أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 30

الموضوع: حديث مع فَنْزَة

  1. #1
    الصورة الرمزية عبد الرحيم صادقي أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    المشاركات : 1,300
    المواضيع : 106
    الردود : 1300
    المعدل اليومي : 0.26

    افتراضي حديث مع فَنْزَة


    قال فنزةُ حكيمُ كليلة ودمنة إن الواتِرَ إذا دنا من المَوْتور فقد عرَّض نفسه للهلاك. صدق فنزة، وإنه لكذلك تكون العاقبة. ألستَ ترى العرب تأخذ بثأرها من الحاكم عند أول سانح؟ ألستَ تراها ترمي عن قوس واحدة؟ صدقتَ يا فنزة صدقت! ألاَ إن الحاكم واترٌ والشعبَ موتور. وُتِر الشعبُ ماله وعرضه وأرضه، وُتر حريته وكرامته، حتى لكأنه غريبٌ والدار دارُه، أو لكأنه عابر سبيل. ولو أجملنا الكلامَ لقلنا وُتر الشعبُ إنسانيته. فليس العربي في حِسْبان الحاكم بهواهُ إنسانا إلا بالصورة والجسد، أما الروح فلا روح له.
    يقول فنزة: "وشر الملوك الذي يخافه البريء، ولا يواظب على حفظ أهل مملكته". أوَمِنْ تبعات الإمارة أن يحافظ الملك على أهل مملكته يا فنزة؟! وكيف يحافظ عليهم وهم عبيده؟ وهل يملكون من الأمر شيئا؟ ما أطيبَك يا فنزة! وما أعظم حُسنَ ظنك بالملوك! أليس من حق ولاة الأمور أن يُصَلِّبُوا من سوَّلت له نفسه حُلماً بعيشٍ كريم؟ أليس من حقهم أن يُقَطِّعُوا أيدي الطامحين وأرجُلَهم من خِلاف؟ أليست الأرضُ أرضَهم والسماءُ سماءَهم؟ فماذا لو دكُّوا الأرض دَكًّا وأسقطوا السماءَ كِسَفا؟ وماذا لو نكَّلوا بالعبيد ورجموا الآبقين؟ أليسوا في مُلكهم والملوك لا يُسألون؟ أم تُراك يا فنزة قد نسيت ما للملوك من حق على الناس؟ أوَفاتك أن تُنْزِلَ الناسَ منازلهم؟ ألستَ القائل إن الملوك يستصغرون ما يرتكبونه من عظيم الذنوب، ويستعظمون اليسيرَ إذا خولفت فيه أهواؤهم؟ أرأيتَ عِظم التَّجَني أيها الطيب فنزة! وهل أزيدُكَ أنَّ الملوك لا يرون للعبيد أهواءً غير أهواءِ ملوكهم؟
    لقد ذكَّرَني رُجحان عقلِك مع طيبتِك بصديقنا بَيْدَبا، فإني تركتُه ينصحُ دبشليم يقول: "إن المُلْك لا يُستطاع ضبطُه إلا مع ذوي الرأي وهم الوزراء والأعوان. ولا يُنتفَع بالوزراء والأعوان إلا بالمودة والنصيحة، ولا مودة ولا نصيحة إلا لذوي الرأي والعفاف". أوَيعفُّ الوزراء والأعوان يا بيدبا؟ تقول أيها الفيلسوف على المَلك أن لا يُوجِّهَ إلى الأعمال إلا من يثق بدينه وأمانته وعفته! وكيف يكون ذلك يا بيدبا؟ وأنى لنا بهؤلاء الوزراء؟ ستقول إن الملوك أحقاء باختيار الأعوان؟ أويكون للملوك أعوان ووزراء حقا؟ لعَمري إنهم بطانة السوء، هم الأفَّاكون المدَّاحون بالليل والنهار. أوَليس قد قال ابن آوى إنما يُقدِم على خدمة السلطان غيرَ هائب رجلان لستُ بواحد منهما: إما مصانعٌ ينال حاجته بفجوره ويَسْلَم بمصانعته وإما هيِّن لا يحسُده أحد! وأنه من أراد أن يَخدُمَ السلطان بالصدق والعفاف غير خالِطٍ ذلك بمصانعته فقَلَّ أن يَسْلَمَ على ذلك!
    ثم مُذ متى اشتفى مَلك من حُبِّ السلطة أيها الحكيم؟ أم تُراك ستذكرُ كلاما يُعجِب الأغْرارَ وتقول "أيها الناس لقد وُلِّيت عليكم ولستُ بخيركم..."؟ ثم تُحدِّث حديثا عُجابا عن أميرٍ يقاضيه راعِي غَنَم! إفكٌ كلامُك يا بيدبا وافتراء، فالناس صنفان: أسياد وأقنان. وأنَّى للقن أن يبلغ معشار سيده؟ والعبدُ راض ما رضيَ سيده، وليس بعدَ الرِّضا غير السخط. لو شئتُ أن أحدثكما، يا فنزة ويا بيدبا، عن عَين الصواب لقلت إن العبد كَلٌّ على مولاه، وهذي الرعية دون ما أراد الملك. فإنها لا تُحْسِن الصنعَ ولا تَجِدُّ في الطَّلَب ولا تَحُثُّ الخُطى، وإنها فوق ذلك تُنكر صنائعَ المعروف. ستقول يا فنزة: "إن المُكرَه لا يستطيع المبالغة في العمل"، بل هو الكفران والجحود، ولبئس الخُلق! أم تُراك ستقول إن الناس على دين ملوكهم؟
    كذلك ستُحَدِّثُك روحُ المَلِك الخبيثة يا فنزة فاعجبْ حينها أو لا تعجب!
    فلَكَ الله أيها العربي، أيُّ غبراء تُقِلُّك؟ وأيُّ خضراء تُظلُّك؟ وأنت أيها الحاكم بهواه على رِسْلِك! أيُّ شهوات تكفيك؟ وأي أهواء تملأ جوفَك؟ لكَ النساءُ والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، لك الخيل المُسوَّمَة، لك الأنعام والحرث، لك ما ينوء بالعصبة أولي القوة. فأيُّ شَرَه وأي فضاضة؟ أي نَهم وأي نذالة؟ طفح الشَّيْنُ على الشَّين، وفوق الضُّرِّ ضُرٌّ. ولأنت الآن الصادق يا فنزة! لعَمري ما أصدقك وأنت تخاطب المَلك قائلا: "ومَثل الحاكم مَثل من لم يُقَدِّر لُقمته فعظَّمَها فوق ما يسَعُ فوه، فربما غصَّ بها فمات". والسلطة لقمة الحاكم التي غصَّ بها فلقيَ حتفه، ومنهم مَن ينتظر. ولأنت الصادق في قولك إن الأحقاد مَخوفَةٌ حيث كانت، وأخوفُها وأشدها ما كان في أنفس الملوك.
    فواعجباً لحاكم ينتشي من حُكمِه ويهيم به حبا حتى يصلَ حبُّه حدَّ الوَلَه! واعجباً لمخلوق يرى الجاهَ مُلكاً بِجوْرٍ على أُبَّهَة وزينة! ما أحمقَ المَلِك حين يَرْفُلُ في متاع لا يدوم! ويا خُسْرانه حين يُوَلِّي ثانِيَ عِطْفِه ليُضِلَّ عن سبيل الله! وما أحقرَه حين لا يُقَدِّرُ الأمانة حقَّ قَدْرِها!

