حول تحليل النص الشعري , د. حسن جبار شمسي

رحل الى عالم الاموات , فمن الوفاء ان أنشر له هذه المحاضرة , مع تصرف بسيط جداً ربما سببه سرعة الكتابة , أثناء الالقاء


حول تحليل النصّ الشعريّ

 معرفة الشروط المكونة للنصِّ الشعري في حقل معرفة مرجعيته أو مرجعياته العامة .
 كلّ قراءة نقدية لنصٍّ ما هي رؤية فردية ذاتية اجتهادية غير مطلقة , إذ لا توجد قراءة مطلقة في عالم الأَدب .
 معرفة النصّ كبنيةٍ مستقلة متميزة ذات مستويات لها أنساقها وقوانينها , ومن ثمة كشف حقل الدلالات فيه . هذه هي العملية المركزية في التحليل على العكس من القراءة السطحية العابرة .
 اعتقد أنَّ الشرط الأول في معرفة النصّ هو التعايش معه إلى حدِّ الحفظ , والذوبان والتماهي بين حركاته وسكناته , حتَّى يصبح جزءاً من الأنفاس .
 النصّ يرتبط بعددٍ من القراءات المحتملة , انه في ذاته ينطوي على أكثر من معنى , وتختلف القراءة باختلاف الزمان والمكان , وباختلاف القراء أنفسهم .
 مرادنا في قراءة النصّ هو كشف فائض المعنى , ذلك الفائض الذي يزيد على النصّ , أو يرشح منه , المعنى الكامن خلف النصّ , لا المعنى الطافي فوق الألفاظ .
 هدفنا هو البحث عمَّا يمكن أن يقوله النصّ الشعري , ممّا هو غير ظاهر على سطحه من أبنية لغوية واضحة , ومن دلالات مخبوءة في متون النصوص , ننظر إليها بغض النظر عن قدم قائلها أو حداثته , ونحاول تطبيق المنهج الذي نقترحه نحن للقراءة , ونحاول فتح النصّ على نصوص أخرى .
 الأحكام النقدية تكون من النصّ , ذلك أنَّ أَعدل الأحكام هي المأخوذة من النصّ كمحاولة من محاولات تأويل النصّ , ولذلك نحاول فصل المؤلف عن نصّه , وقد يوؤل النصّ بعيداً عن كونه وثيقة تاريخية أو اجتماعية , كما فُعل ذلك كعب بن زهير والرمزية التي احتملتها سعاد .
 فإنَّ الكشف عن الحياة الحقيقية للمضامين لا يأتي من القراءة العابرة العجلى , وإنَّما ينكشف من خلال معاينة المحمول الدلالي والهيأة الإبداعية الكامنة في نسيج النصّ .
 في معرفة ماهية النصّ وكشف عناصره المكونة له , ظهرت انجازات نقدية عميقة الأهمية منها ما وُضع في مجال اللسانيات دي سوسير وياكوبسن وتشومسكي , ومنها ما وضع في باب انجاز الشكلانيين الروس , ومنها ما وُضع في باب الانثروبولوجي كلود ليفي شتراوس , ومنها وما وُضع في علم النفس الفرويدي واللاكاني . وقد وُضعت هذه الانجازات في خدمة النصّ والبحث عن مكوناته الأصلية , وأصبحت أسماء مثل : لوسيان غولدمان , ورولان بارت , وجيرار جينت , وكوهين , وجوليا كرستيفا , و ريفاتير ... أسماء تقدم أعمالها لتبلور منهجاً أكثر تكاملاً , أي أكثر قدرة على معرفة النصّ الأدبي في سره وغناه , وفي خصائصه ونظامه , فقد درست هذه المحاولات اللغة كجملة مفردات معجمية ونحوية وحروف وأصوات تتوازى وتتناقض فضلاً عن محاولاتها في دراسة الدلالة المختبئة وراء البنية وخاصة عند لوتمان , وقد ظهرت هذه المحاولات في نقدنا العربي المعاصر .
 إنَّ عملية القراءة هي التفتيش عن المدلولات المخبأة , والمدلول – كما يقول محمد خرماش – هو حاصل جمع بين الشيء واسمه , وهذا يندرج في إطار البحث عن مضامين اللغة , ويفيد بأنَّ اشتغال الفكر عملية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتربية اللسانية وبالمكّون اللغوي الذي يكتسبه الإنسان من مجتمعه , لأنَّ المجتمع هو المخزن الذي تتراكم فيه البنى اللغوية , ومن هنا ينتقل الكلام – كما قال سوسير – من صفته التصريحية التي يجتمع فيها الدال والمدلول , إلى الصيغة الإيحائية , بوصفها الموطن الأصلي للنصِّ الذي نسعى إلى اكتشافه من خلال قراءتنا لمجموعة من النصوص الشعرية , وبما أنَّ الخطاب الأدبي هو خطاب إيحائي , فإنَّ الشعر , بوصفه خطابا أدبياً , لا يقدم لنا الواقع كما هو , وانما يقدم لنا ما يساعد على تلمسه . ومن هنا فان نظريات التأويل تصر على دمج القارئ في النصّ , وترى ان الفهم الحقيقي يقوم على الاستجابة الحقيقية لمقصدية النصّ , أي على المؤشرات التي ينقلها القارئ كي يدرك قيمة بنائه . من هنا فان عملية القراءة لم تكن متروكة لاجتهادات القارئ أو الناقد , وانما هي محكومة بمعرفة الظواهر النصّية وكيفية اشتغالاتها , وبذلك تكون القراءة الواعية محاولة للفهم العميق والاستنباط , أو كما قال فالديس : نشاط إنساني خلاق في عملية التمثيل والتوسط والإبلاغ عن مرجعيات النصّ ومكوناته الدلالية .
 وبعد , فإننا نسعى من خلال ما تقدم , إلى تقديم مقترحات لقراءة تنطلق من إيمان بما اسميه ( منهج النصّ ) : ذلك المنهج الذي يعتمد التحليل والتأويل احتكاما إلى معطيات النصّ , وما يمكن ان يتركه في نفس قارئه , وما يشكل من صور . وذلك لا يعني الافتراق عن المناهج الأخرى تماماً , فنحن نستفيد من السيرة والعوامل النفسية والاجتماعية في إضاءة كثير من زوايا النصّ المعتِمة , إلا أنَّ الحكم دوما هو للنصِّ بوصفه بنية متكاملة تعطي موقفا , أو تحدد حالة يفترض وصولها إلى القارئ .

