
[11] : التلذع هو التحرّق بالنار .
[12] : الهيوم هو درجة الحب المفضي إلى الجنون والموت ، وهو يختلف عن الهُيام .
[13] : من الشِّعاب وهي مجارى وأودية المياه .