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد الرحيم صادقي ; 23-05-2011 الساعة 01:21 AM سبب آخر: شكل كلمات

  2. #2
    الصورة الرمزية محمد ذيب سليمان مشرف عام
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 19,255
    المواضيع : 522
    الردود : 19255
    المعدل اليومي : 3.70

    افتراضي

    يا لله ما أجمل ما قدمت لنا

    كان صباحا مشرقا بالنور والحكمة هذا اليوم حين وجدت نفسي

    في روضتك الغناء هذه المليئة بهذه الحروف المنتقاة ولا أظنني بعد

    هذا بعيدا عن اسمك وحرفك

    بل واين الملوك من هذا الوهج الذي لو قرأوه وعلموه وعملوا به لصحت

    اعوجاجات كثيرة وربما صلحت اعمالهم

    سيدي كل الكلمات لا تفي نصك معشار قيمته

    وركت ايها الرائع

  3. #3

  4. #4
    الصورة الرمزية عبد الرحيم صادقي أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    المشاركات : 1,300
    المواضيع : 106
    الردود : 1300
    المعدل اليومي : 0.26

    افتراضي

    الأستاذ محمد ذيب سليمان، بارك الله فيك. صباحك نور وخير وإشراق. شكر الله لك اهتمامك وتشجيعك. إطلالتك تسعدني، حياك الله وأدام لك السرور.

  5. #5
    الصورة الرمزية عبد الرحيم صادقي أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    المشاركات : 1,300
    المواضيع : 106
    الردود : 1300
    المعدل اليومي : 0.26

    افتراضي

    الأخت أماني سلمك الله وبارك فيك. نسأل الله أن نكون عند حسن الظن. شكر الله لك تقديرك لبعض ما نفث الصدر ألما وأملا. وفقك الله ونلت المبتغى.

