تَواضُع الأدَبَاء ( ياقوت الحموي نمُوذجاً )
((... وأنا ، فقد اعترفتُ بقُصُوري فيما اعتمدتُ عن الغايةِ ، وتقصيري عن الإنتهاءِ إلى النّهاية ، فأسألُ النّاظرَ فيه ألا يعتَمِدَ العَنَتَ ، ولا يقصِد قصْدَ من إذا رأى حسَناً ستَرَه وعيباً أظهَرَهُ ، وليتأمّلْه بعين الإنصاف ، لا الإنحراف ، فمنْ طلبَ عيباً وجَدّ وَجَدَ ، ومن افتقدَ زَلَلَ أخيه بعَيْنِ الرِّضا فقدْ فقدَ ، فرَحِمَ اللهُ امرَأً قهرَ هواهُ ، وأطاعَ الإنصافَ ونواه ، وعذرنا في خطأٍ إن كان منّا ، وزلَلٍ إن صدَرَ عنّا ، فالكمالُ مُحالٌ لغيْرِ ذي الجلالِ ، فالمرءُ غيرُ معصوم ، والنّسيانُ في الإنسان غيرُ مَعدومٍ ، وإن عجزَ عن الإعتذارِ عنّا والتصويبِ ، فقد علِمَ أنّ كُلّ مُجتَهدٍ مصيبٌ ، فإنّا وإن أخطأنا في مواضعَ يسيرَةٍ ، فقد أصبنا في مواطنَ كثيرَةٍ ، فما عَلِمْنا في من تقدّمنا وأمّنَا من الأئمّةِ القُدماء ، إلاّ وقد نُظِمَ في سِلْكِ أهلِ الزّلَلِ ، وأخِذَ عليه شيءٌ منَ الخطَلِ ، وهُمُ هُمُ ، فكيفَ بنا مع قصورنا واقتِصارنا ، وصرفِ جُلّ زماننا في نهمةِ الدّنيا وطلبِ المعاشِ ، وتنميقِ الرِّياشِ ، الذي مُرادُنا منه صيانةُ العِرضِ ، وبقاءُ ماءِ الوجهِ لدى الْعَرْضِ ...)).
نقلتُ هذه الدّرة من مقدّمة معجم الأدباء للأديب العلاّمة ياقوت الحموي عليه رحمة الله ج 1 ص 11 .. 12 طبعة دار الغرب الإسلامي ، تحقيق الدكتور إحسان عباس
واختيارُ المرءِ قطعةٌ من عقله تدلّ على تخلّفه أو فضله