د. حسن جبار شمسي
كلية التربية اللغة العربية



رحمك الله يا أستاذنا , وأدخلك فسيح الجنان
تلميذك منتظر

وفاء يحسب لك في زمان تندر فيه هذه العملة
وتسجيل لشيء من عطائه نسال الله لك وله عليه الأجر العظيم

أما عن ما أوردت هنا فلنقل أولا
لعل صياغتك للموضوع على شكل نقاط مباشرة أكسبة صفة تخصصية جافة، جعلت من الصعب على غير المتخصصين - وانا منهم- متابعة الموضوع بما يكفي للخروج منه بفكرة عامة، ولعل هذا كان سببا في عدم ورود ردود عليه، برغم أن المشاهدات كانت جيدة جدا.

ولا شك أن ما قرأنا هنا يدل بوضوح على تمكنه - رحمه الله- وإحاطته التامة بما يقول، غير أن ثمة ما يشير إلى تبنيه نظريات أدبية غربية كان يجدر - ربما- توضيح انتماء الفكرة المطروحة لها أو انعكاسها عنها
ففي قولك أن "النصّ يرتبط بعددٍ من القراءات المحتملة , وانه في ذاته ينطوي على أكثر من معنى , وتختلف القراءة باختلاف الزمان والمكان , وباختلاف القراء أنفسهم." تستدعي للذاكرة نظرية استجابة/ تأويل القارئ reader-response theoryالمتطورة عن نظرية التلقي Reception theory والتي تقوم على رفض اعتبار النص الأدبي شيئا/ كيانا خالصا، وتعتبره شيئا موضوعا مقصودا يتكون ويدرك في وعي القارئ أثناء عملية القراءة، مما يفتح الباب أمام تعدد القراءات ولا نهائية الدلالة واختلافها الامنتهي باختلاف الزمان والمكان، ويلغي بالتالي فكرة تكامل النص وقصدية المؤلف، وقد ظهر هذا المعنى في أكثر من موقع فيما عددت من نقاط.

وفي قولك أن "الأحكام النقدية تكون من النصّ ,وأنَّ أَعدل الأحكام هي المأخوذة من النصّ كمحاولة من محاولات تأويله, ولذلك نحاول فصل المؤلف عن نصّه , وقد يوؤل النصّ بعيداً عن كونه وثيقة تاريخية أو اجتماعية" تعيد للذاكرة نظرية موت المؤلف death of the author وهي ايضا من النظريات التفكيكية التي تفتح المجال لتعدد القراءات وتباين التأويل وتلغي قصدية المؤلف وما قد ينوي بنصه من رسائل وغايات لتوصيلها، ولعل أكثر من نظرية غربية ظهرت لنا أو بدت وراء ما قرأنا هنا من بنود كتلك القائلة بأن الخطاب الشعري لا يقدم الواقع بل يحاكيه، فيما يتصل مباشرة بالعقلية الغربية التي ما زالت تعزو النص الأدبي لإيحاءات الآلهة والإلهامات المرتبطة بميتافيزيقيا تخصهم.
وبغض النظر عن وضوح تشرّب الأستاذ رحمه الله بهذه النظريات وربما بالأفكار وراءها، فقد بدت بفعل كيفية الطرح كما لو كانت أفكاره الخاصة، مع أنها ترجع لنظريات غربية معروفة وشائعة، ويحسن في هذه الحالة نسبة الفكرة للنظرية بشكل بيّن تماما.
وقد اسعدني هنا ما جاء في الفقرة الأخيرة من النص ، والتي أوضحت تصورات الأستاذ وخروجه بمنهج أظنه استفاد فيه من كل النظريات النقدية، والذي اسماه بـ منهج النصّ معتمدا فيه " التحليل والتأويل احتكاما إلى معطيات النصّ , وما يمكن ان يتركه في نفس قارئه , وما يشكل من صور وذلك لا يعني الافتراق عن المناهج الأخرى تماماً , فنحن نستفيد من السيرة والعوامل النفسية والاجتماعية في إضاءة كثير من زوايا النصّ المعتِمة , إلا أنَّ الحكم دوما هو للنصِّ بوصفه بنية متكاملة تعطي موقفا , أو تحدد حالة يفترض وصولها إلى القارئ ".