  6. #6
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    شكرا لك أستاذنا عبد الرّحيم على ما تتفضّل به من جمال وفصاحة ومتانة لغة وصواب فكر و سلاسة أسلوب
    فواعجباً لحاكم ينتشي من حُكمِه ويهيم به حبا حتى يصلَ حبُّه حدَّ الوَلَه! واعجباً لمخلوق يرى الجاهَ مُلكاً بِجوْرٍ على أُبَّهَة وزينة! ما أحمقَ المَلِك حين يَرْفُلُ في متاع لا يدوم! ويا خُسْرانه حين يُوَلِّي ثانِيَ عِطْفِه ليُضِلَّ عن سبيل الله! وما أحقرَه حين لا يُقَدِّرُ الأمانة حقَّ قَدْرِها!
    فعلا واعجبا ... والويل للحاكم الغافل الطّاغي الخائن يوم وقوفه بين يديّ القاضي المنصف ليسمع الحكم العادل
    تقديري وتحيّتي

  7. #7
    الصورة الرمزية عبد الرحيم صادقي أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    المشاركات : 1,300
    المواضيع : 106
    الردود : 1300
    المعدل اليومي : 0.26

    افتراضي

    الشكر لك أختي كاملة على الاهتمام والمتابعة. ماذا عسانا نقول في حكام ابتلانا الله بهم؟ حسبنا الله ونعم الوكيل. حياك الله أختي وأدام لك السرور.

  8. #8
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    المشاركات : 6,061
    المواضيع : 182
    الردود : 6061
    المعدل اليومي : 0.91

    افتراضي

    فواعجباً لحاكم ينتشي من حُكمِه ويهيم به حبا حتى يصلَ حبُّه حدَّ الوَلَه! واعجباً لمخلوق يرى الجاهَ مُلكاً بِجوْرٍ على أُبَّهَة وزينة! ما أحمقَ المَلِك حين يَرْفُلُ في متاع لا يدوم! ويا خُسْرانه حين يُوَلِّي ثانِيَ عِطْفِه ليُضِلَّ عن سبيل الله! وما أحقرَه حين لا يُقَدِّرُ الأمانة حقَّ قَدْرِها!




    السلام عليكم
    ربما كانت هذة طبيعة البشر
    الكل يريد أن يصادر حياة الكل بالقسوة والشدة والقوة ,إلا من شاء لهم الله أن يكون العدل والسماحة وبعض الزهد في دمائهم
    في وسط العائلة الواحدة ترى من يريد أن يصادر إرادة اللآخر ويسيره على هواه
    لذلك,,, لتحيا المعارضة, وحق المعارضة دائما
    ليس مثل المعارضة تستطيع أن تعيد التوازن للإنسان الطامع دائما بما ليس من حقه
    أشكرك أخي عبد الرحيم
    كل مواضيعك مهمة وتستحق القراءة
    كن بخير
    ماسة

  9. #9
    الصورة الرمزية عبد الرحيم صادقي أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    المشاركات : 1,300
    المواضيع : 106
    الردود : 1300
    المعدل اليومي : 0.26

    افتراضي

    وعليكم السلام أختي فاطمة.
    هو كما قلت: ليس مثل المعارضة تستطيع أن تعيد التوازن للإنسان الطامع دائما بما ليس من حقه.
    إنه دفاع الناس بعضهم ببعض، تلك سنة الحياة التي جعلت الحق يصدر عن مدافعة.
    شكرا لك وحياك الله

  10. #10
    الصورة الرمزية زهراء المقدسية أديبة
    تاريخ التسجيل : Jun 2009
    المشاركات : 4,596
    المواضيع : 216
    الردود : 4596
    المعدل اليومي : 0.85

    افتراضي

    فوا عجباً لحاكم ينتشي من حُكمِه ويهيم به حبا حتى يصلَ حبُّه حدَّ الوَلَه!

    واعجباً لمخلوق يرى الجاهَ مُلكاً بِجوْرٍ على أُبَّهَة وزينة!

    ما أحمقَ المَلِك حين يَرْفُلُ في متاع لا يدوم!

    ويا خُسْرانه حين يُوَلِّي ثانِيَ عِطْفِه ليُضِلَّ عن سبيل الله!

    وما أحقرَه حين لا يُقَدِّرُ الأمانة حقَّ قَدْرِها!




    حروفك درر تستوقفنا دوما ومطولا
    بوركت وبورك فكرك ونبضك

    تقديري الكبير للأديب الكبير
    ـــــــــــــــــ
    اقرؤوني فكراً لا حرفاً...

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. مَوْعُدٌ مَعَ السَّحابْ
    بواسطة عبدالملك الخديدي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 32
    آخر مشاركة: 28-10-2014, 10:27 AM
  2. معَ ابْنِ تيْميةَ في سجن القلعة..
    بواسطة د. مصطفى عراقي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 60
    آخر مشاركة: 12-12-2013, 01:23 PM
  3. وحدي معَ رب الكون
    بواسطة ريمة الخاني في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 25-07-2008, 04:40 PM
  4. تقرير حول أُمسية أشبال ملتقى رابطة الواحة الثقافية معَ التسجيل
    بواسطة نزار الكعبي النجفي في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 19-03-2006, 09:40 AM