قيمة الزّمن عند العلماء
فكرة / ربيع بن المدني السملالي
قال رجلٌ لراهب هذه الأمّة عامر بن عبد قيس : قف أكلّمك . قال : فأمسك الشّمسَ .
يعني أوقف الشّمسَ واحبِسها عن المسير حتّى أكلّمك ، فإنّ الزّمن متحرّك دائبُ المضيّ لا يعودُ بعد مروره ، فخسارته خسارة لا يمكن تعويضها واستدراكها لأنّ لكلّ وقت ما يملأ من العمل . أفاده أبو غدّة في كتابه الرّائع (( قيمة الزّمن عند العلماء )) .
وقال ابنُ الجوزي في صيد الخاطر : وأعوذُ بالله من صحبة البطّالين ! لقد رأيتُ خلْقاً كثيرا يجرون معي فيما اعتاده النّاس من كثرة الزّيارة ، ويسمّون ذلك التّردّد خِدمة ! ويطيلون الجلوسَ ، ويُجرون فيه أحاديث النّاس وما لا يعني ، ويتخلّله غِيبة .وهذا شيءٌ يفعله في زماننا كثير من النّاس ، وربّما طلبه المزور ، وتشوّق إليه ، واستوحشَ من الوحدة ، وخصوصا في أيّام التّهاني والأعياد ، فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض ، ولا يقتصِرون على الهناء والسلام ، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزّمان . فلمّا رأيتُ ان الزّمان أشرف شيء ، والواجب انتهابه بفعل الخير ، كرِهتُ ذلك وبَقيتُ معهم بين أمرين : إن أنكرتُ عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف ، وإن تقبّلْتُهُ منهم ضاع الزّمان ! فصرتُ أدافِعُ اللّقاء جَهْدِي ، فإذا غُلِبْتُ قصّرتُ في الكلام لأتعجّل الفراق . ثمّ اعددتُ أعمالاً لا تمنع من المحادثة ، لأوقات لقائهم ، لئلا يمضي الزّمان فارغاً ، فجعلتُ من الاستعداد للقائهم قطْعُ الكاغد – أي قص الورق – وبَريْ الأقلام ، وحزم الدّفاتر ، فإنّ هذه الأشياء لابد منها ، لا تحتاج إلى فكر وحضور قلب ، فأرصدتها لأوقات زيارتهم ، لئلا يضيعُ شيء من وقته .
وقال : وقد رأيت عمومَ الخلائق يدفعون الزمان دفعا عجيبا ! إن طال اللّيلُ فبحديث لا ينفع ، أو بقراءة كتاب فيه غَزَل وسَمَر ، وإن طال النّهار فبالنّوم ، وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق ...
قال ابنُ القيّم :
اشتَر نَفْسَكَ الْيَومَ ، فَإنَ السُّوقَ قَائِمةٌ ، والثَّمنَ موجودٌ ، وَالبَضائِعَ رَخِيسَةٌ ، وَسَيأتِي على تِلكَ السّوق والبضَائع يومٌ لا تصِلُ فيه إلى قَليل ولا كثير " ذَلِكَ يوْمُ التّغَابُنِ " " يوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ على يَدَيهِ " . اهـ الفوائِد ص 62
- رَأيْتُ الْعَادات قَدْ غَلبتْ على النّاسِ فِي تَضييعِ الزّمَان ، وكَانَ الْقُدَماءُ يَحْذَرونَ من ذلِكَ . قالَ الْفُضيلُ : أعْرِفُ منْ يَعُدُّ كَلامَه منَ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعةِ . ودخَلُوا على رَجُلٍ منَ السّلَفِ ، فقالوا لعَلّنَا شَغَلْناكَ . فقالَ : أصْدُكُمْ ، كُنتُ أقْرأ وتركتُ القِراءةَ لأجْلِكم . وَجَاءَ رَجُلٌ منَ الْمُتعَبِّدين إلى سريّ السَّقَطِي ، فَرَأى عِنْدَهُ جَماعةً ، فقالَ : صِرْتَ مُناخَ البطّالين ، ثُمّ مضَى ولم يَجْلِس .
ومتى لان المَزورُ طمِعَ فيه الزّائِرُ ، فَأطالَ الْجُلُوسَ فلَم يَسلَم من أذَى .
وقَدْ كان جَماعَةٌ قُعُوداً عِندَ معروف [الكَرْخِي ] فَأطَالوا ، فقال : إنّ مَلَكَ الشّمْسِ لا يَفْتُرُ فِي سَوْقِها ، أفَما تُريدونَ القِيام ؟
وكَانَ داودُ الطّائي يَسْتَفُّ الفَتيتَ ، ويقولُ : بين سفِّ الفَتيت وأكل الخُبْزِ خَمْسين آية .
وكانَ عُثْمان الباقلاّني دَائِمَ الذِّكرِ للهِ تَعالى ، فقالَ : إنّ وَقْتَ الإفْطارَ أحُسُّ بِرُوحِي كأنّهَا تَخْرُج ، لأجْلِ اشْتِغَالِي بالأكْلِ عنِ الذِّكر.
والذي يُعِينُ على اغْتِنامِ الزّمَان : الانفِرادُ والعُزلةُ مَهْمَا أمْكنَ ، والاخْتِصَار على السّلاَم ، أوْ حاجة مهِمة لِمن يَلْقَى ، وقِلّةُ الأكل ، فإنّ كَثْرَتَهُ سبَبُ النَّوم الطّويل وضَياع اللّيْلِ .
ومنْ نظّرَ فِي سِير السّلف وآمَنَ بالْجَزاء بَانَ لهُ ما ذَكَرْتُهُ . اهـ بتصرّف يسير صيد الخَاطِر ص 549 . 550
-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ)) . رواه البخاري وغيره .
قَال الشّاعِرُ لله درّه :
يَا رَفِيقَ الْفِراشِ أكْثَرْتَ نَوْماً ... إنَّ بَعْدَ الْحياةِ نَوماً طَويلاً