رحم الله الأستاذ د. حسن جبار شمسي وأسكنه فسيح الجنان ، وأنعم علينا وعليه بالرضى والرضوان، وجزاك عن وفائك الخير في الدنيا والآخرة

تحيتي

ودمت بألق

أستاذتي الرائعة

إن هذا المنشور هو مختصر مكثف , ثم هو محاضرة لمستوى طلبة الماجستير , ومناسبة النص كما يقال مهمة , وكذلك العنوان يشير الى التعددية ربما , فهو أسس تعين القارئ على كيفية قراءته للنص الشعري , فقد عرض الاراء ثم أختط لنفسه منهجاً , هذا ما قد فهمناه
وسأبعث لك رسالة خاصة توضح الظروف التي فيها ألقيت هذه المحاضرة

أما عن عدم القراءة فهذا شيء لايهمني كثيراً , والردود فقط ردّ ملكة النقد وأستاذتي الغالية يكفي , بل أغرقني في أنوار الفرح والاعتزاز

التلميذ
منتظر

رحم الله استاذك و اسكنه فسيح جناته
ان ما نشرته هنا من اقوال استاذك يدل على عمق تأثيره في نفسك و على وفائك لمن علمك الكثير فجزاك الله خيراً.
ان ما تحدث عنه استاذك يمثل عصارة اهم النظريات النقدية فقدمها بقالبٍ مرن مبتعداً عن الحديث النظري البحت و عن الغوص في تفاصيلها فما قدمه كان هو ما يجب معرفته و ادراكه .
" مرادنا في قراءة النصّ هو كشف فائض المعنى , ذلك الفائض الذي يزيد على النصّ , أو يرشح منه , المعنى الكامن خلف النصّ , لا المعنى الطافي فوق الألفاظ ." هذا يسمى بدراسة deep structure and surface structure وهي من ضمن اسلوب نقدي يسمى stylistics بحيث يتم البحث في البينية الظاهرية للنص والبينية الداخلية للخروج بأكبر قدر ممكن من المعاني و الدلالات التي يحملها النص مع مراعاة اختلاف القراءات بين قارئ واخر وهذه نظرية reader's response التي تنص على ان لكل قارئ فهم وادراك للنص قد يتشابه و قد يختلف عن نظرة قارئ اخر .
تطرق استاذك ايضاً لنظريات ال deconstruction نظرية وضعها Jacques Derrida التي تقوم على تفكيك النص الى وحدات صغيرة تساعد على فهم النص و تحليله >
"هذا يندرج في إطار البحث عن مضامين اللغة , ويفيد بأنَّ اشتغال الفكر عملية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتربية اللسانية وبالمكّون اللغوي الذي يكتسبه الإنسان من مجتمعه , لأنَّ المجتمع هو المخزن الذي تتراكم فيه البنى اللغوية " هذا شرح مختصر ل stylistics .
من اهم النظريات الغربية الحديثة التي تحدث عنها استاذك هي ان الادب عموماً لايمثل انعكاساً او تصويراً للواقع وانما مُحاكاة للواقع "لا يقدم لنا الواقع كما هو , وانما يقدم لنا ما يساعد على تلمسه " .
احسب استاذك من خلال هذه المحاضرة الرائعة استاذاً عبقرياً بمعرفة واسعة عرف كيف يوصل نظرياتٍ غاية في التعقيد و ان يتطرق الى اهم النظريات النقدية في هذه المحاضرة ويوصل الفكرة لطلابه ويترك فيهم هذا الاثر الرائع الذي رأيناه فيما كتبت .

جزاك الله خيراً
تحيتي و تقديري

الاستاذة الجليلة صفاء
شكرا جزيلا على هذه الاضاءة الرائعة
...
ايتها الناقدة الكريمة
لم نستمتع بعلمه الا بهذه اليتيمة , وكانت عصارة افكار جمة
رحمه الله
كان يعاني ما يعاني
حتى انهى العام
ثم انتقل الى الرحمن الرحيم

اعاود شكري لتعليقك الرائع

لك محبتي

التلميذ